سعيد حجي .. اهتمامٌ متزايد يبعث فكر "رائد الصحافة الوطنية المغربية"    باحثون يوصون بمناقشة "الحق في الموت" والمساعدة الطبية على الإنجاب    أشنكلي: سوس ماسة "قلعة تجمّعية" .. والحزب يواجه "الأعداء" بالعمل    عمور تستعرض "إنجازات وزارة السياحة".. برادة ينتشي بنتائج مدارس "الريادة"    بلمعطي: أستمر في إدارة "أنابيك"    ترامب: قصفنا 3 منشآت نووية بإيران    الرجاء يواجه ناديين أوروبيين بالصيف    الوداد يختتم الاستعدادات ليوفنتوس    تكريم الركراكي في مؤتمر بمدريد    وحدة لتحلية مياه البحر في اشتوكة    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    "ها وليدي" تقود جايلان إلى الصدارة    حملة دولية تعارض قتل الكلاب الضالة بالمغرب.. و"محتج فيلادلفيا" في سراح    الإنسان قبل الحيوان .. بين ظاهرة الكلاب الضالة وحق المواطن في الأمان    توتر عالمي بعد قصف أميركي .. كيف سترد إيران؟    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية بعدد من المناطق حتى الأربعاء المقبل    الولايات الأمركية تدخل الحرب.. ترمب يعلن ضرب مواقع نووية في إيران ويصف الهجوم ب"الناجح جدا"    عاجل: ترامب يعلن عن ضربات جوية أمريكية "ناجحة جداً" ضد منشآت نووية إيرانية    تل أبيب تبارك القصف الأمريكي لإيران وتؤكد ان التنسيق كان على أعلى مستوى    نتنياهو بعد ضرب إيران: ترامب غيّر مجرى التاريخ    لحسن السعدي: الشباب يحتلون مكانة مهمة في حزب "التجمع" وأخنوش نموذج ملهم    ترامب يُعلن استهداف مواقع نووية إيرانية بينها فوردو.. ويؤكد: "الهجوم تم بنجاح.. والوقت الآن للسلام"    عملية "مرحبا 2025" تُسجل عبورا سلسا للجالية عبر طنجة وسبتة في انتظار أيام الذروة    الحكم على الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي !!    نشرة خاصة: زخات رعدية وطقس حار من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المغرب    زخات رعدية اليوم السبت وطقس حار من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    تأمين إمدادات مياه الشرب لتطوان وساحلها من سد الشريف الإدريسي    عارضة أزياء : لامين يامال أرسل لي 1000 رسالة يدعوني لزيارة منزله    انطلاق تشغيل مشروع مهم لنقل الماء الصالح للشرب بين مدينة تطوان ومنطقتها الساحلية    أولمبيك آسفي يبلغ نهائي كأس العرش بعد فوزه على اتحاد تواركة    عضة كلب شرس ترسل فتاة في مقتبل العمر إلى قسم المستعجلات بالعرائش وسط غياب مقلق لمصل السعار        عرض أوبرا صينية يُبهر جمهور مكناس في أمسية ثقافية مميزة    المدير العام لنادي مالقة الإسباني لكرة القدم: أكاديمية محمد السادس حاضنة للتميز في خدمة الكرة المغربية    صحافية إسبانية استقصائية تفضح انتهاكات البوليساريو وسرقة المساعدات في تندوف    من العيون.. ولد الرشيد: الأقاليم الجنوبية، منذ المسيرة الخضراء، عرفت تحولات كبرى على كافة المستويات    مهرجان كناوة .. منصة مولاي الحسن على إيقاع حوار الكمبري والعود والأفروبيتس    روبي تشعل منصة موازين بالرباط بأغانيها الشبابية    إعلامي مكسيكي بارز : الأقاليم الجنوبية تتعرض لحملات تضليل ممنهجة.. والواقع بالداخلة يكشف زيفها    