منيب تتضامن مع طلبة الطب وتنتقد لجوء الحكومة إلى أسلوب التهديد من أجل تخويفهم    حماية ‬الأمن ‬القومي ‬المغربي ‬هو ‬الهدف ‬الاستراتيجي ‬الأعلى    فتح بحث قضائي حول تورط شرطي في ترويج الكوكايين    انتخاب المكتب التنفيذي للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    توسيع 6 مطارات مغربية استعدادا للمونديال    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    بما في ذلك الناظور والحسيمة.. 2060 رحلة أسبوعية منتظمة تربط المغرب ب135 مطارا دوليا    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتوقع نمو الاقتصاد المغربي ب 3 بالمائة في 2024    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات        تأجيل القرار النهائي بشأن الغاز الطبيعي بين نيجيريا والمغرب    إضراب كتاب الضبط يؤجل محاكمة "مومو"    تصفيات المونديال.. بعثة المنتخب المغربي النسوي تحت 17 سنة تشد الرحال صوب الجزائر    "فيفا" يعتمد برمجة جديدة للمسابقات    الملك محمد السادس يهنئ الباراغواي    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    مطالبة للحكومة بمضاعفة الجهود لتحسين ولوج المغربيات إلى سوق الشغل    تسجيل أزيد من 130 ألف مترشح بمنصة التكوين على السياقة    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    الفيفا يحسم موقفه من قضية اعتداء الشحات على الشيبي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    طاقات وطنية مهاجرة … الهبري كنموذج    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    قصيدة: تكوين الخباثة    زلزال قوي يضرب دولة جديدة    الإعلان عن طلبات العروض لتوسيع مطارات مراكش وأكادير وطنجة خلال الأسابيع المقبلة    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    الجيش الملكي ومولودية وجدة يواجهان الدشيرة وأولمبيك خريبكة للحاق بركب المتأهلين إلى المربع الذهبي    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    الجديدة: حجز 20 طنا من الملابس المستعملة    بلاغ جديد وهم من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة    معرض هواوي العالمي "XMAGE" ينطلق لأول مرة بعنوان "عالم يبعث على البهجة"    احتدام المعارك في غزة وصفقة أسلحة أمريكية جديدة لإسرائيل بقيمة مليار دولار    عملاق الدوري الإنجليزي يرغب في ضم نجم المنتخب المغربي    رسالتي الأخيرة    كيف يعيش اللاجئون في مخيم نور شمس شرق طولكرم؟    الرئيس الروسي يزور الصين يومي 16 و17 ماي    بلينكن في كييف والمساعدات العسكرية الأمريكية "في طريقها إلى أوكرانيا"    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    دعوات لإلغاء ترخيص "أوبر" في مصر بعد محاولة اغتصاب جديدة    شبيبة البيجدي ترفض "استفزازات" ميراوي وتحذر تأجيج الاحتجاجات    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    هل يتجه المغرب إلى تصميم المدن الذكية ؟    الأمثال العامية بتطوان... (598)    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    الأمثال العامية بتطوان... (597)    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات الحكامة

«ليست الحكامة، باعتبارها كلمة، وليدة الأمس، مادام أن استعمالها في مختلف اللغات يعود إلى قرون، لكنها مثل مصطلحات اللغة الجديدة - على سبيل المثال: «الشفافية»، أو «التعددية الثقافية»، أو مثل النعت «أمني» - اقتحمت بالذات طريقتنا في التعبير عن السياسة إذا لم تكن عن تأمل السياسة لما يزيد عن عشرين عاما. في الثمانينيات أعاد بعض علماء الاجتماع اقتباس اللفظة المنسية، قبل فترة قصيرة من طفرة الإقبال الحالي على الكلمة التي ظلت محصورة ضمن الإطار الضيق للمحيط الجامعي، المجهول لدى ممارسي العمل الحكومي أو لدى الصحفيين».
