وزارة العدل: القانون الجديد للمسطرة الجنائية محطة مفصلية في ورش الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة    تراجع مفرغات الصيد بميناء الداخلة بنسبة 21٪    مداخيل الجمارك مستمرة في الارتفاع متجاوزة 65 مليار درهم في 8 أشهر    المغرب يحتل المرتبة 107 عالميا في مؤشر الديمقراطية    حماة المستهلك ينتقدون الزيادات المفاجئة في الرسوم البنكية    25 جريحا إثر انفجار في مطعم بمدريد    فرنسا.. رئيس الوزراء الجديد يتخلى عن مقترح إلغاء عطلتين رسميتين ويدعو اليسار إلى التعاون    تصاعد العدوان على غزة وارتفاع الحصيلة إلى 32 شهيدا    مونديال ألعاب القوى.. خروج جماعي للعدائين المغاربة من تصفيات 1500 متر    رحلة عذاب لركاب قطار الجديدة البيضاء.. ركاب عالقون حتى الثالثة صباحا    كوريا تؤكد أول حالة إصابة بأنفلونزا الطيور شديدة العدوى هذا العام        إسبانيا :الموسم السياسي ينطلق بانتعاشة واضحة للحزب الحاكم وتنامي الخطاب العنصري للأحزاب القومية    تدخل بطولي لرجل أمن بانزكان لتحييد خطر جانح يتحوز سلاحا أبيض    تفاؤل كبير لدى الفلاحين بسبب التساقطات المطرية خلال شتنبر    روبيو في إسرائيل للإعراب عن دعم أمريكا لها وسط غضب عربي وإسلامي في قمة الدوحة بعد العدوان على قطر    ورشة عسكرية مشتركة بين المغرب وموريتانيا لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود    طقس الأحد.. جو حار نسبيا بعدد من مناطق المملكة    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمكناس تدق ناقوس الخطر بشأن تردي أوضاع الحقوق والحريات    بحضور لشكر.. برلماني: الناس وخا منديرو لهم والو غيصوتو علينا والمقعد مضمون غي تهناو!    بعقْلية الكسل كل أيامنا عُطل !    أوكرانيا تقول إنها تحتاج 120 مليار دولار للدفاع    الداخلة.. حجز 6,8 طن من الأسماك واعتقال 12 شخصاً: ملف جديد يسلّط الضوء على التهريب البحري    العدالة والتنمية بتطوان يطلق مجموعة من الأوراش السياسية وعلى رأسها ملف الانتخابات    إسرائيل تواصل حرب الإبادة على غزة: عشرات القتلى وتدمير أبراج ومدارس وسط موجات نزوح وتجويع    تحضيرا للمونديال.. المغرب يطمح لاقتناء نحو 7000 حافلة صينية جديدة بحلول عام 2030، نصفها يعمل بالطاقة الكهربائية    موريتانيا وإسبانيا.. نحو شراكات اقتصادية واعدة    الجزائر والبوليساريو في مرمى الاتهامات: تقارير تكشف ممارسات "عبودية معاصرة" داخل مخيمات تندوف    الجيش الملكي يبدأ موسمه بانتصار على اتحاد يعقوب المنصور    أمين حارث يواصل مشواره الأوروبي مع باشاك شهير التركي    منتدى عائلات الرهائن الإسرائيليين: نتانياهو "عقبة" أمام إنهاء حرب غزة    انفجار في مطعم يخلف 25 جريحا بمدريد    "السكك الحديدية": موسم صيفي ناجح    مدرب جزر القمر يتحدث عن مواجهة فريقه المرتقبة ضد المغرب    توقيف شاب بالقنيطرة بعد ظهوره في فيديوهات سياقة استعراضية تهدد سلامة المواطنين            المطبخ المغربي يتألق في القرية الدولية لفنون الطهي بباريس    حياة الكلاب..