حموشي تباحث مع السفير المفوض فوق العادة للسعودية المعتمد بالمغرب بخصوص تطوير التعاون الأمني بين البلدين    دفن جثمان الحقوقي عبد العزيز النويضي في مقبرة بواد الشراط وسط حضور شخصيات حقوقية وسياسية (فيديو)    بالصور والفيديو: شعلة الحراك الطلابي الأمريكي تمتد إلى جامعات حول العالم    لقجع: المصريين خوتي وانا اول من طلب من مصر استضافة كاس افريقيا 2019 والمغرب كان مدعمها    توقيف عشريني وحجز 7 كيلو د الحشيش فالسمارة    مركز الإصلاح والتهذيب عين السبع بالدار البيضاء.. انطلاقة الملتقى الربيعي للتأهيل والإبداع لفائدة النزلاء الأحداث    انطلاق المقابلات الشفوية للمترشحين للمشاركة في إحصاء 2024    الأمثال العامية بتطوان... (589)    السيولة البنكية.. تراجع العجز ليصل إلى 144,7 مليار درهم    منظمة دولية: المغرب يتقدم في مؤشر حرية الصحافة والجزائر تواصل قمعها للصحافيين    حجز قضية التازي للمداولة .. والعائلة والدفاع يترقبان قرار المحكمة (صور وفيديو)    صفعة جديدة لنظام العسكر.. ال"طاس" ترفض الطلب الاستعجالي لل"فاف" بخصوص مباراة بركان واتحاد العاصمة    لأسباب لوجستيكية .. تأجيل اجتماع اللجنة التحضيرية للتضامن مع الشعب القبايلي    "ماركا" الإسبانية: "أيوب الكعبي لا ينوي التوقف عند هذا الحد.. إنه يريد المزيد"    العصبة الوطنية تعلن عن برنامج مباريات ربع نهائي كأس العرش    السجن يستقبل مستشار وزير العدل السابق    مكناس.. إطلاق خدمات 14 مركزا صحيا حديثا    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء الفنيدق بلغت 41 طنا خلال الربع الأول من العام الجاري    "التلغراف" البريطانية تكشف تفاصيل النفق السككي بين المغرب واسبانيا    باكستان تطلق أول قمر اصطناعي لاستكشاف سطح القمر    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    تكلف 20 مليارا.. هل توقف "زيادات" الاتفاق الاجتماعي نزيف تدهور القدرة الشرائية    باستعراضات فنية وحضور عازفين موهوبين.. الصويرة تحتضن الدورة ال25 لمهرجان كناوة    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    العرض ما قبل الأول لفيلم "الثلث الخالي" للمخرج فوزي بنسعيدي بالدار البيضاء    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    حكومة فرنسا تفرق داعمي غزة بالقوة    كوت ديفوار تكتشف أكبر منجم للذهب    إسبانيا تستقبل أزيد من 16 مليون سائح خلال الربع الأول من العام 2024، ما يعد رقما قياسيا    بعدما أوهموهم بفرص عمل.. احتجاز شباب مغاربة في تايلاند ومطالب بتدخل عاجل لإنقاذهم    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    المضيق تحتضن الدورة الثالثة لترياثلون تامودا باي بمشاركة مختلف الجنسيات    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ما قبل كورونا… لن يكون ما بعد كورونا» : من أكثر العبارات تداولا في زمن كورونا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 04 - 2020

سألني مواطن مغربي: هل سيتم توزيع الثروة على المغاربة؟
التوصل إلى الجواب عن هذا السؤال اليوم، يقتضي منا الاعتراف أولا بأن ما يحصل ببلدنا – كسائر معظم البلدان – في ظل الأزمات الناتجة عن «فيروس كورونا» ، هو في الحقيقة مجرد مساعدات مالية لدعم الأسر المتضررة من الإجراءات المتخذة للحد من تفشي هذه الجائحة التي لم ترحم البشرية جمعاء؛ ودون الدخول في تفاصيل ذلك فالمطلوب أن تحقق تلك المساعدات على الأقل جزءا من كرامة المواطن بشكل معقول، في ظل الهشاشة التي لا تفارق الأغلبية، بعيدا عن الأوهام التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
أما ما جاء في عنوان هذه السطور، فلا وجود له أصلا، بحكم صعوبة تصور ذلك حتى في الخيال المغربي، على اعتبار أن معنى الثروة ببلدنا يحمل معنى منفردا، أو استثناء مغربيا، كما هو متداول عندنا، ونتمنى أن يكون كلامنا مجانبا للصواب، لأن ذلك يتماشى مع سبل تحقيق العدالة الاجتماعية التي لا تفارق مطالبنا الحالية والمستقبلية، والمسطرة في ما قبل.
من الأمور التي لا يمكن نفيها أن الدولة المغربية واجهت هذا الفيروس المجهري بشكل حاسم منذ البداية؛ درءا للمفسدة المهددة لكيانها، ونجحت في ذلك؛ فتم إغلاق المدارس والمساجد والمطاعم والمطارات… ولذا دعت المواطنين إلى المشاركة، والانخراط من أجل مواجهة هذا الوباء الخبيث، عن طريق «الحجر الصحي»؛ حتى لا تتسع دائرة انتشاره، فيثير الرعب فينا أكثر فأكثر.
