نشرة إنذارية .. تساقطات ثلجية وهبات رياح قوية غدا الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    انطلاق التسجيل في اللوائح الانتخابية للغرف المهنية لسنة 2026    "تمثيلية GST" تزعج الأطر الصحية    شهد شاهد من أهلها.. منظمات إسرائيلية تكشف أبشع عام قتل وتهجير للفلسطينيين منذ 1967    مكتب شباب الريف الحسيمي يتراجع عن الاستقالة بعد تدخل عامل الإقليم        فنانون مغاربة: المهرجان الدولي للفيلم منصة لا غنى عنها للإبداع السينمائي    حزب "الاستقلال" يدعو إلى القطع مع السلوكات الفاسدة والمشينة المؤثرة على مشروعية الانتخابات        منيب تطالب بهيئة مستقلة للانتخابات.. وتحذر من وصول "الانتهازيين وتجار المخدرات" إلى البرلمان    تشكيلة السكتيوي أمام جزر القمر    بوريطة: المغرب يطالب بجعل ضحايا الإرهاب في محور السياسات الإفريقية    تقلبات جوية في المغرب .. طقس بارد وأمطار ورياح خلال الأيام المقبلة    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    جلالة الملك يهنئ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بمناسبة العيد الوطني لبلاده    "شي إن" في ورطة.. تكساس تفتح تحقيقًا واسعًا بعد العثور على دمى جنسية شبيهة بالأطفال    رابطة تدعو للاحتجاج على تدهور أوضاع "ذوي الإعاقة" وترفض السياسات المبنية على منطق الإحسان    خط بحري جديد يربط ميناء أكادير بلندن وأنتويرب لتصدير المنتجات الفلاحية الطازجة    التامني: الخطر الحقيقي على الديمقراطية هو المال الفاسد والقوانين الانتخابية دون المستوى    فليك يؤكد غياب لاعبه أراوخو عن مواجهة أتلتيكو مدريد لأسباب شخصية    "كاف" يحيل أحداث مباراة الجيش الملكي والأهلي للجنة الانضباط        مشروع مالية 2026 يتخطى العقبة الأولى بمجلس المستشارين بعد المصادقة على جزئه الأول    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأحمر    رئيس بلغاريا ينتظر استقالة الحكومة    العرائش: الدرك الملكي بالعوامرة يشن حملة موسعة لتوقيف المخالفين والبحوث عنهم    المغرب يراهن على الجمع بين التحلية والتكنولوجيات المتقدمة لتأمين موارده المائية        مشروع كلّف 900 مليون… غضب الحرفيين يوقف توزيع معدات في سوس ماسة لعدم مطابقتها لدفتر التحملات    قاموس أكسفورد يعلن عن كلمة العام 2025    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    فنزويلا.. ترامب يجتمع بمستشاريه ومادورو يحشد أنصاره ويقسم "بالولاء المطلق" لشعبه    الصين وباكستان في مناورات عسكرية    "فيفبرو" تؤازر لاعبي منتخب ماليزيا الموقوفين    كيوسك الثلاثاء | كندا تختار المغرب كأول بلد في العالم للتأشيرات الرقمية    الذهب ينخفض مع جني المستثمرين للأرباح    قراءة نقدية لقانون مالية 2026    الرئيس الفرنسي يبدأ زيارة للصين غدا الأربعاء    كندا تلتحق ببرنامج دفاعي أوروبي    القصر الصغير.. وفاة شابة حامل بتوأمين تهز قرية ظهر الخروب وسط غضب بسبب نقلها بين مستشفيين    قطر وكأس العرب 2025 .. تمجيد إعلامي مبالغ فيه ومقارنات تستفز الشارع الرياضي العربي    التوزاني: فيلمي "زنقة مالقة"عودة إلى الجذور والأكثر حميمية في مساري    كأس العرب (قطر 2025).. المنتخب الفلسطيني ينتزع فوزا ثمينا أمام نظيره القطري (1-0)    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    عرض فيلم "مع حسن في غزة" بمهرجان مراكش.. قصة بحث إنساني تحولت إلى وثيقة تاريخية    