لقد سبق لي أن نشرت مقالا في جريدة الاتحاد يوم 26/12/2014 يتعلق بالحوار الجاري حول منظومة إصلاح القضاء من طرف وزارة العدل و الحريات تحت عنوان الدولة الديمقراطية و العادلة هي التي تحقق نزاهة القضاء و استقلاله. إلا انه بعد مضي عشرين يوما من نشر المقال تأتي جريدة الصباح لتخصص في عددها 4589 ليومي 17 و 18 من شهر يناير 2015 ملفا خاصا يتعلق بالجرائم المالية و الكشف عن الفساد المالي في البلاد بدءا من الصفحة الأولى إلى التاسعة وأراء كبار المسئولين المهتمين بهذا الشأن حيت أشار هؤلاء إلى خطورة هذه الظاهرة (الفساد المالي و الرشوة)التي تتنامى في مختلف أجهزة الدولة , و تنخر جسم المجتمع. وهكذا فقد تصدرت الصفحة الأولى من الجريدة مقالا تحت عنوان ضبط قاض يرجع رشوة على اثر كمين نصبه له وزير العدل و أطاح به في مراكش و حديث عن 25 مليون رشوة في ملف راج بجنايات ورزازات و مما جاء في المقال أن محكمة الاستئناف بورزازات تعرضت لهزة عنيفة اثر شيوع خبر اتهام مستشار من الدرجة الاستثنائية بالارتشاء سيما انه يشغل في المحكمة نفسها مهمته رئيس غرفة الجنايات و التفاصيل في المقال في الصفحة الأولى . و إلى جانب نفس الصفحة خبر يفيد اعتقال شرطي بطنجة بتهمة التهجير ولا شك أن الأمر يتعلق بالرشوة الخ , و لست ادري لماذا لم يأمر السيد وزير العدل باعتقال الراشي لان تبليغه بالرشوة جاء بعدما لم يحقق غرضه و هو التبليغ الذي يعاقب عليه القانون , و ليس التبليغ قبل تحقيق الهدف هو الذي يعفى من العقوبة . وقبل التعليق على ما جاء في مسالة الفساد المالي و المحاكمات المجراة في شانه أود الإشارة إلى الخبر المنشور في الصفحة الأولى المتعلق بالمستشار الذي تم ضبطه في مراكش و أضاف الخبر أن الأمر يتعلق بقاض باستئنافية ورزازات الأمر الذي يثير المفاجأة , ذلك أن هذا القاضي ليس هو الأول الذي تم نشره في مختلف الصحف الوطنية بل سبق للصحف أن نشرت خبرين يتعلق الأول بقاض في نفس المحكمة خلال بضع سنوات أخيرة بالرشوة و كان مصيره الانتحار بالجديدة , و الثاني يتعلق بعزل قاضيين بنفس الفعل حيت تم عزل خمسة قضاة من طرف المجلس الأعلى للقضاء و كان من نصيب محكمة الاستئناف بورزازات 2/5 اثنين من أصل خمسة الأول نائب الوكيل العام و الثاني في القضاء الجالس , و يبدو للمتسائل في أوساط القضاء و المحاماة و المتقاضين كأن محكمة الاستئناف بورزازات هي ملجأ لتأديب القضاة الذين ترتئي معهم وزارة العدل أنهم عناصر الإفساد و الانحراف و الحال أن نشر هذه الأخبار في الصحافة تسيء إلى سمعة القضاء بورزازات و يعارض ما يقوله السيد الوزير الرميد اثر زيارتين قاما بهما لورزازات من أن ورزازات تحظى بخيرة القضاة و يشاطر رأيه سلوك القضاة في المنطقة حيث يلاحظ عليهم تعاملهم للمحامين و المتقاضين تعاملا حسنا و لا احد يشك في وقارهم وآدابهم و نزاهتهم و احترامهم لكن المفاجأة مرة تلو الأخرى تثير الشك فيما يلاحظ عليهم و لا يعلم بصحة الانحراف إلا الوزارة و المجلس الأعلى للقضاء و إخوانهم القضاة و حتى الحديث الذي يتداول حول رشوة و ظلم في بعض الأحكام القضائية التي يصدرونها كما يمتد الشك و الريبة إلى أوساط أخرى و يتعلق الأمر بالمحامين و الشواش و كتاب الضبط و السماسرة وغيرهم من الفاعلين المرتبطين بالقضاء ولا يجب أن يسلم بصحة كل ما يقال إلا من علم بهؤلاء الفاسدين ذلك أن الله سبحانه و تعالى أمرنا باجتناب الظن في سورة الحجرات بقوله : (( يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثير من الظن إن بعد الظن إثم )) و الأكيد في الأمر أن محكمة الاستئناف و المحاكم التابعة لها بدءا من ابتدائية ورزازات و زاكورة و المراكز في حاجة ماسة إلى قضاة حيت تعاني من الخصاصة يصعب على القاضي أداء مهمته بالشكل المطلوب إلا بتوفيره على شروط العمل وليس تراكم الملفات عليه التي تنهك كاهل القاضي و المحامي و المتقاضي كما ينعكس هذا الوضع على جودة الأحكام القضائية.