بوريطة يستقبل وزير خارجية مملكة البحرين    احتضان إسلامي لمبادرات ومواقف الملك    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    بمشاركة 30 فيلما يمثلون 15 دولة : أيت ملول تحتضن مهرجان سوس الدولي للفيلم القصير    سان جيرمان يستهدف رقما تاريخيا ضد دورتموند في دوري أبطال أوروبا    تحذير من ارتفاع درجات الحرارة إلى 44 درجة في بعض أقاليم المملكة    مجلس المستشارين يناقش الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من اليوم الثلاثاء إلى غاية الجمعة بعدد من مناطق المملكة    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    الجيش الإسرائيلي يعلن سيطرته على معبر رفح    لماذا يعاكس العدالة والتنمية الطبقة المتوسطة؟    ولي العهد مولاي الحسن يحتفل بذكرى ميلاده ال 21    عميد شرطة بتزنيت يتعرض لطعنة سكين    انتشار تعاطي السجائر الإلكترونية بين الأطفال يجر مزور للمساءلة    عبد الجليل يترأس مراسم المعرض الدولي للنقل واللوجيستيك لأفريقيا والمتوسط "لوجيسمد"    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية في السلك الابتدائي بجهة طنجة    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ارتفاع عدد ضحايا حوادث السير من مستعملي الدراجات النارية بنسبة 31 في المائة    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الحسن الأول بالعيون    وزارة الصحة في غزة: 34789 فلسطينيا قتلوا في الهجوم الإسرائيلي على القطاع منذ 7 أكتوبر    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    مؤتمر عربي بالقاهرة يبحث آلية لجمع ورصد مؤشرات النزاهة في في القطاع العام في الدول العربية    ارتفاع أسعار النفط بعد الضربات الإسرائيلية على رفح    بايرن يخطف نجم الميلان ويربك حسابات ريال مدريد    انطلاق الدورات التكوينية في مجال تدريس اللغة الأمازيغية بجهة طنجة تطوان الحسيمة    المبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ يزور الولايات المتحدة    أمازون: سنستثمر 9 مليارات دولار فسنغافورة    بطولة ألمانيا: الفرنسي كومان يعود لتدريبات بايرن ميونيخ    بطولة انجلترا: وست هام يعلن رحيل مدربه مويس نهاية الموسم    المنتخب الوطني "للفوتسال"يحتل المرتبة السادسة عالميا    الطيران الأميركي يعلن التحقيق مع "بوينغ"    تقرير الخارجية الامريكية: المثليين المغاربة كيعانيو.. كاين عنف واعتداءات واعتقالات وتهديدات بالقتل    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    صعود أسعار الذهب من جديد    بأكثر من 15 مليون دولار.. نجل الصفريوي يشتري منزلاً في ميامي وهذه صوره    منير المحمدي يكشف.. هذا هو قدوتي وهذا ما كنت لأفعله لو لم أكن لاعب كرة قدم!    حدث في أمستردام.. تميز النساء المغربيات يُبرز في لقاء جمع نساء من مختلف الثقافات    "فريق نجم طرفاية: قصة نجاح وتألق في عالم كرة القدم"    إبراز فرص الاستثمار بالمغرب خلال مائدة مستديرة بالولايات المتحدة        كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    زيلينسكي يستعجل استلام أسلحة غربية    هتك عرض تلميذات من طرف مدير ثانوية فمولاي يعقوب.. المشتبه فيه للجدارمية: الكاميرا اللي عندي فالمكتب كتخدم غير فوقت الامتحانات وصافي والبورطابل ديالي ضاع مني    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المترجم ليس مجرد وسيط لغوي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 06 - 12 - 2019

مع رحيل المترجم الفلسطيني المعروف صالح علماني الذي تخصص في ترجمة أدب أمريكا اللاتينية الذين يكتب أدباؤها باللغة الإسبانية، ثمة أسئلة وملاحظات يثيرها القارئ حول مسألة الترجمة.
وسأبدأ بما عرف بخيانة المترجم، مع أنها خيانة محببة، يسعى إليها الكتاب باحثين عن مترجمين يخونون نصوصهم، بل إن أهم النقاط المهمة في حياة الكاتب الأدبية، هي عدد المرات التي تمت خيانته فيها بلغات عدة، فلا تكاد تخلو سيرة مبدع كبير من ذكر أن كتبه تمت ترجمتها إلى ثلاثين لغة أو لغتين وما بين هذين الحدين.
يثيرني هذا السؤال كثيرا: وأنت تقرأ كتابا مترجما، لمن سيكون الكتاب؟ هل هو لكاتبه؟ أم لمترجمه؟ أم أنهما شريكان به؟ مسألة في غاية الأهمية والتعقيد من وجهة نظري، فأنا أرى أنك تقرأ أفكار ماركيز بلغة صالح علماني، وتقرأ أفكار جبرا بلغة محمد عصفور، وتقرأ أفكار شكسبير بلغة جبرا، وهكذا مع كل الأدباء والمترجمين، لأن ثمة ما يُفقد من العمل الأدبي خلال رحلة الترجمة، هذا الجزء المفقود هي منطقة الخيانة غير القصدية وغير المتعمدة والضرورية واللازمة.
