تقرير: أخنوش يستخدم أمواله للسيطرة على الإعلام والصحافيون المستقلون يتعرضون لضغوط مستمرة    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    "اليونيسف": أطفال غزة يواجهون خطرا متزايدا من الجوع والمرض والموت    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إجهاض محاولة لتهريب أزيد من 51 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط    ظروف السكن تتحسن بجهة طنجة تطوان الحسيمة.. أرقام جديدة من المندوبية السامية للتخطيط    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    المغرب يودّع أحد رموزه الفنية.. محمد الشوبي يترجل بعد مسار طويل من الإبداع    "موازين" يكشف عن أسماء فنانين عالميين وعرب جدد في برنامج دورته العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    بوعياش تطالب بعدالة تعويضية شاملة لجبر ضرر الشعوب الإفريقية    الجامعة تحتفي بالمنتخب النسوي المتوج بكأس إفريقيا داخل القاعة    هل ينجو قمح المغرب من الجفاف ؟ توقعات جديدة تعيد الأمل للفلاحين    مجلس الدفاع في لبنان يحذر "حماس"    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    إيقاف سيموني إنزاغي و هاكان بسبب علاقتهما بمشجعين مرتبطين ب"المافيا"    الجيش الكونغولي يقتحم مقر مازيمبي بسبب خلاف سياسي مع رئيس النادي    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    لماذا لا تحتفل هولندا بعيد العمال (فاتح ماي) رغم عالميته؟    هل تشعل تصريحات بنكيران أزمة جديدة بين المغرب وفرنسا؟    في ساحة مسجد بدر بطراسة… رجل يقبّل طفلًا والأب يتصل بالشرطة    البكوري يقيم مأدبة غذاء على شرف جنود خفاء جماعة تطوان قبيل انطلاق الموسم الصيفي    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    وفاة الممثل محمد الشوبي بعد صراع طويل مع المرض    الأمن يوقف مروجي كوكايين وكحول    العثور على جثة شخص داخل منزل بشارع الزرقطوني بعد اختفائه لثلاثة أيام .    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    عيد العمال.. الكونفدرالية ببني ملال "تحتج" في مسيرة حاشدة    الحوار الاجتماعي بالمغرب بين الشكلية والفعالية    لجنة الأخلاقيات توقف العديد من المسؤولين عن كرة القدم بين سنة وثلاث سنوات بسبب اختلالات في التسيير    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    الفنان محمد شوبي يغادر الدنيا إلى دار البقاء    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    حين يتحول الانفعال إلى مشروع سياسي: في تفكيك خطاب بنكيران حول "القضية" و"الحمار"    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات حول بلاغ وزارة العدل والحريات بشأن الوقفة الوطنية للقضاة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 10 - 2012

لم تمض ساعات قليلة على النجاح الكبير الذي حققته الوقفة الوطنية للقضاة أمام محكمة النقض ليوم السبت السادس من أكتوبر من العام الجاري, بدعوة من نادي قضاة المغرب, حتى بادرت وزارة العدل والحريات إلى إصدار بلاغ يخص هذه الوقفة في سابقة تعد فريدة من نوعها، إذ لم تنتظر الوزارة انتهاء عطلة نهاية الأسبوع، وبادرت إلى إصدار بلاغها بعد أقل من 24 ساعة من الوقفة الوطنية في خطوة استباقية لامتصاص أو تجنب التداعيات التي من المنتظر أن تخلفها وقفة القضاة.
1- السياق العام لصدور
بلاغ وزارة العدل والحريات:
يرتبط صدور بلاغ وزارة العدل والحريات بأصداء الوقفة الوطنية للقضاة التي دعاص إليها نادي قضاة المغرب الجمعية الأكثر تمثيلية للقضاة، يوم السادس من أكتوبر من العام الجاري أمام محكمة النقض والتي شارك فيها أزيد من 2345 قاضية وقاض من إجمالي 3700 قاض يشكلون مجموع قضاة المملكة، وهي الوقفة التي حظيت بتغطية اعلامية دولية ووطنية واسعة ووصفت بأنها حدث غير مسبوق على مستوى تاريخ القضاء المغربي، الذي لم يسبق له ان عرف حدثا مماثلا بخروج القضاة علنا للشارع لرفع مطالبهم والتعبير عن احتجاجهم.
في هذا السياق العام صدر بلاغ وزارة العدل والحريات الذي نقرأ في ديباجته أسباب نزوله:»على إثر الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها جمعية نادي قضاة المغرب يوم السبت 06 أكتوبر 2012 أمام محكمة النقض , واعتبارا للشعارات والمطالب التي تضمنتها اللافتات المرفوعة خلال هذه الوقفة.. فإن وزارة العدل والحريات تعلن للرأي العام ما يلي..»
