الأمين بوخبزة في ذمة الله    الحكومة تُلحّ على ضرورة أجرأة "اتفاق 30 أبريل" قبل عيد الشغل        بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع التراجع        دوري أبطال آسيا.. تأجيل مباراة الهلال والعين بسبب سوء الأحوال الجوية    كيف يمكن أن تساعد القهوة في إنقاص الوزن؟: نصائح لشرب القهوة المُساعدة على إنقاص الوزن    ما حقيقة إلغاء ذبح أضحية عيد الأضحى هذه السنة؟    سوق السندات (05 09 أبريل): اكتتابات للخزينة بقيمة 3.3 مليار درهم    اللجنة التحضيرية الوطنية للمؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال تعلن فتح باب الترشح لمنصب الأمين العام    صراع المعارضة وتماطل الأغلبية يعرقل الأدوار التشريعية والرقابية لمجلس النواب    البيجيدي ينتقد تعديل مرسوم حكومي لتوفير تمويلات لجماعة أكادير التي يرأسها أخنوش    الرابطة المغربية السويسرية تعقد جمعها العام الثاني بلوزان    عدد العاملات المغربيات في حقول الفراولة الاسبانية يسجل ارتفاعا    هجوم شرس على فنان ظهر بالملابس الداخلية    عبد الإله رشيد يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    موانئ الواجهة المتوسطية .. انخفاض كمية مفرغات الصيد البحري ب 12 في المائة    توقعات الطقس بالمغرب اليوم الثلاثاء    وفاة الأمين بوخبزة الداعية و البرلماني السابق في تطوان    المغرب يدكّ مرمى زامبيا ب13 هدفا دون رد في أمم إفريقيا للصالات    "الكوديم" يبتعد في الصدارة بثنائية في شباك جمعية سلا    الجزائر تغالط العالم بصورة قفطان مغربي .. والرباط تدخل على خط اللصوصية    مؤسسة منتدى أصيلة تنظم "ربيعيات أصيلة " من 15 إلى 30 أبريل الجاري    العالم يشهد "ابيضاض المرجان" بسبب ارتفاع درجات الحرارة    دراسة تحذر من خطورة أعراض صباحية عند المرأة الحبلى    أسعار النفط تستجيب صعودا لاحتمال رد إسرائيل على "هجوم إيران"    توقيف عضو في "العدل والإحسان" بمدينة أزمور مناهض للتطبيع مع إسرائيل (فيديو)    السكر العلني وإلحاق خسائر بسيارات يوقف أربعة أشخاص    وزان: مصمودة تحتضن الملتقى التلاميذي الأول ربيع القراءة 2024    المديرية الإقليمية بالعرائش تؤسس لمهرجان "داخليات المغرب تتحرك إبداعا"    وفاة الأمين بوخبزة.. أحد قادة الحركة الإسلامية بالمغرب    حماة المستهلك: الزيادة في أسعار خدمات المقاهي غير قانونية    مسلم أفندييف مواطن أذربيجاني يتسلق أعلى قمة في المغرب    أشرف حكيمي: "يتعين علينا تقديم كل شيء لتحقيق الانتصار في برشلونة والعودة بالفوز إلى باريس"    المدرسة العليا للأساتذة بمراكش تحتفي بالناقد والباحث الأكاديمي الدكتور محمد الداهي    دوري أبطال أوروبا.. "أم المعارك" بين سيتي وريال وبايرن لانقاذ الموسم امام ارسنال    المبعوث الأممي لليمن يحذر من عواقب وخيمة جراء استمرار التصعيد بالبلاد    بعد إيقافه بأزمور.. وقفات تضامنية مع الناشط الحقوقي مصطفى دكار    بعد خوصصتها.. وزارة الصحة تدعو لتسهيل ولوج أصحاب المستشفيات الجدد إلى عقاراتهم وممتلكاتهم    بيدرو سانشيز: "كأس العالم 2030 ستحقق نجاحا كبيرا"    مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يدعو إلى انهاء الحرب في السودان    سليم أملاح في مهمة صعبة لاستعادة مكانته قبل تصفيات كأس العالم 2026    العنصرية ضد المسلمين بألمانيا تتزايد.. 