"مديرية الأمن" تعلن فتح تحقيق عاجل في فيديو تعنيف مواطن من قبل شرطيين    حراك "جيل زد" لا يهدد الملكية بل يقوّيها    لليوم التاسع.. شباب "جيل زد" يتظاهرون في الدار البيضاء مطالبين بإقالة الحكومة    في الذكرى الثانية ل "طوفان الأقصى".. مسيرة حاشدة في الرباط تجدد التضامن الشعبي مع فلسطين وتدين الإبادة والتطبيع    بتنظيم محكم واحتفاء ملكي .. معرض الفرس بالجديدة يثمن التميز الرياضي    الأمن الوطني يُحقق في "سلوكيات غير شرعية" لشرطيين بزيهما النظامي    مقتل الطالب عبد الصمد أوبلا في أحداث القليعة يثير حزن واستياء سكان قريته    اافيدرالية المغربية لجمعيات كراء السيارات تناقش تطور نشاط وكالات الكراء وآفاق التنمية المستدامة    مهاجر يعبر إلى سبتة المحتلة بواسطة مظلة هوائية    مسيرة وطنية حاشدة بالرباط تجدد التضامن المغربي مع غزة وإنهاء الحرب    عاصفة قوية تضرب أوروبا تتسبب في انقطاع الكهرباء وإلغاء رحلات جوية    المغرب والأردن يوقعان على اتفاقيتين في مجال التعاون القضائي والقانوني تمهد بنقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية    وهبي: الهزيمة أمام المكسيك "درس"    المنتخب الرديف يواجه مصر والكويت    الضرائب تخضع أربع شركات أجنبية لمراجعة بعد تلاعب ب"أثمان التحويل"    "أوبك +" تضيف 137 ألف برميل يومياً    متابعة 84 شخصًا في طنجة بتهم التخريب على هامش احتجاجات "جيل زد"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    الوفد الإسرائيلي المفاوض يتوجه إلى مصر ليل الأحد ومحادثات غزة تبدأ الاثنين    شوكي: عزيز أخنوش.. إنصاف إرادة صادقة    محمد وهبي: الهزيمة أمام المكسيك درس قبل الأدوار الإقصائية    صيباري يواصل التألق ويسجل للمباراة الرابعة تواليا مع آيندهوفن    حادث سيدي قاسم تنهي حياة تسعة أشخاص من أبناء الحسيمة            سربة عبد الغني بنخدة جهة بني ملال – خنيفرة تُتوج بجائزة الملك محمد السادس للتبوريدة    ارتفاع قيمة "البتكوين" لمستوى قياسي    ناشطو "أسطول الصمود" يشكون معاملتهم "كالحيوانات" من طرف إسرائيل    إسبانيا تمنع مظاهرات حاشدة مساندة لفلسطين وتستخدم العنف لتفريقها    إحباط تهريب 33 كيلوغراما من الكوكايين الخام بميناء طنجة المتوسط قادمة من أمريكا الجنوبية    أمن أكادير يوقف متورطين في تخريب سيارات بتيكيوين بعد خلاف مع حارس ليلي    ترامب يأمر بنشر 300 جندي بشيكاغو    الفيفا تصادق على تغيير جنسية احتارين لتمثيل المغرب    الفخامة المصرية على الأراضي المغربية.. «صن رايز» تستعد لافتتاح فندق جديد    المديرية العامة تصنع الحدث في معرض الفرس برواقها المديري وعروض شرطة الخيالة (ربورطاج)    الجامعة السنوية لحزب "الكتاب" توجه انتقادات لاذعة إلى تدبير الحكومة    محمد الريفي يعود بديو مع "أورتيجا"                    القضاء الأمريكي يحكم بحبس نجم الهيب هوب ديدي    لجان التحكيم بالمهرجان الوطني للفيلم    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    أين اختفى هؤلاء "المؤثرون" في خضمّ الأحداث الشبابية المتسارعة بالمغرب؟    إلَى جِيل Z/ زِيدْ أُهْدِي هَذا القَصِيدْ !    الكاتب عبد اللطيف اللعبي يوجّه رسالة تضامن إلى شباب الاحتجاجات في المغرب        فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيرترود ستايْن


1.
