شوكي رئيس الفريق النيابي للأحرار: التاريخ السياسي لبلادنا لن ينسى لحكومة أخنوش بصمتها الاجتماعية العميقة    حجيرة: الحكومة عززت نمو الاقتصاد الوطني وطورت نتائج السياسات القطاعية رغم الأزمات    "إذا هوجمت رفح، لن يكون لدى نتنياهو ما يقدمه في إدارته للحرب" – الإندبندنت    تفكيك عصابة الصيد غير المشروع بالناظور    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    ميارة يطلع مدير منظمة العمل الدولية على مكتسبات المغرب في المجال الاجتماعي    رغم تراجع ظاهرة إل"نينيو".. تسجيل درجات حرارة قياسية حول العالم في أبريل الماضي    الذكرى 21 لميلاد مولاي الحسن.. مسار أصغر ولي عهد في العالم من المدرسة المولوية إلى الأنشطة الملكية    دالاس.. تسليط الضوء على مؤهلات المغرب، القطب الاستراتيجي للاستثمار في إفريقيا    الزمالك المصري يعترض على حكام "الفار" في نهائي الكونفدرالية الإفريقية أمام نهضة بركان    زياش يقرر رسميا البقاء في نادي غلطة سراي التركي    شوكي: عزيز أخنوش نجح في تحقيق الانتقال الاجتماعي تحت القيادة الملكية بعد الانتقال الديمقراطي    ناجية من حادثة التسمم بمراكش تروي تفاصيل الواقعة وليالي المستشفى العصيبة (فيديو)    في كلمة مثيرة للجدل.. الرميلي تدافع عن موظفة رفض امهيدية تزكيتها    إيقاف سائق "تريبورتور" متهور عرّض حياة الناس للخطر بالبيضاء    زمن الجراح.. من الريف السامق إلى الحوز الباسق    تتويج إنتاجات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بالجوائز الكبرى لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    زنيبر.. مجلس حقوق الإنسان دعا دائما إلى تعزيز دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    مجلس النواب يعلن استقالة النائب عن دائرة الفقيه بن صالح محمد مبديع    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة وانتشال 49 جثة من مجمع الشفاء في غزة    حقيقة انفصال صفاء حبيركو عن زوجها    1.5 مليون شاب مغربي لا يعملون ولا يدرسون.. الشامي: رقم مقلق    المغرب يزيد من طاقة إيواء السجون ب 5212 سريرا في إطار أنسنة ظروف الاعتقال    أسترازينكا تسحب لقاحاتها من الأسواق    منصة "إفريقيا 50" تشيد بالتزام المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس لفائدة التنمية بإفريقيا    الاتحاد العام للشغالين بالحسيمة يشرف على تأسيس مكتب نقابي لأصحاب سيارات نقل البضائع    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    الحرارة تتجاوز المعدل الموسمي بالمغرب    محاضر جرائم الأموال تؤرق مسؤولين ومنتخبين بتطوان    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    شهر ماي ساخن: تصعيد واسع للجبهة الاجتماعية ضد الحكومة : إضرابات، وقفات واحتجاجات للعديد من القطاعات دفاعا عن مطالبها المشروع    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    سلا تشهد ولادة عصبة جهوية للألعاب الإلكترونية    لوحة الجمال والعار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    منتخب الصغار يواجه كرواتيا وإنجلترا وأمريكا    2026 هو موعد تشغيل محطة تحلية المياه بالدارالبيضاء    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    الركراكي مدربا جديدا لسريع واد زم    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    نور الدين مفتاح يكتب: ثورة الجامعات    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هشام جعيط أسئلة التاريخ ، الحداثة والشخصية العربية..