في هذه الاتجاه يسير كتاب (la gouvernance, un concept et ses applications ) لمجموعة من المؤلفين.
في الواقع إن خبراء الوكالات الدولية الكبرى للمساعدة على التنمية، خاصة البنك العالمي، هم الذين أطلقوا هذه الطريقة في التعبير في 1989. آنذاك قدم هؤلاء الخبراء وصفة «الحكامة الجيدة» للقادة المتلاعبين أو المرتشين في البلدان الفقيرة لأفريقيا جنوب الصحراء. وحدها هذه الحكامة في رأيهم قد تساعد شعوبهم على رؤية الضوء المعلن عن انعتاقهم الاقتصادي والاجتماعي عند الخروج من نفق البؤس. منذ ذلك الوقت فجأة، لم تتوقف كلمة «حكامة» الظافرة عن الانتشار واختراق الحدود،إلى حد توريط البلدان الغنية والديمقراطية نفسها.
من جهة أصبحت الكلمة اعتيادية في اللغة اليومية لدى الجميع تقريبا. من جهة أخرى أن انتشارها المتسارع - بطريقة فيها مغامرة نوعا ما فيما يخص التسمية - شجع الباحثين الحقيقيين على أن يطبعها باسمها الأداة الاكتشافية التي كانوا بصدد صياغتها بغية فهم التغيرات التي طرأت على أنماط تدبير ما نتردد في تسميته بالشؤون العامة (مادام أن الحدود بين المجال العمومي المخوصص وقطاع خاص يؤمن قطاعا عموميا، أصبحت غير واضحة).
كان هناك نوع آخر من التدبير، «شبه عمومي» و«شبه خاص» إلى حد ما، وكذلك يتناقص طابعه الوطني لأنه أصبح أكثر عبر وطني أو قطاعي، في طور التشكل لاشك في ذلك. كان يجب أن يحمل تسمية، لماذا لا يتم إعطاؤه إسم الحكامة، على الرغم أنها أخذت تستعمل في غير موضعها؟ انطلاقا من هذه اللحظة كان الأمر يتعلق بمن قد يستفيد من التسمية وبمن قد لايستفيد. كانت هذه حالة الباحثين في العلوم الاقتصادية والاجتماعية بالطبع. وهذه المرة لا فقط من أجل استعمال المصطلح، عند الحاجة، بل لتحويله إلى لواء لمدرسة أو لنموذج، خاصة في مجال العلاقات الدولية، وقد كان الأمر كذلك في نفس الوقت بالنسبة للمخططين الحضريين ولممارسي «التدبير البلدي» السابق، لمنظري التدبير «العلمي» للمقاولات الصناعية التجارية، المالية وللخدمات، للصحفيين، المزهوين بامتلاك بديل أسلوبي لاسم «التدبير». هذا دون إغفال - بالطبع - المسؤولين السياسيين الباحثين عن ألفاظ من شأنها تأكيد قدرتهم على البروز وتأكيد حيويتهم الفكرية.
بالنظر إلى هذا الموجز التاريخي، ليست هناك مفاجأة أن نلاحظ أن مدلول كلمة حكامة كانت وتظل جد متغيرة، غير مستجلية كما يجب بصفة عامة، متقلبة في حالات كثيرة، لكنها أحيانا تكون مرسومة بشكل جيد كذلك، وقيمة بالنسبة للباحث، ضمن اعتبارات عادية يظل استعمال الكلمة، من يوم لآخر، جماليا تقريبا بدل أن يكون استعمالا متأنيا.
في سياقات أخرى، داخل بعض الدوائر الجامعية، أو لدى بعض سامي الموظفين، الوطنيين أو الدوليين، تكتسي الكلمة معنى أكثر غنى، لكنه مع ذلك معنى مايزال جزئيا، دون علاقة ملية مع ما يمكن أن تريد الحكامة أن تعنيه لمجموعة أخرى من المتخصصين.