1464 جريمة خلال عام وجهاز الأمن تحت المجهر    المغرب وبلجيكا يدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    أكبر توأم ملتصق ف العالم مات.. تزادو وراسهم لاصق وحيرو كاع العلماء والأطباء    بعدما علنات القطيعة مع اللغة الفرنسية.. مالي غادي تقري ولادها اللغات المحلية وغادي تخدم الذكاء الاصطناعي    المغرب التطواني يصدر بلاغا ناريا بشأن اللاعب الجزائري بنشريفة    المغرب يعزز الإجراءات القانونية لحماية التراث الثقافي والصناعات الوطنية    عمل ثنائي يجمع لمجرد وعمور في مصر    تكريم الممثلة الإيفوارية ناكي سي سافاني بمهرجان خريبكة    دراسة: ممارسة التمارين الرياضية في المساء تقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 61 بالمائة    العالم الفرنسي الكندي سادلان ربح جائزة "أوسكار العلوم" على أبحاثو ف محاربة السرطان    هذه طرق بسيطة للاستيقاظ مبكرا وبدء اليوم بنشاط    الأمثال العامية بتطوان... (572)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    هل قبل الله عملنا في رمضان؟ موضوع خطبة الجمعة للاستاذ إلياس علي التسولي بالناظور    مدونة الأسرة.. الإرث بين دعوات "الحفاظ على شرع الله" و"إعادة النظر في تفاصيل التعصيب"    "الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثريا ماجدولين والسير إلى القصيدة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 02 - 2013

في قصيدتها ( وقالت المحارة للبحر)، من ديوانها الثالث ( سماء تشبهني قليلا)، تقول الشاعرة ثريا ماجدولين :
على حافة الليل
أسير وحدي إلى القصيدة
يتبعني خطوي ،
يسبقني صداي ،
ألاحق همسة النجم الوحيد
أجلس قبالة الورق
أخط :
للبحر لوعة الموج الظامئ دوما للرمال ولي هذا الانتظار /
ص . 67 ? 68
من الدوال الحاسمة والكلمات المفاتيح التي تلفتنا في هذين المقطعين / الليل ?وحدي ?القصيدة ?صداي ? النجم الوحيد ? البحر- لوعة الموج الظامئ ? الإنتظار ... لعل هذه الدوال ? المفاتيح هي النوابض المركزية أو بعض النوابض المركزية في تجربة ثريا ماجدولين الشعرية ، والأوتار الساخنة التي تعزف عليها بوحها وشدوها، ولعل المقطعين
1
الآنفين اللذين أثرناهما عتبة وحسن استهلال لتجربتها الشعرة ، يكثفان ويجلوان مناخ هذه التجربة الندية الثرية المنحدرة إلينا دأبا وبهاء من ضفاف الثمانينيات من القرن الفارط.
ويهمني في هذه الورقة /الإطلالة أن أتأمل قليلا، كيف تسير ثريا إلى القصيدة، وكيف تسير القصيدة إلى ثريا. وما مبتدأ وخبر هذا السير. ما الهواجس والأشواق الشعرية التي تتناسل وتتصادى في هذا السير أو السرى الشعري ؟ !
وبكل بساطة وسلاسة أقول:ان الشاعرة تسير الى القصيدة منتشية جذلى بحس شعري رهيف وحصيف، ومعجم لغوي رقيق أنيق، مفردة وجملة وصورة، وتوق روحي وجسدي الى السامي والمثالي تنضح أنفاسه بين السطور. وقبل هذا وبعده، تسير إلى القصيدة بحب مكين للقصيدة، وفرح عميق بالشعر.
