أخنوش: الحكومة ضاعفت عدد أساتذة اللغة الأمازيغية 5 مرات منذ بداية ولايتها    سعدان: مباراة السعودية ستكون صعبة.. وتجربة اللاعبين ستصنع الفارق    12.8 مليار درهم تسيل لعاب «فراقشية» دعم الأعلاف .. مداهمات مجلس المنافسة تعيد إلى الواجهة تحذيرات «الاتحاد الاشتراكي» من ريع الدعم الموجه للأعلاف    اختتام احتفالية فنية وثقافية بطنجة بندوة حول «دور الفن والإعلامفي ترسيخ القيم الوطنية»    ناصر بوريطة: الولايات المتحدة الأمريكية ستقود مفاوضات تنزيل الحكم الذاتي    الامن الوطني يحجز 25 رزمة من الحشيش داخل مقر جمعية لذوي الاحتياجات الخاصة    نتنياهو يجدد رفض الدولة الفلسطينية    القافلة الوطنية لمناهضة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات تحط الرحال بالدار البيضاء    بنكيران: أنا لا أعرف ما هي الدولة العميقة إلى اليوم    اختتام الدورة ال 22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش .. تتويج فيلم «سماء بلا أرض» للمخرجة أريج السحيري بالنجمة الذهبية للمهرجان    الصيد المستدام والبنية الصناعية يقودان المغرب لزعامة سوق السردين العالمي    مصرع شخص جراء حادثة تصادم بين شاحنة وسيارة بضواحي تطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    المنتخب السعودي يتوعد المغرب في قمة نارية بكأس العرب    اعتقالات في بنين بعد محاولة انقلاب    السودان.. هجوم لقوات الدعم السريع بمسيّرة يخلف عشرات القتلى بينهم أطفال بجنوب كردفان    مسيرة حاشدة في طنجة تنديدا بالعدوان الإسرائيلي وتضامنا مع غزة    عودة إلى سيرك العبث ومسرحية الأهداف المفضوحة    أزيمّارْت    رونالدو نازاريو: المغرب يلعب "كرة القدم بأسلوب مذهل" خلال السنوات الأخيرة    السكتيوي: بنعبيد هو الحارس رقم واحد في المنتخب    المنتخب المغربي للفوتسال يعزز تركيبته بابن بني بوعياش رشيد أفلاح    أكادير تستعد ل"كان 2025″ بحزمة إجراءات لرفع جودة خدمات سيارات الأجرة    دماغ العدو !!!    إبراهيم أوشلح يستعيد في سيرته الذاتية ذاكرة جيلٍ عاش تحولات المغرب من زمن الاستعمار إلى سنوات الرصاص    الغفولي يعيد تقديم "شويخ من أرض مكناس" بأسلوب الجلسة الخليجية    الصحافة البرازيلية تعتبر مباراة المغرب والبرازيل في مونديال 2026 "قمة مبكرة"    "سي دي جي" تجهز 100 مليار درهم لضخها في مونديال 2030    هايتي تعود إلى المونديال بعد 52 سنة    العلماء الأفارقة يشيدون بتوجيهات الملك    الذكرى الخامسة لتوقيع اتفاقات التطبيع.. "جبهة دعم فلسطين" تعلن عن تنظيم يوم وطني احتجاجي    تجدد الاضطرابات الأمنية في نيجيريا بعد خطف 13 مزارعا    رد مكتب حقوق المؤلف على مغالطات نشرتها بعض المواقع الإلكترونية    عناصر الدرك بمراكش تطيح بمتورطين في سرقة سائحتين وتخريب سيارات بتسلطانت    مطاردة هوليودية تنتهي بحجز سيارة محمّلة بنصف طن من المخدرات بسيدي علال التازي    المخرجة آن ماري جاسر: فيلم "فلسطين 36" يقدم أرشيفًا حيًا لمرحلة مفصلية في التاريخ    الأسود يدخلون المونديال بخيبة 1998 وفخر 2022 وطموح 2026    بكين وموسكو تجريان مناورات عسكرية مشتركة مضادة للصواريخ على الأراضي الروسية    هرو برو: العناية البالغة للحكومة أنعشت جهة درعة تافيلالت ب17 مليار درهم من المشاريع    14 قتيلا في انقلاب حافلة بالجزائر    عودة مهرجان مواهب الدار البيضاء في دورته الثانية... فضاء يفتح الأبواب أمام الطاقات الشابة    حملة لتحرير الملك العمومي داخل ''مارشي