حفل "روبي" بموازين يثير الانتقادات    العاصمة الرباط تطلق مشروع مراحيض عمومية ذكية ب 20 مليون درهم    اتصالات المغرب تستثمر 370 مليار لتطوير الأنترنت في مالي وتشاد    هزة أرضية جديدة ببحر البوران قبالة سواحل الريف        اعتقال 10 متورطين في شبكة مخدرات بالناظور    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    الترجي يسجل أول فوز عربي وتشيلسي ينحني أمام فلامينغو وبايرن يعبر بشق الأنفس    الوداد يعلن تعاقده رسميا مع السوري عمر السومة    البنك الأوروبي يقرض 25 مليون دولار لتطوير منجم بومدين جنوب المغرب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    تراجع أسعار الفائدة قصيرة المدى في سوق السندات الأولية وفق مركز أبحاث    حرب الماء آتية    توظيف مالي لمبلغ 1,72 مليار درهم من فائض الخزينة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ستحشر المحكمة الدستورية في قضية ذات طبيعة سياسية

عرف مجلس النواب، أخيرا، نقاشا قويا حول قضية القاسم الانتخابي، ومن بين الوسائل التي استعملت في ذلك النقاش التعبير عن إرادة المعارضين للتعديل المتعلق بالقاسم الانتخابي الذي أدخل على المادة 84 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، باللجوء إلى المحكمة الدستورية بدعوى أن التعديل المذكور مخالف للدستور.
حقا أن المحكمة الدستورية ستضع يدها على التعديلات التي أدخلت على القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، لأن الفصل 132 من الدستور يلزم أن تحال كل القوانين التنظيمية على المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور. إذ تنص تلك المادة على ما يلي:
" تحال على المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها"، والأنظمة الداخلية لكل "من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور"
وأن صيغة "لتبت في مطابقتها للدستور" يستعملها كذلك القانون التنظيمي 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية. غير أن مهمة البحث في مطابقة قانون معين أن تقدم جوابا ب " نعم " أو " لا".
بل إن المجلس الدستوري سابقا، والمحكمة الدستورية حاليا استفادا من المستوى العلمي الرفيع لرؤسائهما والمجهود الكبير لأعضائهما فابدعا في خلق صيغ لا تتناقض مع مهامهما الدستورية. لكنها صيغ جعلت المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية يتحللان من شرط الجواب بالمطابقة أو عدم المطابقة مع الدستور عندما تثار أمامهما قضية مجتمعية لكن غير منصوص عليها في الدستور. فهل يصرحان بعدم مطابقتها للدستور فقط لكونها غير مذكورة فيه.
وهكذا صدرت قرارات دستورية استعملت فيها صيغة " ليس فيه ما يخالف للدستور" وهي صيغة عميقة، تقول بواسطتها المحكمة الدستورية، إن قانونا معينا بالرغم من أن مقتضياته لا تتطابق مع مقتضيات الدستور، إلا أن ذلك القانون ليس فيه ما يخالف الدستور، فيسمح بتنفيذه.
لهذا نقرأ في عدة قرارات أن فصولا معينة في القانون المعروض على المحكمة الدستورية توصف بصيغة أنها " مطابقة للدستور" أو " غير مطابقة للدستور". كما نجد بعض الفصول في نفس القانون توصف بصيغة " ليس فيها ما يخالف الدستور".