هذا لايمنع أن الحكامة موجودة. هي تعلن وجودها، من جهة، كظاهرة متعددة الشكل يجب تنظيمها أكثر، أو بالأحرى كتوجه حقيقي ولو أنها هاربة، مضخمة بشكل فظيع أو على العكس من ذلك متستر عنها. وهي موجودة كذلك، من جهة أخرى، باعتبارها مفهوما مستهجنا قطعا، كمفهوم في طور التشكل، تمت صياغته بصفة خاصة بواسطة متخصصين في تحليل السياسات العمومية التي لم تعد البثة عمومية، في تجميع ضمن جرد يظل لحد الساعة شتاتا من عناصر لايجب مع ذلك الخلط بينها وبين العناصر التي نوكلها لعمل الدولة أو التي نلتمسها بخصوص المحكومين.
الحكامة: وُلِدَت لا سياسية
المشكل الكبير أو بالأحرى الغاية القصوى للحكامة تكمن في التوفيق بين مستلزمين متناقضين: من جهة تعزيز التعددية كمساهمة نوعية في تحسين إجراءات لفعل سياسي يتم فهمه في معنى مابعد دولتي في جزء منه، من جهة أخرى «إزالة الطفيليات» كميا على هذه التعددية بالتخفيف عليها من العناصر المضرة بالفعالية.
في الوقت الذي نجد فيه السيادة بعدا أساسيا في السياسة في علائقها بالسلطة، فإن الحكامة إجراء وتقنية للتنسيق، للتباحث واتخاذ القرارات، ولأنها أصبحت تستعمل بوتيرة أكبر في القضايا المتعلقة بالعمل العمومي، وأيضا في الشؤون المتعلقة بالقطاع الخاص أو بالمجتمع المدني، فإن الحكامة ليست مع ذلك متخصصة في السياسة، بل إنها لا تشكل، في نسبة أقل، مرحلة جنينية بشكل جديد من التنظيم السياسي، من ثم ليست للمفهومين نفس الصفة المنهجية، في العلوم السياسية وفي السوسيولوجيا. فالسيادة متغيرة مستقلة ومهيكلة، تهم بعض القضايا السياسية المؤسسة، مثل القوة، العلاقات مابين الدول، العلائق بين الاقتصادي والسياسي، العولمة والديمقراطية الترابية. من جهتها، إذا كانت الحكامة تستعمل في قضايا مهمة على الأصعدة المحلية والوطنية، أو في تدبير العولمة، فإنها تتم بطريقة قطاعية. إنها ليست عاملا حاسما في الرهانات الكبرى لعصرنا، بالعكس، لقد تطورت كمغامرة مزعجة لهذه الرهانات، إنها لا تتوفر على مشروعية سياسية خاصة بها.إذن كيف نفسر طفرة الحكامة، منظوريتها والامتيازات التي تتمتع بها؟
أولا، بالنظر لأصلها الذي يربط انبعاثها الحدي بحاكمة المقاولة - تحت تأثير الأعمال المتعلقة بنظرية تكلفة الصفقات التي وضعها رونالدوكوز، الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد في 1992، فإن الحكامة، بحصر المعنى، مبرمجة أصليا كنمط للتدبير يعكس منطق الاقتصاد الرأسمالي. فهي لا تندرج ضمن المبرر السياسي، بل ضمن المبرر الاقتصادي. بهذه الصفة فهي ذات طبيعة لا سياسية، إذ تشتغل وفق المنطق التكييفي للسوق. فهي مطبوعة بانتماء تقنوقراطي.في هذا الإطار تسعى الحكامة نحو خوصصة المبادرة العمومية المؤقطعة. ضمن هذا الشكل تتسم بأي نمط للتدبير الديمقراطي للقضايا التي تهم كافة المجموعة السياسية، مع ذلك، فإن الحكامة غالبا - وهي تتمتع ببعث «الجيدة» - غالبا ما تجعلها ننظر إليها كشكل متقدم للديمقراطية، للمشاركة، للقرب من المواطنين، للشفافية، سيما لدى كبار الفاعلين الدوليين مثل البند العالمي.
