المدير العام للشرطة الاتحادية البرازيلية يؤكد على أهمية التعاون الأمني مع المغرب    انهيار عمارة قيد الإنشاء بطنجة والوقاية المدنية تبحث عن شخص مفقود (فيديو)    "الأبواب المفتوحة" للأمن الوطني تستقطب أكثر من مليوني زائر    سويسرا تصفع الجزائر وبوليساريو: لا وجود لتمثيلية لانفصاليي البوليساريو لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف ولا على الأراضي السويسرية    انتشار متحور "بيرولا" يقلق سكان مليلية    تفاوتات لسعر الغاز بالجنوب الشرقي    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأحمر    الاتحاد الأوروبي يقرر الزيادة في رسوم "تأشيرات شنغن" للإقامة قصيرة الأمد    "الكتاب" يعدد نواقص العمل الحكومي        طقس الأربعاء.. أمطار ورياح قوية بهذه المناطق    الملك محمد السادس يأمر بتوشيح ضباط أمريكيين لتعزيز التعاون مع المغرب    دولة أوروبية تهدد باعتقال نتنياهو وغالانت    توني كروس يعتزل اللعب بعد كأس أوروبا 2024    أمن بني مكادة يوقف شخصين متلبسين بحيازة وترويج المخدرات    خلال أسبوع.. 21 قتيلا و2808 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية وتسجيل أزيد من 39 ألف مخالفة    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 12,3 في المائة عند متم أبريل 2024    الأميرة للا حسناء تدشن المنتزه التاريخي لحبول في مكناس بعد تجديده    انعقاد مجلس الحكومة بعد غدٍ الخميس.. وهذه المراسيم التي سيتم تدارسها    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (13)    "الفيفا" يهدد الوداد بالحرمان من المشاركة في "الموندياليتو"    مناورات الأسد الإفريقي.. 20 عاما من الخبرات المتراكمة    عائلات ضحايا المحتجزين في ميانمار تنتظر مخرجات مباحثات الصين والمغرب    الأمثال العامية بتطوان... (604)    نفاذ تذاكر حفل أم كلثوم قبل شهر من انطلاق مهرجان "موازين"    المغرب ورومانيا تحتفلان بعلاقاتهما الدبلوماسية بإصدار خاص لطابعين بريديين    الشامي: الفقيه بنحمزة ساند بالتصويت توصية المجلس لتجريم تزويج القاصرات    من تبريز.. بدء مراسيم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه وسط حشود ضخمة    يامال يتفوق على الخنوس بخصوص جائزة أفضل لاعب شاب في الدوريات الأوروبية    الذهب يقترب من ذروة قياسية وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي    فضيحة الإخراج التلفزي لمباراة الزمالك وبركان تدفع ال"كاف" للاعتماد على مخرج إسباني في نهائي الأهلي والترجي    عملية مرحبا 2024 : اجتماع بطنجة للجنة المغربية – الإسبانية المشتركة    محاكمة أمير ألماني وعسكريين سابقين بتهمة التخطيط لانقلاب    وزارة الإقتصاد والمالية… فائض في الميزانية بقيمة 6,1 مليار درهم    ارتفاع ب 18 بالمائة في أبريل الماضي بمطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء    "مايكروسوفت" تستعين بالذكاء الاصطناعي في أجهزة الكومبيوتر الشخصية    الحكومة تتوقع استيراد 600 ألف رأس من الأغنام الموجهة لعيد الأضحى    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    الاتحاك الإفريقي يدين الأحداث التي أعقبت لقاء نهضة بركان والزمالك    تصفيات المونديال: المنتخب المغربي النسوي يواجه زامبيا في الدور الأخير المؤهل للنهائيات    في مسيرة احتجاجية.. مناهضو التطبيع يستنكرون إدانة الناشط مصطفى دكار ويطالبون بسراحه    إميل حبيبي    مسرحية "أدجون" تختتم ملتقى أمزيان للمسرح الأمازيغي بالناظور    مساء اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: أكنسوس المؤرخ والعالم الموسوعي    صدور كتاب "ندوات أسرى يكتبون"    بلاغ صحافي: احتفاء الإيسيسكو برواية "طيف سبيبة" للأديبة المغربية لطيفة لبصير    هاشم بسطاوي: مرضت نفسيا بسبب غيابي عن البوز!!    