أثير عبد الله النشمي كاتبة سعودية شابة، حققت شهرة مستعجلة في غضون ثماني سنوات، بعد أن صدرت لها عن دار الفارابي ببيروت أعمال روائية عديدة؛ كان أولها رواية "أحببتك أكثر مما ينبغي" سنة 2009، التي تجاوز عدد طبعاتها تسع عشرة طبعة. تلتها رواية "في ديسمبر تنتهي كل الأحلام" سنة 2011، التي طُبع منها ما يناهز عشر طبعات. وبعدها أصدرت رواية "فلتغفري" سنة 2013، وتجاوزت أيضا عشر طبعات. ثم رواية "ذات فقد" سنة 2016 في طبعتين اثنتين. وصدرت لها عن دار الساقي رواية واحدة هي "عتمة الذاكرة" في طبعة رابعة سنة 2016. هذا الانتشار الواسع الذي حققته أعمال هذه الكاتبة هو ما دفعنا إلى وقفة موضوعية مع إحدى هذه النصوص، لملامسة سر هذه الشهرة مقارنة مع قيمة أعمالها. تحكي الكاتبة في روايتها "ذات فقد" عن قصة امرأة اسمها "ياسمين" عانت اليتم والفقد منذ طفولتها، بسبب موت والدها فجأة إثر حادثة سير، وتعيش بعد ذلك في عزلة وتعاسة مستمرتين مع أمها وشقيقتيها بمدينة الرياض، إلى أن تزوجت ب "مالك" الذي تعرفت عليه بشكل عابر. لكن سرعان ما تعود بها الأقدار إلى دوامة الفقد والتعاسة، لتفقد هذه المرة حب زوجها الذي يخونها مع نساء أخر أكثر من مرة، فتقرر ياسمين بعد ذلك الرحيل من بيته تاركة إياه. لكن القدر أراد لها عكس ذلك، إذ ستكتشف قبل رحيلها بقليل أنها حامل من "مالك"، وتضطر للبقاء معه واجترار المهانة في سبيل ابنها "نهار" الذي أحبته، لكنه يتركها هو الآخر في أشهره الأولى ليموت غرقا في مسبح الدار. هكذا يمكن تلخيص أحداث الرواية بعد جهد كبير لجمع أشتاتها في ثنايا النص، فهي ضائعة بين كثرة التأملات المستفيضة حول الموت والحب والألم والأمومة وغيرها من الموضوعات، وبين استطرادات جانبية لا علاقة لها -أحيانا- بالأحداث التي تقع في النص. وقد تبين لنا أن النص فاقد لكثير من مظاهر الجودة، ويرجع ذلك إلى مستويات أربعة، هي: غياب الانسجام بين الأحداث، وانعدام التفاعل بين الشخصيات وبين ما يقع من أحداث، وعدم تأثير البعد الزماني والمكاني في مسار الأحداث، ثم افتقار النص إلى لغة فنية ممتعة تشد القارئ إليها. تنافر الأحداث إن رواية «ذات فقد» تفتقر إلى انسجام الأحداث وتفصيلها وتناسلها في ما بينها، إذ النص الروائي عادة ما يعج بأحداث وتفاصيل كثيرة متداخلة ومترابطة فيما بينها يؤدي بعضها إلى بعض بشكل يصعب معه الاستغناء عن أي حدث كيفما كان في القصة، فأي تغيير في أي حدث يؤدي حتما إلى انهيار بناء القصة أو تشوهه. وهذا أمر لا نجده نهائيا في رواية «ذات فقد». ويمكن حصر مضمون هذه الأخيرة في أربعة أحداث رئيسة تشكل عمود القصة؛ وهي حسب ترتيبها الزمني في النص: موت أب «ياسمين»، وهي ما زالت طفلة، بسبب حادث سير مفاجئ. لقاء "ياسمين" ب "مالك" في بيروت صدفة، وزواجهما المباغت. حمل "ياسمين" بابنها