2- مضمون بلاغ
وزارة العدل والحريات:
حسب نص البلاغ المذكور أعلاه يلاحظ أنه موجه بالأساس إلى الرأي العام وهو ما يتأكد من عبارة « ...فإن وزارة العدل والحريات تعلن للرأي العام ما يلي..»، والقصد منه تقديم توضيحات له بخصوص الوقفة الوطنية للقضاة، والشعارات والمطالب التي تضمنتها اللافتات المرفوعة خلال هذه الوقفة والتي تتمثل أساسا فيما يلي:
- ضمان استقلال القضاء
- تحسين الوضعية الاجتماعية للقضاة
- محاربة الرشوة.
و قد حرص البلاغ على تقديم ما اعتقد أنه «توضيحات» بخصوص هذه المطالب حيث اعتبر من جهة أولى أن «استقلال القضاء أمر حسمه الدستور فيما نص عليه من الرقي بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ومنع التدخل في القضايا المعروضة على القضاء , وأوجب على القضاة كلما اعتبروا أن استقلالهم مهدد أن يحيلوا الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية وعاقب كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة..» .
ومن جهة ثانية أكد البلاغ أن «الحكومة واعية تمام الوعي بعدم ملاءمة أجور القضاة وعازمة على الرفع منها خاصة بالنسبة للدرجات الثالثة والثانية والأولى وذلك في إطار تصور شمولي على قاعدة الميثاق الوطني لإصلاح العدالة المرتقب»
كما اعتبر من جهة ثالثة أن «محاربة كل أشكال الفساد وعلى رأسها الرشوة تعتبر من أولويات الحكومة الحالية ومن أجله تم الأمر بفتح العديد من المتابعات أمام القضاء بسبب الرشوة في كافة القطاعات , كما أحيل بعض القضاة على المجلس الأعلى للقضاء لذات السبب».
3- ملاحظات بخصوص
بلاغ وزارة العدل:
لا شك أن قراءة سريعة لمضامين البلاغ الذي عممته وزارة العدل والحريات على عدد من وسائل الاعلام تؤكد السرعة التي صيغ بها والتي جعلته في كثير من أجزائه يتصف بالاضطراب والتناقض والخروج عن اللياقة أيضا.
فمن حيث الجهة المخاطبة (بفتح الطاء) نلاحظ أن ديباجة البلاغ تتوجه بالخطاب مباشرة إلى الرأي العام أي للمواطنين ، بوصفهم الجهة المستهدفة من تقديم هذه التوضيحات، بينما نجد نفس البلاغ في أجزاء كثيرة منه يتوجه بالخطاب مباشرة إلى جمعية نادي قضاة المغرب بل وإلى القضاة عموما ، وكأن من أصدر البلاغ يعترف ولو بطريقة ضمنية بأن الجمعية الوحيدة الفاعلة في الساحة القضائية الوطنية والتي تمثل القضاة هي نادي قضاة المغرب.
ومن حيث تاريخ صدور البلاغ يلاحظ أنه صدر بعد مرور أقل من 24 ساعة على تنفيذ الوقفة الوطنية للقضاة ليوم السبت 06 أكتوبر 2012، وهو ما يعني أن الوزارة بذلت قصارى جهدها لإصداره في مثل هذا التوقيت لينشر في صحف أول أيام الأسبوع أي الاثنين 08 أكتوبر 2012 جنبا إلى جنب مع خبر الوقفة الوطنية للقضاة كمحاولة للتشويش على أصداء هذه الوقفة وإفراغها من كل دلالاتها الرمزية.
ومن حيث المضمون يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات:
* الانتقائية: اختزل البلاغ المذكور مطالب القضاة المرفوعة في وقفة السادس من أكتوبر في محاور ثلاثة وهي ضمان استقلال القضاء، تحسين الوضعية الاجتماعية للقضاة، ومحاربة الرشوة، وبالرجوع إلى ما راج في الوقفة الوطنية للسادس من أكتوبر يلاحظ أن مطالب القضاة كانت أشمل وأعم, إذ تضمنت أيضا الدعوة إلى مساواة جميع القضاة في تدبير وضعيتهم الفردية، ومحاربة الريع القضائي، وعدم المس بحق القضاة في التعبير والاستعمال المفرط لواجب التحفظ، وعدم المس بقضاة محكمة النقض، وعدم التدخل في شؤون القضاء...وقد عمل بلاغ الوزارة على اخراج المطالب المذكورة عن سياقها العام، إذ أن الشعارات واللافتات المرفوعة صبيحة يوم السادس من أكتوبر يجب أن تفهم وتقرأ على ضوء الوثيقة التي عممها نادي قضاة المغرب على كل وسائل الاعلام الوطنية والدولية وهي وثيقة المطالبة بالكرامة والاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية والتي شرحت بوضوح ودقة أسباب احتجاج قضاة المغرب المنخرطين في نادي القضاة ومطالبهم. لذا فإن أي محاولة لتجزيء هذه المطالب أو اختزالها أو قراءتها في معزل عن الوثيقة المذكورة تعتبر مجانبة للصواب.