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 10 - 06 - 2011

لم يكن غياب المفكر التونسي الكبير»هشام جعيط» ذريعة لتأجيل الندوة الفكرية المخصصة لأعماله. ولم يكن الجو الماطر عائقا أمام الطلبة والمثقفين والجمهور لحضور أشغال الندوة، كما لو كان «هشام جعيط» حاضرا بيننا، أو على الأقل لم يكن غيابه سوى دفء للحوار والنقاش حول القضايا والموضوعات التي طرحت في الندوة. صحيح أن شعبة الفلسفة تعودت منذ تدشينها على هذا التقليد الفكري والعلمي الجامعي، والمتمثل في تكريم مفكر من المفكرين العرب، الذين لهم أثر كبير في الراهن الثقافي العربي عبر حضورهم الرمزي، أي عبر إنصاتهم لمداخلات الأساتذة الباحثين، وعبر رأيهم وتعليقهم على الأسئلة العالقة أو على الأقل التفكير فيها مستقبلا، لكن ندوة اليوم 26/05/2011 شذت عن القاعدة التي دأبت شعبة الفلسفة على ترسيخها. لهذا كانت الندوة في الموعد، وكانت الشعبة ملتزمة- كعادتها- بتأثيث قاعة المحاضرات بدفء فلسفي مدهون بالتاريخ، لكن ما الذي جعل شعبة الفلسفة تختار مفكرا ينتمي إلى حقل التاريخ؟ أو بالأحرى، أليست الفلسفة ? في راهنها- بوصلة لمساءلة كل ما تلتقطه، أو ما يدور حولنا في الفضاء العمومي، كما في العلم، والسياسة، والتاريخ؟ أليس التاريخ جسرا لا محيد عنه في الفلسفة؟
لقد اختارت الشعبة عنوانا لهذه الندوة في صيغة: « التاريخ والتقدم»، لنتأمل هذا العنوان الظاهر على ملصق الندوة، كما لو كان العتبة الأولى التي تدخلنا إلى هشام جعيط، أليس التاريخ مقرونا بالتاريخ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن التأريخ ممارسة فكرية تربط الماضي بالحاضر والعكس صحيح تماما، كما لو كانا مرآتين تتراءيان، من هنا يبدأ السؤال الفلسفي الذي يبدو أنه سؤال يضع التقدم موضوعا له، وهذا الأخير يفترض نقيضه: «التأخر»، الفلسفة إذن محاولة للتفكير في التاريخ وفي التقدم، واستشكال للعلاقة القائمة بينهما، ومساءلة لها. إنها تسائلها من خلال المفكر التونسي «هشام جعيط» على طول اليوم. ثلاث جلسات بمعدل تسع مداخلات، بالإضافة على المناقشة. وقبل بداية الجلسة الأولى، كان الافتتاح بحضور عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك، الأستاذ «عبد المجيد القدوري» ومنسق الندوة. الأستاذ عبد الإله بلقزيز.
في حدود الساعة العاشرة صباحا امتلأت قاعة المحاضرات عن آخرها. الأستاذ «عبد الحميد العقار» كان رئيسا للجلسة الافتتاحية، الذي قام بتقديم الندوة، والأهمية التي يحتلها المحتفى به، وأكثر من ذلك قام بتلاوة بعض من الفقرات (نصوص) لهشام جعيط، كأن رئيس الجلسة يهيء استئناس القاعة بهذه النصوص الدالة. وكأي جلسة افتتاحية تقدم عميد الكلية بكلمة تفتح نوافذ أخرى على هشام جعيط من قبيل أن هشام جعيط كمؤرخ استثنائي في العالم العربي دشن مشروعه- منذ الوهلة الأولى- بمرحلة تأسيس الذات العربية، مرحلة ظلت مهيمن عليها من طرف التقليد الأرتودوكسي العربي أو التقليد الاستشراقي. إنها المرحلة الأولى في الإسلام.
لقد انفرد بمقاربة علمية رصينة، ميزته عن باقي المقاربات الأخرى، وهذا ما يسجله «عبد الله العروي» في بعض الإشارات التي أشار إليها عنه من قبيل: « وصلت متأخرا إلى فندق المحمدية، دخلت قاعة المحاضرات، ووجدته يلقي محاضرة، استولت علي طريقته في الإلقاء وأسلوبه إلى درجة أصبحت معها لا اهتم بالمضمون». إنها شهادة من مفكر لا يعرف المجاملة بل لا يعرف حتى الحديث عن مفكرين آخرين بنوع من المحاباة، وقد ربط عميد الكلية فك «هشام جعيط «بالمرحلة التاريخية التي أسسته، فهو من مواليد 1935، أي إنه رجل عاش مرحلتين، ولأنه كذلك فإن أسئلة هذا المفصل بين المرحلتين ظلت حاضرة عنده، كأفق للبحث والتنقيب والمساءلة.