الذي فاجأها وزوجَها، وولادة "نهار" الغير منتظرة. موت الصغير "نهار" فجأة بعد أن غرق في مسبح الدار. فهي أحداث رئيسية مفرقة، يسرد كل حدث منفصلا عن الآخر، بل إن الصدفة والمفاجأة هي التي تصنع الأحداث، وليس الأحداث هي التي تتناسل وينتج بعضها بعضا. فكل حدث تفصله عن حدث آخر تأملات مستفيضة في موضوع الموت، أو الحب، أو الأمومة، أو غيرها. وبين الفينة والأخرى تقحم الكاتبة أحداثا جزئية لا دور لها في البناء السردي للنص. فبشكل مفاجئ تحدثنا "ياسمين" عن ولهها بالموسيقى ورغبتها الشديدة في امتلاك جهاز "بيانو"، ثم عن رغبتها في اللقاء بصديقاتها في الدراسة ودعوتهن للعشاء في أحد المطاعم في نفس الآن. فأي علاقة إذن بين حديث "ياسمين" عن إخبارها لأمها بحملها من مالك ، وبين شراء زوجها لها "البيانو" الذي أصرت على امتلاكه، وبين دعوة صديقاتها للعشاء خارج المنزل، سوى أن الكاتبة تكتب فقط من أجل الكتابة، وتجعل الصدفة والمفاجأة سببا لكل أحداث روايتها. تفاعل الشخصيات: ترسم الكاتبة أثير عبد الله، شخصيات روايتها وتوزعها في ثنايا النص بشكل عشوائي، حيث لا تفاعل لهذه الشخصيات مع ما يقع في محيطها، فالأحداث التي جرت في الحكاية إنما وقعت بمحض الصدفة ولم تساهم الشخصيات في خلقها أو تغيير مسارها، ولم تؤثر في وقوعها أو تتأثر بوقوعها، باستثناء «ياسمين» الساردة التي تسافر وتفكر وتعزف وتنام وتستيقظ وتخرج وتدخل ويؤثر فيها كل شيء. إن شخصيات النص لا تأثير لها في ما يقع، فكلها ظهرت مرة واحدة في النص كله من خلال ورود أسمائها على لسان الساردة دون أن تعطيها ولو وصفا واحدا. باستثناء الأم و»مالك»، اللذين ظهرا بضع مرات، عن طريق إقحامهما في حوارات مقتضبة، سرعان ما تنتهي دون سبب أو نتيجة. فالرواية انتهت دون أن نعرف شيئا عن أي شخصية، فحتى زوجها «مالك» لا نعرف ما كانت وظيفته، وما علاقته بأسرتها، وأين يقضي وقته خارج العمل، وغير ذلك. جدوى الزمان والمكان: تكاد الكاتبة أثير عبد الله تستغني في روايتها «ذات فقد» عن عنصري الزمان والمكان، فأقل ما يمكن قوله في هذا الجانب أن القصة جرت في اللازمان واللامكان؛ حيث تحس، وأنت تقرأ الرواية منذ بدايتها حتى نهايتها، وكأن الساردة تتذكر ما جرى في حياتها وتتأمله وهي تلازم مكانا واحدا في زمن واحد، لولا بعض الحوارات التي تجريها مع «مالك» أو مع أمها بين الفينة والأخرى؛ التي توحي لك بأن هناك تحول ما في زمن وقوع الحدث أو مكانه. إن أحداث القصة لم تفصلها محطات زمنية واضحة، ولم تؤطرها فضاءات مكانية معينة، تجعل القارئ يحس بوجود تغير وتطور في مسار الأحداث عبر زمن ومكان وقوعها. وهذا لا يعني أن النص كله خال من الأزمنة والأمكنة، بل إنه ليس هناك أي تحول زماني أو مكاني في القصة، ولا تؤثر هذه الأمكنة والأزمنة في أحداثها ولا في