من هنا يحق لنا القول بأن الأزمات عموما، تفضح قوة أو هشاشة الدولة، سواء من حيث الخطاب أو الممارسة بشكل عملي. كما أنها تفضح درجات الوطنية والانتهازية الموقوتة معا، وهذا ما أثار انتباه الكثير من المغاربة، لذا ظهرت دعوات لتشجيع إسهامات الأغنياء» وهي معدودة لكنها أثبتت قوتها»، ودعوات أخرى لتنديد الممسكين لأموالهم عن الخير والعطاء «وهم كثر…» ، وهذا كله يعبر – ولا يزال – عن درجة الوعي عند المغاربة أثناء الأزمات على وجه التحديد، وعندما تزول هذه الجائحة إن شاء الله سترون كيف تصنع الخطابات الفرعونية («البروباغندا السياسوية» أو»الدعاية السياسوية الخداعة») بشتى صورها لطي تاريخ قريب، فضح أن المزايدات في منسوب الوطنية مجرد هراء، وأن الخصخصة ليست سوى إعادة توزيع للثروة لصالح فئات معينة، وهذا ما فشلت في تحقيقه بعض الجهات التي طلبت دعمها في ظل الركود الاقتصادي الحالي، ولم تراع معاناة، وشعور الفئات التي لا تملك سوى الصبر، ولا تملك سبيلا إليه سوى المزيد من الصبر، وهذا يؤكد بشكل مباشر مدى قسوة الليبرالية المتوحشة المحلية على الاقتصاد الوطني.
فتوجهات الدولة المغربية، مهما يكن من أمر، أعلنت حالة الطوارئ، واستطاعت عمليا تقييد الحركة بشكل عام، في حين أن دونالد ترامب رئيس أقوى دولة في العالم – في موقفه الأولي – قلل من خطورة كورونا، مما جعل القارة الأمريكية منطقة موبوءة بالفيروس، بعد رفضه حتى نصائح الخبراء من العلماء، والأطباء وتحذيراتهم، بحكم نرجسيته الفائقة، والمتجاوزة درجة الجنون؛ لهذا يستحق أن يوصف بالأرعن، لأن فكره أعمى، ولتجاوز هذا التوصيف فإن نقده، كما يرى إدغار موران عموما هو المهمة الاستعجالية للفكر أي «إصلاح الفكر» في أحد تجلياته العظمى.
ولكم الحق « أيها القراء» في أن تطلقوا عليه ما شئتم من الأوصاف … ففقدانه لإنسانيته جعله لا يحس بالآخرين، بل إن إرادة الهيمنة على الكل هي سر وجوده، بل ستكون سببا في سحق نفسه بخطواته الأليغارشية العمياء…، وعليه اختار في سجالاته، وحواراته أن يطلق على هذا الفيروس ب»الفيروس الصيني» بشكل صريح بعيدا عن أبعاد الاستعارة اللغوية، وهذا ما دفع الناطق باسم خارجية الصين إلى الرد عليه قائلا بأن الجيوش الأمريكية جلبت الوباء إلى «ووهان»، – حرب سرية هكذا بدأت بين الأليغارشية الأمريكية والتنين الصيني – هذا الفيروس بطبيعة الحال لم يعد صينيا أو أمريكيا بدون مزايدات من حيث التأثير السلبي، مادامت البشرية كلها مهددة، فقد انتقل من « المحلي» إلى «العالمي»، وأضحى وجها من أوجه العولمة البشعة، فحركة العولمة عموما تؤدي إلى جمع مناطق العالم المختلفة، والمتباعدة في بؤرة واحدة.
هذا أصلا يدل على حركة الانكماش التي عرفها العالم؛ فقد مرت بمراحل تاريخية كثيرة، وتسارعت بمعدلات مذهلة، وخصوصا خلال العقد التاسع من القرن الماضي، وذلك على إثر التطورات العلمية والمعلوماتية الجديدة، وبروز قوى، ومؤسسات وشخصيات، واتجاهات،….كل هذا أسهم في تعميق هذا الانكماش.
والحال أن العالم اليوم يزداد صغرا يوما بعد يوم، بينما المسافات بين الدول لم تتراجع فحسب بل هي في طريقها للاختفاء، إذ الأماكن البعيدة أصبحت أكثر قربا من بعضها البعض، في حين أن المسافات الجغرافية تتقلص، وعلى إثرها تتقلص المسافات الثقافية، الاقتصادية، الاجتماعية، الإنسانية والبيئية التي كانت قائمة حتى الآن.
