استطلاع يكشف أن نحو ثلث المغاربة لم يسبق لهم التصويت في أي انتخابات        سانتوس يعلن عن تشكيلة الجيش الملكي لمواجهة الرجاء في "الكلاسيكو" المرتقب    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    رئيس الحكومة يترأس اجتماع لجنة القيادة المكلفة ب "عرض المغرب" في مجال الهيدروجين الأخضر    إسحاق ناظر يحرز "ذهبية 1500 متر"        ناصر بوريطة في زيارة رسمية إلى الصين يومي 19 و 20 شتنبر    ميناء المضيق يحقق ارتفاعا قياسيا في مفرغات الصيد        أسطول الصمود .. "عقبات تقنية" تعرقل انطلاق سفينة مغربية نحو غزة        "همم": الحكم على سعيدة العلمي يثير مجدّدا إشكالية تقييد حرية الرأي في المغرب        "حزب الكتاب" ينتقد أداء المستشفيات    أرقام رسمية تكشف المستفيدين.. النساء والمغاربة بالخارج يستحوذون على 70% من دعم السكن    مورينيو يُرشح لتعويض لاجي ببنفيكا    الاتحاد الاشتراكي يحذر من "تغول الذكاء الاصطناعي" في الانتخابات ويدعو إلى تنظيم استعماله    عدد مغادري إسرائيل يسجل الارتفاع    معدل التضخم يثبت في منطقة اليورو    طائرة طبية تتدخل لنقل طفل مريض    المتقاعدون يدعون إلى العودة للاحتجاج ورفع المطالب والتنديد بالأوضاع المتردية    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    آلام الرقبة قد ترجع إلى اختلال وظيفي في المضغ    مهرجان الظاهرة الغيوانية في دورته الثالثة بالدار البيضاء    مبرزو التربية الوطنية يضربون من أجل المطالبة بإنصافهم    الموسيقى المغربية تتألق في حفل "أصوات من الديار" بواشنطن    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": مخرجات القمة العربية الإسلامية شجعت إسرائيل على مواصلة العدوان    الاتحاد الأوروبي يقترح فرض عقوبات على إسرائيل بسبب الحرب على غزة        زخات رعدية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الأربعاء بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ترشيد "الروشيرش"... النيابة العامة توجه دورية لعدم الالتجاء لبرقيات البحث إلا عند الضرورة القصوى    الأمن يكشف حصيلة حوادث السير بالمدن المغربية    الرجاء يوضح قواعد حضور جماهير مباراة الكلاسيكو أمام الجيش الملكي    التوفيق يكشف حصيلة تأهيل المساجد المتضررة من زلزال الحوز    تحذير للمديرية العامة لأمن نظم المعلومات بوجود ثغرات في أنظمة إلكترونية    "حين سقط القمر" رواية جديدة للكاتب والأديب المغربي محمد بوفتاس    هوليوود تودع أسطورة السينما روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عاما    والي بنك المغرب يشدد على أهمية التعاون العربي في المجال النقدي    تصفيات مونديال 2026.. جيبوتي يختار ملعب العربي الزاولي بالدار البيضاء لمواجهة مصر        قهيوة مسائية بطنجة رفقة الفنان فؤاد الزبادي        السيارات الكهربائية: المغرب يحتضن أكبر مصنع للبطاريات    الجيش الإسرائيلي يعلن قصف "أكثر من 150 هدفا" في مدينة غزة منذ الثلاثاء    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    مع تكثيف القصف.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن إقامة "مسار انتقال مؤقت" لخروج سكان مدينة غزة    بوبريك: 24 مليون مستفيد من التغطية الصحية و4 ملايين أسرة تحصل على الدعم المباشر    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    15 ألف عداء مرتقب في سباق 10 كلم بالدار البيضاء    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    التغذية المدرسية.. بين إكراهات الإعداد المنزلي وتكاليف المطعمة    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة مغربية    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكومة التونسية الجديدة والملفات الحارقة

الثورة التونسية دخلت سنتها الخامسة منذ شهر ونصف. وخلال هذه الفترة من الزمن عرفت تونس، شعبا وسياسة وحضارة ومجتمعا، تحولات عاصفة ستكون مادة ثرية للدراسات التاريخية والاجتماعية والنفسية وكذلك السياسية في العقود المقبلة. وبعد أن مرت تونس بكبوات كثيرة بسبب استقواء التيارات الرجعية المتشددة، كان للقوى المدنية فيها دور المنقذ بفضل حسها المجتمعي ووعيها الشعبي المنفتح على سيرورة التاريخ المعاصر. وقد بلغت تونس، أخيرا، مرحلة الانتخابات الشعبية التي آلت إلى حكومة رشحها الحزب الأغلبي وحلفاؤه لتحكم تونس طيلة خمس سنوات وتخرجها من مرحلة المؤقت الهش إلى المستقر الدائم.
