ما كان الوطن يوما مجرد قطعة أرض ننتسب إليها أو جوازا يصاحبنا مشيرا إلى هذا الانتساب ونحن خارجه، بل إن الوطن أكبر من ذلك . الوطن هو راية تخفق في الأعالي، يصاحبها نشيد وطني تصدح به جماهير غفيرة من كل الفئات والأعمار، وهي تلتقي في حيز مكاني (ملعب كرة قدم، ومواكبة مقابلة فريق اللبؤات في إطار كأس إفريقيا للسيدات ضد الفريق النيجيري). كان الوطن هناك يعني، اللحمة بين كل من تجري في عروقه دماء مغربية، من المواطنين على اختلاف موقعهم /ن المهني والاجتماعي، وأيضا أدوارهم ... ما جمعهم /ن هنا هو حب الوطن . شعور قوي يتدفق في الشرايين بكل قوة، تعبر عنه الجماهير من خلال حجها إلى هناك، منهم من يرتدي قميصا كتب عليه اسم المغرب، أو رسم عليه الزليج المغربي بفسيفسائه النادر والجميل، ومنهم من التحف بالراية الحمراء التي تتوسطها النجمة الخضراء، وهي التي توسطت شغاف قلوب الجميع. الصغار لم يسلموا من هذه الحماسة العارمة وهم يرتدون أقمصة كتب عليها بخط كبير المغرب، وتلك لعمري فرصة أخرى خارج المؤسسات لتمكينهم /ن من إكسابهم/ن شخصيتهم /ن الأساسية، المشكلة لهويتهم المغربية، وتلقيحهم /ن بحب الوطن اللامتناهي . كان الصغار والكبار في انتظام يتراصون أمام المداخل المفضية للملعب، وعيونهم تشرق بالفرحة، وحين تلتقي نظراتهم مع بعض، تصدر عنهم ابتسامة تقول الكثير والكثير عن حب وطن لا يقهر، وعن عزم أكيد على أنهم /ن يشكلون جسما واحدا لا فرقة فيه، ولا تصدع، ولا صراع ...بل جسم بريء من كل انشغالاته، وهاهو يحضر إلى هنا معافى سليما وفي أبهى لحظات عطاءاته الواجبة إزاء وطن تبادل معه الإخلاص والعطاء والمحبة . الجميع متوتر، ومتوثب لتحقيق النصر، وكان كذلك في لحظات اختلط فيها الهتاف، بالعناق، بالصراخ، بكل شيء يعبرك كمغربي، ويجعلك تعبر عنه بكل تلقائية . كان الوطن وحبه هو ما يعبر الجميع ساعتها، من لاعبات لبؤات، لجماهير غفيرة تجيد تحريك الأوتار، ولقوات الأمن الساهرة على الانضباط ... أي حب هذا الذي لا يخبو، حتى بعد أن بدأ اليأس يتسرب بل وحتى بعد أن سرقت منا فرصة الانتصار، وانسحبت الجموع في انتظام، تحمل أسفها وألمها، وخيبتها، وكل التعاليق الممكنة عن مجريات المباراة التي كانت ستتوج مسيرة ناجحة لفريقنا الوطني للسيدات . سكون هم الجموع وهي عائدة من حيث أتت، لكنها كانت عبر خطوها وهدوئها وردود فعلها وكل ما يصدر عنها ساعتها، تتحدث لغة جسد واحدة،عن حب كبير لوطن تشكلت فيه هويتها، وجدانها، ذكرياتها، أحلامها وأمانيها، وطن لهم /ن فيه حقوق، وعليهم فيه واجبات . وطن فيه تعلموا معنى المسؤولية، والمواطنة، والولاء للقيم السامية الأخلاقية، ولكل الروابط المقدسة بين الأفراد في ما بينهم وبين الجماعة . وطن لا انفصام معه ولا انفصال، وطن اختاروه بكل حرية ومسؤولية ولن يختاروا غيره بديلا .