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    رئاسة النظام السوري تعلن إصابة زوجة بشار الأسد بمرض خطير    نقاد وباحثون وإعلاميون يناقشون حصيلة النشر والكتاب بالمغرب    صلاح يلمّح إلى بقائه مع ليفربول "سنقاتل بكل قوّتنا"    رغم خسارة لقب الكونفدرالية.. نهضة بركان يحصل على مكافأة مالية    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    الأمثال العامية بتطوان... (603)    تحقيق يتهم سلطات بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوث أودت بنحو 3000 شخص    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    لماذا النسيان مفيد؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في سياق النقاش العمومي حول راهن و آفاق المنظومة التربوية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 29 - 10 - 2014

قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة اختار لها عنوان «من أجل إعمال متساو و منصف للحق في التربية و التكوين «و ذلك مساهمة منه في إغناء النقاش العمومي المفتوح اليوم حول راهن و أفق المنظومة التعليمية ببلادنا .. المجلس اعتبر مذكرته مساهمة في إجراء مراجعة موضوعية للذات انسجاما مع المراجعة التي دعا إليها ملك البلاد و ترتفع من أجلها اليوم أصوات المجتمع بمختلف فاعليه ، كما تأتي هذه المبادرة في سياق تفعيل أحكام الدستور و التزامات المغرب الوطنية والدولية .. ورقة التقديم التي دبجت مذكرة المجلس الوطني، أكدت على أن إصلاح المدرسة المغربية و التقدم على درب حماية حقوق الإنسان و النهوض بها يشكلان بالنسبة لمؤسسة وطنية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وجهين لمشروع مجتمع واحد.. مشروع يطمح إلى جعل إصلاح منظومة التعليم رافعة رئيسية تطور المجتمع و تجعله أكثر عدلا و تضامنا ونماء .. كما أن التربية تعد الوسيلة الرئيسية لتملك ثقافة حقوق الإنسان و مرجعياتها، حيث تسمح للمواطنين و المواطنات بصنع مستقبلهم و تكرس ممارستهم لحقوقهم و احترام واجباتهم في إطار معرفتهم لشروط العقد الاجتماعي الذي يربطهم بالدولة و بالمؤسسات و بالجماعات التي ينتمون إليها مما يمكنهم بشكل كامل من المساهمة في البناء الديمقراطي والتنمية البشرية المستدامة في مجتمع قائم على أسس الإنصاف واحترام حقوق الإنسان الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية.. مذكرة المجلس تناولت بالتشخيص أهم الاختلالات التي تعرفها المنظومة التربوية ببلادنا كما قدمت بالمقابل البدائل المطلوبة لتجاوز أوجه القصور و التي تتطلب - حسب تقدير المجلس - تعبئة الدولة و الجماعات والفاعلين التربويين والأسر حول مبادرة قوية و حازمة و قادرة على تحقيق القطيعة اللازمة والتغيير النوعي المنتظر.. المجلس أعرب في خلاصة مذكرته عن استعداده لوضع كافة إمكاناته و موارده للمساهمة في هذه المهمة ذات المصلحة العليا في إطار شراكات و برامج للنهوض بثقافة حقوق الإنسان و المواطنة.
أوجه القصور و الاختلالات الرئيسية
في المنظومة التعليمية الوطنية..
