عادت فكرة الوساطة الدولية بين المغرب والجزائر إلى الواجهة من جديد، وهذه المرة عبر بوابة أمريكية مباشرة، بعد التصريحات المنسوبة إلى مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للشؤون الأفريقية والشرق أوسطية، الذي تحدث عن مبادرة مرتقبة تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الرباط والجزائر حول قضية الصحراء. المبادرة، التي لم تتضح ملامحها الرسمية بعد، تعكس رغبة في نسج خيوط هادئة للحوار وسط منطقة يشوبها التوتر، وجوار إقليمي أنهكته سنوات القطيعة السياسية وسوء الفهم المتراكم. لكنها تثير في الآن ذاته تساؤلات بشأن مدى واقعية هذا المسعى، وقدرته على تجاوز تراكمات الماضي. المغرب، من جهته، لم يرفض يومًا مبدأ الوساطة أو الحوار، شريطة أن تقوم المبادرات على احترام سيادته ووحدته الترابية، وأن تتجاوز أطروحات يعتبرها متجاوزة وغير واقعية. وقد عبّر في مناسبات عديدة عن استعداده للتفاعل الإيجابي مع جهود التقارب، سواء من خلال الأممالمتحدة أو وساطات ثنائية أو متعددة. وخلال السنوات الأخيرة، ظل الخطاب المغربي محافظًا على نبرة معتدلة، مركزًا على مقترحه للحكم الذاتي كحل نهائي يضمن الكرامة للجميع، ويمنح الإقليم وضعًا خاصًا تحت السيادة الوطنية. كما أن المغرب واصل الانخراط في الديناميات الأممية، دون الانزلاق إلى منطق التصعيد، رغم انسداد قنوات الحوار وتكرار الخطاب العدائي من الجهة المقابلة. وفي خطاب المسيرة الخضراء للعام الماضي، وجّه الملك محمد السادس رسائل تهدئة واضحة، مؤكدًا على ضرورة التفكير المشترك وتفعيل منطق التعاون الإقليمي، لاسيما من خلال مبادرات ترتبط بتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، وهي رسالة فهمها كثيرون كدعوة غير مباشرة للجزائر لإعادة التفكير في علاقة الجوار على أسس براغماتية جديدة. في المقابل، يُدرك المغرب جيدًا تعقيدات المشهد السياسي الجزائري، وطبيعة التوازنات الداخلية التي تجعل من اتخاذ القرار أمرًا صعبًا ومعقدًا. ولهذا حافظ على ما يمكن وصفه ب**"الصبر الاستراتيجي"**، دون إغلاق الباب أمام أي مسعى جاد للحوار. الوساطة الأمريكية المحتملة قد تفتح نافذة جديدة في جدار الجمود، لكنها ستتطلب إرادة سياسية مشتركة، وبيئة إقليمية مؤهلة لتقبل الحلول الواقعية، بدل البقاء رهائن الماضي والمواقف المتشنجة.