ما هو هذا الجزء المفقود؟
إن المبدعين يدركون ذلك الجزء الذي يسقط من النص، إنه ليس اللفظ ومعناه ولا سياقه، بل تلك الحرارة الساكنة في أوصال النص التي تصاحب الأديب وهو في نشوة تأليف نصه، لاسيما إن كان أدبا وشعرا على وجه التحديد، لأنه كلما كان النص أكثر أدبية كان أصعب في الترجمة، ولا بد من أن نقول إننا نترجم المعنى وننقل الأفكار بلغة المترجم. إنها معضلة حقيقة. إن الترجمة هي إعادة صياغة النص، بل أكثر من ذلك هي إعادة كتابته. نعم إعادة كتابته. فكتب ماركيز باللغة العربية هي من تأليف صالح علماني متأثرا بأفكار ماركيز، علينا أن نتذكر أيضا نظرية الجاحظ في اللفظ والمعنى؛ فالأفكار مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي، يعرفها ماركيز كما يعرفها علماني أيضا. فلا احتكار لمعنى، إنما الاحتكار كله للفظ وترتيبه وتركيبه.
إذا أردت أن تتعرف على ماركيز ولغته وإيقاع التراكيب والجمل والإحساس المصاحب للنص، فاقرأه بلغته الأصلية لتتعرف كيف تكون صياغة الجملة، وكيف يكون التركيب، وما هي قوانين التقديم والتأخير، ولماذا هذا اللفظ بالذات. فإذا كانت نظرية الترادف ملغاة في اللغة نفسها، بين ألفاظها فهل تترادف لغتان؟ لا يمكن أن تترادف الألفاظ إطلاقا بين لغتين.
ما الحل إذن؟
ما يفعله المترجمون فعل عظيم، يحاولون التقريب بين اللغات عبر هذا النقل الطوعي والقسري للألفاظ عبر العمل الأدبي، إنهم يدفعوننا بكل ما أوتوا من قدرة لغوية إلى التصديق أنهم مجرد وسطاء لغويين، وناقلين أمناء للغة الكاتب لفظا ومعنى. وننسى للحظة ونصدق هذه الحالة القاسية من الخيانة المتواطأ عليها حبا وكرامة.
المترجمون أشخاص عباقرة رضوا أن يكونوا ظلالا، أسماؤهم تتبع اسم المؤلف، وعادة ما تكون بخط أصغر على الغلاف وفي منطقة متوارية منه، أو يتدحرج الاسم أحيانا إلى الصفحة الداخلية. فمئة عام من العزلة والصخب والعنف وموبي ديك وعالم صوفي وقواعد العشق الأربعون هي روايات لمؤلفيها وليست لمترجميها. نحن معشر القراء النهمين لا نهتم بالمترجم، هو شخص هامشي بالنسبة لنا، على الرغم من أنه هو آخر شخص كتب العمل الأدبي بلغته وإحساسه وإيقاعاته النفسية.
يقدم المترجم لنا العمل الأدبي وهو يبتسم، ويشير إلينا إلى اسمه، نلاحظه سريعا، ولا نرد له ابتسامته ولا نقدم له الشكر حتى. نوهم أنفسنا أننا نقرأ تولستوي وإليف شافاق وماركيز وإيلوار وبيسوا، ونحن في الحقيقة نقرأ لغة غير لغتهم. وأدبا غير أدبهم، هنا لو كنت منصفا ستشعر بهذه الخيانة القاسية.
ولكن كيف يمكن أن نتصرف؟
في الحقيقة لا أمل في تغيير المعادلة، سيظل الكتاب معرضين للخيانة المشروعة واللازمة والضرورية، ويسعون إلى ذلك بكل ما لديهم من تمنيات وأشواق وأوهام. هل أعادت بعض الدول الاعتبار لمترجميها عندما أعلنت لهم يوما وطنيا وعيدا للمترجمين، أو أن الأمم المتحدة ستفلح في الحد من نسيان المترجمين من على صفحات الكتب، لنقول إن رواية ما ألفها في العربية المترجم المعين والمقصود. على الرغم من ذلك يبقى الأمر ملتبسا جدا. وتبقى الحقيقة الصارخة التي تقول إن المترجم ظل، وإن نحج بعضهم من الانفلات من قيود الظلال إلى بؤرة الضوء، ومنهم المترجم العبقري المرحوم صالح علماني.
ولكن كيف الهرب من الظلال إلى بؤرة الضوء؟
من خلال تجربة خاصة وأنا لا أفهم ولا أدرك إلا اللغة العربية. إن ما جعلني أقرأ الكتب المترجمة عندما توغلت في رحلة القراءة هو المترجم، فأنا لا أفكر مرتين قبل أن أقتني أي كتاب يصدر حديثا بترجمة صالح علماني. أثق به كاتبا ثانيا للعمل الأدبي، صالح علماني هو عندي كاتب جيد وليس مترجما جيدا. أحب لغته وانسيابيتها، أحبه وهو ينقل أفكار الآخرين وتجاربهم. صالح علماني بالنسبة لي كاتب وليس مجرد وسيط لغوي ومترجم. لا أقول هذا الحكم مادحا بفعل ثقل الموت العاطفي، أبدا، أنا أقول ذلك لأنني بالفعل أقرأ لغة ثانية وعملا أدبيا جديدا سواء أكان المترجم صالح علماني أو غيره.
بتصوري يجب أن نعيد الاعتبار للمترجمين. كيف؟ لا أدري، فلا تكفي الجوائز ولا التكريمات الموسمية الخجولة. ثمة ما يجب فعله لجعل حضوره موازيا تماما على الأقل للمؤلف الذي ترجم عمله، مع أنني لا أراه مترجما للعمل. ولكنه القانون الذي لا يرحم أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.