إن القطاع العقاري يعد من القطاعات المربحة جدا على المستويين الميكرواقتصادي والماكرو اقتصادي. وموازاة مع أهمية هذا القطاع الحيوي، المرتبط باستغلال تراب المجالات الحضرية قصد تأهيلها معماريا وتمكين المواطنين من السكن الصحي، تابع الرأي العام التدخل الملكي الأخير، الهام جدا في رمزيته السياسية، في موضوع المشروع العقاري لسي جي إي بمدينة الحسيمة، المشروع الذي مازال يشكل مادة إعلامية دسمة بالنسبة للمنابر الصحافية الوطنية الورقية والإلكترونية. الرمزية السياسية في هذا الشأن تتجلى في حرص المؤسسة الملكية على حماية المواطنين سياسيا (مجال الحريات والحقوق) واقتصاديا (حماية المستهلكين). إنه حرص ملكي، بقدر ما يعبر على الحرص الشديد للملكية على تطبيق الدستور الجديد (ربط المسؤولية بالمحاسبة) ، بقدر ما يبين في نفس الآن عن القصور أو العجز أو التجاهل الحكومي لمجال المراقبة والفحص للمشاريع الحكومية وتقييمها. بالطبع، لقد لمسنا ارتياحا كبيرا لدى المواطنين الطامحين في الحصول على المساكن الاقتصادية في المدن التي نعرفها في جهة الغرب الشراردة بني احسن. ففي مدينة القنيطرة، ومن خلال نقاشاتنا مع مجموعة من المستهلكين الذين دفعوا مبالغ («تسبيق») تتراوح ما بين عشرة آلاف درهم ومائة ألف درهم لحجز الاستفادة من مسكن في أحد المشاريع العقارية الخاصة المبرمجة أو في طور الإنجاز، تبين لنا أن المشاكل والإشكاليات المطروحة، والتي تثار بكثرة، هي في عموميتها متشابهة مع ما تمت الإشارة إليه من طرف الصحافة الوطنية بخصوص فضيحة مشروع الحسيمة، حيث نذكر أبرز ما يشكو ويتخوف منه المستهلكون على الشكل التالي: * التشكيك في تطبيق دفاتر التحملات، والتعبير عن التخوفات من حدوث تغييرات في التصاميم التي اطلعوا عليها في البداية، * التعبير عن تخوفات في شأن الغش في البناء وفي أشغال إتمام المباني (معدات وتجهيزات الماء الصالح للشرب، والصرف الصحي، والكهرباء، والصباغة،....)، * الإقرار بتجاوز آجال التسليم المتفق عليها شفويا في أغلب المشاريع. فالوعود المعلنة بتسليم الشقق بشكل قانوني هي على العموم لا تتجاوز السنتين، بينما تتراوح هذه المدة في الواقع ما بين ثلاث إلى أربع سنوات، بل وتتجاوزها في أغلب الحالات (الوقت له ثمن وادخار المبالغ المدفوعة في البنوك قد يشكل دخلا محترما بالنسبة للمنعشين العقاريين على حساب مصلحة الزبناء)، * الاكتفاء في أغلب الحالات بتوقيع التزامات أو وصول بالدفع المسبق بدون تمكين المستفيدين من التصاميم الخاصة بالعمارات والشقق وكذا بشروط الجودة في البناء وإتمام أشغال البناء، * الإحساس العام بوجود خلل في تطبيق قانون بيع العقارات السكنية على أساس التصاميم المصحوبة بوعد بإنهاء الأشغال في مدة معينة. لقد أبان تطبيق هذا القانون على عدم وجود توازن في الحقوق في العملية التعاقدية بين المنعشين العقاريين والمستفيدين، * إحساس عام عند المستهلكين بعدم وجود أي حماية لهم ولا ضمانات قانونية تمكنهم من الدفاع على حقوقهم في حالة الإخلال بشروط الجودة والمساحة. على الأقل، يجب أن يكون أساس عملية الحجز إبرام عقدة بمقتضيات واضحة مشفوعة بضمانات بنكية أو تأمينية موقعة من طرف المنعش العقاري، * ..........إلخ إجمالا، لقد اتضح اليوم بالنسبة لهذا القطاع الاقتصادي الحيوي المربح أن الحكومة الحالية، منذ تنصيبها، لم تعط الأهمية المطلوبة لجانب المراقبة والفحص وحماية المستهلكين، الشيء الذي جعل القطاع يعرف فوضى كبيرة. فإضافة إلى الحاجة إلى تشديد المراقبة على تطبيق القانون، فالحكومة مطالبة كذلك، من أجل ضمان حكامة جيدة لهذا القطاع، بتحديد وتدقيق المسؤوليات ما بين المتدخلين (الجماعات المحلية، المنعشين العقاريين العموميين (العمران كنموذج)، هيئة المهندسين المعماريين ومجالسهم الترابية (المسؤولية في الإشراف على المشاريع)، فيدرالية المنعشين العقاريين الخواص، مكاتب الدراسات والمراقبة والتتبع، الوكالات الحضرية، وزارة التعمير وتهيئة التراب الوطني، وزارة الإسكان وسياسة المدينة، وزارة الداخلية،...). كما اتضح كذلك، من خلال تتبعنا لتصريحات المنعشين العقاريين الخواص، أن تطور القطاع والرفع من نجاعته ومردوديته بالنسبة للفاعلين فيه، يتطلب تطوير منظومة الخدمات العمومية المقدمة للمستثمرين، خاصة كل ما يتعلق بالسرعة في تقديم التراخيص، وإجراءات التجزيء والتسجيل والتحفيظ، والتسريع في تنفيذ الأحكام في حالة وجود نزاعات عقارية قد تعصف بمصالح المنعشين والمستهلكين على السواء،....إلخ.