التنظيم القطاعي – تثبيت القاعدة المهنية للفكر الاتحادي انطلق التحضير الفعلي للمؤتمر الوطني الثاني عشر من عمق الهياكل القطاعية، باعتبارها الامتداد المهني والاجتماعي للفكر الاتحادي داخل مؤسسات الدولة والمجتمع. ففي قطاع الصحة، أعاد الحزب تفعيل أجهزته، وجعل من النقاش حول القانون الإطار 06.22 رافعة لطرح رؤيته للعدالة الصحية والمرفق العمومي. وفي قطاع التعليم، فتح الاتحاد ورش التفكير في المدرسة العمومية باعتبارها أداة للترقي الاجتماعي، ودافع عن الأطر التعليمية كركيزة للعدالة والمواطنة. أما في قطاع المحاماة، فقد قدّم الحزب مرافعة قوية من أجل استقلال القضاء وتعزيز الحقوق والحريات، بينما جسّد قطاع المهندسين الحسّ الاتحادي المتجدد في ربط الابتكار بالتحول الاقتصادي والبيئي، انسجامًا مع التحولات الوطنية الكبرى في مجال الطاقة والانتقال الأخضر. لقد أعادت هذه الدينامية القطاعية للحزب عمقه الاجتماعي، ورسخت حضوره كقوة مهنية فكرية تجمع بين الكفاءة والنضال، وبين الممارسة اليومية والمرجعية الفكرية الاشتراكية الديمقراطية. المؤتمرات الإقليمية والجهوية – دينامية التجديد وإعادة بناء الثقة من الشمال إلى الصحراء، عاش الاتحاد الاشتراكي واحدة من أوسع الديناميات التنظيمية في تاريخه الحديث، تمثلت في عقد أربعة وسبعين مؤتمرًا إقليميًا، أعقبها تنظيم المؤتمرات الجهوية في توازن دقيق بين الزمان والمضمون. كانت تلك المحطات لحظات ديمقراطية خالصة، أعادت الثقة بين القواعد والمناضلين، وجددت روح الالتزام الاتحادي القائمة على الحوار والنقد والمسؤولية. شهدت القاعات نقاشات فكرية وتنظيمية ثرية حول قضايا العدالة المجالية، وفرص التشغيل، والجهوية المتقدمة، فغدت المؤتمرات مختبرًا جماعيًا للتفكير في مغرب أكثر إنصافًا وتوازنًا. كما جسدت جولات الكاتب الأول للحزب، الأخ إدريس لشكر، في مختلف الأقاليم والجهات، ترجمة عملية لفكرة القيادة الميدانية التي تُنصت ولا تُملي، والتي تضع المناضلين في صلب الفعل الحزبي. وبهذا النفس الديمقراطي، تم تجديد الهياكل، وإبراز نخب جديدة من الشباب والنساء والأطر المهنية، ما جعل الحزب أكثر حيوية وتنوعًا وقدرة على التأثير في المشهد الوطني. برلمان الحزب والمكتب السياسي – العقل الجماعي في مواجهة التحديات الوطنية لم يكن العمل التنظيمي منفصلًا عن التفكير السياسي، فالمكتب السياسي والمجلس الوطني تابعا التحضير بعقل جماعي منفتح على التحولات الوطنية. تحولت اجتماعات المكتب السياسي إلى ورشات مفتوحة للنقاش حول القضايا الكبرى التي تشغل الرأي العام: من غلاء المعيشة وضعف الخدمات العمومية، إلى أزمة الثقة وتراجع الحريات. وفي خضم هذا الحراك، ظل الاتحاد الاشتراكي وفيًا لنهجه التاريخي كقوة معارضة مسؤولة، تُنتج الأفكار ولا تكتفي بالاحتجاج، وتقترح البدائل ولا تكتفي بالتشخيص. أما برلمان الحزب، باعتباره أعلى هيئة تقريرية بين مؤتمرين، فكان فضاءً للنقاش الاستراتيجي، حيث تمت مناقشة الوثائق المرجعية، وتتبع تنفيذ المقررات، وتثبيت توجه الحزب نحو الدفاع عن الدولة الاجتماعية كخيار وطني لا كشعار ظرفي. لقد برز من خلال هذه المرحلة نضج الحزب المؤسساتي، واتساع أفقه في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ما جعل الاتحاد الاشتراكي يستعيد موقعه كعقل فكري في السياسة المغربية. اللقاءات الجهوية – ترسيخ ثقافة المشاركة والتفكير الجماعي بعد بلورة أوراق المؤتمر عبر اللجان الموضوعاتية، انفتحت القيادة على الجهات في لقاءات فكرية واسعة، تحولت إلى منتديات للحوار الديمقراطي والمساءلة التنظيمية. في طنجةوالداخلة والعيون، كما في فاس ومراكش ووجدة وتطوان، كان النقاش مفتوحًا على كل القضايا، دون