لم يجد وباء كورونا في هذا السياق صعوبة في الانتقال إلى معظم الدول، فهو إذن فيروس عابر للقارات، ولذا فمحاربته تستوجب أن تكون عالمية الصبغة، وليست مقتصرة على أطراف معينة، وهذا يتطلب الأخذ بعين الاعتبار – واستحضار- القيم الإنسانية المشتركة بين الدول في جميع أنشطتها، وتوجهاتها. وهذا ما استند عليه المهدي المنجرة لمواجهة الأزمات؛ فمن» الضروري – كما يرى- التركيز على منظومة القيم لنوضح أن الأزمة الحالية «شمال جنوب» لن يتم حلها بحلول ترقيعية هنا وهناك. إنها أزمة النظام الحالي بأكمله. وكل حل يستوجب إعادة تجديد الأهداف والمهمات والبنيات، مع إعادة توزيع السلطة والموارد حسب قيم مغايرة لتلك القيم التي سببت الأزمة، واختلال النظام الحالي»، بطبيعة الحال فخطاب المنجرة عام، لكنه حل للعديد من الأزمات العالمية كيفما كانت أبعادها.
************
اليوم، في قاموس التحديات المعاصرة، سنجد أن فيروس كورونا يتصدر قائمتها بلا جدال، فلا يخلو كما هو معلوم أي عصر من التحديات التي تواجه الإنسان، وهذا ما أكده أرنولد توينبي عندما صاغ نظريته الشهيرة التي تعد قاعدة من قواعد الفكر الإنساني في القرن الماضي، إذ رأى أن كل الحضارات الإنسانية المتعاقبة منذ فجر التاريخ وإلى اليوم إنما هي نتيجة للتحدي، والاستجابة، لذا نجد أن العالم كله دخل في غمار مواجهة كورونا طبيا، لإثبات القدرة على ترسيخ أسس التحضر، والاستجابة لمطالب الإنسان المعاصر، للتأكيد في نهاية المطاف على الصدارة المحققة لإثبات القوة العالمية.
لم يظهر فيروس كورونا في الدول المتخلفة، بل كان مصدره الدول ذات البعد الرأسمالي، فالصين دولة رأسمالية في الحقيقة رغم أن رأسماليتها مختلفة عن الرأسمالية الغربية، ورغم أيضا كونها تنتمي إلى الحزب الشيوعي «الحزب الحاكم». بينما أمريكا فهي تقود النظام العالمي الرأسمالي، وتسعى دائما لأن تخضع العالم لمتطلبات نموها، وشروط حركتها، ولهذا فالأزمة التي نحن بصدد الحديث عنها لا تنفصل عن إفرازات الرأسمالية المتوحشة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
بناء على ذلك، فما بعد كورونا يحتم علينا إعادة النظر في الكثير من الأمور الداخلية والخارجية، ولحسن حظنا كما يرى جاك أتالي –عالم اجتماع فرنسي- «ثمة درس نتعلمه من هذه الأزمات، وهو أن رغبة الناس في الحياة تظل هي الأقوى دوما، وأنهم في النهاية يتجاوزون كل ما يعترضهم في طريقهم، لكي ينعموا بلحظاتهم النادرة فوق الأرض».
لكي تكون لحظاتنا في الحياة طبيعية وهادئة، وسعيدة أيضا، فإن كل شعوب العالم بحاجة إلى مجاورة نظام عالمي جديد؛ يروم ترسيخ قيم إنسانية- حضارية ( الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، الحرية، التعاون …) لا تعترف بالموجات، النابعة في عمق توجهاتها من القيم النيوليبرالية المولدة للصراعات اللامتناهية، واللاإنسانية.
في بلدنا على وجه التحديد، فإن صناعة القرار يجب أن تحتكم الى فلسفة تنموية حديثة لا تستجيب للإملاءات الأجنبية، سيما في القطاعات الحيوية « التعليم، الصحة، الشغل…»، وهذا يتضح في مناسبات عدة، سيما أثناء مناقشة قانون المالية . ومن دون شك، فإن القرارات المبنية على الإرادة المجتمعية بشكل ديمقراطي هي التي تصنع ما يسمى بالتنمية المستقلة، وهذه مسألة تستحق أن نضع أسسها، ومراميها نصب أعيننا، وهي كفكرة لها تقاطعات عدة مع فكرة النموذج التنموي المغربي «المحلي»، والذي كان محور بعض كتاباتنا.
غير بعيد عما ذكرناه، فلا يمكن بتاتا تصور حركة تنموية فعالة دون تحقيق دولة وطنية قوية، وهذا ما جسدته الدولة المغربية منذ بداية أزمة كورونا، وقد أحس جل المغاربة بقراراتها التي تؤكد وجودها لتحقيق الأمن العام عموما؛ لكن المطلوب منها أيضا كي تكتمل صورتها الإيجابية، بشكل مستمر هو الاستجابة لمطالب الشعب، المحققة للتنمية الشاملة؛ أي التي تعم البلاد كلها، وليست التنمية التي تخص بعض الأوساط والفئات.
وبحكم كوننا نتسلح بالإرادة، فهذا في حد ذاته تفاؤل، كما قال غرامشي»التفاؤل هو تفاؤل الإرادة»، وهذه المعادلة تجعلنا في الحقيقة من المغاربة المتفائلين كيفما كانت الأوضاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.