فضلا عن كون الشعارات المرفوعة التي يبدو أن وزير العدل والحريات اعتبرها وكأنها موجهة إلى شخصه (حسبما يتضح من تصريح قدمه لقناتين وطنيتين عشية يوم وقفة السادس من أكتوبر)، لم تكن كذلك وإنما كانت موجهة إلى مؤسسات عديدة منها وزارة العدل كجهاز يشرف حاليا خلال هذه الفترة الانتقالية على تدبير ملف اصلاح القضاء، والسلطة التنفيذية ، والسلطة التشريعية، والسلطة الرابعة ممثلة في الإعلام، فضلا عن باقي الفاعلين كل بحسب مسؤوليته في ورش إصلاح القضاء ومنظومة العدالة عموما، بل وكانت موجهة أيضا للمواطن.
* السطحية :حاول بلاغ وزارة العدل وبعد اختزال مطالب القضاة فيما أشرنا إليه أعلاه أن يجيب عليها بشكل سطحي يهدف إلى تسفيه الحراك القضائي الذي تعرفه المملكة والذي يقوده نادي قضاة المغرب. لذا جاءت الاجابات المقدمة من طرف وزارة العدل والحريات غير موفقة بل وتنطوي على مغالطات كثيرة. فالبيان اعتبر - على سبيل المثال- مطالبة القضاة المحتجين بضرورة «الاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية» مجرد شعار مستهلك لأن الدستور حسم في هذه المسألة، ومن ثم لا داعي لرفع مثل هذا الشعار.. والحال أن الدستور وحده غير كاف لضمان هذا المطلب الملح، فالوثيقة الدستورية تضع المبدأ العام وتترك للقوانين التنظيمية ايجاد الصيغ اللازمة وبيان التفاصيل وهنا مربط الفرس، مع العلم بأن الدستور السابق كان ينص على كون القضاء مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية, لكن النظام الأساسي الصادر وفي ظل نفس الدستور كان يتضمن مقتضيات تكرس لنفوذ كبير للسلطة التنفيذية في مواجهة القضاء ولهيمنة وزارة العدل بالأخص على الحياة المهنية للقضاة بشكل يفرغ كل المقتضيات الدستورية من جوهرها.
ولعل خير رد على ما جاء في بلاغ وزارة العدل والحريات بهذا الخصوص هو ما تضمنه الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية التاسعة بتاريخ 12 أكتوبر 2012، الذي جاء فيه «نحث الهيئة العليا للحوار حول إصلاح المنظومة القضائية على أن تجعل من استقلالية السلطة القضائية الحجر الأساس ضمن توصياتها...»، فالواضح من نص الكلمة الملكية السامية أنها تولي أهمية بالغة لاحترام مبدأ استقلال السلطة القضائية رغم أن الدستور الجديد حسم في هذه المسألة، وهي نفس التوصية التي وجهها جلالة الملك في خطابه الأخير للسلطة التشريعية حيث دعاها لضرورة «الإلتزام بروح ومنطوق مقتضيات الدستور المتعلقة بالسلطة القضائية»، مما يؤكد وجاهة المطلب الذي رفع قضاة السادس من أكتوبر بهذا الخصوص خاصة وأن أهم مرحلة لتجسيد مطلب الاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية هي مرحلة تنزيل مقتضيات الدستور الجديد من خلال القوانين التنظيمية ومرحلة الممارسة أي مرحلة التفعيل وهنا تكمن وجاهة المطلب الذي رفعه نادي قضاة المغرب والذي يبدو أن وزارة العدل لم تدرك كنهه الحقيقي.