خطوط حمراء، بما يعكس جوهر المدرسة الاتحادية القائمة على النقد البناء والاختلاف الخلّاق. هذه اللقاءات أعادت الحيوية للعلاقة بين القيادة والقاعدة، وجعلت من القواعد شريكة فعلية في صياغة المشروع السياسي. ولم تكن مجرد محطات تحضيرية، بل ورشًا للتفكير الجماعي حول مستقبل الحزب والوطن، حيث تم إغناء الأوراق السياسية والاقتصادية بمقترحات ميدانية، تؤكد أن الفكر الاتحادي ما زال قادرًا على التجدد والتفاعل مع التحولات الوطنية والدولية. بهذا المعنى، تحولت اللقاءات الجهوية إلى تمرين عملي في الديمقراطية التشاركية، ورافعة أساسية لترسيخ ثقافة النقاش العمومي داخل الفضاء الحزبي.
الخروج الإعلامي للكاتب الأول – بلورة الرؤية الاتحادية في الفضاء العمومي شكّل الحضور الإعلامي المكثف للكاتب الأول للحزب، الأخ إدريس لشكر، في وسائل الإعلام العمومية والخاصة، امتدادًا طبيعيًا للحركية التنظيمية، وصوتًا واضحًا للفكر الاتحادي في النقاش الوطني. فقد عبّر في خرجاته المتعددة عن وضوح في الموقف واستقلالية في الرؤية، مؤكدًا أن المؤتمر الوطني ليس مجرد عملية داخلية، بل لحظة سياسية حاسمة في تجديد مشروع الاتحاد الاشتراكي كقوة ديمقراطية وطنية. ومن خلال اللقاءات الميدانية التي ترأس جلساتها الافتتاحية في مختلف الأقاليم والجهات، وخاصة في الأقاليم الجنوبية للمملكة كمدينتي الداخلة والعيون، خصّ الكاتب الأول جزءًا مهمًا من كلماته لتجديد التأكيد على مغربية الصحراء، وعلى مصداقية مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية كحلّ نهائي للنزاع المفتعل من خصوم وحدتنا الترابية. وقد أبرز في تلك المرافعات السياسية أن القضية الوطنية الأولى ليست موضوعًا للمزايدة أو التجاذب، بل ركيزة من ركائز المشروع الوطني الديمقراطي الذي يدافع عنه الاتحاد الاشتراكي، باعتباره حزبًا وطنيًا عريقًا ساهم في بناء الدولة الحديثة وفي ترسيخ وحدتها الترابية عبر عقود من النضال والتضحيات. من خلال حواراته وتصريحاته الإعلامية، قدّم الكاتب الأول تشخيصًا دقيقًا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مبرزًا الحاجة إلى إصلاح سياسي ومؤسساتي يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، وبين المواطن والسياسة. كما حرص على الدفاع عن مشروع الدولة الاجتماعية، وفضح المفارقة بين الخطاب الحكومي والشعارات المرفوعة حول العدالة والتوزيع. لقد أعاد هذا الحضور المنتظم للحزب في الإعلام العمومي والخاص إشعاعه الفكري، وذكّر الرأي العام المغربي بأن الاتحاد الاشتراكي لا يغيب عن القضايا الكبرى، بل يواكبها بعقل نقدي وروح وطنية جامعة، تجمع بين الدفاع عن السيادة والوحدة الترابية، وبين النضال من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. انتخاب المؤتمرات والمؤتمرين – لحظة الشرعية والتمثيلية تُوّج هذا المسار التنظيمي الطويل بعملية انتخاب المؤتمرات والمؤتمرين، التي جسّدت ممارسة ديمقراطية ناضجة أعادت الاعتبار لروح التنظيم الاتحادي. عرفت العملية مشاركة واسعة من المناضلين والمناضلات في مختلف الأقاليم، وتمت وفق معايير دقيقة تراعي مبدأ المناصفة والتكافؤ بين الجنسين، واحترام القاعدة التنظيمية الخاصة بتمثيلية الثلث للنساء وعشرة في المائة للشباب، بما يضمن حضورًا متوازنًا يعكس تنوع الجسم الاتحادي وثراءه البشري والمجالي. لم تكن الانتخابات شكلية أو تقنية، بل لحظة لاختيار من سيمثل الاتحاد في مؤتمره الوطني، على أساس الكفاءة والنزاهة والالتزام. كما شكلت هذه المرحلة فرصة لإعادة بناء الثقة الداخلية، وتكريس مبدأ التداول الديمقراطي القائم على المسؤولية والانضباط. لقد جسّدت عملية الانتخاب عمق المدرسة الاتحادية