للازهرة'' تقودها الملحقة الإدارية الخامسة    تجديد مكتب هيئة المهندسين التجمعيين بالجديدة وانتخاب قيادة جديدة للمرحلة المقبلة    جمعيات حماية المستهلك تثمن تحرك مجلس المنافسة ضد التلاعب بالأعلاف        أخنوش من الرشيدية: من يروج أننا لا ننصت للناس لا يبحث إلا عن السلطة    المكتب الشريف للفوسفاط يستثمر 13 مليار دولار في برنامجه الطاقي الأخضر ويفتتح مزرعته الشمسية بخريبكة    سوس ماسة تطلق برنامجاً ب10 ملايين درهم لدعم الإيواء القروي بمنح تصل إلى 400 ألف درهم لكل منشأة    تحذير من "أجهزة للسكري" بالمغرب    الكلاب الضالة تهدد المواطنين .. أكثر من 100 ألف إصابة و33 وفاة بالسعار        قبل انطلاق كان 2025 .. الصحة تعتمد آلية وطنية لتعزيز التغطية الصحية    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبدعون في حضرة آبائهم … السي عبد الكبير محقق: الأب العاشق للسينما وأغاني محمد عبد الوهاب

في رسالة كافكا إلى أبيه: « أبي الحبيب.. لقد سألتني مؤخراً: لماذا أزعم أنني أخاف منك؟ وكالعادة لم أدر بماذا أجيبك. تارة بسبب الخوف الذي يعتريني أمامك، وتارة لأن الكثير من التفاصيل متعلقة بحيثيات ذلك الخوف، بحيث لا يكون بوسعي لملمة شتاتها في الحديث معك ولو جزئياً. وإنني إذ أحاول هنا أن أجيبك خطياً، فإن كل ما أقوم به لن يكون سوى محاولة مبتورة، وذلك لأن الخوف وتبعاته يصدانني عنك حتى في الكتابة، ولأن جسامة الموضوع تتعدى نطاق ذاكرتي وإدراكي».
أمام اللجوء أو الهروب إلى الأم الحاضنة والحنونة وملاذ «التواطؤات» الجميلة، كيف يستحضر مبدعونا المغاربة صورة الأب، وهل تختلف نظرتهم إلى هذه السلطة الرمزية التي ارتبطت بالصرامة والتحكم؟ كيف دبروا هذه العلاقة التي تلتبس فيها العواطف بين خوف واحترام، بين حب أو كره، بين تقديس وقتل؟

تبدو صورة الأب رائعة جدا، وهي تتراءى في مرايا الطفولة واليفاعة. فالأب هو تلك الشجرة الوارفة الظلال التي يحتمي به الابن من عوادي الزمن،في حين تظل الأم تلك الشجرة الحنون التي يحتمي بها الابن في الغالب من غضب الأب عليه، وذلك حين يفعل شيئا لا يرضى عنه ذلك الأب نفسه.
بالنسبة لي كانت علاقتي بأبي علاقة متينة . لقد حوّل هو تلك العلاقة من علاقة الأبوة والبنوة إلى علاقة الصداقة القوية .كنت ابنه البكر بعد مجيئ ثلاث بنات قبلي. هكذا اتخذ مني صديقا صغيرا له. يحدثني عن الأفلام السينمائية التي كان يراها باستمرار كل يوم سبت، ويحكي لي حكاياتها ويعرفني على أبطالها وبطلاتها. كما بدأ يأخذني معه لمشاهدة البعض منها حين بلغت سن السابعة . وفي مقدمة تلك الأفلام السينمائية كانت أفلام شارلي شابلن تحتل الصدارة. كما كان يشتري لي القصص القصيرة الخاصة بالأطفال، بدءا من القصص المقتبسة عن حكايات «ألف ليلة وليلة» وليس انتهاء بتلك القصص المقتبسة عن روايات عالمية شهيرة. هكذا أصبحت ولوعا بشكل كبير بكلّ من قراءة الروايات ومشاهدة الأفلام السينمائية.
في المنزل كانت علاقتي به قوية جدا فقد كان لا ينام إلا بعد أن يحكي لي إحدى الحكايات ، وكنت بدوري أحكي له ما قمت به من أعمال سواء في المدرسة أو في المنزل . وحين مرضتُ ذات صيف بالحمى، وأنا بعد يافع، إثر عودتي من سفر قامت به الأسرة إلى البادية في العطلة الصيفية ، كان حين يعود من عمله في الميناء يجلس طويلا بالقرب مني ويسأل أمي عني بشكل دقيق،حتى تنصحه هي التي كانت مداومة على العناية بي والحرص على تناولي الدواء الذي قرره لي الطبيب، بالذهاب إلى النوم، لأن العمل ينتظره صباح الغد.