- عدم المساواة في الولوج إلى التعليم : على الرغم من التقدم المحقق و الجهود المبذولة في مجال التمدرس ، يعاني أطفال المناطق القروية ، و لاسيما الفتيات ، و الأطفال الذين يعيشون في الأحياء الهامشية في المناطق الحضرية ، و الأطفال في وضعية إعاقة بشكل كبير ، من عدم المساواة في الولوج إلى تعليم ذي جودة ، حيث إن هذه التفاوتات ترهن تمتع هؤلاء الأطفال بالحقوق المعترف لهم بها و كذا مشاركتهم الكاملة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية . فإذا كان مؤشر المساواة بين الجنسين يصل إلى 91 % في التعليم الثانوي الإعدادي في المناطق الحضرية، فهو لا يتجاوز 55 % في المناطق القروية. و بالإضافة إلى ذلك ، تبقى المدرسة المغربية إلى حد كبير فضاء لإعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية و لا تساهم بما يكفي في تجديد النخب ، و هو ما تؤكده نتائج البحث الوطني حول «الحركة الاجتماعية بين الأجيال لسنة 2011 « التي يتضح من خلالها أن الارتقاء الاجتماعي يهم بالخصوص الوسط الحضري أكثر من الوسط القروي (51 % مقابل 14.1 %) و انه يشمل الرجال أكثر من النساء (43,7 % مقابل 17,9 %)، كما تسجل هذه الدراسة أن الارتقاء الاجتماعي يرتبط إلى حد كبير بالمستوى التعليمي ، إذ ينتقل من 26,5 % في صفوف غير الحاصلين على الشواهد إلى 84,3 % لدى خريجي المدارس و المعاهد الكبرى .
- تأخر التعليم الأولي : يعتبر التعليم الأولي حجر الزاوية في أي بناء تربوي عصري ، إلا أن هذا الصنف من التعليم يعاني بالمغرب من التشتت، و ذلك نظرا لتعدد المتدخلين وضعف التنسيق فيما بينهم، بالإضافة إلى اعتماد ممارسات تربوية متناقضة لا تنصهر بارديغمات تعليمية مشتركة ، حيث تتوزع بين أساليب التدريس التقليدية (لمسيد أو الكتاب) والطرق البيداغوجية العصرية التي تعتمدها بعض المدارس بالمراكز الحضرية و الموجهة أساسا للطبقات المتوسطة والميسورة. وينعكس هذا التباين على أساليب التدريس وأيضا على المحتوى البيداغوجي و على اللغة المستعملة للتواصل و التعليم. ونظرا لطاقته الاستيعابية المحدودة التي تقارب 700.000 طفل (2011 - 2010 )، فإن قطاع التعليم الأولي يبقى بعيدا عن تحقيق هدف التعميم الذي ينص عليه الميثاق الوطني وذلك جراء تركزه في المناطق الحضرية و انخفاض معدلات تمدرس الفتيات في الكتاتيب بالمناطق القروية (حوالي 39 %).. ومما يزيد من تفاقم هذه الفوارق ، ضعف البنيات التحتية و تواضع مستوى تأهيل المربين والمربيات المشرفين على التعليم الأولي. وفي غياب سياسة قادرة على وضع مفهوم عصري للتعليم الأولي متكيف مع احتياجات الأطفال وخصوصيات السياق الاجتماعي المغربي، كما اقترح ذلك تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2008 سيبقى التعليم الأولي للأطفال الصغار (ما بين 3 و 5 سنوات) خاضعا إلى حد كبير لنوع من المنطق المالتوسي الذي يعيد إنتاج الفوارق الاجتماعية .
- استمرار الأمية و ضعف معدلات مواصلة الدراسة : لقد أكدت العديد من الدراسات استمرار ظاهرتي الأمية والهدر المدرسي، و ما ينتج عنهما من ارتفاع عدد الشباب الأميين. وعليه، يلاحظ أن 46 % فقط من الفئة العمرية المسجلة في السنة الأولى من التعليم الابتدائي تتمكن من الوصول إلى السنة النهائية من التعليم الإلزامي، وهي نسبة تبقى أقل بكثير من الهدف الذي حدده الميثاق الوطني (80 %)، و على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة في مجال تعميم التمدرس، فإن الاحتفاظ بالأطفال على مقاعد الدراسة إلى نهاية التعليم الإلزامي، وضمان مردودية المنظومة التربوية والاستثمار العمومي المخصص لها، تطرح إشكاليات حقيقية. وتنطبق هذه الملاحظة على المنظومة التعليمية وكذا على التكوين المهني بالمؤسسات المخصصة لذلك ، ناهيك على التكوين المستمر الذي ينبغي أن يشكل محركا فعليا لا محيد عنه من أجل ضمان التكوين في جميع مراحل الحياة . ويتضح ذلك من خلال وضع الأطفال المتمدرسين، و كذا أولئك الذين يغادرون المدرسة كل سنة قبل إكمال مرحلة التعليم الإلزامي، والذين قدرت أعدادهم بحوالي 340.000 تلميذ في نهاية العشرية السابقة .