كذلك جعلتها خاصيتها كونها ولدت لا سياسية واستعملت على هذا الأساس، جعلها تعتبر كحل لما تمت تسميته - في السبعينيات - أزمة المحكومين، من المؤكد أنه كانت الإشكالية اللامحكومية أسباب سوسيولوجية، مثل التعقد، التنوع وتجزيء المجتمع الى شبكات والى أنساق فرعية اجتماعية، بحيث أن الحكومة التقليدية، القائمة وفقا لتراتبية اعتيادية وبطيئة، لم تعد متلائمة مع الظرف. من هنا ظهرت الحكامة كتقويم يساعد على تفاعلات متنامية بين الدولة والمجتمع المدني. يمكن الخوض في مفاوضات أفقية حول نمط التعاون، بمشاركة شركاء معنيين بالرهان على قدم المساواة، بما في ذلك الإدارة العمومية، التي يمكنها المشاركة في المفاوضات، على أن تترك في المستودع صفتها كممثل لمجموع المواطنين. حسب ر. ما ينز، فإن استعمالا من هذا القبيل للحكامة - حيث لا تستفيد المؤسسات الحكومية المشاركة من وضعية سياسية مميزة - لا يكون مؤهلا لتدبير بشكل ملائم للقضايا ذات المصلحة العامة.
الحكامة التقنوقراطية تتلاءم معا استعمالات أخرى، أكثر تطابقا مع المنطق السياسي، وهي تكاملية بالنسبة للديمقراطية التمثيلية، وبما أن هناك محدوديات تواجهها هذه الأخيرة بخصوص المشاركة المتزايدة للفاعيلن في الاقتصاد وللمجتمع المدني في صياغة السياسات العمومية، فإنه لا يمكن إلا الاعتراف أن الحكامة «تبدو حتمية لضبط المجتمعات المركبة».
من أجل صياغة سياسيات عمومية، فإن الحكامة المشروعة والمرغوبة هي تلك التي تتموقع في تكامل مع الديمقراطية التمثيلية.
انتشارات الحكامة
في السؤالين السابقين اللذين طرحهما اريسطو، نحن مجبرون على التساؤل عما إذا لم يكن الفيلسوف مفسدا، مشوشا على الحكامة قبل الأوان، أو لم يكن ساخرا متسترا مادام من الصعب بديهيا معالجة التساؤلين بطريقة منسجمة، حيث الاول - تقني يعود شكل واسع إلى تدبير للمنظومات المعقدة ، في حين أن الثاني المعياري ربما أو سياسي بالمعنى الحصري، يرجع لشرعية السلطة.
ضمن هذه الشروط يبدو أن هناك احتمالا لتناقض ضخم، بل غير ظاهر، بحيث ان الحكومة الرديئة قد تبدو بمثابة الاكثر شرعية ضمن الحدود التي قد تكون فيها تلك التي ترضي الناس، ربما في انتظار الكارثة النهائية. تأتي «الحكامة» الجديدة للديمقراطية الاجتماعية لإتمام وإزاحة الديمقراطية السياسية.
على الرغم من انها تتوفر الآن على أرضية صلبة، فإن الحكامة مستمرة في تحديد ملامحها بالنظر لمواقعها، لأنماطها أو ظروف استعمالها.
من الصعب تحديد بدقة ، الفتوحات اللاحقة لمفهوم الحكامة. لقد تم ارجاع تدخل بداية الحكامة في 1989 في موقع السياسات التنموية، سيما الحكامة الجيدة في مجال استراتجيات مكافحة الفقر ، كما تصورها البنك العالمي ثم منظمات أخرى لمساعدة العالم الثالث السابق، وكان يجب انتظار تأكيد استعمال الكلمة إلى غاية 1992.