بعد ذلك تدخل الأستاذ عبد الإله بلقزيز (منسق الندوة)، مشيرا إلى أهمية هذا المفكر، مبينا ذلك في المسؤولية العلمية التي يتصف بها الرجل، وجدة أسئلته، وتمثله العميق للثرات العربي، وللمناهج العلمية الحديثة، وإتقانه لمجموعة من اللغات، بالإضافة إلى ميزات يصعب حصرها، بل أكثر من ذلك، كما يقول منسق الندوة: « لو لم يكن هشام جعيط مؤرخا لقلنا إنه قدم ما لم يقدمه غيره في تاريخ دراسة الإسلام». ولأن الأمر كذلك فقد حاول الأستاذ « بلقزيز» الإحاطة بهذا المفكر في ثلاثة مستويات: أولها كون هشام جعيط داعية نهضوي حداثي، وثانيها ناقد للمعرفة الغربية (الاستشراق على وجه التخصيص) وثالثها هشام جعيط المؤرخ الذي يعتبره رفقة عبد الله العروي وجهان بارزان في فكرنا المعاصر، لأنهما استفادا من المدرسة الفرنسية في التاريخ كما نهلا من المجالات العلمية الأخرى بحس نقدي يقظ، وهذا ما يمكن من وصفه حسب الأستاذ «بلقزيز» بالعلامة، العلامة والمفكر، السادس في سلسلة الندوات التي أقامتها شعبة الفلسفة.
د. فتح الدين عبد اللطيف:
الشخصية العربية وسؤال المصير
انطلقت الجلسة الأولى برئاسة الأستاذ «عبد الله ساعف» الذي ذكر الحضور بأهمية هذا المفكر عبر إشارات برقية تفيد العلاقة التي ربطته به، أي من خلال التقائه ?به- في مجموعة من الندوات الفكرية والعلمية، بيروت، باريس... بعد ذلك أعطى الكلمة للأستاذ «عبد اللطيف فنح الدين» ? رئيس الشعبة- الذي خص مداخلته لأحد أهم القضايا التي اشتغل بها «هشام جعيط» من خلال كتابه: «الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي» مفترضا مجموعة من الأسئلة كمفاتيح أو مداخيل تضيء الإشكالات الفكرية التي يقترحها هذا المفكر من قبيل: ما هي المعالم الكبرى لهذا المشروع الفكري؟ وما هي المقدمات التي يضعها جعيط للنهوض بالواقع الفكري الإسلامي؟.
من هنا يشير الأستاذ المتدخل إلى شساعة المجال الذي يتحرك فيه «هشام جعيط» علميا، واستفادته من المنجز الفلسفي (ميرلوبونتي، هيجل، هوسرل...) وعلم الاجتماع، مع تنوع في المفاهيم، وانفتاح على الفكر الحدسي التأملي. كل هذا يقدمه جعيط بأسلوب فلسفي صارم، وبمنهجية علمية محققة.
إن الأطروحة المركزية التي يقدمها «هشام جعيط» تنم عن مسؤولية تاريخية، متمثلة في كيفية تنمية البلدان العربية، مقترحا سبيلا لذلك توافق ممكن بين الدولة والبورجوازية. لكن ما الذي تفيده الشخصية العربية في الراهن العالمي؟ وما الأفق الذي تفتحه مصيرا أما العالم العربي؟
نحن إذن في تماش مع مفهوم الهوية، كمفهوم يشحذ الخصوصية في علاقتها بالكونية، ويثير سؤال الزمن والتاريخ على نحو أصيل، إذ أن الشخصية العربية الإسلامية- حسب جعيط- ليست مجرد هوية محلية، بل إنها جوهرية كونية تتأسس على تجربة النبوة، كتجربة في الوعي، كما أن ازدواجية هذه الشخصية وتأرجحها بين الحداثة والأصالة ليس علامة على التمزق بقدر ما هو مشتمل للغنى والإثمار مشددا على الطابع الكوني في الحداثة.