- آجي نْتا، قْريتي الرواية اللّخْرة ديال حسن نجمي؟
- لا.
- وعْلاشْ؟
- غالية بزّافْ!
- أما غْلا هي وْلا البيرّات اللي كتشربْ ديما ولا باكيات المالبورو؟
- وانتَ بعدا مازال كتشري لَكْتوبا؟
- إيهْ
- واخويا بازْ ليكْ، أنا بعْدا فضّيتْ من لكتوبا، باراكا غا هادوك الليّ عندي.
- احْسنْ ليك تبني الضّالة عَلْ لقراية!
سكت الناقد المفترض، الذي يتبجّح في الحانات بمعلوماته النقدية «الغزيرة» مثل مطر مدرار، وانزوى إلى ركنه في الحانة يحتسي النبيذ ويدخن السجائر تلو السجائر من نوع «المارلبورو», فكيف يتحدث هذا الناقد عن قصص وروايات دون أن يقرأها؟ هناك نقّاد العيْن ونقّاد لُودَنْ! نقاد التحليلات النقدية العميقة ونقاد الملخّصات.
- إنها رواية جميلة، بكل ما في الكلمة من معنى، قلتُ للناقد المفترَض،
- ليس لديّ الآن وقت للقراءة.
- ولديك وقت للتّيرسي!
ضحك الناقد المفترض، وقال لي :»قْرا غيرْ نتا»، سأذهب للإتيان بزوجتي من الخدمة.
- إذن زوجتك رواية تقرأها كل ليلة.
- هل تعرفها؟
- ما شي هي جيرترود ستايْن؟
- شْكونْ هي جيرترود ستايْنْ؟
- آوْ، ماكاتعْرفهاشْ؟
- لا
- وهي صاحبتْ نجمي حسن فالرواية.
- إيّيه...عْلاه هو طلّقْ الشعر؟
- لا، الشعر هو اللي ْقالْ ليه سيرْ عند الرواية راهْ كتعيّطْ عليكْ.
- آهْ..بْحالْ الأشعري.
- بحالْ الأشعري.
- آسيدي مزيانْ اللّي ولاّوْ الشعراء ديالْنا كايكتبو الرواية.
- على هاذْ القيبال لغتهم كاتْجي زوينة، وفيها بنّة الشعراء، بحالْ شي طاجينْ مخضّرْ.
- الرواية بحالْ الماكلة، خاصّْها تكون مْقَوْمة نْعاماسْ، كيما كايكول ذاكْ المخرج السينمائي المرّاكشي داود أولاد السيد.
- يا الله بْصحْتكْ مع الطاجين-الرواية!
2
في إحدى زياراتي إلى العراق، أيام مهرجان المربد الشعري، وبينما كنتُ أتجول في شارع السعدون ببغداد، وأمام إحدى المكتبات التي تُفرّش الكتب فوق الرصيف، لمحتُ كتابا صغير الحجم يحمل عنوان «عيد متنقل لباريس» لإرنست هيمنغواي، وترجمة لشخص اسمه عطا عبد الوهاب، ومقدمة للراحل جبرا إبراهيم جبرا. اشتريتُ الكتاب وقرأته بشوق زائد، رغم الأخطاء اللغوية للمترجم، وفيه يتحدث الكاتب الأمريكي عن باريس العشرينيات من القرن الماضي، يصف بشكل قصصي دقيق فضاء الحانات والمطاعم وروادها، أنواع الخمور التي يتلذذ بتذوّقها، الأزقة والشوارع، الأماكن، المكتبات، الفرنسيين والأمريكيين، صداقته لسكوتْ فيترجيرالد وزوجته زيلدا، جيرترود ستاين صاحبة الصالون الأدبي والفني الخ. وهذا ما فعله حسن نجمي في روايته الثانية، فهو ينقلنا إلى الحقبة التاريخية نفسها مع إضافة الكثير من التوابل السردية والشخوص والأمكنة والفضاءات. وبدون مبالغة، يمكن اعتبار رواية «جيرترود» رواية استثنائية، كيف؟ بموضوعها الجديد في الرواية المغربية المليئة بالحذلقة اللغوية والموضوعات العادية بدعوى «التخييل»، بلغتها الشعرية البرّاقة، بسردها الأنيق والوصف الجميل للشخوص والنفوس الحالمة المحطّمة نفسيّا، بالإشراقات، ذلك أن حسن نجمي كتب رواية عن كائن حقيقي هو جيرترود ستاين، كائن من لحم ودم ورغبات وعلائق وأنسجة كما يقول محمد برادة. هنا يحضر التخييل وكذلك التوثيق. إن جيرترود رواية وثائقية لأن نجمي حفر في المراجع ليكتب هذه الرواية الرائعة.