حياة الماعز    منظمة الصحة العالمية تسجل ارتفاع حالات الإصابة والوفاة بالكوليرا    دراسة : التدخين يزيد خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري    "باراماونت" تنتقد تعهد فنانين بمقاطعة مؤسسات سينمائية إسرائيلية    ابن الحسيمة الباحث عبد الجليل حمدي ينال شهادة الدكتوراه في الكيمياء العضوية    شفشاون.. البحرية المغربية تنتشل جثة شخص قبالة شاطئ الجبهة    ارتفاع حالات الكوليرا حول العالم    كأس إفريقيا للأمم 'المغرب 2025': الكاف ولجنة التنظيم المحلية يحددان موعد انطلاق بيع تذاكر المباريات        زلزال بقوة 7,4 درجات يضرب سواحل كامتشاتكا الروسية وتحذيرات من تسونامي    سفير المغرب يفتتح معرض الفن العربي بواشنطن بدعم مغربي    دراسة: "حمية الكيتو" قد تساعد في علاج الاكتئاب    الصيد / مطابقة.. المغرب ينال اعترافا رسميا من الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (كتابة الدولة)    حجز 260 وحدة من الشهب الاصطناعية المحظورة        ناصر الزفزافي يرسل رسالة مؤثرة من داخل سجنه بطنجة بشأن جنازة الفقيد والده    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الحاجة إلى مجلس استشاري للأسرة والطفولة

لعل ما يُعرف في الفلسفة السياسية ب»الإرادة العامة»، ليس إلا ذلك الصوت المتفق عليه عبر التعاقد، بين أفراد يريدون لأنفسهم مجتمعا سياسيا منظما تتحقق فيه شروط الأمن والحرية والتطور والرقي في كل الاتجاهات. وقد عزا عدد غير قليل من المفكرين أحد أسباب النجاح في خلق مثل هذا الاجتماع الانساني إلى مسألة التربية باعتبارها المَدْمَك الأساس الذي يضمن أدنى الشروط لاستمرار المجتمع في أفراده على نحوٍ سليم؛ من هنا يبدو كل تفكير في الأسرة والطفولة مشروعا، لأن تربية ممكنة تصبح غير ممكنة دونهما. أن يُفتح باب الحوار وتجاذب أطراف الرأي من داخل مكونات الدولة المغربية حول مجلس استشاري للأسرة والطفولة، يضفي شرعية على فكرة «الارادة العامة «، ويؤسس لتعاقد حول إحدى أكثر المسائل مصيريةً بالنسبة إلى المجتمع المغربي؛ تماما كما يحمل أكثر من دلالة ويستحق أكثر من وقفة ويفتح الباب أمام تساؤلات عدة، منها: ما هي أسباب ودواعي إنشاء مثل هذا المجلس اليوم في المغرب؟ ما طبيعة المهام التي يمكن أن تُوكل إليه؟ وأيّ تصور لنظام اشتغاله؟ أية آفاق يعد بها مستقبله وما هي الحدود التي تحيط بحاضره؟
*الأسباب والدواعي
لا نجانب الصواب إن قلنا أن غيرما مبرر وضرورة تدعو إلى التفكير في انشاء مجلس يهتم بشؤون الأسرة والطفولة في المغرب. وهو أمر لا يعني على كل حال أن الاهتمام بهذين المكونين المجتمعيين غائب أو مغيّب في بلادنا؛ لكن قراءة تأملية للتحول الذي يعرفه مجتمعنا يفرض وضع مثل هذه الملفات للنقاش وإبداء الرأي. ولعل من جملة الأسباب التي تدعو إلى تأسيس مجلس استشاري وتجعله حاجة ملحة على المجتمع المدني والدولة المغربية، خمسة على الأقل: أولها، غياب مشروع مجتمعي واضح المعالم بشأن الأسرة والطفولة، باعتبارهما حجر الزاوية في قيام مجتمع انساني على أسس صلبة ومتينة، بعيدا عن الأجندات السياسية التي لا تخلو من قصور وعيوب، من بينها: أن قضية الأسرة والطفولة ليست مجالا للتلاعبات الانتخابية، وإنما من القضايا المصيرية لأي مجتمع رام الاستمرار ضمن هذا السيل الجارف الذي يعم كل المجتمعات في عصر العولمة والأنترنيت؛ ومنها أن العبور والزوال واللااستمرار الذي يطبع هذه المؤسسات السياسية على مستوى ممارستها للسلطة، وعامل انقطاع خيط الاستمرار بين السابق واللاحق يُعرِّض كل المخططات الاستراتيجية للاندثار بفعل تغيّر النخب التي قد تتناوب على تمثيلية المجتمع المغربي؛ ومنه فمثل هذا المجلس يضمن الجواب عن أسئلة المغاربة بصدد مسألة الأسرة والطفولة، وبالتالي المساهمة في بلورة جزء من المشروع المجتمعي الذي يتغيا ويتعين على الجميع الاتفاق حوله. وثاني هذه الأسباب