نالت الحكومة التونسية الجديدة التي يرأسها الحبيب الصيد الثقة من مجلس نواب الشعب منذ 4 فبراير الماضي بأغلبية 167 من جملة 217. وهي أغلبية كبيرة لم تحظ بها أكبر الحكومات في أعتى الديمقراطيات في العالم. والحقيقة أن هذا ما كان يطمح إليه الحزب الأغلبي «نداء تونس» من وراء تحالفه في الحكم مع غريمه الأيديولوجي والسياسي حزب حركة النهضة الإسلامي. ولكن تحقّق الأغلبية البرلمانية التي تضمن نيل الحكومة للثقة اللازمة لممارسة الحكم لا يعني نجاحا مسبقا في التعاطي مع الملفات المعقدة التي توارثها الشعب التونسي عن نظام بن علي.
ومن صدف السياسة أنّ ما أجّله الباجي قائد السبسي، لما اختاره الرئيس المؤقت بعد هروب بن علي فؤاد المبزع ليكون رئيس الحكومة بعد استقالة محمد الغنوشي، يجده أمامه اليوم وهو رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الحاكم المطالب بمواجهة هذه الملفات.
قبل ذلك، هل جاءت هذه الحكومة لتدير الشأن التونسي أم لتعالجه؟ الفرق بين الإدارة والمعالجة كبير، فأن تدير يعني أن تحافظ على الوضع القائم في أقصى الحالات. وأن تعالجه فذلك معناه أن تكون هناك استراتيجية وخطة وبرنامج. والحقيقة أنّ فكرة المعالجة صعبة على الهضم في الحالة التونسية بالنظر إلى الارتجالية في تشكيل الحكومة وفي اختيار مكوّناتها وحلفائها وأعضائها، وفي تغيير بعضهم بغيرهم بشكل ارتجالي في آخر لحظة. ومع ذلك، ولو اعتبرنا حسن النية، إذا اختارت الحكومة التونسية الجديدة معالجة الشأن فمن أين ستبدأ؟
هناك سبعة ملفات معقدة تعاني منها تونس يؤدي أحدها إلى الآخر ويحيل عليه، وهي ملفات الفيضانات والإرهاب والجريمة والإضرابات والاحتجاجات والتنمية والتشغيل. ملفات لا تخضع لأي ترتيب في سلم أولويات أي حكومة لو كانت وطنية. فكلها ملفات حارقة ذات أولوية باعتبارها تستهدف المواطن التونسي مباشرة.
ملف الفيضانات يفتح قضية البنية التحتية المعطوبة التي وضع أسسها الاستعمار الفرنسي في المدن الكبرى وعجزت دولة الاستقلال عن الإتيان بأفضل منها. فالمجهودات الوطنية التي بذلتها دولة الاستقلال الوطنية في تعهد البنية التحتية بالصيانة والمتابعة بددها نظام بن علي. ففي 23 سنة عمّت الرشوة انتدابات المهندسين في إدارات التجهيز والبلديات. والراشون تحولوا جدليا إلى مرتشين. وظهرت فئة من الأثرياء من موظفي الدولة طيلة العقود القادمة ولازالت من المهندسين لم يسائلها أحد إلى اليوم من أين لك هذا؟ والنتيجة فظيعة، فمواطنون تونسيون لا يقضّون ليالي الشتاء في بيوتهم أمام المدفأة بل على الأسطح خوفا من السيول الهادرة، وأطفال محرومون من ارتياد مدارسهم التي غمرتها وغمرت طرقاتها مياه الأودية والأنهار الفائضة.