غير أن من المفيد الوقوف عند الصيغتين أي صيغة " مطابقة للدستور" وصيغة " ليس فيه ما يخالف للدستور" لنقول إن الأمر ليس اختلافا في اللغة أو التعبير أو الصياغة، بل في تقديري هو أعمق من ذلك. أي أن تلك الصيغ تحمل تأويلا إيجابيا عميقا لقواعد الدستور. كيف ذلك؟
فيظهر أن المحكمة الدستورية عندما تستعمل صيغة " مطابق للدستور" فهي تجعل من الدستور سقفا للحقوق والواجبات وبالتالي لا تسمح للبرلمان بأن يسن قوانين تتجاوز الحقوق أو الواجبات المنصوص عليها في الدستور. باعتباره هو التعاقد بين الأفراد والجماعات والدولة في المجتمع. ولا يمكن تجاوز الدستور في ما قضى به. لكن عندما تستعمل المحكمة الدستورية صيغة " ليس فيه ما يخالف الدستور" فإنها تجعل من قواعد الدستور عتبة للحقوق والواجبات، أي أن البرلمان يمكنه أن يسن أي قاعدة قانونية لا يوجد في الدستور ما يخالفها.. وهو ما يعني أن ذلك القانون قد يتجاوز الحقوق والواجبات المنصوص عليها في الدستور لكنها لا تتعارض معه. لماذا هذا التقديم ؟
هذا التقديم يمهد للدخول إلى موضوع هذا المقال: هل يدخل في اختصاص المحكمة الدستورية فحص القاعدة القانونية المتعلقة بتوزيع المقاعد في انتخابات أعضاء مجلس النواب، أي القاسم الانتخابي ؟
يصعب الجزم بالقول بكون المحكمة الدستورية يدخل في اختصاصها فحص مطابقة التعديل المتعلق بالقاسم الانتخابي أو لا يدخل في اختصاصها. وذلك في انتظار الرأي النهائي الذي سيصدر عنها عندما يحال عليها التعديل المذكور.
لكن، لا شيء يمنع من إبداء وجهة نظر والمساهمة في هذا النقاش الغني، وهي وجهة نظر قد تكون صحيحة أو قد تكون غير ذلك وتبقى دائما قابلة للنقاش.
وفي تقديري الشخصي أن فحص مطابقة التعديل المتعلق بالقاسم الانتخابي الذي أدخل على المادة 84 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، لا يدخل في اختصاص المحكمة الدستورية للأسباب التالية:
أولا:
إن القواعد القانونية المتعلقة بالقاسم الانتخابي لا علاقة لها بالدستور، لأن الدستور لم ينص ولم ينظم كيفية توزيع مقاعد البرلمان بعد عملية التصويت، وإنما أحال كيفية انتخاب أعضاء مجلس النواب والتقسيم الانتخابي على قانون تنظيمي. وذلك وفقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 62 من الدستور الذي ينص على ما يلي:
" يبين قانون تنظيمي عدد أعضاء مجلس النواب ونظام انتخابهم ومبادئ التقسيم الانتخابي "والشروط القابلة للانتخاب وحالات التنافي وقواعد الحد من الجمع بين انتدابات ونظام "المنازعة الانتخابية."
إن إحالة كيفية تنظيم انتخاب أعضاء مجلس النواب، أي القراءة التي تؤدي إلى القول إن الدستور ليس له متسعا من الفصول ليخصصها لكيفية انتخاب أعضاء مجلس النواب فأحالها على قانون تنظيمي، تقرأ على أن نظام انتخاب البرلمان ومبادئ التقسيم الانتخابي وغيرها مما هو منصوص عليه في الفصل 62 ليست قواعد دستورية أصلية وليس لها قوة الالزامية التي لقواعد الدستور. بل هي قواعد ذات قوة ملزمة لكنها أقل من القواعد المنصوص عليها في الدستور. وإن كان الفقه الدستوري يصف القوانين التنظيمية بالقوانين المكملة للدستور.
أن إحالة كيفية تحديد مبادئ التقسيم الانتخابي على قانون تنظيمي هي إحالة من أجل الاختصاص. أي أن الدستور يعتبر تحديد مبادئ التقسيم الانتخابي لا تدخل في اختصاص الدستور، وإنما تدخل في اختصاص القانون التنظيمي.
والفرق كما نعلم هو فرق كبير، لأن الدستور هو تعبير مباشر عن إرادة الأمة، لأنه يصوت عليه عن طريق الاستفتاء، بينما القانون التنظيمي هو تعبير غير مباشر عن إرادة الأمة ذاتها. لأنه يصوت عليه بواسطة ممثلي الأمة في البرلمان.