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    حكايات مدرِّسين من أيّام المدرسة    فيلم زنقة مالقة لمريم التوزاني .. نشيد الذاكرة والحب على عتبة الثمانين    مزاد يبيع "لوحة مفقودة" ب2,3 ملايين يورو    لمجرد أمام القضاء بتهمة الاغتصاب    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    منظمة الصحة العالمية تنشر للمرة الأولى توجيهات لمكافحة العقم    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسبوع في مصر المحروسة (2).. في كل حياة .. شيء يستحق الانتباه
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 25 - 11 - 2009

وأنا أتهيأ للسفر إلى القاهرة ، تهاجمني نفس الأحاسيس التي أحسستُ بها خلال سفرتي الأولى ذات ديسمبر (زرتُ القاهرة سبع مرات في رحلات كنتُ مدعوا خلالها لمؤتمرات ثقافية :14دجنبر 1996، 22 فبراير 1998، 15 أبريل 2000، 18 أكتوبر 3200، 8 دجنبر2003، 26 فبراير 2005، 17 فبراير 2008 ثم الرحلة الثامنة، هذه، في 29 أكتوبر 2009). هذه المرة تضاعفت وانصهرت. فقد ذهبتُ أول مرة وأصدقائي، هناك ، لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة ..أما اليوم فهم بعدد أصدقائي، هنا ، بالمغرب. منذ الرحلة الأولى إلى القاهرة، ازددتُ طمعا فيها ..لأن أثرا شعريا عميقا كان واضحا في كل طبقات ملامحها المهيبة .حينما نظرتُ إليها رأيتُ كل المراجعات التي راهنتُ عليها.. هل أرى في هذه المِرآة نفسي ..أم النفس الكلية التي لا تموت؟ .
القاهرة وقد استعادت دهشتي المفتقدة في غمرة المجرى المزدوج والمتعدد لحياتنا "هنا".هل كل ما قرأتُ منذ ابن خلدون إلى الآن يقف اليوم في مجرى الاختبار ؟ . لماذا أحسستُ بالنيل جزءا من دمنا الجماعي الذي ساح من الأجساد المطهرة منذ ماري جرجس إلى المهدي بن بركة ؟ (لا.. بل ساح من الأرواح المخلدة لأحلام الشهداء من الأموات والأحياء...). القاهريون في بحث أسطوري عن معنى نسبية الوجود ومطلقية الخلود.. وثمة الأثر الشعري للحياة التي رتقت نسائجها من صرخة الحسين للانفصال الأليم بين الرأس والجسد والابتهالات المذوتة للسيدة زينب ..والأحلام المفتقدة في اندفاع كلي بين حدَّيْ الموت والحياة لشهيد الخلود.
لن أشك لحظة ، بعد الآن، أن الدهشة نفسها ستفارقني لأنني شربتُ منها احتياطي ما تبقى من عمري ... بين القصرين أو بين الحلمين تنساب اختبارات البديهة للذاكرة وللملاحم كلها، فلا استثناء في القاهرة غير الموت..لأن كل شيء فيها بوجهين: مقدس ومدنس ، طهراني وأزلي .
توهمتُ أن يسألني رجل في الأربعين ( ونحن هناك في النادي اليوناني أو داخل مسجد الحسين أو في قبو مظلم لامتناهي أو في خان شقاوة بالدرب الخلفي) يسألني بلغة صافية أقرب إلى البوح .. عن جمال عبد الناصر والمهدي والأموي وبويا والشيخ الهبطي وجدنا المقدس سيدي علي الشاوي. ولما لم أجبه أعتقدَ أنني حزين لأجلهم.. حزين حينما أحس بحزنهم على حالنا.
زمن جميل ..يهرول منا
وصلتُ إلى فندق بيراميزا المتواجد في شارع متفرع من شارع الجنرال دوغول بالدقي . وبعد يومين من الاجتماعات التهييئية ضمن لجنة التحكيم، انطلقت أشغال المؤتمر في اليوم الثالث، وخلال أربعة أيام ، بحضور أزيد من مائتين وخمسين مشاركا من ستة عشر بلدا بالإضافة إلى مصر،في أيام حافلة بالإنصات والمناقشة تصل إلى حد الإنهاك. ولم نكن نستعيد حيويتنا إلا بالانفلات ليلا في جولات بالقاهرة ليلا أو بالجلوس إلى أصدقائنا القدامى والجدد بالمقهى .