ماذا تعني عبارة (الحكامة الجديدة ) في هذا الظرف الجديد المنسلخ عن العلاقة مع حكامة المقاولة؟ في تطبيقها على بلدان أقل تقدما ،تنطلق الحكامة من حكوماتها الردئية وفشل سياسات المساعدة على التنمية المتبعة لوصف علاج غير مسبوق: أولا ضرورة تدبير عمومي جيد، وقد ظل مفهوم الحكامة الجيدة في مجال التنمية الاكثر تداولا لا يقينا وتعسفا.
كان هناك موقع آخر لانتشار مفهوم الحكامة وهو الذي هم المجال الضخم للحكامة العالمية: تستعمل عبارة حكامة عالمية أولا وبصفة خاصة ضمن منظور اكثر ايديولوجية وانتقاديا في الغالب، إلا أنه بدءا من اللحظة التي دخلت فيها الظاهرة مجال التنظير اعتمادا على الاعمال الجامعية، سارت باتجاه ان تقارن نوعا ما مع ما يسميه المختصون (الانظمة الدولية)، يعود تاريخ تأسيس هذا المفهوم، إلى 1992 لكن اللحظة القوية والبارزة كانت بالأحرى في 1995 عندما نشرت لجنة الحكامة العالمية CGG التي تأسست بمبادرة من ويلي براند (المستشار الألماني السابق) تقريرا مفعما بجميع الافكار الملائمة في الموضوع.
من بين التعريفات الموثوقة للحكامة نجد تعريفين، يرى جان لوكان ان الحكامة تكمن في تفاعل تعدد فاعلين مدبرين ليسوا جميعا تابعين للدولة ولا عموميين. اما ريشارد بالم فإنه يرى ان الحكامة تتميز عن الحكومة في كونها تطبع العلاقات بين مجموعة من المؤسسات والفاعلين العموميين والخواص، أكثر مما تفعل ذلك هيئة تمركز السلطة التنفيذية، فهذان التعريفان يضمان بالذات الخاصية الاساسية للحكامة المندرجة في التخلي أو على الاقل اضعاف تراتبية العمومي / الخاص، وذلك بالانتقال من نوع العمودية في ممارسة السلطة إلى أفقية هذه الاخيرة، وفيما وراء ذلك، فهما تقترحان طبيعة متعددة المراكز للحكامة في المعنى الطوبوغرافي والاجرائي. فالقرب الذي تقيمه الحكامة مع السياسات التعاقدية يخضعها مبدئيا لاكراهات النتائج، وقد تكون الحكامة اقل عقلانية من الديمقراطية في مسارها الظاهر، لكن على العكس من ذلك أكثر وثوقية ومسؤولية في فعلها.
خاصيات الحكامة
منذ سنوات عدة أصبحت للحكامة مجلتان محترمتان جدا، بل هناك ما هو أهم. على هذا المستوى من الملاحظة المنهجية، فقد تم اسناد خاصيات للحكامة قريبة من خاصيات تعريف عام، بمعنى قابلة للتطبيق على معظم مناسباتها القابلة للملاحظة، على الرغم من تنوع مواقع ممارستها.
تندرج هذه الخاصيات في ثماني ميزات للحكامة:
1) الأولى موقعية، إذ تهم هندستها عموما. فالحكامة تصاغ كنمط لتدبير شؤون معقدة ، حيث ينتشر الفاعلون الأساسيون على نفس الصعيد، افقيا إذا لم يكن بمساواة، وهذا عكس ما يتم داخل الحكومة، حيث الفاعلون يتناضدون عموديا، في وضعية تبعية تجاه ممثلي الدولة.
2) الثانية هي أن الحكامة الجيدة تقتضي تدبير الشؤون العامة كما لو أن معالجتها لا يجب أن تختلف عن معالجة الشؤون الخاصة. إنها باختصار تهدف الى إلغاء التمايز بين العام والخاص، حتى تخصص للدولة ، للمنظمات التي شرعت في أخذ مكانها الآن، أدوار فاعلين ضابطين.