- العجز المزمن على مستوى التعليم العالي: حقق الإصلاح الجامعي الأخير ابتداء من سنة 2003 العديد من المكتسبات على المستوى المؤسساتي والبيداغوجي، وكذا على مستوى بنية وحكامة البحث العلمي. إلا أن ثمار هذا الإصلاح لا تزال بعيدة عن الخروج بهذا القطاع من الاختلالات المزمنة التي عانى منها طيلة عقود مضت . و من أولى مظاهر هذا العجز الضعف النسبي لأعداد الطلبة الذين تستقبلهم مؤسسات التعليم العالي . ففي سنة 2010 ، لم يتجاوز عدد الطلبة المسجلين في أسلاك التعليم العالي مجتمعة 447.000 طالب . و تظهر أوجه القصور واضحة في هذا الإطار عند مقارنة المغرب بالدول المغاربية و بدول العالم العربي الأخرى ، حيث تحتل الجامعة المغربية في هذا الإطار إحدى المراتب المتأخرة بنسبة 15 طالب لكل ألف نسمة، في حين تصل هذه النسبة إلى 34 في الألف في تونس و 32 في الألف في الجزائر و 40 في الألف في الأردن. ومع تسجيل بعض الارتفاع في أعداد الطلبة (ابتداء من 2010)، خاصة بفضل تزايد عدد الحاصلين على شهادة الباكلوريا (32 % سنويا)، سجل عدد الأساتذة الباحثين انخفاضا بنسبة 3,6 % بين سنتي 2005 و 2009، حيث انتقل من 14.416 إلى 13.909 أستاذ ، في حين تم في كل دول العالم العربي، تسجيل ارتفاع سريع لعدد العاملين في القطاع .
- بحث علمي في مرحلة جنينية : تؤثر العناصر المتعلقة بالتعليم الجامعي المذكورة أعلاه بشكل سلبي على البحث العلمي الذي تبقى معطياته غير مشجعة بالمرة ، و هو ما ينطبق مثلا على عدد الطلبة المسجلين في سلك الدراسات العليا ) أقل من 40.000 طالب و طالبة). كما لم يتجاوز معدل الحصول على شهادة الدكتوراه التي تمنحها الجامعات المغربية سنويا ، بين عامي 1999 و2009، 786 شهادة ، مما يعكس حالة من الركود طالت لسنوات. ونظرا لغياب دينامية فعلية في مجال البحث العلمي، فقد أصبحت المركبات الجامعية المغربية فضاءات محرومة من الشروط الضرورية التي من شأنها أن تجعل منها مدنا علمية حقيقية .
