ارتفاع القروض البنكية الممنوحة للمقاولات غير المالية ب3,1%    احتياجات الخزينة ستتجاوز 12 مليار درهم خلال غشت    اسرائيل تستعد لمرحلة جديدة من العدوان على غزة قد تتضمن إعادة احتلال القطاع بالكامل    لولايات المتحدة.. العجز التجاري يتقلص بشكل ملحوظ في يونيو    نظام تأشيرات جديد: 15 مليون للحصول على ڤيزا أمريكا    تركمنستان.. انتخاب المغرب نائبا لرئيس مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للبلدان النامية غير الساحلية    أزيد من 43 ألف مخالفة للسير الأسبوع الماضي ضخت في صندوق الدولة أزيد من 7 ملايين درهم    "مستوطنة على أرض أمازيغية مغربية".. كتاب يصور مليلية مثالا لاستمرار الاستعمار وتأثيره العميق على الناظور    لطيفة رأفت تعلن تأجيل حفلها بأكادير وتعد بلقاء قريب    أمريكا تسلح أوكرانيا بمال اسكندينافيا        نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    زيادة إنتاج نفط "أوبك+" تنعش آمال المغرب في تخفيف فاتورة الطاقة    تحرير مغاربة مختطفين في الساحل يعيد الجدل حول السلامة بعمق إفريقيا    إيقاف مروج كوكايين بحوزته 11 غراما في إمزورن بعد عملية ترصد محكمة    حادثة مأساوية بين المعازيز والخميسات تودي بحياة سائق طاكسي وأفراد من عائلته    وصول المساعدات المغربية إلى مخازن في مدينة دير البلح وسط غزة    صحيفة إسبانية: هذه المدينة المغربية تنافس موناكو كوجهة لعشاق السيارات الفاخرة    قيوح: المغرب جعل من التعاون مع الدول غير الساحلية وخاصة في إفريقيا أولوية استراتيجية في سياسته التعاونية    توقيف قائد بعمالة مراكش للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    الدورة السادسة عشرة من معرض الفرس للجدیدة سلسلة من الندوات حول العنایة بالخیل والتراث الفروسي    عملية مرحبا.. إطلاق حملة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج تحت شعار "التعمير والإسكان في خدمة مغاربة العالم"    فتيات المغرب تكتسحن الجزائر ويحجزن مقعدا لهن في "أفروباسكيط 2025"    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    مندوبية ‬التخطيط ‬تكشف: ‬وضعية ‬سوق ‬الشغل ‬لازالت ‬تعاني ‬من ‬آثار ‬الجفاف    تراجع نسبة ملء السدود بالمغرب إلى 35.3%    دراسة: الحر يؤثر على الصحة العقلية للإنسان    الأوقاف تكشف سبب إعفائها رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك    الموهبة الكبيرة وزان يوقع عقدًا جديدًا مع أياكس بعد رفض ريال مدريد التعاقد معه    "منتخب U20" يستعد لكأس العالم    رضا سليم يعود للجيش الملكى على سبيل الإعارة    المغرب ‬يسير ‬نحو ‬جيل ‬جديد ‬من ‬برامج ‬التنمية ‬المجالية.. ‬نهاية ‬زمن ‬الفوارق ‬وتفاوت ‬السرعات    خواطر تسر الخاطر    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    الريسوني: تخلف وزارة الأوقاف سحيق لأنه مقدس وله حراسه.. وتخلف الدولة يسمى "الانتقال الديمقراطي"    22 شهرا من الإبادة.. الجيش الإسرائيلي يقتل 20 فلسطينيا في غزة فجر الثلاثاء    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    المغرب ومالي ينجحان في تحرير 4 سائقين مغاربة اختطفتهم "داعش" في بوركينا فاسو    وَانْ تُو تْرِي دِيرِي عَقْلك يَا لاَنجِيرِي!    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    كاميرات مراقبة صينية في سبتة ومليلية تثير الجدل في إسبانيا    بعد أيام من تركيبه.. مجهولون يخربون رادارا حديثا لرصد المخالفات المرورية    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى أين يجرنا العنف الجامعي؟ !
نشر في الجسور يوم 09 - 06 - 2016

إذا كانت الجامعة منارة إشعاع علمي وفكري، تقوم على قيم وأخلاق الديمقراطية واحترام الحقوق، وتتلخص وظائفها الأساسية في تنوير العقول وإغناء البحث العلمي وحماية التراث الإنساني، باعتبارها مؤسسة عمومية تأتي في أعلى هرم التربية والتكوين، وذات رسالة علمية اجتماعية روحية وحضارية... تتفاعل مع المجتمع وتسهر على تزويده بالكفاءات البشرية المؤهلة علميا للإسهام في التنمية، فإن الجامعة المغربية حادت عن سكتها الصحيحة، جراء ما باتت تعرفه من اضطرابات وتنامي العنف بمختلف ألوانه.
ذلك أن العنف سلوك عدواني مرفوض، أصبح للأسف الشديد لغة رائجة لدى الطلبة فيما بينهم وبين الفصائل والتيارات الطلابية، وطالت شرارته حتى الأساتذة والموظفين والمستخدمين، وأضحى يجرنا إلى مجاهل التعصب والتطرف. ومن أبرز مظاهر التهور، ما تعرضت إليه خلال شهر ماي 2016، القاصر "شيماء بولعجول" ذات 16 ربيعا من العمر، النادلة بمقصف كلية العلوم بمكناس، من اعتداء همجي تمثل في حلق رأسها وحاجبيها، على أيدي طلبة فصيل طلابي معلوم، منتهكين بذلك الكرامة الإنسانية وحرمة الجامعة. إذ كيف لهم بهذه الوقاحة، من خلال ممارسة الاحتجاز والاضطهاد وإقامة المحاكمات، في ظل دولة الحق والقانون؟ فحسب تواتر الأحداث والوقائع، تعتمد فلسفة هذا الفصيل على معاداة الجميع واستعداده الدائم لخوض معارك ضارية ضد الدولة وباقي الفصائل الطلابية، التي يعتبرها مجرد حاضنة للخونة والعملاء، ممن يستحقون التنكيل وحلق الرؤوس. وفي حالة تعذر العثور على ضحية لتفجير عدوانيته، يدخل في إضرابات مفتوحة عن الطعام، والقيام بمحاكمات رمزية لمن يختلفون معه في الرأي أو يشقون عصا الطاعة...
