جريمة قتل تهز حي بنديبان بطنجة إثر خلاف بين شابين    إحباط محاولة تهريب أزيد من 15 كيلوغرامًا من الشيرا بمطار طنجة    سقوط سيارة في مجرى واد بحي مغوغة بطنجة يُسفر عن إصابات    أنفوغرافيك | بخصوص تكاليف المعيشة.. ماذا نعرف عن أغلى المدن المغربية؟    حماس: مفاوضات وقف إطلاق النار لا معنى لها مع استمرار الحصار والتجويع    ترامب: لا توجد مجاعة في غزة.. ربما هم لا يتغدون جيدا    سخرية إيطالية من تبون: قرار تحت "تأثير الكأس" يعيد الحراكة إلى الجزائر    حزب الاستقلال يجدد هياكله في جماعة بني احمد الشرقية وينتخب عمر الحضري كاتبا محليا    السيدة الأولى لجمهورية السلفادور غابرييلا رودريغيز دي بوكيلي تحل بالمغرب في زيارة عمل للمملكة    كأس أوروبا لكرة القدم للسيدات.. المنتخب الإنجليزي يتوج بلقب البطولة بعد فوزه على إسبانيا بركلات الترجيح (3-1)    الناظور.. قطع زجاج في حلوى عرس تُرسل 16 مدعوًا إلى المستشفى        المغرب يشدد من مراقبته البحرية بعد موجة عبور مهاجرين إلى سبتة    دراجة مائية تصدم مصطافا بشاطئ "كلابونيطا" بالحسيمة    الاحتلال الإسرائيلي يفرج عن الصحافي المغربي محمد البقالي ورفاقه ويقرّر ترحيلهم غدًا    إسرائيل تفرج عن الصحافي البقالي    موجة حر تضرب مناطق واسعة بالمغرب    توقعات بنمو الاقتصاد المغربي فوق 4% عام 2025 رغم التباطؤ العالمي    المنتخب المغربي المحلي يطير إلى كينيا    فيلدا: ضياع اللقب بسبب "تفاصيل صغيرة" والحكم أثر على معنويات اللاعبات    رئيس الفيفا في زيارة ميدانية لملعب الرباط تحضيرا ل"كان" و"المونديال"    تسونامي قضائي يهدد برلمانيين ورؤساء جماعات .. العزل والمحاكمات على الأبواب        جلالة الملك يهنئ أعضاء المنتخب النسوي على المسيرة المتألقة في أمم إفريقيا        إجهاض محاولة تهريب أربعة أطنان و374 كيلوغراما من مخدر الشيرا بطنجة    أخبار الساحة    الفنان كمال الطلياني يستنكر إقصاء الفنانين من المهرجانات المغربية من المهجر    "العربي إمغران" وفنانون آخرون يلهبون منصة ملتقى المهاجر بزاكورة    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الدكتور سعيد عفيف ل «الاتحاد الاشتراكي»: اليوم العالمي يجب أن يكون مناسبة للتحسيس وتعزيز الوقاية    تاشينويت ويوبا والحصبة غروب يشعلون السهرة الثانية لمهرجان صيف الاوداية    مهرجان ايقاعات لوناسة يقص شريط دورته الاولى بسيدي دحمان بتارودانت    العدالة والتنمية يطالب السلطات المغربية بالتحرك العاجل لإطلاق سراح الإعلامي محمد البقالي المعتقل من طرف إسرائيل        هل يغض مجلس المنافسة الطرف عن فاحشي أرباح المحروقات؟        وزير خارجية فرنسا: دول أوروبية أخرى ستتعهد قريبا بالاعتراف بدولة فلسطين    اليماني: مجلس المنافسة تحاشى الحديث عن مدى استمرار شركات المحروقات في مخالفاتها    عيد العرش.. مشاريع تنموية مهيكلة تعيد رسم ملامح مدينة أكادير    مؤسسة الفقيه التطواني تعلن عن تنظيم جائزة عبد الله كنون    فيلدا حزين بعد خسارة "لبؤات" الأطلس.. التراجع عن احتساب ضربة جزاء أثر على سير المباراة    بين ابن رشد وابن عربي .. المصباحي يحدد "أفق التأويل" في الفكر الإسلامي    من قلب +8: أسئلة مؤجلة من المستقبل عن الهوية والتنمية وروح المجتمع    مهمة استطلاعية حول دعم استيراد المواشي واللحوم تُواجه مأزقاً سياسياً بالبرلمان    مشروع "تكرير الليثيوم" ينوع شراكات المغرب في قطاع السيارات الكهربائية    رقم 5 يُكرّس بقاء أكرد في "وست هام"    بيدرو باسكال .. من لاجئ مغمور إلى ممثل يعكس قلق العالم في هوليوود    نسبة ملء سدود المغرب تستقر عند 36% وتفاوت واسع بين الأحواض المائية    تهنئة من السيد محمد بولعيش، رئيس جماعة اكزناية، بمناسبة الذكرى ال26 لعيد العرش المجيد    صحة: اكتشاف "نظام عصبي" يربط الصحة النفسية بميكروبات الأمعاء لدى الإنسان    بعوض النمر ينتشر في مليلية ومخاوف من تسلله إلى الناظور    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    المشي 7000 خطوة يوميا مفيد جدا صحيا بحسب دراسة        الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحم الله الشيخ إتيان!!