في فترة مرضي هاته اكتشفت حبه الكبير لي، وخوفه الشديد من فقداني. أما أمي فقد كانت تجلس طيلة النهار بالقرب مني حتى شفيت تماما، وعدتُ كما كنت في كامل عنفواني الطفولي.
في العديد من المرات كنت أذهب معه إلى السوق الأسبوعي الذي كان وما يزال يقام إلى اليوم كل يوم أربعاء ، ويذهب إليه كل أهل «حي سباتة» والأحياء الأخرى القريبة منه . كان يعجبه أن يشتري منه الأشياء القديمة حتى لا أقول بعض التحف التي تبدو له جميلة ونادرة ، ويحرص على وضعها في مكتبته الصغيرة التي كانت موجودة في الطابق الأعلى من البيت . هذه المكتبة التي كانت تضم بين دفاتها مجموعة من كتب التراث مثل «مقامات الهمذاني» و«مقامات الحريري» وكتب السير الشعبية مثل سيرة «سيف بن ذي يزن» وسيرة «عنترة بن شداد» وسيرة «الأميرة ذات الهمة» ، وكتب عربية حديثة مثل كتب كل من طه حسين وتوفيق الحكيم وعباس محمود العقاد وبعض من روايات نجيب محفوظ التي كانت صادرة في ذلك الوقت وسواها . كما كانت تضم من بين ما تضم من كتب، نسخة رائعة كبيرة الحجم من كتاب «ألف ليلة وليلة»، وهي النسخة التي أورثني إياها حين توفي رحمة لله عليه. كما كانت توجد بهذه المكتبة كتب أخرى باللغة الفرنسية ،في مقدمتها روايات الشاعر الفرنسي فكتور هوغو مثل «البؤساء» و«عمال البحر» و«أحدب نوتردام» وروايات الكاتب ألكسندر دوما مثل «الفرسان الثلاثة» و«بعد عشرين عاما» و«الكونت دي مونت كريستو» وغيرها .
كان حين يعود من عمله يحرص على الاستماع إلى أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب التي كان يكاد يحفظها عن ظهر قلب ، ويدعوني للاستماع إليها حتى أصبحتُ عاشقا لها ، كما كان يستمع إلى أغاني الموسيقار الآخر فريد الأطرش ويشيد بإتقانه الشديد لفن العزف على العود ، وكان مولعا بأغاني فرنسية عديدة مثل أغاني كل من ليو فيري وجاك بريل، وكانا لحظتها مثله في ريعان شبابهما.
عرفتُ معه لحظات كبيرة موغلة في السعادة وظلت صورته البهية حاضرة في وجداني لاسيما وأنه قد توفي وهو في كامل رجولته لا يتجاوزه عمره الثامنة والأربعين ،وأنا لحظتها في مقتبل الشباب الأول.
كان حريصا على أداء الصلاة ،وكان سمحا في التعامل مع أبنائه وكان محبوبا من لدن أهل حيه وزملائه في العمل فضلا عن أصدقائه .
وكثيرا ما أستحضر صورته الآن وهو في كامل ابتسامته ، تلك الابتسامة التي كانت تضيء وجهه باستمرار،وظلت ملازمة له طيلة حياته.كثيرا ما أستحضر صورته وهو يدعوني لمرافقته إلى السينما أو للذهاب عند أصدقائه أو حين يأخذني كي يشتري لي ما أحتاجه من كتب .
كان يناديه أصدقاؤه بلقب «الرجل الذهبي»، لأنه كان يمتلك حسب معاشرته لهم قلبا من ذهب ، كما كان يتميز بأناقته، وحرصه الشديد عليها. وكنت أسميه بيني وبين نفسي بالأب الرائع.
كان رائعا في معاملته لنا ، كما كان رائعا في صنع الحلويات. هو الذي اشتغل في لحظة من لحظات شبابه الأول صانعا لها قبل أن يلتحق بالاشتغال بعد ذلك في الميناء بذات المدينة التي أحبها بكل جوارحه ، مدينة الدار البيضاء.
لقد كان ولوعا بالبحر مثل السندباد البحري تماما. وكان أشد ما يعجبه من الحلويات ،حلوى «ألف ورقة» (Mille-feuille). وربما لهذا جاء أبناؤه عاشقين لقراءة الأوراق والكتابة عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.