الذي يرتبط بالأول، هو حضور المؤسسة الملكية الرمزي كيد ضاغطة من أجل تفعيل وتحقيق أي مشروع مجتمعي على أرض الواقع؛ ومن ثم فمساهمتها غير المباشرة عبر الدستور الجديد التوافقي بينها وبين أغلب ممثلي المجتمع المدني، في إطلاق حوار وطني حول الأسرة والطفولة عبر الوزارة الوصية نحو تطبيق مقتضيات الفصلين 32 و169 من الدستور يحمل أكثر من دلالة، ويستمد قوته من دستوريته. وهو أمر يضمن عدم التلاعب مع مثل هذه الملفات ذات الأهمية الجوهرية بالنسبة إلى المغاربة. وثالثها، أن الحاجة إلى محو التناقض الموجود بين الدولة والمجتمع المغربيين تفرض نفسها، لأن بناء مجتمع متكامل يبدأ من التعاقد والاتفاق حول الطريق والطريقة والأسس التي ينبغي أن يقوم عليها هذا المجتمع؛ وبالتالي ففتح نقاش عمومي حول مثل هذا المسائل سيمنح مكونات الدولة أفرادا ومجتمعا مدنيا ومؤسسات رسمية الثقة في أن تضامنها هو صانع مصير هذه الأمة عبر التعاقد حول مستقبلها. ورابع هذه الدواعي الذي لا ينفصل عن السابق أن صفة المجلس الاستشارية تسمح له بأن يكون الجسر الذي يعبّد الطريق، وعبره تنمحي المسافة بين مختلِف مشارب الفاعلين في مجال الاسرة والطفولة. وخامسها، الحاجة الفعلية إلى قوة اقتراحية ترسم معالم خارطة الطريق التي يجب أن تنهجها البلاد في مضمار التربية والأسرة والطفولة.
تفيد هذه الدواعي والأسباب ضرورة انشاء مثل هذا الضرب من المجالس الاستشارية ولكنها تفرض في مثل هذا الحوار المفتوح سؤالا مشروعا: ماذا نريد نحن كمغاربة من مجلس استشاري للأسرة والطفولة؟
* المهام وفلسفة الاشتغال
لعل بوادر المهام الملقاة على عاتق مثل هذا المجلس تجد مقدماتها في الأسباب التي تبرر وتشرعن في الوقت نفسه لوجوده، على نحو تستدعي معه التفكير في طرق اشتغاله نحو تصور لإستراتيجيات ومهام المجلس وما تقرره من ممكنات ليس أقلها:
* السهر على متابعة القضايا المتعلقة بالأسرة والطفولة وضمان تحقق التوصيات وتفعيل المشاريع واستمراريتها.
* اعداد تقارير حول وضع الأسرة والطفولة في المغرب انطلاقا من دراسات علمية قصد تعيين مكامن الخلل والضعف، وتمتين مكامن القوة.
* مد جسور التواصل بين مختلف الفاعلين في هذا المجال سواء كانوا مؤسسات خاصة أو رسمية.
* اشاعة ثقافة سياسية وتضامنية لرأب الصدع الموجود في وعي المغاربة بين الدولة والمجتمع.
* النهوض بمسألة التربية التي تشكل أساس كل مجتمع يراد له أن يكون متماسكا انطلاقا من التنسيق بين الفعاليات المسؤولة على هذا القطاع والوزارات المهتمة بموضوعات التربية والأسرة والثقافة... الخ؛
* الحدود والآفاق.
إن ما يرسم حدود المجلس ويفتح آفاقه في الوقت نفسه هو صفته الاستشارية. ذلك أن هذا الطابع هو ما يمنحه مرونة الاشتغال ونسج خيوط التواصل بين مختلف المهتمين بالأسرة والطفولة؛ ولكنه في الوقت نفسه ما يحمل أفق تحويله إلى مؤسسة رسمية تضم نسبة من تمثيلية المجتمع المدني إلى جانب من يمثل المجال الرسمي أو العام.
ليس من شك أن مسألة التربية هي الأساس الذي قامت عليه المجتمعات التي صنعت حضارتها؛ والتفكير في مجلس للأسرة والطفولة قد يدشن على الأقل مشروع مجتمع يحاول أن يلملم شتاته في زمن تعصف فيه أزْمات الهوية والجذور وتندثر فيه الأوصال والأواصر والوشائج وتنحلُّ فيه لحمة المجتمعات. ولعل لمثل هذا النقاش حول مجلس استشاري للأسرة والطفولة دورا تأسيسيا في بناء مجتمع متماسك.
باحث في الفلسفة والشأن العام*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.