بقيت الإشارة إلى أن مشكلة الفيضانات في تونس ذات وجهين؛ وجه جهوي ووجه طبقي. الوجه الجهوي مؤداه أن النظام التونسي من بورقيبة إلى اليوم يعتبر أنّ سكان الشمال الغربي مواطنون من الدرجة الثانية، وأما الوجه الطبقي فإن تونس طيلة تاريخها المعاصر كانت تأكل من سواعد عمال الشمال الغربي الغني بالمياه والثروات الفلاحية والمفتقر إلى العدالة الاجتماعية.
أما ملف الإرهاب فهو الملف المربك للتونسيين بما يجعلهم يستمرون في إضاعة البوصلة المميزة بين الحق في العدالة، والحق في الأمن. فكلما تحركت الآلة النقابية الوطنية لتعديل التفاوت الطبقي والدفاع عن حقوق العمال، تحركت ألغام الغدر الإرهابي وبنادقه في جبال الشعانبي والمدن المجاورة، وأي صدفة لاسيما أن بعضا من أحبة الشعانبي قريبون من السلطة الشرعية الحاكمة.
بقي أنّ الشعب التونسي اليوم يعيش حالة من التطبيع مع الجريمة. فجرائم دموية كبيرة كانت لتزلزل أي مجتمع مستقر يحترم حقوق مواطنيه، إذ الطرف الأكثر عرضة للاعتداء اليوم في تونس هم الأطفال الذين يقعون ضحايا جرائم التحرش والاغتصاب والقتل والعنف والإهمال. لاشك في أن لهذه الجرائم رواسب نفسية واجتماعية رأسها الفقر وبابها التهميش، والسؤال الأكبر هو كيف ستعالجها السلطات التونسية الرخوة؟
وليست الإضرابات القطاعية المسترسلة إلا نتيجة لتفاوت في الثروة فاق كل الممكنات التاريخية. فنسبة الفقر في تونس فاقت 33 بالمئة حسب إحصائيات رسمية. وهو ما يجعل الدفاع الاجتماعي يكون على شكلين، القطاعات المهيكلة المنظمة تمارس الإضراب المكفول دستوريا وتلوي عنق السلطة المتحالفة مع رأس المال، بينما القطاعات الهامشية تركب موجة الاحتجاجات الشعبية على خلفية غياب المشاريع التنموية التي يمكن أن تخلق مواطن الشغل وتخفف حدة التوتر المجتمعي الذي يوظفه أعداء العدالة الاجتماعية ومريدو التشدد وسماسرة الإرهاب المغلف بغلاف الجهاد توظيفا يتجاوز حدود تونس.
هذه نماذج من الملفات المعقدة التي تواجهها الحكومة التونسية المتعاضدة برلمانيا. ولكن التعاضد البرلماني لا يخفي عن التونسيين سعي حركة النهضة ومن معها إلى سحب البساط من تحت قدمي حليفها في الحكم حزب نداء تونس. والدلائل على ذلك كثيرة لاسيما احتجاجات الجنوب التونسي المحاذي للحدود الليبية، وتواجد قادة سياسيين قريبين من النهضة هناك، وتدخلهم السافر في توجيه السياسة الخارجية التونسية نحو الاعتراف بميليشيات فجر ليبيا الإخوانية، وهو ما أربك الدبلوماسية التونسية ودفعها إلى الاعتراف بحكومتين في ليبيا؛ واحدة منتخبة في طبرق، والثانية غير شرعية في طرابلس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.