والعنف الجامعي بالمغرب ليس وليد اليوم، فقد تشكلت ملامحه الأولى بين الطلبة منذ فجر الاستقلال. لعبت فيه بعض الفصائل الطلابية دورا مركزيا تحت مبرر الدفاع عن الفكر، لاسيما منها الفصائل التقدمية التاريخية والتيارات الإسلامية. فتحولت الجامعات المفتوحة أبوابها أمام الجميع، إلى ساحات لتصريف المواقف السياسية والإيديولوجية، والتهافت على حسم موازين القوى باستقطاب الطلبة الجدد من المحبطين، الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على التسجيل في تخصصات لا تتوافق ورغباتهم ومؤهلاتهم، وعاجزين عن تحقيق آمال وأحلام أسرهم المعوزة. ومما زاد في تفاقمه، هو الفراغ التنظيمي الذي ساهمت السلطات في خلقه بإلغاء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، المنظمة الجماهيرية التي ظلت حريصة على تأطير الطلبة ومنع الانزلاقات والسلوكات الطائشة: تحرش، مشاجرات، تعنيف الطلبة والأساتذة والموظفين والعمال... ولم تكن أحكامها تصل حد حلق الرؤوس أو الطرد النهائي من الجامعة أو التصفية الجسدية، حيث لا تتجاوز حدود الطرد المؤقت والمنع من دخول المقصف مدة معينة. ومن ثم، غاب العمل الفصائلي المؤطر، والتنافس الشريف الذي من شأنه إغناء الفكر والنهوض بالمستوى الإشعاعي للجامعات، واندفع الكثير من الطلبة المتحمسين نحو الانخراط في تنظيمات طلابية وسياسية جذرية، وصار النضال مقتصرا على الفصائل فيما بينها، بعدما كان موجها للدولة والنظام باعتبارهما عدوا مشتركا. وهكذا امتد النضال إلى عدة مواقع جامعية، ليجعل منها قلاعا للتوتر والرعب: فاس، مراكش، الرباط، القنيطرة الدار البيضاء، وجدة...
والملاحظ أن عدة فصائل أمست بدون هوية ولا مرجعية عدا العنف والتطرف، فالجميع يمارس العنف ضد الجميع دون معرفة الأسباب الثاوية وراء ارتكاب هذه الفظائع والحماقات، ولا احترام صورة وهيبة الجامعة. فمن العار أن يتحول طلبتنا وأمل أمتنا إلى معاول لتدمير كيان جامعاتنا، وإطفاء جذوة الحماس الملتهب في صدور الشباب الطموح والمتوثب. وأن ينتقل مفهوم الفصيل الطلابي من الانتماء الفكري السياسي إلى الانتماء العرقي والقبلي، مما بات يتهدد النسيج المجتمعي. فضلا عن إفراغ الجامعة من أدوارها الإيجابية في إعداد النخب المتنورة، وتحويلها إلى فضاء للاقتتال وبث سموم الكراهية والنفور، لدرجة أصبح معها آلاف الطلبة مضطرين إلى عدم حضور الدروس واللقاءات، تفاديا للمواجهات الدموية الرهيبة.
مؤسف حقا أن تصل الأمور إلى هذا المستوى من الانفلات والتسيب، ويصبح العنف والعنف المضاد ثقافة سائدة بين طلبتنا في جامعاتنا، مما قد يرهن مستقبل الوطن والأجيال الصاعدة للمجهول. وأن يجد الآباء أنفسهم يوما مضطرين إلى اعتماد فتوى وزير التعليم العالي والبحث العلمي لحسن الداودي، التي تقول: "اللي بغا يقري ولادو يدير يدو فجيبو". فأين نحن من مجانية التعليم، وعزم الدولة الأكيد على مواجهة الظاهرة بشدة، كما ظل يردد على مسامعنا في خرجاته الإعلامية وجلسات البرلمان، بتشنج ودون موضوعية؟ فقد ينصف القضاء "شيماء"، لكنه لن يستطيع أبدا اقتلاع جذور المشكل.
وإذ ندين كافة أشكال العنف المنتشرة خلف أسوار الجامعة وخارجها، فإننا ندعو إلى تضافر جهود الجميع قصد تطويق هذه الآفة المدمرة، حماية لأرواح أبنائنا وإيقاف مسلسل الترويع، من خلال الانكباب على إصلاحات جوهرية عميقة لتأمين مستقبل الخريجين، تشجيع الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية، السماح للطلبة بتنظيم أنفسهم داخل هيئات منتخبة وخاضعة للمراقبة والمساءلة، سن قوانين ردعية وتعزيز الجانب الأمني في محيط الجامعة. الحفاظ على استقلاليتها، والحرص على أن تسود لغة التسامح والحوار وتدبير الاختلاف بين فصائلها الطلابية، حتى تكون قادرة على أداء رسالتها التنويرية في أحسن الظروف، باعتبارها مجالا للتواصل المثمر والنقاش الهادف... فمتى يرد الاعتبار لجامعاتنا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.