و في هذا الصدد يجب على السيد الوزير و المجلس الأعلى للقضاء الحد من إيفاد قضاة لورزازات في إطار التأديب إذا تبت في حقهم صحة فسادهم دلك أن المنطقة تعاني من التهميش و الفقر و الأمية و كل مظاهر التخلف فلا يزيدها القضاء إذا لم يكن منصفا وعادلا إلا مزيدا من الظلم في جميع المجالات و الاستقرار النفسي و عدم الاطمئنان على حقوق المتقاضين , و لا يفوتني في هذا الصدد أن أدلي بشهادة مني في حق المرحوم محمد بوزبع كوزير العدل في حكومة الأستاذ اليوسفي حيت قال في اجتماع حزبي معه بأنه لا يمكنه الإشهار بالقاضي كيف ما كانت بلغت درجته في الفساد وأضاف رحمه الله انه إذا تبت في حق قاض صحة فساده يصعب معه العلاج فانه يقوم بالمناداة عليه ليقدم استقالته.أما إذا كان الأمر لم يستفحل بعد فانه يلجا إلى مسطرة التنبيه فقط و ليس التشهيربه بواسطة الإعلام, و بالفعل لم يثبت في عهده هو و من تبعه من المرحوم الناصري وبعده الراضي ,و رغم ما ذكر فلا يمكن تنزيه أي مخلوق كيفما كان من العيوب و النقائص إلا الله وحده , ذلك انه هو الوحيد المنزه عن كل عيب أو نقص من جهة تم أن جميع صفات الكمال و العلو فهو أولى بها من جهة أخرى . ا ما فيما يخص الفساد المالي فقد تضمنت الصفحة الثانية من نفس الجريدة ما جاء على لسان رئيس الحكومة السيد بنكران قوله أن تكلفة الفساد من قبيل الرشوة و استغلال النفوذ و الإثراء غير المشروع و الاختلاس و الوساطة و المحاباة و تضارب المصالح و الغدر و الابتزاز و غيرها من السلوكيات تكلف خزينة الدولة بما يفوق 2?/? من الناتج الوطني الإجمالي , كما أن الصفحة الثالثة من نفس الجريدة فقد تناولت خبرا مفاده أن حصاد و الرميد مكلفان بحماية الانتخابات من الفساد و يتحدثان عن اللجنة المركزية لتتبع الاستحقاقات و تحذر من المساس بنزاهتها أو الإساءة إليها و هذا الإجراء مخالف للدستور و القانون الانتخابي و لايزيد إلا تشككا في نزاهة الانتخابات المقبلة و خروجا عن صلاحيات أللجن الإدارية المنصوص عليها في القانون الانتخابي و مصادرة حق الأحزاب في المشاركة في السهر على سلامة الانتخابات . وقد أبدا الاتحاد الاشتراكي تحفظه في شانها و هو نفس الموقف الذي تبنته أحزاب المعارضة لان الأمر يتعلق بمسالة تهم الشعب المغربي , عليه أن يشارك في إيجاد آليات قانونية و سياسية للسهر على الانتخابات و لا ينحصر الأمر في وزيري العدل و الحريات و وزير الداخلية و حدهما . و عليه فهذا التعليق الخاص بالفساد و ما أكده رئيس الحكومة تأتي تشكيل اللجنة المركزية بإشراف الوزيرين مسلكا خطيرا في نسف المسار الديمقراطي الذي يسعى إليه الشعب المغربي برئاسة جلالة الملك , ذلك أن الديمقراطية هو السبيل الأكثر نجاعة لانقاد البلاد و إضفاء الطابع الشرعي للمؤسسات الدستورية و استرجاعها للثقة والمصداقية من طرف الشعب المغربي , وهكذا أعود إلى الفساد المالي في الصفحة السادسة حيث تحدت السيد محمد الحضروي رئيس المرصد القضائي للحقوق و الحريات مؤكد أن هناك نقصا في المراقبة القبلية و البعدية لتتبع اختلاس المال العام رغم تعدد المؤسسات المكلفة بالتفتيش مشيرا أيضا إلى انه تمر سنوات على صفقات وهمية و اختلاسات قبل أن تظهر إلى العلن فضائح تتم محاكمة من بقي من فاعليها و أضاف أن مكافحة الاختلاسات ت المالية و الوقاية منها تستدعيان مجموعة متكاملة من الإجراءات ذات الطابع الاستراتيجي و القانوني و المؤسساتي كما نصت على ذلك الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب و جاء قول الحضروي بعنوان بارز المال العام : استنزاف تحميه المحاكمات الرمزية تم تبييض الأموال يعقد استردادها و أضاف أن تكريس الثقة و المساواة يمر عبر عقاب كل من تورط عمدا أو إهمالا كيف ما كان موقعه و في نفس الصفحة «6» يوجد مقال تحت عنوان محاكمات لا طائل منها حيت استغرقت وقتا طويلا و لم تسترجع منها الدولة بسيطا من الأموال المنهوبة. أما فيما يخص الصفحة 7 نشر مقال للأستاذ جلال الطاهر تحت عنوان : المال العام , استنزاف تحميه المحاكمات الرمزية و هي