- جودة مفقودة : منذ أن أصبح المغرب يتوفر على أداة وطنية لرصد تعلمات التلاميذ وتحصيلهم في المواد الأساسية مثل البرنامج الوطني لتقويم التعلمات، وعلى دراسات و أبحاث دولية مثل برنامج الدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءة في العالم PIRLS و برنامج «الاتجاهات في الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم TIMSS بات بالإمكان قياس أهم الاختلالات والنواقص التي تعتري تحصيل التلاميذ المغاربة في التعليم الابتدائي و كذا الثانوي الإعدادي . وفي هذا الإطار مثلا، أظهرت خلاصات برنامج «الاتجاهات في الدراسات العالمية للرياضيات والعلوم « TIMSS لسنة 2011 أن أداء التلاميذ المغاربة انخفض بالمقارنة مع النتائج التي تم تسجيلها في سنة 2007 ، و وقفت نتائج البرنامج كذلك على ضعف مستواهم العام في العلوم و الرياضيات بالمقارنة مع المعدلات الدولية أو تلك المحصل عليها في دول عربية مثل الأردن و تونس ، و هو ما ينطبق أيضا على أداء تلامذة القسم الرابع في القراءة و الكتابة . أما خلاصات و نتائج «الدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءة في العالم « ((2011، فأظهرت أن التلاميذ المغاربة يواجهون جميعهم صعوبات كبيرة في القراءة و الكتابة بالإضافة إلى التراجع الملحوظ في نتائجهم بالمقارنة مع النتائج التي تم تسجيلها في 2006 بمعدل 310 نقطة ، متخلفين كثيرا عن دول المنطقة. والأمر نفسه ينطبق على إتقان اللغات في المدرسة المغربية ، كما تم الوقوف على ذلك في «تقرير الخمسينية» وتقارير المجلس الأعلى للتعليم ، التي سلطت الضوء بالخصوص على عدد من الاختلالات التي تخلق «فجوة لغوية» حقيقية بين تلامذة المدارس العمومية وتلامذة المدارس الخاصة والبعثات والمؤسسات التعليمية الأجنبية. ومما يزيد هذا الوضع تفاقما التباين القائم بين اللغات الأم للتلاميذ (الدارجة والأمازيغية) ولغات القراءة و الكتابة (العربية الفصحى والفرنسية) وهي التباينات التي عجزت المنظومة التعليمية عن تجاوزها بالرغم من الحيز الزمني الكبير المخصص لتعليم لغات التعلم الرئيسية (العربية والفرنسية ). وقد خلف هذا النقص في الجودة صورة سلبية عن منظومة التعليم العمومي التي باتت تعتبر غير فعالة ومصدر قلق بالنسبة للشباب الذين يواجهون صعوبات في تحقيق الاندماج المهني و الولوج إلى سوق الشغل .
- تصور ضيق للتربية: إن الحالات العديدة للانقطاع عن الدراسة و الهدر المدرسي التي تمس عددا مهما من الأطفال، ولاسيما في المناطق القروية، لتشهد على الاهتمام المحدود جدا الذي تحظى به فعليا المدرسة ضمن سلم الاحتياجات الأساسية. تلك التراتبية التي تخترق مجموع مكونات تدبير المنظومة، والمستندة إلى رؤية تعطي الأولوية لتحصيل المعارف المدرسية دون إيلاء اهتمام فعلي لمكونات التنشئة الاجتماعية الأخرى التي تشكل الرافعة الرئيسية لتكوين المواطنين عمادها التعليم الأولي والموازي . و يأتي ذلك نتيجة لضعف استثمار الدولة في التكوين وتثمين الكفاءات ، و كذا ضعف الاهتمام بالمواد الثقافية والفنية والرياضية في المناهج التعليمية .
أوراش إصلاح التعليم ..
- الإنصاف و الجودة : ينبغي لهذين المبدأين أن يوجها أوراش و مشروع إصلاح منظومة التعليم الوطنية .. و يفترض مبدأ الإنصاف القطع من نوع من النزوع التلقائي إلى اعتماد معالجة مساواتية وتطبيقها على حالات تتسم موضوعيا بتفاوتات كبيرة. لذلك ينبغي أن يشكل التعليم العالي الدامج قاعدة مشتركة بين جميع الفاعلين المعنيين بقطاع التعليم، الشيء الذي سيسمح بأخذ الحالات الخاصة للأطفال الأكثر عرضة للتمييز والإقصاء بعين الاعتبار، أي الفتيات بالمناطق القروية والأطفال في وضعية إعاقة وأطفال الأحياء المهمشة وأطفال الشارع أو أطفال المهاجرين، الخ.. أما مبدأ الجودة، فيقتضي أن تكون أجهزة الإدارة والرقابة والمساءلة والتحفيز ودعم الفاعلين المعنيين بالتعليم محورا رئيسيا للنهوض بجودة المنظومة التعليمية. وفي هذا الإطار ، ينبغي تكريس جهد خاص لتوعية الفاعلين وتكوينهم (هيئة التدريس والمنظمات المهنية والمقاولات والنقابات) بثقافة حقوق الإنسان وتجلياتها المختلفة في سياقات حياتهم ومجالات تدخلهم. و من شأن اعتماد سياسة تحسيسية قائمة على التحديد الدقيق للفئات المستهدفة و على معالجة كل حالة على حدة، أن يشجع على تعزيز وعي الفاعلين ومساهمتهم بشكل أفضل في هذا الجهد الوطني الرامي إلى النهوض بجودة المنظومة التعليمية، مما يتماشى مع مشروع المجتمع الحديث والديمقراطي الذي يكرسه الدستور المغربي.
