لعل ما يمكن أن يحفزه فينا خطاب الملك الذي نقله رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة لموضوع «التنمية البشرية المستدامة»، هو استحضار للذاكرة الجماعية ليس لقادة الدول فحسب بل للشعوب وخاصة تلك التي اكتوت بنار الاستعمار، فذلك الخطاب الذي لخص في جملة واحدة أن «الغرب الاستعماري هو المسؤول المباشر في الوضعية المتأزمة التي نعيشها». فما نحن فاعلون كشعب لدفع الغرب إلى تقديم الاعتذار للمغرب و المغاربة والتعويض عن الحقبة الاستعمارية الغاشمة؟ ربما هي مجرد أفكار قد لا يكون لها معنى في المرحلة الحالية التي يعيشها المغرب، لكن اليقين إن لم نفعل هذا الآن، سيأتي جيل يجبر كل دولة نهبت خيرات هذا الوطن واستنزفت موارده، على الاعتذار الرسمي، واسترجاع ما سرقته لهذا الشعب، واسترجاع كرامته أمام الشعوب والأمم. إن الذاكرة الجماعية للمغاربة لن تنسى يوما، ما تعرض له المغرب من نهب لخيراته الاقتصادية ومن تشويه لبنيته الاجتماعية وما كرسه الاستعمار الغاشم من فوارق طبقية لا زالت قائمة الى اليوم، فلن ينسى المغاربة ذاك الماضي المؤلم والمخزي والمرعب أيضا. فلا يستطيع أي عقل بشري إحصاء وتقدير حجم الآثار المادية والمعنوية للاستعمار، فالثروة اللامادية التي يعتكف المغرب على تقديرها اليوم، تم تدمير قيمها وركائزها خلال تلك الحقبة السيئة في تاريخ المغرب. فنحن أصحاب حق، والحق مقدس وشرعية مطالبنا لازالت قائمة، فجرائم الاستعمار التي ارتكبت في حق الشعب المغربي خلال 44 سنة لا يمكن أن تسقط بالتقادم من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني. بما أن الدولة المغربية قامت بالاعتراف وجبر الضرر عن سنوات الرصاص، والالتزام بعدم تكرار الماضي الأليم، فمن الواجب أيضا على الدول الاستعمارية التي احتلت المغرب جبر الأضرار عن المرحلة الاستعمارية، وهي قضية مشروعة، وحصلت في العديد من الدول بأمريكا اللاتينية، ودول أوروبية، وحتى في بعض الدول الأفريقية كان آخرها انتزاع ليبيا الاعتذار الرسمي وإقرار إيطاليا بجرائمها أمام المنتظم الدولي وقبولها بمبدأ التعويض المادي عن فترة الاستعمار. إن الإشارة التي يجب أن نلتقطها من الخطاب الملكي، هو تكسير ذلك الطابو الذي كان كابحا لحركية المغاربة في الجهر علانية وبصوت مرتفع: أعيدوا لنا كرامتنا التي دنستموها خلال 44 سنة من العار، فاليوم لم تعد «المصلحة العليا للدولة» المغربية هي الصمت والتغاضي عن ما لحقنا من انتهاكات وتدمير لقيمنا الانسانية والاجتماعية، فاليوم فتح الخطاب الملكي النافذة للجهر والتحرك والعمل لدفع فرنسا وإسبانيا للاعتراف وجبر الضرر والتعويض عن مآسي الحقبة الاستعمارية، وسبيلنا إلى ذلك فتح جبهة نضالية على هذا المستوى، لأن واقعنا اليوم لا تتحمل فيه الدولة بكل أجهزتها المسؤولية كاملة، فالاستعمار يتحمل الجزء الأكبر في وضعنا الحالي، فلولا مواردنا وخيراتنا لما وصلت تلك الدول لما هي عليه اليوم، ولنا من السبل والآليات إمكانيات عديدة لتأسيس حركة شعبية للضغط وإثارة انتباه المجتمع الدولي والشعوب من أجل رد الاعتبار للمغرب عن الفترة الاستعمارية الغاشمة. [email protected]