كشف تقرير صدر مؤخراً عن «البنتاغون» أن 74 من بين 534 معتقلًا أُطلق سراحهم من سجن غوانتانامو «تأكد أو اشتبه في رجوعهم إلى أنشطة إرهابية»، ومع أن الرقم يبدو مرتفعاً لا سيما في ظل دراسات أخرى أظهرت أن المعتقلين الذين عادوا إلى الإرهاب بعد الإفراج عنهم لا تتعدى نسبتهم 4 في المئة من المحتجزين السابقين، إلا أن وجود حالات انتكاسة في صفوف المفرج عنهم يثير العديد من الأسئلة الجوهرية: هل تقوم الولاياتالمتحدة وحلفاؤها بما يكفي لمنع عودة المعتقلين السابقين إلى ساحة العنف بعد مغادرتهم زنازينهم في غوانتانامو؟ فقد أعلن الرئيس أوباما عن نيته إغلاق سجن غوانتانامو بحلول شهر يناير من عام 2010، ويبدو أن عدداً مهماً من المعتقلين الذين يصل عددهم تقريباً إلى 240 معتقلاً سيعودون إلى بلدانهم، أو سينتقلون إلى بلدان أخرى، ولكن بالقياس إلى التجارب السابقة من المرجح أن يواجه هؤلاء الأشخاص صعوبات كبيرة في بناء حياة جديدة والاندماج في المجتمعات التي غابوا عنها لفترة طويلة. ولمعرفة ما حل بالمعتقلين الذين أُفرج عنهم قمنا في السنة الماضية باستجواب 62 شخصاً من النزلاء السابقين لغوانتانامو، ينتمون إلى تسع دول في أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، ووجدنا أنه على رغم احتفاظ البعض منهم بمشاعر سلبية تجاه الولاياتالمتحدة، إلا أن أغلبهم كانوا يريدون فقط الاندماج مجدداً في عائلاتهم ومجتمعاتهم، وهو أمر لم يكن سهلاً بطبيعة الحال. فبعد خروجهم من المعتقل عانى جميع المعتقلين تقريباً مما يسمى ب«وصمة غوانتانامو»، وهو الافتراض السائد في مجتمعاتهم بأنهم أناس خطرون، على رغم أن الولاياتالمتحدة لم تدنهم قط بجريمة بشكل رسمي. ومن بين ال62 معتقلًا الذين أطلق سراحهم استطاع ستة فقط منهم الحصول على فرصة عمل، فيما فقد العديد منهم ممتلكاتهم، كما اضطرت عائلاتهم إلى الاستدانة خلال فترة غيابهم الطويلة، وفي هذا الإطار يشرح أحد المفرج عنهم، وهو رجل أعمال على درجة عالية من الثقافة كانت عائلته تعيش في أوروبا، أنه كان من الصعب على أبنائه الإفصاح بأنه كان في غوانتانامو، وأنهم كانوا يكتفون فقط بالقول إن والدهم محتجز في السجن، موضحاً ذلك بقوله: «لا تستطيع أن تشرح لطفل أن هناك شيئاً في هذا العالم اسمه اعتقال بدون محاكمة، وأن هذا خارج عن القانون»! مضيفاً بمرارة: «إذا كُنت في السجن، فإن الناس يعتقدون أنك سيئ لأن هذا ما تعلموه». أما بقية معتقلي غوانتانامو الذين أفرج عنهم فقد أفاد معظمهم بأنهم رُفضوا من قبل عائلاتهم وتخلت عنهم زوجاتهم، وهو ما حصل مع زوجة أحد المعتقلين مثلاً، حيث عادت إلى بيت عائلتها للعيش معها، وعن ذلك يقول: «لقد وجدت نفسي اليوم مضطراً لأن أحمل معي حقيبة بلاستيكية، وأتنقل من مسجد لآخر كي أنام». وفي حالة أخرى، رجع أحد المعتقلين من أوروبا إلى بيته فقط ليكتشف أن والده قد قتل قبل أسابيع قليلة من إطلاق سراحه، وأن زوجته أخذت الأبناء واستقرت في جزء بعيد من البلد الذي يعيش فيه، وعلى رغم محاولاته المتكررة لم ينجح في الحصول على عمل، كما لم يرضَ أحد إقراضه بعض المال لبدء حياة جديدة، معبراً عن أحواله بمرارة: «في غوانتانامو كنت أعيش في الجحيم وعندما خرجت وجدت جحيماً آخر». وهناك رجل آخر ذو ثقافة عالية، وكان صاحب مهنة في أفغانستان قبل أن يعتقل، وقد انكب في غوانتانامو على تعليم الكثير من مواطنيه الكتابة والقراءة، وقد عبَّر هو الآخر عن إحباطه بعد إطلاق سراحه لأن سمعته تلطَّخت تماماً، وعندما عاد إلى مكتبه وجده مسروقاً ومغلقاً. والأكثر من ذلك يعاني ثلثا المعتقلين السابقين ممن أطلق سراحهم من مشاكل نفسية ناتجة عن الاعتقال لفترة طويلة، حيث ما زالت ذكريات تكبيل الأيادي والأرجل والخضوع لأوضاع صعبة مثل درجة الحرارة العالية وتعنيف الحراس حاضرة في أذهان العديدين لتطاردهم من حين لآخر وتفسد عليهم حياتهم. وفي هذا السياق، قال أحد المفرج عنهم في أوروبا إنه عندما عاد إلى بيته بدأت تجتاحه كوابيس غوانتانامو وأصبح من الصعب عليه الوثوق في زوجته ووالديه، وعن ذلك يقول: «عندما ذهبت إلى الطبيب النفسي أخبرني بأني أعاني من اختلالات ما بعد التجربة القاسية لكني لم أستطع المتابعة في العلاج بسبب التكلفة العالية للطبيب». ومع أن جميع المفرج عنهم من غوانتانامو أكدوا لنا رغبتهم في متابعة حياتهم بشكل عادي ووضع تجربة الاعتقال القاسية وراء ظهورهم، إلا أن 45 من ال62 معتقلاً الذين أطلق سراحهم قالوا إنهم لم يتلقوا أي دعم من قبل حكوماتهم، أو من جمعيات خيرية، لمساعدتهم على بدء حياة جديدة، وهو الدعم الذي بدونه غالباً ما يجد المعتقلون السابقون أنفسهم في أوضاع مادية صعبة، ما يجعلهم يتنقلون عبر بعض المساجد التي تنشط فيها الحركات المتطرفة، حيث يسمعون الخطب المناهضة لأمريكا. ولذا، وفي الوقت الذي تستعد فيه أمريكا لإغلاق معتقل غوانتانامو وإطلاق سراح السجناء، فهي في حاجة إلى خطة توفر الخدمات للمعتقلين وتساعدهم على الاندماج في مجتمعاتهم من جديد، مثل إخضاعهم لتدريبات تأهيل تسهل حصولهم على العمل، إضافة إلى منحهم العلاج النفسي؛ لأنه باعتماد مثل هذه البرامج نقلص من احتمالات تعرض الولاياتالمتحدة لهجمات إرهابية أخرى. * أستاذة القانون بجامعة بيركلي الأمريكية **أستاذ القانون والصحة العامة بالجامعة نفسها > عن «واشنطن بوست