* عدم اللياقة: لقد تضمن بلاغ وزارة العدل والحريات بخصوص الوقفة الوطنية للقضاة أسلوبا «غير لائق» في الحديث عن مطالب القضاة المحتجين، من أمثلة ذلك ما جاء في البلاغ من كون « ليس كل من حضر الوقفة الاحتجاجية منسوب للصلاح والنزاهة كما أنه ليس كل من غاب عن هذه الوقفة منسوب للانحراف والفساد»، إذ يبدو من خلال مثل هذه العبارات وكأنها تنبني على اتهام مبطن لعدد من أعضاء نادي قضاة المغرب من السيدات والسادة القضاة بالضلوع في الفساد، بل وتتضمن ما يشبه التهديد بكشف المستور إذا لم يتراجع نادي قضاة المغرب في شخص بعض أعضائه المعنيين ببلاغ الوزارة عن مواقفهم تحت طائلة تحريك وإعادة فتح ملفات معينة ، ولا شك أن كل هذا يعتبر «تصريحا غير مسؤول, و مسا خطيرا بسمعة و هيبة القضاة» والاحترام الواجب لهم , بل وينم عن جهل بأبسط المبادئ القانونية والفقهية التي تقتضي حمل أحوال الناس على الصلاح. وإذا كانت الوزارة تدرك فعلا وجود أشخاص فاسدين في جهاز القضاء عموما وفي نادي قضاة المغرب على وجه الخصوص فما عليها إلا اللجوء إلى إعمال آليات المتابعة وتطبيق القانون لا اللجوء إلى التهديد أو التشهير بعموم القضاة أو استعمال أسلوب الغمز واللمز في الحديث عن النزهاء من القضاة والفاسدين منهم لتحقيق أهداف أخرى لا تمت لورش إصلاح منظومة العدالة ولجهود التخليق بأي صلة.
لقد اعتبر بلاغ وزارة العدل والحريات أيضا أن محاربة كل أشكال الفساد تعد «من أولويات الحكومة الحالية ومن أجله تم الأمر بفتح العديد من المتابعات أمام القضاء بسبب الرشوة في كافة القطاعات» ولا شك أن في مثل هذا التصريح نوع من الاستغلال السياسي للدور الذي يضطلع به وزير العدل الذي يترأس جهاز النيابة العامة وهو ذات الدور الملتبس في ظل الدستور الجديد الذي كان وراء مبادرة تقديم وثيقة المطالبة باستقلال النيابة العامة عن وزارة العدل والحريات التي وقعها أزيد من 2000 قاض بتاريخ 05 ماي 2012 .
نفس الاستغلال السياسي للموضوع يظهر بجلاء على مستوى البلاغ الذي يشير إلى إحالة «بعض القضاة على المجلس الأعلى للقضاء لذات السبب»، وكل ذلك يأتي ردا على لافتة «لا للرشوة» التي رفعها القضاة في وقفة السادس من أكتوبر وكتبت بكل اللغات الوطنية والدولية والتي يبدو أنها أثارت حفيظة واستياء الوزارة مما دفعها للرد بمثل هذا البلاغ وتذكير القضاة المحتجين بأن عددا منهم أحيل على المجلس الأعلى للقضاء لذات السبب وبأن ليس كل من حضر الوقفة منسوب للصلاح.
* التدخل في شؤون الجمعيات المهنية للقضاة: لم تستسغ وزارة العدل والحريات وجود جمعية مهنية للقضاة تعلن استقلاليتها عن وزارة العدل والسلطة التنفيذية وتجهر بذلك في كل المناسبات وفي جميع الممارسات، لذا يبدو من خلال بلاغ الوزارة وكأنها تستنكر على القضاة كأعضاء في نادي قضاة المغرب انخراطهم في ورش التخليق ومحاربة الفساد, إذ اعتبرت ذلك مسؤولية الحكومة، ولا شك أن في مثل هذا الكلام اغفال للدور الكبير الذي تلعبة الجمعيات المهنية عموما والجمعيات المهنية للقضاة على وجه الخصوص في مجال التخليق، فنادي قضاة المغرب الذي تنص المادة الرابعة من قانونه الأساسي على أن من أهدافه الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين قد أعلن مؤخرا في اجتماع مكتبه التنفيذي يوم السبت 08 شتنبر 2012 بالرباط عن مشروع برنامجه الوطني لتخليق منظومة العدالة تحت شعار: »محاكم بدون رشوة« وفي هذا الإطار تم تعميم الملصق الشهير الذي أثار تحفظ عدة جهات «لا للرشوة»، كما أن نفس الجمعية أعلنت عن عدة مبادرات في إطار التخليق من بينها تفعيل تصريح السيدات والسادة القضاة بممتلكاتهم وديونهم ونشر ذلك على نطاق إعلامي واسع ..وهي المبادرة التي لم تلتقط وزارة العدل والحريات إشاراتها ودلالاتها.
