شهدت الحدود البحرية مع مدينة سبتة، واحدة من أصعب الليالي على مستوى ضغط الهجرة غير النظامية، بعدما حاول نحو 300 مهاجر العبور سباحة من شواطئ الفنيدق نحو المدينة، مستغلين موجة ضباب كثيف غطت المنطقة الساحلية، وفق ما أفادت به مصادر محلية. وأوضحت المصادر أن أغلب المشاركين في هذه المحاولة ينتمون إلى فئة الشباب والمراهقين، بينهم فتيات، انطلقوا بألبسة عادية وبعضهم استعان بقطع بلاستيكية أو عوامات بدائية لمساعدتهم على الطفو وسط مياه البحر. - إعلان - ورغم التدخل المكثف لعناصر الحرس المدني الإسباني مدعومين بالقوات البحرية، تمكن عدد من المهاجرين من بلوغ شواطئ سبتة والفرار نحو الأحياء القريبة، بينما أوقفت السلطات آخرين وأعادتهم مباشرة عبر المعبر الحدودي. وقالت المصادر إن السلطات الإسبانية عززت تواجدها الأمني على طول الشريط الساحلي للمدينة المحتلة تحسباً لتجدد المحاولات مع استمرار الظروف الجوية الصعبة. وزادت الأحوال المناخية من خطورة الوضع، إذ غطى الضباب الكثيف المنطقة البحرية، ما صعّب من مهام المراقبة والاعتراض سواء في البحر أو عند الأسوار الحدودية. وأكدت المصادر أن تدخل الأجهزة الأمنية لم يكن موجهاً فقط لمنع العبور، بل أيضاً لإنقاذ الأرواح ومنع وقوع مآسٍ جديدة، خصوصاً بعد حوادث غرق سجلت في الأسابيع الأخيرة. ورغم الحوادث المميتة، من بينها وفاة الشاب المغربي محمد حشلّوفي (20 عاماً) غرقاً خلال محاولته العبور سباحة نحو سبتة قبل أيام، لم تتوقف موجة الهجرة. وتشير شهادات محلية إلى أن مجموعات شبابية تتواصل عبر تطبيقات مثل "واتساب" لتبادل المعلومات حول أنسب توقيت للانطلاق، مستغلين فترات الضباب أو تراجع المراقبة الأمنية. وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان الأزمة الاستثنائية التي شهدتها الحدود المغربية الإسبانية في ماي 2021، عندما تمكن أكثر من عشرة آلاف مهاجر، أغلبهم مغاربة، من الدخول إلى سبتة في ظرف ساعات قليلة، ما تسبب آنذاك في أزمة دبلوماسية حادة بين الرباطومدريد. ومنذ ذلك الحين، كثفت السلطات المغربية جهودها لضبط الحدود البحرية والبرية، لكن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على الشباب في مدن الشمال، خصوصاً الفنيدق وتطوان والمناطق المجاورة، ما تزال تغذي ظاهرة الهجرة غير النظامية. وتعتبر سبتة، إلى جانب مليلية، من أبرز نقاط العبور التي يحاول المهاجرون استغلالها، سواء عبر التسلق الجماعي للأسوار أو من خلال المحاولات الفردية والجماعية سباحة. وتشير بيانات منظمات حقوقية إلى أن عشرات المحاولات تسجل سنوياً، يسفر بعضها عن وفيات مأساوية. كما أن التراجع الاقتصادي الذي شهدته مدن الشمال بعد إغلاق معبر التهريب المعيشي بين المغرب وسبتة منذ 2019 عمّق من هشاشة الوضع الاجتماعي ودفع العديد من الشباب إلى اعتبار "الحرڤة" خياراً أخيراً رغم مخاطرها. ويجد المغرب نفسه أمام معادلة صعبة بين الالتزام بتعهداته في محاربة شبكات الهجرة غير النظامية والحاجة إلى تفادي وقوع مآسٍ إنسانية على حدوده الشمالية. في المقابل، تسعى السلطات الإسبانية إلى تشديد الرقابة الحدودية وتكثيف التعاون الأمني مع الرباط، خاصة مع تزايد الضغوط الداخلية في مدريد بخصوص تدبير ملف الهجرة. وتبقى المؤشرات الحالية دالة على أن موجات الهجرة الجماعية لن تتوقف في المدى القريب، مع استمرار عوامل الطرد المحلية واستغلال الشبكات غير النظامية للظروف المناخية مثل الضباب الكثيف أو التيارات البحرية. وبينما تستمر السلطات في التعامل الأمني والإنساني مع هذه المحاولات، يظل الخطر الأكبر هو فقدان مزيد من الأرواح في مياه مضيق جبل طارق.