تجمد حبر قلمي عندما عجزت كلماتي عن التعبير عن هول الفاجعة،فاجعة لم تكن في قريب أو حبيب... كانت فاجعة في طود، في هرم لازال هدير صخبه يهز أركان المعمور. هدير لن ينصفه معاصروه كما لم ينصف كالليلي المناهضون لنظريته.كان سيدي برونو إتيان رحم الله كاليلي عصره.. كان مجذوبا بما في الكلمة من معاني بسيكوسوسيولوجية. كان ثائرا عن الآليات العتيقة في التحليل والاستنباط، شغوفا بالمرادفات التي تفي بالمعاني العميقة التي تنفلت في زخم هيمنة ثقافية استيلابية، تتمنطق بفتاوى تحت الطلب وبدراسات «أكاديمية» تخضع لمنطق العرض والطلب، ويؤدي مصاريفها من يدفع أكثر من المتدخلين في رواج الأسواق. أسواق لبيع الأسلحة، وأخرى لبيع التكنولوجيات وأخرى لبيع الصور والرموز، وقد غزت القنوات الفضائية كل دار ودوار وكل البيوت. بيوت في الاتجاهات الأربع تستهلك إعلاما تنتجه شركات متعددة الجنسيات، لا تحقق أرباحا إلا بالدعاية لنموذج «الحداثة»، حداثة كان له منها مواقف: TRADITION PAR EXCES DE MODERNITE ET MODRENITE PAR EXCES DE TRADITION لا تحسبن شيخنا ومريديه أمواتا، بل أحياء عندنا وعند أحفادنا يذكرون. تنبؤاته تتحقق كل يوم في حياتنا الأسرية، وفي تنظيماتنا السياسية والنقابية، وفي مؤسساتنا الإعلامية وقنواتنا الفضائية. وخلافا لما يعتقده البعض من كونه كان ذا مجال تخصص، كان متعدد التخصصات ومتنوع المشارب العلمية والمناهل الفقهية. كان وكان وسيبقى رمزا للفوضوي الذي لا تلومه لائمة في قول لا للتخلف. لا للاستبداد، لا لكل الآليات البالية لتدبير الشؤون الوطنية والمحلية والعلاقات الدولية بمنطق: «نحن والآخر»، كان وسيبقى مناضلا في حزب لم يتسلم بعد وصل إيداع قوانينه الأساسية، لأن هذا الحزب يتجاوز في مبادئه ماهو متعارف عليه دوليا، من حقوق في الكينونة و في الهوية، وفي حرية المعتقد وفي حرية ممارسة المعتقدات، وما يستتبع ذلك من حقوق في التمييز والاعتزاز بثقافات تغني العالم، ولا تهدد أمنه ولا مصادر الطاقة والثروة والسلطة المتجبرة في أنحائه الأربعة. كان اليمين المتطرف والجبهة الوطنية قد اكتسحت مواقع ببلديات وبرلمانات أوروبية. وكان تطرفه العلمي والواقعي يلهمه مواقف لا ينكرها جاحد. كانت الكليشهات التي يستهلكها الغرب قنابل موقوتة لإشعال نار الفتنة. وكانت ضواحي باريس وليون ومرسيليا وأحيائها المكتظة بأبناء الجيل الأول والثاني، وكان الكل يتقزز من ذكر: «المسلمين» وكان هو يتحير ويلتفت ذات اليمين وذات الشمال محذرا: L ISLAM CE N EST PAS UN DANGER C EST UNE CHANCE POUR LA FRANCE وكانوا لا يفقهون أو لا يتركهم أسيادهم يتمعنون في هذه التنبؤات. من يصدق إتيان؟ والكل يتوجس خيفة ولا يسمع إلا مذابح بالجزائر واختطافات بأرض الكنانة وبالشام، وكون الخميني فرض نظام شريعة لا ترعوى إلا بالتقتيل والدمار، وتبغي فرض الإسلام «بديلا» على العالمين. اختطف يد المنون «برينو إتيان» الأستاذ، الشيخ، العلامة، الباحث، الإنسان. الصفات، شتى والرجل واحد. كنت من بين طلبته بمعهد العلوم السياسية باكس انبروفانس منذ عقدين من الزمن خلت. وتزامنت فترة دراستي بالشعبة التي اختار لها