في ممارستها للديمقراطية الداخلية، وأثبتت أن الحزب ما يزال نموذجًا في الوفاء لقيمه المؤسسة، وفي قدرته على الجمع بين التنوع والوحدة، بين الحرية والانضباط. وقد تم هذا الانتخاب في احترام تام للمقرر التنظيمي الخاص بانتخاب المؤتمرين للمؤتمر الوطني الثاني عشر، الذي يؤطر مختلف مراحل العملية الديمقراطية داخل الحزب، ويضمن الشفافية والتكافؤ بين المناضلات والمناضلين. وعرف اللقاء أجواء من الانضباط والمسؤولية والروح الاتحادية العالية، تأكيدًا على التزام الاتحاديات والاتحاديين بخيار التنظيم والتعبئة من أجل إنجاح محطة المؤتمر الوطني الثاني عشر، وترسيخ صورة الحزب كقوة ديمقراطية مؤمنة بالممارسة المؤسساتية واحترام القواعد الداخلية. خاتمة – من الشرعية التنظيمية إلى المبادرة السياسية لقد جاء المؤتمر الوطني الثاني عشر تتويجًا لمسار طويل من العمل الجماعي المتدرج، الذي جمع بين الإصلاح التنظيمي والتجديد الفكري. من القطاعات المهنية إلى المؤتمرات الإقليمية، ومن المكتب السياسي إلى اللقاءات الجهوية، ومن الخروج الإعلامي إلى انتخاب المؤتمرين، بَنى الحزب تجربته على أسس ديمقراطية صلبة، جعلت منه قوة متماسكة وواضحة البوصلة في المشهد الوطني. ومع انعقاد المؤتمر، يتطلع الاتحاد الاشتراكي إلى مرحلة جديدة من الفعل السياسي المتجدد، عنوانها الانتقال من التنظيم إلى المبادرة، ومن التشخيص إلى الاقتراح، ومن المعارضة المسؤولة إلى المشاركة في صياغة البدائل الوطنية. يراهن الحزب على بلورة رؤية اقتصادية واجتماعية جديدة تستجيب لانتظارات الطبقات المتوسطة والفقيرة، وتُعيد الاعتبار للعدالة المجالية والإنصاف الترابي، انسجامًا مع الرؤية الملكية لبناء دولة اجتماعية قوية. كما يسعى إلى تجديد النخب السياسية عبر توسيع قاعدة الانخراط الحزبي للشباب والنساء والفاعلين الجدد في الاقتصاد والمجتمع المدني، وإلى فتح نقاش وطني واسع حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية التي تضمن التوازن بين السلط وتكرّس المشاركة المواطِنة. ويعتبر الاتحاد أن التحضير المبكر للاستحقاقات الانتخابية لسنتي 2026 و2027 ليس مجرد هدف انتخابي، بل رهان سياسي واستراتيجي لاستعادة الثقة في الفعل الحزبي، وتقديم بديل يساري تقدمي يُعيد للسياسة معناها النبيل. وفي هذا السياق الوطني المتوتر، لا يمكن تجاهل مطالب الشباب المغربي التي عبّرت خلال الأشهر الأخيرة عن رفضها لسياسات حكومة التغوّل التي أجهضت أحلام فئات واسعة من المواطنين في الصحة والتعليم والشغل والعدالة الاجتماعية. لقد شكّلت هذه المطالب الاجتماعية جرس إنذار سياسي واجتماعي، كشف عمق الفجوة بين وعود الحكومة وواقع الشباب المغربي، وأبرز الحاجة إلى تجديد الأمل عبر أحزابٍ اشتراكية وديمقراطية قادرة على حمل هموم المواطنين والتعبير عنها بجرأة ومسؤولية. إن الاتحاد الاشتراكي، وهو يستعد لعقد مؤتمره الثاني عشر، يُدرك أن الدفاع عن المطالب الاجتماعية للشباب هو جوهر المشروع الاتحادي منذ تأسيسه، وأن استعادة ثقة الجيل الجديد تمرّ عبر خطابٍ صادقٍ، وبرامج واقعيةٍ، وممارسةٍ سياسيةٍ تُعيد للكرامة معناها وللديمقراطية مضمونها الحقيقي. بهذا الأفق، يدخل الاتحاد الاشتراكي مؤتمره الوطني الثاني عشر وهو واعٍ بثقل المرحلة وتحدياتها، مؤمن بأن الزمن الاتحادي المقبل هو زمن المبادرة والتأثير والبناء، وأن المغرب يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى حزب يزاوج بين الوطنية والجرأة، بين العمق الاجتماعي والرؤية المستقبلية. الاتحاد الاشتراكي، بهذا النفس التنظيمي والفكري، يؤكد أنه حزب لا يشيخ، بل يتجدد بفكر مناضليه، ويظل كما كان دائمًا ضمير الوطن وعقله الديمقراطي الحي