شخصياتها، إنما ذكرت اعتباطيا على لسان الساردة. فإذا تتبعنا المسار الزمني لحياة «ياسمين» مثلا نجد فراغات شاسعة في حياة هذه الشخصية، يصعب معها فهم القصة وتتبعها، ف «ياسمين» طفلة فقدت أباها فجأة، وتزوجت «مالكا» فجأة وأنجبت «نهارا» فجأة وفقدته فجأة. فهل الطفلة قضت بقية طفولتها في المزرعة أم عادت إلى بيت أبيها في الرياض، ومتى عادت إن كان الأمر كذلك، هل كانت تدرس وأين كانت تدرس، متى تزوجت من «مالك» وأين، وكم كان عمرها عند الزواج، والقارئ يعرف أن لقاءهما في بيروت كان عابرا، ثم هل «مالك» يقطن ببيروت أم بالرياض أم بمكان آخر، كم كان عمرها لما أنجبت «نهار»؟ وبالتالي فالزمان والمكان في نص «ذات فقد» لا جدوى منه، ما دام لم يوظف بشكل يؤثر في مسار السرد وتحولاته، ولهذا فالنص يظهر كأنه مقطع سردي واحد، يغيب فيه التعاقب والترابط الزمنيين بين الأحداث، وتغيب فيه الفضاءات المكانية التي تؤطر النص وتمنحه وجوده الفعلي، وتساهم في تحريك وتوجيه الشخصيات والأحداث وفق مسارها السردي. اللغة والأسلوب: لم تقتصر العشوائية والارتجال على طريقة بناء القصة و سرد أحداثها واختيار شخوصها في رواية «ذات فقد»، بل طال ذلك أيضا لغة النص وأسلوبه. فقد وظفت الكاتبة لغة جافة مبتذلة لا لذة فيها ولا متعة؛ خالية من أي جمالية في التعبير ولا دقة في التصوير والوصف، ولا انسجام بين فقرات النص. وتختلف تجليات رداءة لغة هذا النص من ركاكة في التعبير، وغياب وصف دقيق لفظا ودلالة، ووجود أخطاء لغوية أحيانا، ناهيك عن غياب انسجام وتناسق بين فقرات النص الناتج عن «سوء التخلص» من موضوع لآخر، وتكرار عبارات محددة في بداية أغلب فقرات النص. فقد كان من المنتظر أن نقرأ لغة شعرية جميلة تتلألأ روعة ورونقا، خاصة وأن النص يتناول موضوعات نفسية وجدانية، لكن الأمر لم يكن كذلك. إن المطّلع إذن على الروايات الثلاث «أحببتك أكثر مما ينبغي» و»فلتغفري» و»ذات فقد»، سيدرك لا محالة أن الكاتبة أثير عبد الله النشمي تزداد كتاباتها السردية رداءة كلما تقدمت في الكتابة، ويظهر ذلك جليا في روايتها الأخيرة «ذات فقد» على مستويات عدة؛ إن على مستوى أحداث القصة أو عناصرها السردية على مستوى اللغة، إلى درجة تجعلك تشك أحيانا أن التي كتبت هذ النص قد حققت أعمالها هذا الصيت الواسع. فيكفي القول إن لغة هذه النص لا ترقى إلى اللغة الأدبية المعهودة في النصوص الروائية، إذ يبدوا أن الكاتبة أثير عبد الله إنما تطلق الكلام على عواهنه، وتكتب كل ما يخطر لها على بال، دون أن تكلف نفسها عناء تنقيح نصها وصقل لغة كتابتها، وإزالة ما يعكر رونقها وجمالها من شوائب التكرار والاستطراد والأخطاء أحيانا، لكن كيف وهي التي وصفت جنينا صغيرا ولد لتوه في الصفحة (84) بقولها: «كان جميلا بشعره الأدكن الكثيف، وبفمه الصغير وحاجبيه الرفيعين».