3) الثالثة، باعتباره توجها إذا لم يكن كواقع صارخ، فإن هذا الدور كمجرد فاعل ضابط للقوة العمومية السابقة يجد مبرره في الاعتقاد، في كل المجالات، بأن المجتمعات أو العلاقات بين البلدان تجد نفسها محكومة بميكانيزمات التقويم الذاتي المرتبطة بميكانيزمات السوق على الصعيد الاقتصادي. والحاصل أن الأمر لا يتعلق بالنسبة للفاعل الضابط الا بتقنين المنافسة وتمييز الغشاشين، بشكل أوسع، يكون هدف أنصار الحكامة هو تخليص القرارات الجيدة من السياسة «والسياسيين» (الذين ينظر إليهم على أنهم جاهلون، ديماغوجيون ولامسؤولون).
4) الرابعة هي أن الفاعلين الحاسمين لأجهزة الحكامة - الذين يتموقعون في علاقة أفقية مستبعدة للتراتبية العمودية القديمة الضامنة لحظوة الدولة السائدة - يتم توظيفهم أو يختارون فيما بينهم.
5) الخامسة ، هي أن الحكامة تتماشى مع سيرورة قرار يكون دائما قابلا للتراجع عنه أو مؤقتا. هي لا تحدد موقع السلطة النهائية والحصرية للآخرين ، كما تفعل ذلك مفاهيم الحكومة أو الدولة.
6) الميزة السادسة هي أن منطق اختيار الزملاء في مجال الحكامة ينطبق أساسا على السياسات القطاعية، ضمن منظور فئوي جديد، يتحدث بعض المحللين عن «ديمقراطية قطاعية» أو «مؤقطعة». باعتبار أنها موجهة كلاسيكيا باتجاه التعبير عن المصلحة العامة وعن فعل في خدمة هذه الأخيرة، أو في خدمة المصلحة المشتركة، فإنه لا يمكن أن تكون الديمقراطية قطاعية وفقا لهذا المفهوم.
7) الميزة السابعة هي أنه وفقا لمنطق الحكامة، لا يتم انتاج القرارات انطلاقا من نقاش وتداول، إنها نتيجة لمفاوضات بل لمساومات ومقايضات بين مختلف الأطراف.
8) الميزة الثامنة هي أن الحكامة نمط تدبير يهدف الى أن يتعقلن بالنظر لمعايير أو «أوصول السلوك» المتفاوض بشأنها، بدل القوانين التي يتم التصويت عليها بمقتضى مبدأ الأغلبية.
الحكامة ، كلمة ملاطفة أو مداعبة، يعتبر الباحثون الاكفاء والمنتقدون في نفس الآن - بل المستقلون في إبداء الرأي - ان الموضوعية العلمية تجبرهم على أن لا يسفهوا هذا المفهوم، وأنه يتوجب عليهم تجريبه في الدراسات التجريبية، تفاديا للسقوط في رأي مسبق. تستمد الحكامة من شق جديد لما هو سياسي، بحيث من المستحيل تقييمها وفقا لمعايير تطبق على شق قديم للشؤون العمومية. وإلا فإن اخضاع الشقين المتعلقين بالتمثيلي الكلاسيكي وما بعد التمثيلي لنفس معايير التقديم، يفضي الى تأكيد الشيء وضده، الى الاقتناع ، الى حد ما ، أن عكس شيء هو هذا الشيء زيادة أو مضافا.
يطرح التساؤل حول علاقة مفهوم الحكامة مع الديمقراطية مع، على أكبر تقدير، حالة الارتياح لملاحظة أنه من هذا الضباب من الكلمات ينبعث سؤالان أساسيان طرحهما أريسطو بخصوص ممارسة السياسة لسلطة. السؤال الأول: ما هي أفضل حكومة؟ والسؤال الثاني: من له الحق في الحكم أو التسيير؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.