ذ. محمد الغيلاني: المشروع الإيديولوجي في فكر «هشام جعيط»1
سارت هذه المداخلة في طريق المداخلة الأولى، خصوصا الكتاب الذي تمت قراءته. لكن قراءة الأستاذ «الغيلاني» اتجهت في منحى آخرا، متمثل في الكشف عن المشروع الأيديولوجي الذي يؤسس وينظم فكر جعيط، وإن كان لا يصرح به، بمعنى ? حسب الأستاذ المتدخل- أنها أيديولوجيا واعية مؤطرة علميا (سيكولوجيا وتاريخيا)
يحدد هذا المشروع في أربعة مستويات وهي: وظيفة الدين في مشروع الرجل، وأسس الدولة، ونقد أدوار المثقف وطرح بدائل للمشروع الأيديولوجي.
توقف الأستاذ عند هذه النقط الدالة محاولا تبيان جرأة هذا المفكر، ليس فقط في تصوره للدين بل كذلك فيما يسمى عادة بالإصلاح والتحديث. إنهما لا يستقيمان إلا بإصلاح ديني يكون فيه الواقع الدنيوي اختبارا له، عبر طرد المحافظين- التقليد الأرتودوكسي- من هذا التوجه، إنه ينزع نحو علمانية يكون طريقها معبدا بتحرير الدين من الفقهاء، ومن رجال الدولة، إنها علمانية مفتوحة ومتحررة.
ذ. عبد العالي معزوز: في نقد المعرفة الغربية للإسلام
استهل الأستاذ معزوز مداخلته بالتساؤل حول هذا الزوج التاريخي والجغرافي والمفهومي... الشرق- الغرب، معتبرا أنها حكاية يطول شرحها. لكن هل هي حكاية صراع وخصام؟ أم حكاية سوء تفاهم؟ أم هي قصة تشويه متبادل؟.
يفسر كل حكاية من خلال أحد مفكري الغرب الذين روجوها ككريستيان دولاكومباني، الذي رأى الإسلام دينا متسامحا، أنتج الإسلاموية نظرا لمسلسل من الفشل المتنوع، وبرنار لويس الذي ذهب إلى أن هناك علاقة ضدية بين الإسلام والغرب لأن الإسلام يتنافى مع المسيحية التي هي الخلفية الثقافية للغرب، والتي تفصل الديني عن الدنيوي، والتي أجرت الإصلاح الديني اللازم، ونورمان دانييل، الذي كان معتدلا في قراءته حيث فكر في الصور النمطية التي بناها المتخيل الإسلامي عن المسيحية، والمتخيل المسيحي عن الإسلام، ويرجع ذلك في نظره إلى سوء التفاهم الذي تراكم بينهما بسبب الخيال والتشويهات. في حين يتخذ «هشام جعيط» موقفا آخر ينم في تفكيكه لهذا الزوج المتكئ على حكاياه، عن موقف أكثر جرأة حيث يقوم على الفصل بين إسلام وإسلام، وبين أوربا وأخرى، أي بين أوربا تاريخية استعمارية متمركزة على ذاتها، ومتسيدة وبين أوربا كونية إنسانية، متنورة.
ذ. موليم العروسي : أوربا والإسلام
أعلن الأستاذ «موليم العروسي» ? في بداية مداخلته- أن قراءته لهشام جعيط تستند إلى كتاب واحد هو «أوربا والإسلام». أي انه سيكون قارئا لنص يحمل آلياته، وإوالياته النظرية، وإن كان لا يتوقف عندها إلا لتعرية اللاشعور النصي الذي يختفي في البياضات، مثلما يحتجب في العنوان. إنها قراءة لا تقدم الكتاب بقدر ما تصدمه قراءة تروم النص كما هو، أي في البنيات العميقة التي لا تنقال كأن الأستاذ يحمل المطرقة لهدم ما نعتقده بناءا، وبين ما نعتقده هدما، متسائلا في البداية عن الالتباس الحاصل في البداية، وفي العنوان. فهشام جعيط يتحدث عن أوربا والإسلام بصيغة الجمع بينما هو يتحدث عن علاقة فرنسا والمغرب العربي، وهي علاقة مدفونة في التاريخ المتبادل، ليس فقط من حيث ما يقوله التاريخ، بل من المتخيل الذي ينتجه كل طرف، كأنه مفعول لهذا التاريخ.