وهكذا يتبين أن الفرق بين الدستور وبين القانون التنظيمي هو الفرق بين التعبير المباشر عن إرادة الأمة، وبين التعبير غير المباشر عن إرادة الأمة.
وأن تصويت ممثلي الأمة على القواعد المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان بما فيها مبادئ التقسيم الانتخابي، هو من صلب اختصاص البرلمان، بالتالي ليس فيه مخالفة للدستور، لأن هذا الأخير لا وجود فيه لأي قاعدة تتعلق بالتقسيم الانتخابي حتى يمكن للمحكمة الدستورية البحث في مطابقتها مع القانون التنظيمي الذي يصوت عليه مجلس النواب.
ثانيا:
إن إسناد تحديد القواعد القانونية المتعلقة بالتقسيم الانتخابي لقانون تنظيمي يعني أن النية اتجهت لإخضاع القاسم الانتخابي للنقاش العام داخل البرلمان بين القوى السياسية الممثلة فيه. وهو ما يضفي عليها طابعا سياسيا، أي أن قواعد القاسم الانتخابي هي نتيجة التوافقات التي تقوم بها القوة السياسية في مجتمع معين.
إن الفصل 62 من الدستور عندما أحال تحديد قواعد التقسيم الانتخابي على القانون التنظيمي أي على البرلمان فانه، في الحقيقة، أحالها على التوازنات السياسية داخل مجلس النواب. لكي تحدد من خلالها قواعد التقسيم الانتخابي وفقا لأغلبية الأصوات. وهو ما يعني اعتراف الدستور بالطابع السياسي للقواعد القانونية المتعلقة بالقاسم الانتخابي.
لكن ما قد يخلق اليوم حرجا كبيرا للمحكمة الدستورية ولفقهاء الدستور والفاعلين السياسيين هو أن التعديل المتعلق بالقاسم الانتخابي لم يصوت عليه الحزب الأكثر عددا في البرلمان والذي عين من بينه رئيس الحكومة الحالية، بل صوتت عليه أغلبية من أعضاء مجلس النواب خارج الحزب الذي عين من بينه رئيس لحكومة.
أي أغلبية جديدة تكونت من برلمانيين لأحزاب مشاركة في الحكومة وبرلمانيين لأحزاب في المعارضة. وهذه الأغلبية الجديدة جعلت الحزب الذي عين منه رئيس الحكومة منعزلا وبالتالي أقلية في البرلمان.
في الدول الديمقراطية عندما يحدث مثل هذا الانقلاب داخل البرلمان، وإذا لم ينجح رئيس الحكومة في الحصول على توافقات لتجاوز الأزمة كما هو واجب اليوم على رئيس الحكومة السيد سعد الدين العثماني، فإن ذلك الوضع يترتب عنه استقالة رئيس الحكومة واستقالة الحكومة وفقا للأعراف الديمقراطية في الدول الديمقراطية.
هذا الانشقاق الذي وقع في صفوف الأغلبية هو انشقاق سياسي للحكومة وليس لا دستوري ولا قانوني، وبالتالي كل ما ينتج عنه هو سياسي بطبيعته، بما فيه قواعد التقسيم الانتخابي.
لكن، يجب أن لا نغفل أن أي تعديل للقانون التنظيمي ومنه تعديل المادة 84 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب يمر عبر التصويت عليه في البرلمان.
ومن المعلوم أن عملية التصويت داخل مجلس النواب تخضع لمراقبة المحكمة الدستورية بخصوص مدى احترامها للنظام الداخلي للمجلس، انطلاقا من المادة 26 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية الذي يجعل فحص مطابقة النظام الداخلي لمجلس النواب للدستور هو من اختصاص المحكمة الدستورية.
لذا يجب أن ننتظر ما ستقرره المحكمة الدستورية بخصوص هذه القضية، مع استحضار الفقرة الثانية من الفصل 134 من الدستور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.