لنقرأ لها هذه النفثة الجميلة عن ( الشعر ) في ديوانها ( سماء تشبهني قليلا )
ثمة شاعر
ينفض ذاكرته على حاشية النهر
يبدل حاضرا أنهكته الثقوب
بجناحي فراشة
يطير
إلى غده العسلي
يحمل قميص المحبة
تفاحة لأميرته المشتهاة
قصيدة ضرورية
كي يأخذ النفس الأخير
ويملأ دمه بالهواء
قد ينقذ الشعر
ما تبقى من الأكسيجين
في رئة الأرض
ويؤجل موت المحبين
بضع دقائق
هكذا قال، وانثنى نحو النهر .(ص.51)
أجل، قد ينقذ الشعر ما تبقى من الأوكسيجين . تقول ثريا ماجدولين، وما يتبقى يؤسسه الشعراء. يقول هولدرلين.
وذلك هو صنيع الشاعرة بالضبط، في مسارها الشعري الحفيل، أن تقاوم قبح هذا العالم، بشيء من الشعر.
وما أضيق العيش، لولا فسحة الأمل.. والشعر.
تأتي الشاعرة إلى القصيدة إذن، مسكونة بحب القصيدة. تأتي إليها بإحساس شعري رهيف باللغة ، وإحساس شعري رهيف بالأشياء .تقول في ( فاتحة الكلام ) من ديوانها ( سماء تشبهني قليلا ) /
( لا أحب الشجر الشوكي
لأنه يجرح الهواء )
وهذا الكلام بحق ، ذروة الإحساس الشعري بالأشياء .
ثريا ماجدولين :
صوت شعري دافئ جاءنا على حين فجأة، كنوارة الربيع، عشية الثمانينيات من القرن الفارط
وقد أصدر تباعا الأعمال التالية :
- أوراق الرماد .
- المتعبون
- سماء تشبهني قليلا.
- أي ذاكرة تكفيك.
- وما يزال النبع ثرا، والماء جاريا. وهي إلى هذا مناضلة حزبية في الاتحاد الإشتراكي
وناشطة جمعوية في منتديات عالمية، كجمعية النساء المبدعات لبلدان البحر الأبيض المتوسط.
لكن ما يتبقى من ثريا ، هو شعرها ، إنه الأنقى والأبقى .
وتلخص لنا رحلة ثريا الشعرية من عشية الثمانينيات إلى الآن، رحلة القصيدة المغربية بعامة والنسوية منها بخاصة . كما تشف لنا عن مخاضات وتحولات هذه القصيدة من نهايات القرن إلى الآن .وبخاصة ، التحول من هموم وأسئلة المجتمع والوطن، إلى هموم وأسئلة الذات والوجود. وهو ما نجده مجلوا ومبلوا في أعمالها الشعرية .
ومعلوم أن الإبداع يبقى هو الرادار الأصيل اللاقط لإيقاع الذات وإيقاع التاريخ .
في ( أوراق الرماد ) ، وهو عملها الشعري الأول الصادر في 1993 ، تطلع علينا ثريا ماجدولين جمرة شعرية متلظية، تجلو وتعكس سخونة المرحلة وجيشانها. من هنا يواجهنا أول نص في المجموعة ( البسمة المستحيلة ) بوهج ورهج أحداث يناير 1984 التي أججت الشارع المغربي وبخاصة في الدار البيضاء . وهو نص مهدى ( إلى أطفال يناير 1984 ). نقرأ :
(يناير جاء ،
يناير ثانية ،
كيف لا أذكر الرعب في كل العيون ؟ !
صراخ .. أجساد تركض.. عيون متعبة !
عيناك تاريخ آخر،
رسائل
تحملني إلى وجوه غابرة
أتلمس وجها متآكلا بالذكريات
يروي عن الريف الذي غاب
الريف الذي عاد
محملا بالرهجة والدم .) ص 9 ? 10
ومع هذه الفورة الشعورية، تبدو دهشة البداية واضحة في هذه النفثات. وأول الغيث قطر ..
ثم ينهمر .وكذلك كان .
وفي قرن واحد مع الهم الوطني، يحضر الهم العربي ? الفلسطيني في وجدان وحنجرة الشاعرة، في هذه المرحلة المبكرة ? الساخنة من إقلاعها الشعري. لنستمع إليها في هذه الغضبة العربية الساطعة /
- ( أقول لكم :
تعالوا نعجن هذه الخارطة العربية
وتلك البحار الشرقية الغربية
نكنس ظل هذا الرعب من أحداقنا !