يأخذ الأستاذ المتدخل جملة من الأمثلة التي يقدمها هشام جعيط كالتصور اللاهوتي الشعبي الذي هيمن على المتخيل الأوربي في القرون الوسطى، أي في نظرته للإسلام وعلى نبيه على وجه التخصيص مثلما يضع التصور الأنواري للشرق الحامل لأجندة استعمارية، لكن ما الذي يضع هشام جعيط يدرس الاستشراق؟ أليس الأمر آلية دفاعية عن الإسلام، وطلبا لا شعوريا لفرنسا كي تعيد النظر في تصورها لمنطقة المغرب العربي. سؤالان يندفعان نحو أوربا ذاتها، نحو فرنسا، ذلك أن مجالها الجامعي والثقافي لا يهتم بما يسمى استشراقا، وحتى وإن كان فهو قليل جدا. وهنا تظهر المفارقة التي يستخرجها الباحث من كتاب «هشام جعيط»، مفارقة ظلت هامشية، أو مهمشة، لأنها صادمة كأن المفكر العربي يهتم بالإستشراق ويتخذه موضوعا لدراسته في سبيل تنقيته من عدائيته، ومن تصويره المشوه للإسلام، رغبة من هذا المفكر أو ذاك تصحيح هذه الرؤية، وإذا كان الأمر كذلك فإن وجه المفارقة الثانية يكمن في زرع الروح الشرقية في الحداثة الأوربية.
الجلسة الثانية:
ترأس هذه الجلسة ذ. موليم العروسي الذي حاول ربط الندوة بسياقاتها الراهنة وبالأسئلة التي تحضنها، والأسئلة التي تستشرفها، كما قام بتأثيث منصة القول عبر اختيار « د. محمد الشيخ»، ثم «توفيق رشد» وأخيرا «عبد المجيد جهاد».
محمد الشيخ: عوز الثقافة العربية الإسلامية
عودنا «ذ. محمد الشيخ» في انطلاقة موضوعه عبر تنويره بإشارات جميلة تدفع متلقيها للسير خلفها، والبحث على فوارقها وفواصلها، كما الربط بين محمد عبد الوهاب وكانط من حيث زمنهما الواحد، كان العلاقة تلك، تفيد سخرية، من الأعطاب المركبة التي يعيشها العالم العربي، محاولا النظر إليها وسائلا أسئلة وأطروحات هشام جعيط موضوعة الأعطاب، يشير إلى تلك الأعطاب بالعوز عوز في كل شيء، عوز المثقفين والفقراء، عوز الثقافة والمجتمع، وما تبقى يليق بقياس العوز.
إن العوز في الثقافة الإسلامية كما يقول ذ. الشيخ بين في التاريخ الحديث، ولأنها كذلك تتميز بغياب أسس قوية تقوم عليها، بالإضافة إلى سيادة الجهل والأنظمة الاستبدادية وعدم وجود طبقة ثرية تنهض بالأدب.
إنها ثقافة، تلاشى بريقها إلى حد انحطاطها بعد أن كانت كونية، وإذا كان الأمر كذلك، فما العمل؟ يقترح صاحب «أوربا والإسلام» بوضوح ركوب قطار التاريخ عبر الانخراط في الحداثة الكونية، وهذا لا يتأتى إلا بممارسة نقد ذاتي على الثقافة الإسلامية، لكن لماذا انصب مشروع «هشام جعيط» على الثقافة الإسلامية بربطها بالأزمة؟ أليس بالأحرى ?يقول المتدخل- الحديث عن أزمة اقتصاد أزمة سياسية...؟ يعتبر «هشام جعيط» أن الثقافة هي أساسا الثورة العربية أي أساس التنوير والحداثة وهذا القياس مطروح في تاريخ أوربا، ذلك أن هذه الأخيرة عرفت تقدمها انطلاقا من الثورة الثقافية التي شاع تأثيرها على المجالات الأخرى... فهل نستطيع ببناء مشروع ثقافي عربي إسلامي؟ يرى هشام جعيط استحالة الخروج من هذه الأزمة راهنا، بينما سيظل السؤال قائما في نظرنا...