وقد فوجئتُ في اليوم الأول برسالة باستقبالات الفندق من طرف صديقي المصري، أحمد سالم البابي الذي كنتُ التقيته وتعرفتُ عليه خلال آخر رحلة لي بالقاهرة، قبل سنة ونصف .
هاتفتُه ،في الرقم الذي تركه لي، ثم التقينا بمقهى خان شقاوة في شارع هارون ،حارة الطيب سابقا ،وهي على بعد ثلاث دقائق من فندق بيراميزا الذي أقيم فيه .مقهى أنيقة ، بل خان له ملامح عصر المماليك .
عبَّرتُ له عن دهشتي واعتزازي للقائه فتحدثنا في قضايا عامة ، وفي مجال عمله .فهو يشتغل بالتجارة مع والده وأخوته ،يدير عددا من المحلات في النجارة العصرية بالإضافة إلى الاستيراد والتصدير.وفجأة يشرع في الضحك وهو يخبرني بأن الكثير مما أسرَّ به لي في السنة الماضية لم يكن سوى تلفيقا مُحْكما .وقال لي بأنه خريج آداب عين شمس وليس شاعرا ،كما أفهمني في السابق، أو كما حدَّثني بخصوصه حينما قال لي بأنه عاش لفترة طويلة في الخليج ، يعمل لدى إحدى الأسر الحاكمة ، يكتب لهم الشعر والنكت والخطب والتهاني والتعازي.
بقيتُ معه لساعة ونصف، ثم انصرفتُ إلى غرفتي بالطابق الحادي عشر، رقم 1108، غير مبال بحكايات أحمد سالم التي تحولت من العجيب إلى الواقع الضائع .
في اليوم التالي، التحقتُ به متأخرا، بساعة، في الخان المذكور، فوجدته جالسا في ركن مظلم إلا من نور خافت ، يدخن الشيشة وينظر إلى صفحات جرائد المعارضة المصرية. لم يكلمني ولكنه اكتفى برفع بصره نحوي مشيرا إليَّ بالجلوس. ثم التفت إلى"زكي" نادل المقهى، ليعود إلى جريدته، دون أن يبدو عليه أنه يقرأ شيئا.
قلتُ له : الإدمان على الجرائد بالنظر أو اللمس يورث الاكتئاب، أنصحك يا صديقي باختيار المقالات وكُتابها حتى لا تكون مثل حاطب ليل.
ومثل شخص انتهى من مضغ شيء صلب ومر، محركا لسانه داخل فمه وهو يرد عليَّ :
- لا تُبالي يا مغربي يا "بو ألب عسلْ" !، أنا منشغل عنك أنتَ "بسْ"، فرأسك ستنفجر.منذ مئات السنوات أو آلافها( لست أدري ولا أريد ) وأنتم تتكلمون وتحفرون عن البيضة ومن باضها. إنكم يا سيدي الفاضل، لا تنجحون إلا في خلق التكرار وعلوم تحويل الحقائق إلى أباطيل.
كان أحمد سالم يتكلم بلهجة مصرية غاضبة فسعيتُ أن يستمر في نقده التاريخي ،لكنه تراجع وقد خمَّنتُ أن كلامه جاء إثر تأخري عليه.
التفتَ نحو النادل مخاطبا إياه بصوت عال :
- يا زكي زِفتْ، فين الست ليلى ؟
عاد يضحك كمن كان يمثل دورا سريعا في مشهد درامي ، وفهمتُ أنه يقصد ليلي مراد، حينما توجه زكي الزفت، ووضع شريطها فسمعتها تقول من ضمن ما تقول :
« يا مْحيَّرني / أملي ويأسي / طمِّنْ قلبي / إن مارحمتشْ / عِزة نفسي / ارحمْ حُبي».
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.