الفقيد «التنمية السياسية في العالم العربي» كتخصص لنيل شهادة الدراسات المعمقة، مع كل الأحداث التي أحدثت رجة ابستمولوجية هزت المحللين والمنظرين في الغرب بعد الانفجار الذي أحدته الخميني بوضع مشروع إسلامي للدولة، في وقت كانت تترنح بعض الأنظمة العربية بقمع تظاهرات رعاياها وتودع جنرالاتها أموال بترول بلدانها بمؤسسات مصرفية. وكانت «الصحوة الإسلامية» والخوف من تصدير النموذج الإيراني ليعبر حدود دولة فارس ويجد له أصداء بعواصم الدول الكبرى. لا جواب عن كل ما حصل ويحصل إلا تلك الآية التي كان لا تفوته حصة إلا و صدع بها بعربية سليمة: «والله يعلم وأنتم لا تعلمون». كان عامئذ قد انصرم عقدان على عملية الكتاتيب القرآنية، التي أعطى انطلاقتها المغفور له الملك الحسن الثاني بخطاب عميق في دلالاته، وبتدشين الكتاب المولوي الذي تلقى فيه العاهل المغربي تعليمه الأولى لتدشين مرحلة «لن يقبل خلالها بالمدرسة إلا من أمضى سنتين بالكتاب»، و بعد أربعين سنة على ذلك الخطاب التاريخي الذي ألقاه المغفور له الحسن الثاني بعد أسابيع من أحداث ماي 1968 بباريس، هاهي السياسات التعليمية المتعاقبة تنذب حظها وتكافؤ الفرص بين تلامذة مدارسنا العمومية، وتعتبر أن إهمال التعليم الأولي وعدم تعميمه، كان وبالا على كل البرامج الوزارية والمواثيق الوطنية. لم يكن محاميا، ولكن كان يؤازر كل «المتهمين» بالتطرف أو الإرهاب، ويدافع عنهم بتبرير اضطرارهم الى الدفاع الشرعي عن هويته الثقافية، ومتاعهم العقائدي، بكون أفعالهم المتطرفة أوجب القيام بها كل هذا المسلسل الكولونيالي الذي تتشابه الإكسسوارات المستعملة خلال حلقات«الحكرة الاستعمارية»، حكرة وغبن لازالت تكرسه الأنظمة الغربية بعد «منح» الاستقلال للدول الوطنية الحديثة. وكان علينا أن نتسمر فوق مقاعدها لنسمع استفزازاته لنا، ونحن مجموعة من جنسيات مختلفة، استفزازات معرفية تصدع بها حلقات دروسه طيلة سنوات. أسئلة حول كل شيء، ولا جواب على أي سؤال.. كان همه أن يخلخل مفاهيمنا ويلقننا طرح علامات استفهام حول معارفنا وأفكارنا وعلاقاتنا بالآخر وعلاقة الآخر بنا، وحول المسلمات التي كان لا يغضبه شيء إلا تمسكنا بها. كانت في سخريته وتلاعبه بالألفاظ إشارات عميقة إلى مواطن الداء: لما يحدث من كان في نظره بفعلة FMI (صندوق النقد الدولي)، وليس من فعل FM (الإخوان المسلمين)، وأن LE F.I.S (جبهة الإنقاذ الإسلامي بالجزائر) بالجزائر، ليس سوى LE FILS أي الابن الذي خرج من صلب الاستعمار وجيناته الاقتصادية والثقافية، لأن الاستعمار بعد أن انكمش سياسيا وشب اقتصاديا، هاهو يترعرع رمزيا ويسلب من الآخر هويته ويمسخ ثقافته ويدفع بالهويات الثقافية لتغزو بعنفها المضاد أنفاق مترو باريس وسماء نيويورك ومحطات قطار لندن وبمدريد عطوشا لاحقا. لم يكن فقط سباقا إلى المناداة بإدارة للشؤون الاسلامية ملحقة بوزارة الداخلية الفرنسية، بل كان أىضا داعيا ليكون البحر الابيض المتوسط «جامعا« لساكني ضفتيه، قبل أن يحلم ساركوزي بالاتحاد الاورومتوسطي. لم تكن قهقهاته مجرد سخرية من أعراض فتاكة بالعلاقات الدولية، بل كانت استنكارا لكل الافكار البالية، التي