ذ. توفيق رشد:
العرب وميتافيزيقا الهوية
ليس هذا هو عنوان مداخلة ذ. توفيق رشد ولأن قراءته تتماشى مع المنفلت من سؤال الندوة، التاريخ والتقدم، فالقراءة هنا لا تحصر إطارها في كتابات «هشام جعيط» بل تلتقط إشاراته البرقية من قبيل الحداثة الأسيوية ما يعني ذلك؟ صحيح أن «هشام جعيط» يشير في كتابه «أزمة الثقافة العربية الإسلامية» أثناء حديثه عن الحداثة، نبرز أن الحديث عنها هو حديث كوني، وليس المقصود به الحداثة من حيث المحدد الجغرافي، مثلما الحديث عن الآخر وربطه بالغرب.
يتوقف «ذ. توفيق رشد»عند نوع من المقاربة بين العالم الآسيوي والعالم العربي معتبرا أن اليابان انطلقت كقوة منذ بدايات القرن الماضي عبر خلخلتها لميثافيزقيا الهوية أي عبر عدم السقوط في هاوية الهوية.
إن ثنائية التقدم / التأخر هي التي تشكل راهننا العربي عبر رؤية العرب أنفسهم في مرآة الأخر المتقدم، وكأن قياس التأخر يفيد مرآة الآخر، هذا الآخر الذي ليس هو الغرب الأوربي بل كذلك الصين واليابان، كيف ذلك؟
يحاور «ذ.توفيق رشد» «هشام جعيط» في هذه النقطة محاولا الكشف على ما تخفيه وما يستره هذا الزوج (التقدم / التأخر) ذلك أنه إذا كانت اليابان متأخرة في بداية القرن الماضي، وإذا كانت تأكل من المخزون الصيني، وإذا كانت قوة عسكرية، فإنها كانت متأخرة على ما سواها من العالم الأوربي، لذا سيتم الإصلاح عبر الانخراط في الكوني، حيث أن الياباني يحدد وجوده من الكوني أولا، فالعالم هو المنطلق الأول لوجوده، وهكذا ينتقل إلى القارة ثم إلى البلد تم حيه فبيته وهكذا... إن هذه النظرة هي سر اليابان- كما يرى المتدخل- أي إنها نظرة سارية بعيدة عن منزلق الهوية. فحداثة اليابان هي انخراطها في الحداثة الكونية، انخراطها في الديمقراطية في بعدها الكوني الذي يرتكز على التقنية، فسؤال تقدم اليابان كما يطرحه «ذ. هشام جعيط» يمسنا في صميم هويتنا. ولا مناص إذن من هذا الانخراط كما يرى «هشام جعيط» و»العروي وأركون» عبر التحرر من أوهامنا وأعطابنا المتعددة.
ذ. عبد المجيد جهاد:
حفريات في تاريخ الكوفة
تنخرط مداخلة ذ. جهاد في إضاءة موضوعة الندوة بتخصيص أطروحة «هشام جعيط» حول الكوفة منطلقا من مداخل تلزم الدخول إلى هذا العمل العلمي للمحتفى به واعتبارا لهذا الأخير كما لو دشن منطقة جديدة في كتابة التاريخ محاولا ربط هذا التدشين باجتهادات مؤرخين آخرين كعبد العزيز الدوري وإن كان سياق هذا الأخير يختلف عن التعدد المرجعي للأول، كالأنتروبولوجيا والسوسيولوجيا... كما أن ميزة هذا الكتاب المراد تقديمه تتمثل في تفرده بدراسة أهم الحواضر العربية القديمة عبر الوثيقة والآثار، محاولا الرد على المستشرقين الذين يقومون بنفي صفة التمدن من الحضارة الإسلامية.