هاكم وجهي
يشهد على أرقي
وعيناي تتساقطان على الرايات الفاجرة
والقبب الفاجرة
واللعنة المسطرة على ستين ناصية .) ص 49
يبدو الشوق إلى الإبحار واضحا في هذه السطور، وتبدو الفورة الشعرية متأهبة للإنطلاق.
تلك بعض تراجيع من نداءات الشاعرة الأولى، وهي تطرز أبجديتها الشعرية .
وفي قراءاتي ومقارباتي الشعرية، أتوخى دائما الإنصات إلى النصوص، فعندها الخبر اليقين.
في مرحلة لاحقة من مسار ثريا الشعرية، يخفت وجيب الهم الوطني والقومي، بعد مسلسل الإنكسارات والإنهيارات، ليحضر الهم الذاتي والوجودي، أو بالأحرى ليحضر الهم الأنثوي لكن في حلة شعرية جديدة منقحة ومزيدة.وهي المرحلة التي أثمرت دواوينها: المتعبون ? سماء تشبهني قليلا ? أي ذاكرة تكفيك.
في أعمالها هذه أصبحت القصيدة على حد تعبيرها ( نقشا للروح ) . وهنا نقع بالفعل على شجون وشؤون صوت الأنثى وهي تغوص في ذاتها وتبوح بمواجدها، وإنه لصوت أنثوي متميز وملغوم، بقدر ما يطفح أنوثة، يطفح بجموح نيتشوي نحو السامي والمثالي، وجنوح مشبوب إلى الأعالي والأقاصي، وإلى الذي يأتي ولا يأتي. وهي التيمة الشعرية التي سبرتها واجتليتها في معظم أشعار شواعرنا .
وتبدو جلية وحساسة في شعر ثريا ماجدولين
تبدو لها نغمة وبصمة .
والإنصات هنا فرض شعري، كما أسلفت. نقرأ في نص ( لا وقت لاختلاس الأنفاس ) في ديوان ( سماء تشبهني قليلا. ) مع الإنتباه لهذا الشبه الشعري العجيب بين السماء والشاعر/
- ( يا امرأة تقيم في جسدي
تملأه بالأسرار
تطرز حواشيه بخيوط الصمت
ارحلي من جسدي
أقيمي خارجي
دقي غيومك
في حاشية الصخر هناك
اهجري أقبية الجسد
يا امرأة في
ارقصي فوق أجنحة الريح
غادري حقلك الموحش
اركبي فرس النسيان
لست من هذا الزمان.)
ص./81-82-85
ذلك ما قصدته بالجموح النيتشوي عند الشاعرة.
وجدير بالإشارة أن ديوان (سماء تشبهني قليلا )يعد في رأيي من غرر الدواوين
الشعرية المغربية الحديثة.
في هذا الديوان الجميل، تحقق ثريا نقلة جمالية ودلالية في مسا رها الشعري، حيث تصقل لغتها وتدق رؤيتها وتينع صورها وأخيلتها، وتعترم أشواقها وأحلامها وشجونها، بعد مراس شعري وشعوري وئيد ومديد.
كما تعقد في هذا الديوان قرانا جماليا بين القصيدة واللوحة، من خلال لوحات الفنان الفلسطيني زهير أبو شايب، حيث تصير القصيدة لوحة وتصير اللوحة قصيدة .. ويكتمل للإبداع بهاؤه.
لا تلتزم الشاعرة نمطية إيقاعية محددة ومنتظمة، بل تسلس القياد لبوحها الشعري، مع صقل العبارة وتنغيمها.
لا أريد الإستفاضة في الحديث عن تجربة ثريا ما جدولين الشعرية ، وهي مرتع خصب ومغر للحديث ، إن هي إلا إطلالة وجيزة على هذه التجربة ، وإنصات إلى بعض بوحها الشعري الدافئ الشجي .
وحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.