- ضمان الحق في الحصول المنصف على تعليم ذي جودة.. سواء تعلق الأمر بالتعليم الأساسي أو المستمر لكل طفل (ة) أو مراهق (ة) أو شخص بالغ حسب وضعه و إكراهاته و استعدادته الفكرية و الثقافية و المادية. وهو ما يستوجب تطوير عرض تعليمي موحد يستهدف مرحلة الطفولة المبكرة، يتم تعميمه بشكل تدريجي في التعليم الإلزامي (مابين 5 / 4 سنوات إلى 15سنة ) و يتطلب تعميم الولوج إلى التعليم بالنسبة لأطفال المناطق القروية إجراء إصلاح شامل للعرض الحالي ، خاصة تعبئة الموارد اللازمة لنموذج و مشروع «المدرسة الجماعاتية» الذي تم إعداده منذ سنوات مضت و ظل رهين المرحلة التجريبية . ومن أجل ضمان التحاق الفتيات بالمدارس ، خاصة في المناطق القروية، يجب على الهيئات المسؤولة عن حكامة المنظومة التعليمية بمختلف مستويات التنفيذ (الوطنية و الجهوية و المحلية) أن تشجع جميع الفاعلين ، من خلال التدابير التنظيمية، على الانخراط في الآليات المؤسساتية الخاصة التي يجب أن تعمل أساسا على صياغة وتنفيذ مبادرات تضمن نجاح الفتيات في مساراتهن الدراسية، لاسيما خلال مرحلة الانتقال من الابتدائي إلى الإعدادي التي تعد مرحلة حاسمة . كما يجب عليها أن تعمل على تشكيل هياكل مخصصة تحديدا لإدماج الأطفال في وضعية إعاقة في النظام المدرسي، وأن تضع الوقاية من الانقطاع عن الدراسة على قائمة آليات تدخلها ، من خلال الرصد و إعداد التقارير ذات الصلة بهذه المعضلة و توفير البيانات من أجل تحليل أداء وفعالية المنظومة وكذا صياغة السياسات و الاستراتيجيات التعليمية.
- مأسسة المقاربة القائمة على حقوق الإنسان واعتمادها شرطا للموافقة على المشاريع والبرامج المتصلة بالتعليم ونشرها وإعمالها، ويمكن للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يقدم مساهمته في هذا الإطار. ويجب أن تشمل هذه المأسسة لمرجعيات حقوق الإنسان بشكل خاص المحتوى والدعامات (الكتب المدرسية) والأساليب و أجهزة تدبير الأنشطة التعليمية والتكوين الأساسي و المستمر .
- اعتماد مبدأ عدم التمييز كمبدأ رئيسي وعرضاني يراعي جميع مكونات وعناصر العمل والتدبير والبرمجة التعليمية، سواء ما يتعلق بالتمييز على أساس الجنس والانتماء الجغرافي والعرقي والثقافي / اللغوي والاجتماعي ، فضلا عن التمييز الذي يواجهه الأطفال و الشباب في وضعية الإعاقة .
- المشاركة المستجيبة لأهداف تعزيز الديمقراطية، تشجع الفاعلين والمعنيين (التلاميذ والطلبة وأولاء الأمور وهيئة التدريس والموظفين والإداريين...) على المساهمة في رسم السياسات التعليمية و تدبيرها و تنفيذها .