كما أن جعيط لا يربط مدينة الكوفة بكونها معسكرا للفاتحين، يعتبرها مدينة تتميز بجميع خصائص المدن الكبرى في ذلك العصر سواء من الجانب الاقتصادي أو العمراني أو الثقافي... وأن شكلها العام يشير إلى كون بنائها تم داخل نظام عقلاني ويعتبر المتدخل أن قراءة الكوفة بالطريقة التي يقدمها جعيط، تدفع قارئها إلى اعتبارها مدينة معاصرة أو بالأحرى مدينة تسكننا.
الجلسة الأخيرة:
ترأس هذه الجلسة «ذ. المختار العبدلاوي» والذي أشار إلى الموضوع الأخير من هذه الندوة، موضوع مخصص لكتاب «هشام جعيط» الموسوم ب»دراسة تاريخ الإسلام وتاريخ النبوة من منطلق المقدس الديني» محاولا وضع المداخلتين في ميزان الأسبقية أي لمن سيعطي الكلام وبطرافته أو من طرافة الكلمة أعطى الكلمة للأستاذ «الصادقي».
ذ. أحمد الصادقي: السيرة النبوية وامتداداتها
تتخذ هذه المداخلة من كتاب «هشام جعيط» حول السيرة النبوية موضوعا للقراءة كيف تعامل الباحث مع هذا النص؟ بمعنى كيف يواجه رجل الفلسفة التاريخ؟ ثمة علاقة بين الفلسفة والتاريخ، فالتاريخ رفيق الفلسفة إن لم نقل التاريخ نفسه فلسفة، ولأن هشام جعيط كما ذكر الجميع المتدخلين، يشتغل بالتاريخ بشكل منفتح على الفلسفة والعلوم الإنسانية الأخرى، وإذا افترضنا ذلك فالأستاذ المتدخل يعتبر أن الكتاب المراد قراءته ينتمي في العمق إلى الفلسفة.
هنا يبدأ بتحديد كلام الوحي باعتبارها كلاما مزدوجا داخلي وخارجي، فالوحي حين ينطق بضمير داخلي يكون ضميرا نبويا في حين يعتبر ضميرا إلهيا حين يكون خارجيا، ويمارس هشام جعيط نقدا مزدوجا فهو من جهة، يعيب عن الاستشراق المعاصر كونه بعيد عن الصرامة التاريخية كما يعيب على المسلمين خجلهم من جهة ثانية، ويحدد الباحث المنهج الفينومينولوجي لكشف التقليد وإن كان يواجه موضوعة الوحي المتعالية على التاريخ.
ذ. نبيل فازيو:
هشام جعيط والإسلام المكي
واضح من عنوان مداخلة آخر المتدخلين في هذه الندوة ? المجال الذي فتحه لإضاءة أحد أهم القضايا التي أثارها هشام جعيط، والتي شكلت اهتماما فائقا من لدن المهتمين بتاريخ الدعوة المحمدية. لقد فتح الأستاذ مجموعة من الأسئلة والفرضيات لتأطير هذا النص/الكتاب. ليس فقط من حيث فرادته وندرته والمنهج الذي درس به، بل في إيجاد نوع من الحوار الخفي بين هشام جعيط وبعض المستشرقين الذين اشتغلوا على نص الموضوع. إن هنا الكتاب بجزأيه ليس من عمل فرد بل هو ? كما يترآى للوهلة الأولى- لفريق عمل. هنا يمكن استعارة ما قاله الأستاذ عبد الإلاه بلقزيز في افتتاحية الندوة أن هشام جعيط علامة. بمعنى أن هذا الأخير باحث من العيار الثقيل. لكن ما الذي يدفع هذا «العلامة « على الاشتغال بمرحلة محددة في تاريخ الإسلام، خصوصا وأن المكان الذي قامت فيه الدعوة هو مكان مأهول بالديانات الأخرى؟ لذا، ستكون رسالة محمد تسير وفق ما هو رمزي وما هو وجودي. سيشكل القرآن مصدرا أساسيا للبحث التاريخي في هذه المرحلة وإن كانت اعتراضات تعترض المحتفى به من قبيل كيف يكون النص المقدس كنص يروم إلى ما هو روحي وعقدي وثيقة تاريخية، تلتزم التمحيص والتدقيق والمقارنة. إن هذه الاستراتيجية التي سار عليها جعيط تنم عن تأزيم الخطاب الأورتودوكسي الإسلامي الاستشراقي، الشيء الذي دفعه إلى التحرر منهما كسبيل لإضاءة مرحلة ظلت مسكونة بالخيال والأساطير وما إلى ذلك. القرآن إذن هو النص الثابت، النص الذي لا يروي الروايات فحسب بل إنه يثبتها.