لقد جاء في بلاغ وزارة العدل أن «المطلوب من السادة القضاة هو الإسهام في هذه المرحلة بطريقة إيجابية مباشرة أو غير مباشرة بأدائهم المهني الجيد, وقضائهم على المتخلف والمتراكم من الملفات التي تثقل كاهل العدالة وتسيء إلى صورتها , واقتراحاتهم البناءة , وليس من خلال الوقفات ورفع الشعارات»، والواضح في هذا الشق من البلاغ أنه ينبني على تدخل سافر في شؤون الجمعيات المهنية للقضاة, إذ أن الوزارة تحث القضاة على الانصراف عن العمل الجمعوي كحق مكفول لهم وفق المعايير الدستورية والدولية والانهماك في العمل القضائي من خلال تصفية المتخلف من الملفات عوض المشاركة في الوقفات ورفع الشعارات، مع العلم بأن الوقفة الوطنية للقضاة ليوم السادس من أكتوبر 2012 صادفت يوم عطلة رسمية وهي السبت، وليس من شأنها أن تؤدي إلى عرقلة السير العادي للمحاكم. بل ومن الثابت أن الوزارة المذكورة هي التي تتحمل كامل المسؤولية في تراكم الملفات بالمحاكم بالنظر إلى عدم انكبابها على حل مشكل التبليغ و عدم توفير الوسائل البشرية و اللوجيستيكية من أجل ضمان حصول المواطنين على حقوقهم داخل آجال معقولة , خصوصا و أن معدل الإنتاج السنوي للقاضي المغربي حسب إحصائيات وزارة العدل نفسها يفوق المعدل الدولي بنسبة الضعف كما جاء في بيان المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب ردا على بلاغ الوزارة.
ويكرس البلاغ أيضا لتدخل الوزارة في شؤون وعمل القضاة ليشمل فضلا عن شؤون جمعياتهم المهنية، عملهم القضائي كما يتضح في هذا الجزء الذي جاء فيه «المطلوب من السادة القضاة هو الإسهام في هذه المرحلة بطريقة إيجابية مباشرة أو غير مباشرة بأدائهم المهني الجيد.. « وكأن الوزارة بصدد توجيه تعليمات واملاءات للقضاة بخصوص طريقة عملهم، والحال أن السلطة القضائية أضحت مستقلة عن باقي السلطتين ..
ولا يفوتنا في الأخير الاشارة إلى ملف تحسين الاوضاع المادية والاجتماعية للقضاة الذي اعتبره بلاغ وزارة العدل مسألة محسومة و مرتبطة في الوقت ذاته بنتائج الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، فإذا كان الأمر محسوما كما تدعي الوزارة فما الهدف من إدراج هذه النقطة في الحوار من جديد ، مما يؤكد المخاوف التي عبر عنها القضاة المحتجون يوم السادس من أكتوبر من استمرار مسلسل التسويف و المماطلة ولا سيما بعد مرور أزيد من ثلاث سنوات على تاريخ الخطاب الملكي السامي ل 20 غشت 2009 , خاصة وأن نفس الكلام الذي يردده السيد وزير العدل والحريات سبق وأن ردده زملاؤه السابقون المتعاقبون على تدبير شؤون هذه الوزارة.
إن بلاغ وزارة العدل والحريات الصادر بتاريخ السابع من أكتوبر 2012 يؤكد استمرار الوزارة في اتباع نفس النهج في التعامل مع نادي قضاة المغرب من خلال الاستهتار واللامبالاة واعتماد سياسة «ماذا عساكم فاعلون» عوض الجلوس إلى طاولة الحوار حسبما تقتضيه روح المسؤولية المواطنة، فالوزارة التي تحدت نادي قضاة المغرب لإثبات كونه الجمعية المهنية الأكثر تمثيلية للقضاة بدت وكأنها عاجزة عن تجاوز مستوى الدهشة والاستغراب الذي يصل إلى درجة الصدمة أمام نجاح النادي في تحقيق هذا الرهان من خلال المئات من أعضائه .. من القضاة الغاضبين المحتجين والمرتدين لبذلهم الرسمية يوم السادس من أكتوبر أمام محكمة النقض.. الشيء الذي دفعها لإصدار مثل هذا البلاغ الذي سيبقى شاهدا على طريقة تعامل الوزارة وتدبيرها لورش اصلاح القضاء وردة فعلها أمام احتجاجات القضاة التي ظلت وإلى وقت قريب تدعي كونهم ممثلين في الهيأة العليا للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة والحال أن لغة الأرقام والواقع تؤكد عكس ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.