- الحرية والإنصاف في الولوج إلى المعرفة : يقتضيان أن تلتزم الحكومة بتعزيز فرص الحصول على المعرفة لأوسع عدد من الشرائح السكانية و ذلك من خلال توفير الموارد العلمية والفكرية والفنية التي تسمح للمواطنين بممارسة دورهم كاملا كمواطنين مسؤولين و نشيطين، ويتطلب هذا الأمر تعزيز آليات نشر المعرفة ولاسيما عن طريق تعزيز الولوج إلى قنوات التواصل العصرية وتحسين تدبيرها، بما في ذلك على وجه الخصوص وسائل الإعلام الجماعية و تكنولوجيات المعلومات والتواصل الجديدة. ولن يكون لهدف ضمان التعليم حتى سن 15 سنة، معنى إذا أكمل التلميذ تعليمه الأولي دون اكتساب المعارف والكفايات الضرورية، التي تعد «قاعدة مشتركة» أساسية للعيش المشترك وللمواطنة و الديمقراطية .
- قبول و تدبير التنوع الجنسي و الجغرافي واللغوي والعرقي والديني: يتعلق الأمر بعمل أساسي يهدف إلى تطوير الانفتاح، وتعلم مبادئ التسامح والتدبير السلمي للاختلافات لدى المتعلمين وهيئة التدريس والموظفين في القطاع، سواء كانت هذه الاختلافات عقائدية أو أيديولوجية أو علمية أو بيداغوجية، وهذا يعني على وجه الخصوص تشجيع وسائل التحكيم والتشاور حول الخيارات التعليمية، والتحفيز على المنافسة الصحية وحرية اختيار الطرق والدعامات التعليمية طالما أنها مطابقة للمواصفات، والشروط المقررة ولمبادئ الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وأخيرا الانفتاح على خصوصيات الفضاء الثقافي واللغوي والجغرافي للمدرسة .
- تشجيع التفكير النقدي وحرية التفكير: كركائز أساسية للتعلم ، انطلاقا من القيم الجوهرية لحقوق الإنسان : يتم التأكيد على أهمية تشجيع التعليم في الفضاء المدرسي، من خلال النقاش ومقارعة الأفكار دون أي عنف بدني أو مؤسساتي أو رمزي، وهو ما يقتضي العمل على مكافحة جميع أشكال الإرهاب الفكري وجميع أنماط الأيديولوجيات الشمولية كيفما كان مصدرها، وكذا أي شكل من أشكال القيود المفروضة على حرية التعبير والتساؤل لدى المتعلمين .
- تدبير و حكامة و مراقبة الملك العمومي: يتعلق الأمر هنا بتعزيز تتبع و مراقبة تطبيق الحكامة الجيدة فيما يرتبط بالوسائل والموارد المتاحة لقطاع التعليم، من أجل تقوية الكفاءة والفعالية. وهذا يعني مكافحة كل أشكال الفساد وانتهاك حقوق وكرامة الأطفال المراهقين، والتصدي للشطط في استعمال السلطة واستخدام تقوية الممتلكات العمومية لأغراض شخصية أو بشكل غير مبرر لفائدة فئة اجتماعية أو ثقافية أو جغرافية أو سياسية.
- الشراكة : إذا كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان يبادر إلى التذكير بهذه الأسس الجوهرية ، فذلك يأتي انطلاقا من اتفاقية الشراكة التي تم توقيعها في 26 دجنبر 1994 بين وزارة حقوق الإنسان (سابقا) و وزارة التربية الوطنية ، و التي أفضت إلى ميلاد البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان.. وبعد ما يقارب عشرين سنة ، يتعين إعطاء نفس جديد لهذا المشروع الذي عبئت له الموارد البشرية و المالية ، خاصة بالنظر للمكتسبات التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان، وكذا بالنظر للطموح الكبير ل «الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان « ذلك المشروع الذي تجندت له طاقات عديدة لكي يرى النور والذي لابد أن يجد له موطئ قدم في البيئة التعليمية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.