محاكمات الظرفية السياسية مشيرا إلى أن التوقف في بعض الإجراءات في محاكمات المال العام يرجع إلى أن بعض المتهمين في هذه القضايا لهم مكانة أو نفوذ أو يحميهم ذوو النفوذ و بجانبه مقال تحت عنوان 138 مليار تركة قديمة . و دائما في نفس السياق أفاد السيد وزير العدل و الحريات الأستاذ الرميد بان علاج ملفات الفساد يتطلب وقتا و أن الحكومة أعلنت حربا مند البداية على الفساد لكنها بقيت مجرد شعارات . كما أشارت الجريدة إلى أن الرأي العام الوطني اجمع على انه لا يمكن أبدا الحديث عن أي محاكمة عادلة للمتورطين في جرائم اختلاس المال العام وغيرها من أشكال الفساد المالي إلا إذا توفرت النية الحقيقية لاسترجاع ما ضاع و الأرقام الواردة من المهتمين أن جميع المبالغ المالية المختلسة تثير الرعب و في نفس الركن من الصفحة 8 يقول محمد طارق السباعي 500 مليار تبخرت في مكتب الماء و الكهرباء تم جاء بعده الخبير الاقتصادي الحضروي بقوله أن نهب المال العام يتم بطرق قانونية مؤكدا أن القضاء على الاختلاسات رهين بوجود أحزاب قوية ماليا , و أما الصفحة 9 من نفس الجريدة و نفس العدد فقد نشرت قول السيد أبو درار رئيس الهيأة الوطنية لمحاربة الرشوة , مفاده أن الرشوة أفقدت الثقة في الدولة و أن العقليات طبعت مع الفساد و حولته إلى أعراف اجتماعية , وأخيرا جاء الأستاذ مصطفى فارس رئيس أعلى الهيئة قضائية في البلاد و هي محكمة النقض ليؤكد أن الجرائم المالية تستأثر بالاهتمام الرأي الدولي و المحلي و بالنظر إلى انعكاساتها على الأمن الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي حيت لم يخف السيد الرئيس خطورة ظاهرة الفساد عموما و الفساد الإداري بشكل خاص الذي تجسده الجرائم المالية بما تعكسه من مظاهر استغلال السلطات المخولة بشكل غير مشروع في تحقيق مصالح ذاتية و ما تفرزه تجلياته المالية من نهب للمال العام و الاغتناء الغير المشروع و حرمان خزينة الدولة من الموارد المستحقة و الاستيلاء على الأموال العامة و إهدارها و استنزافها في أغراض شخصية أو تهريبها إلى الخارج عوض توجيهها نحو مشاريع تنموية اجتماعية حيوية في مجالات الصحة و التعليم و البنيات الأساسية , و جاء قول السيد رئيس محكمة النقض قوله هذا بمناسبة تقديمه لكتاب الوجيز في الجرائم المالية لكاتبه ابو مسلم الحطاب. وانطلاقا لما جاء من أراء المسئولين المشار إليهم هو تشخيص حقيقي لما يعانيه المغرب من ظاهرة الرشوة و الفساد المالي و ما ترتب عنها من خطورة على الوضع في المغرب و من شانه أن يهدد الاستقرار و الأمن اللذان مازال المغرب ينعم بهما و يجب الحفاظ عليه وهو مسؤولية الجميع من حاكمين و محكومين و من أي موقع كان و ما لا يمكن استساغه هو الفساد و الرشوة في القضاء لأنه هو الذي يتوجب عليه أن يقيم العدل في البلاد و به يستقيم المجتمع و بناء دولة الحق و القانون و يساهم في التنمية و إرساء الديمقراطية في البلاد و رفع الظلم عن المظلومين و من جور الحكام . وهكذا و الغريب في الأمر أن السيد رئيس الحكومة و الأستاذ الرميد وزير العدل و الحريات لما اعترفا بالفساد و الرشوة و عجزهما للتصدي لهذه الآفة و يعلنا ذلك لتكتب لهما و لبقية أعضاء الحكومة بمداد من الفخر و الاعتزاز و ليس الإجهاز على مكتسبات التي تحققت في ظل الحكومات السابقة بفضل تضحيات الشعب المغربي و قواه الحية و إقصاء الأحزاب المعارضة و كل منظمات المجتمع المدني في المشاركة في سن القرارات التي تهم الشأن العام الوطني, ذلك أن الإصلاح مسؤولية الجميع و يقوم كل مواطن مغربي يتوفر على بصيص من روح المواطنة أن ينطلق من نفسه و يصلحها و يساهم في عملية الإصلاح إلا أن الخطير في الأمر هو الفرق بين الخطاب الموجه و النوايا الحقيقية و لا يعتقد السيد بنكران و أعضاء حكومته أنهما يستطيعون القيام بالإصلاح و الحال أن الاختيارات التي ينتهجونها في جميع المجالات و أصبحوا سجناءها لا تزيد إلا تعقيدا للأمور في البلاد و تعميق الأزمة التي يعاني منها ليس إلا.