ولأنه كذلك فهو المصدر للمرحلة المكية، أي أن دراسة هذه المرحلة لا تستقيم إلا من داخل النص القرآني، فهذا النص يسير وفق هذه المرحلة وإن كان لا يتحدث عن طفولة النبي إلا من حيث يتمه و علاقته بالمشركين، لكن ثمة وقائع لم يتحدث عنها كرحلته إلى الحبشة والطائف. فإذا كان القرآن ترك فراغا حول طفولة النبي، فإن كتب السير ملأتها بصور مختلفة عبر تغذيتها بالخيال، هذا المتخيل الذي شكل شهية المستشرقين، الشيء الذي أقاموا عليه صورة قاتمة للنبي محمد. لذا انتبه جعيط إلى هذا المنزلق محاولا اختبار كتب السير عبر إقامة مسافة من الحيطة والحذر معها، أي التدقيق فيما تسرده من روايات. إن هذه الحيطة هي شكل من أشكال تحرير تاريخ الإسلام من هذا التقليد الأورتودوكسي الرسمي المهيمن ....
لا عجب إذن أن يقدم «هشام جعيط» مجموعة من الفرضيات حول المرحلة المكية التي تفيد مساءلة قضايا لها حساسية خاصة لدى المسلمين مثل اسم النبي وفترة الوحي ومراحله في سريته وعلانيته وما إلى ذلك. إن هذه الأسئلة تتقاطع مع جمهرة من المستشرفين وإن كان يحاول أن يشتغل بدقة وصرامة لمجاوزتهم.
ماذا يمكن أن نقول بعد خروجنا من الندوة؟ هل نقول ما سمعناه أم نحمل أسئلة الندوة وفي تعددها للتفكير فيها؟ صحيح أن المداخلات والنقاش المصاحب لها تركز على مجموعة من القضايا التي تربط هذا المفكر العلامة بقضايانا الراهنة من قبيل وضعية المثقف العربي وعلاقته بالحراك الاجتماعي الممتد من الخليج إلى المحيط من تونس ومصر والبقية المتبقية قادمة في هذا الزمن. مثلما اندفع النقاش حول الشخصية العربية الإسلامية كشخصية مركبة وعلاقتها بالحداثة والهوية، ثم ما هي انتظاراتها؟ ما الذي يفتحه هذا المفكر جسر لعناق الكوني في حداثته الأصيلة وكيف تستطيع هذه الشخصية التحرر من التقليد وكيف يستطيع العرب الوصول إلى العلمانية المنفتحة والمتفتحة؟ وكيف نستطيع قراءة الاستشراق؟ وما الذي يقدمه لهذه الشخصية بالإضافة إلى موضوعات أخرى يصعب إيجازها في هذه العجالة. صحيح أن أسئلة المتدخلين في الجلسات الثلاث أعطت للندوة ثراء وخصوبة ستتجدد لا محالة في موضوعات بحثية جديدة، سواء داخل الفضاء الجامعي أو خارجه. وصحيح كذلك أن اقتراح ندوة «التاريخ والتقدم» في فكر «هشام جعيط» استقطب جمهورا نوعيا من مجموعة من المدن المغربية وإن كان غيابه صادما عند البعض ومريحا عند الآخرين فهو لا يعني- عل كل حال سوى التزام شعبة الفلسفة بموعد الندوة، علما أن المحتفى به منعته من الحضور ظروف قاهرة، تمنى الجميع أن تكون خيرا مثلما أن الجميع ينتظر صدور الندوة في كتاب.
1 «القرن العشرين لم يكن في صالحنا» جعيط 2005.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.