لم تنفع معها ما تراكم من التجارب الإنسانية والأبحاث العلمية والنتائج المنطقية. استحضرت دوما تشخيصه لأعراض الدول السائرة في درب التخلف، كما عاينتها وهي متسلحة بخطابات خشبية، تبشر بخير لا يأتي وبتنمية لا تنجلي ملامحها، تنمية لأرصدة: العسكر وأصحاب الفخامة وإفقار لمجتمعات يقمع جلادوها أي كلمة حق ويصدرون أحكام بإغلاق الجرائد والأسبوعيات... واستحضرت يوما كيف أنه عندما تم منع أسبوعية LAMA LIF ، استنكر سنتئد عدم الاحتجاج على إغلاق منبر رصين ولم أدرك مغزى لهذا الاستنكار خارج موضوع الدرس إلا يوم حضرت لتكريم زكية داوود بقاعة الولاية كل السلطات العمومية، وغابت عن الحفل كل التنظيمات الحزبية والنقابية والإعلامية على من تحكي زابورك يا دوود؟ وكانت إحدى الحصص مخصصة ليتلقى اقتراحات الطلبة ومواضيع الرسائل، وكنت وحدي ضحية «استبداده» عندما فرض علي موضوعا لا تربطني به رابطة اللغة، أو المعتقد أو البلد الذي أحمل جنسيته. وبعد جولات ماراطونية للبحث عن مراجع لإعداد البحث، استوقفني يوما بالشارع ليسألني إن كنت عرفت لماذا فرض علي موضوعا بعينه، وليقول لي بعد أن أجبت بالنفي: أن الهدف هو أن أميز بين مقال بجريدة L OPINION وبحث سوسيولوجي قبل أن يقترح علي موضوعا للبحث حول «المدارس القرآنية بآسفي، الدور والوظيفة» رغم أن القاعدة كانت تمنع تناول الطلبة في مواضيع بحثهم ما له علاقة بأوطانهم، فبالاحرى مسقط رأسهم. أستحضر روحه وقد كان أشرف على بحث متواضع حول كتاتيب أطفال بمدينة تصارع أمواج المحيط الأطلسي وهو العليم بحركات طالبان والإخوان المسلمين وعسكر الجزائريين وخبايا الحرب العراقية / الإيرانية. كان عليما بثقافات شعوبنا وبألوان أهازيجهم، وكان خبيرا بالازدحام بحافلات شوارع العواصم العربية، وكان لا يتردد أن يصرخ في وجوهنا: و أنتم تشتغلون بمنطق ما كاين مشكل UN J AI COUSIN DANS L ADMINISTRATION وعندهم ضرب لنا مثلا بشخصه لا يستغل مركزه بالأكاديمية إكس / مارسليا ويتوسط من أجل تعيين انتقال ابنته المعلمة من إحدى الضواحي الباريسية إلى وسط المدينة حيث محل إقامته وزوجته. «أنتم تبؤون بدون مرتبة لصوصا مراكز المسؤولية بالاحزاب والنقابات. و... وتقصون منها من اكتسب مؤهلات وكفاءات بمواصفات المعاصرة والحداثة». كان يمقت الزبونية والمحسوبية والعلاقات الميكانيكية التي سبقه سيدي عبد الرحمن المجذوب إلى التعبير عنها بـ: تخلطات وتجلطات ولعب خزها فوق ماها... رياس بلا مرتبة هم سباب خلاها يدمي الفؤاد أنني لم أجد إلا هذه المرثية الرثة لتأبين الراحل برونو إتيان، الذي لا أنسى صرخاته وهو يتوسل إلينا: NE ME RESPECTEZ-PAS. استسمح روحه، تغمده الله بواسع مغفرته وجزاه الله عنا وعنهم كل خير. ولا شك أن الله أراد به خيرا فلم يمهله حتى ليعيش ويرى الفساد الذي كان يشجبه. قد تحول إلى عهر سياسي وخراب اقتصادي ومسخ ثقافي. وعلى مريديه وعلى كل من تخرج من تحت جبته، أن يحمل مشعل الفقيد ويجتهد في إيجاد المصطلحات الدقيقة لتحليل أوضاع هذه القرية الصغيرة التي يحار العقل في فهم تناقضاتها وأزماتها.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.