نفس الرسامين والشعراء والكتاب الذين التقاهم هيمنغواي عند جيرترود ستاين، هم أنفسهم عند نجمي حسن، مع إضافة محمد الطنجاوي كمؤثث لفضاء صالون جيرترود المليء باللوحات والتحف الفنية. إن لوحة بيكاسو لجيرترود شبيهة بامرأة فلاحة من القرن السابع عشر أو الثامن عشر، سنطيحة عريضة وعينان شبه ذابلتين وأنف مستقيم وفم مزموم كما لو كانت ميتة، وأعتقد بأن هذه اللوحة هي بمثابة سخرية من بيكاسو تجاه هذه الكاتبة الأمريكية، ذات الأصول الألمانية / اليهودية، والتي اشتهرت ربة بيت / صالون أكثر منها كاتبة حقيقية، بخلاف الكاتبة اللبنانية مي زيادة التي كان لها أيضا صالون أدبي وكان عباس العقاد مزعوطا فيها في حين أنها كانت مزعوطة في جبران خليل جبران.
هي إذن جيرترود ستاين: الشخصية الحقيقية والرواية في نفس الوقت.
3
كتب الكثير عن هذه الرواية وحضرت شخصيا لندوتين/ قراءتين عنها بكل من المحمدية ومراكش، معظم هذه القراءات لخص الرواية وحاول أن يقترب منها. لكن هذه القراءات لم تلتفت إلى لغتها النثرية والشعرية الجميلة، وهو عنصر هام في الكتابة السردية التي عليها أن تبني الشخوص والأماكن بناء فنيا جيدا بعيدا عن التهافت واصطناع الهذيان بدعوى « التخييل «. إن الروائي مثل رسام البورتريه: عليه أنْ يقدم نموذجه الروائي القصصي كما هو، في مظهره الخارجي والداخلي النفسي على السواء حتى يكون « البطل « مبنيا على أسس سردية متينة، غير هشة ولا هلامية. وجيرترود تتوفر على هذه الخاصية السردية من حيث بناء الشخوص ودواخلهم الباطنية.
نماذج
1- « كان محمد الطنجاوي رجلا يختزل جسده كله في قلبه، قوته كانت في قلبه، وكانت هشاشته في قلبه أيضا، لكنه لم يعرف، ربما، أين يضع قلبه حين كان ينبغي أن يضعه في مأمن « ( ص 19)
2 ? «عندما نذهب إلى الآخر ويرفضنا، ينبغي أن نعرف كيف نعود إلى أنفسنا»(ص. 20).
3. « في المستشفى، وهو على فراشه مسجى، رأيت حطاما بشريا في عزلته الأخيرة. لدقائق معدودات شعرتُ بأنني واقف على شظايا مزهرية تهشمت على الأرض، كأنه حين أحس بالهبوط، وإذا لم يستطع الخلاص من القيد السري، رقص رقصة الوداع وحيدا» (ص.31).
4. «هو الموت يبتسم له ابتسامة الترحيب إذن»(ص. 31).
لا داعي للاستمرار في سرد الفقرات الغنية بالوصف والشعر، فهي كثيرة، وتبقى جيرترود رواية متميزة بكل المقاييس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.