أكد إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم الخميس بالرباط، أن التجارب المقارنة، ومن ضمنها التجربة المغربية، أثبتت أن فرص نجاح مسارات العدالة الانتقالية تتوقف إلى حد كبير على هندسة وطريقة إعداد النصوص القانونية المؤطرة لها ،ومدى تطابق هذه النصوص مع المبادئ والمكونات والأهداف الأساسية للعدالة الانتقالية، مشددا على أن هذه الأخيرة «ليست شكلا خفيفا من الإنصاف القضائي، وإنما هي شكل يتكامل مع العدالة القضائية في إطار منظور يستهدف البحث عن الحقيقة، وجبر الضرر والمصالحة وتحقيق ضمانات عدم التكرار». وذكر اليزمي ، في كلمة خلال افتتاح الندوة الإقليمية حول «دور البرلمانيين في مسارات العدالة الانتقالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، بأن البرلمانيين يضطلعون بدور أساسي في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للعدالة الانتقالية التي تتمثل في الاعتراف بوضع الضحايا بوصفهم كذلك، والنهوض بإجراءات الثقة والمساهمة في المصالحة وتثبيت دولة القانون. وأبرز أهمية استحضار عدد من المخاطر الحقوقية المتعلقة باستعمال آليات من قبيل العفو البرلماني الشامل أو قوانين العزل السياسي، «والتي ينبغي استعمالها بكثير من الاحتياط في مسارات العدالة الانتقالية ضمانا لعدم المس بحقوق الضحايا، وتثبيتا للنتائج المستدامة التي يتوخى الوصول إليها من خلال مسارات العدالة الانتقالية». وقال إن العدالة الانتقالية تتيح للمجتمعات إمكانية التوجه نحو المستقبل، والانخراط في بناء المؤسسات الديمقراطية وتوفير الضمانات الدستورية والقانونية والحقوقية لعدم التكرار ولبناء دولة الحق والقانون. وأشار اليزمي إلى أن الحراك الشعبي الذي عاشته منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والمخاضات الديمقراطية التي ما زالت تعيشها بعض الدول في المنطقة، أظهرت الحاجة الماسة إلى العدالة الانتقالية كآلية ضرورية لمعالجة الماضي لما تتيحه من إمكانيات للضحايا لجبر الضرر ورد الاعتبار . من جهته ، أكد فرج فنيش رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان أن المغرب كان سباقا في المنطقة العربية في مجال الإصلاحات الديمقراطية وفي وضع آليات العدالة الانتقالية ، لافتا إلى أن ما راكمته التجربة المغربية يمكن أن يساعد التجارب الناشئة على تجاوز العديد من العقبات التي تعترضها. وسجل أنه رغم وجود خصوصيات تميز كل تجربة، فإن هناك توجهات عامة ومبادئ أساسية توجه العدالة الانتقالية وتشترك فيها كل التجارب الناجحة عبر العالم، من أبرزها وجود إرادة سياسية حقيقية وصادقة على مستوى الدولة والطبقة السياسية والمجتمع المدني لإحداث التغيير المرتقب، والعمل على كشف الحقيقة حول الانتهاكات والمسؤوليات ، وجبر الضرر بما في ذلك تعويض الضحايا ورد الاعتبار لهم والتصدي لثقافة الإفلات من العقاب، وتوفير ضمانات عدم تكرار الانتهاكات عن طريق الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية والسياسية . وذكر بما للسلطة التشريعية، خاصة في مرحلة التأسيس، من مسؤولية كبيرة وتاريخية في سن القوانين والتشريعات التي تستجيب لتطلعات الشعوب وطموحاتها في بناء دولة القانون والمؤسسات ، وتسمح بالكشف عن حقيقة الانتهاكات وجبر ضرر الضحايا ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات. يذكر أن هذه الندوة التي ينظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان على مدى يومين، بتعاون مع مفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان، تهدف إلى تبادل التجارب والخبرات والممارسات في هذا المجال والوقوف عند التحديات المطروحة في ما يتعلق بدور البرلمانيين في مسلسل العدالة الانتقالية، لاسيما في مراحل المشاورات والبحث عن الحقيقة والإعداد للإصلاحات المؤسساتية. وتعرف الندوة مشاركة برلمانيين وممثلين عن مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان وعن القطاعات الحكومية المعنية من عدد من الدول العربية ، وتتركز أشغالها بالخصوص حول العدالة الانتقالية باعتبارها أداة للتحول الديمقراطي وسيادة حكم القانون في أعقاب الربيع الديمقراطي ، ودور ممثلي الشعب في المشاورات الوطنية حول العدالة الانتقالية ، والتدابير التشريعية لإحداث لجان الحقيقة ، وتدابير إقرار المساءلة واعتماد القوانين في مجال العدالة الانتقالية.