إحسان الحافظي يكتب: كيف رسم الملك التحول الأمني    "النهج الديمقراطي" يستنكر تناسل فضائح الفساد السياسي والاقتصادي ويدين الهجوم على الحريات العامة    بني ملال تحتضن اللقاء الجهوي الخامس حول أولويات وتحديات الشباب المغربي        بني ملال تغلق المجزرة وتمنع الذبح    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    النفط يتراجع بفعل زيادة المخزونات الأمريكية وخفض سعر الخام السعودي    وزيرة السياحة: الثقافة المغربية تجذب 50% من السياح الأجانب    اليماني يفضح اختلالات سوق المحروقات    ترامب يمنع سفر رعايا 12 دولة لأمريكا    نتانياهو يعلن إعادة جثتَي رهينتين    غضب بمجلس الأمن بعد فيتو أميركي    لقجع يزور معسكر الوداد الرياضي بمركز محمد السادس استعدادا لمونديال الأندية    إنفانتينو: مونديال السيدات "المغرب 2025" موعد مهم.. والمغرب أرض كرة القدم    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    محكمة الاستئناف تؤيد سجن الناشط رضوان القسطيط سنتين حبسا نافذا    انقطاعات متكررة للماء الصالح للشرب تُقلق ساكنة آسفي والبرلمانية التامني تراسل وزير الداخلية    يوميات حاج (6): الوقوف في عرفة .. لحظة كونية تتوق إليها الأرواح    أكثر من 1.6 مليون مسلم يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    قتل الكلاب والقطط الضالة بالرصاص والتسميم يخضع وزير الداخلية للمساءلة البرلمانية    منتخب المغرب لأقل من 17 سنة للسيدات في مجموعة واحدة مع البرازيل وإيطاليا وكوستاريكا بمونديال 2025    الأمن الوطني يضرب بقوة ضد شبكات الغش في امتحانات الباكالوريا    سلطات الحسيمة تواصل حملات تحرير الملك العمومي بأهم شوارع المدينة    بعد استفحال "الجنوح الدراجي"... حملة أمنية موسعة لمحاربة "السيبة" بطنجة    كيوسك الخميس | المغرب يسارع الخطى للتحول نحو السيارات الكهربائية    جامعة القاضي عياض بمراكش تحتضن نهائي مسابقة "أطروحتي في 180 ثانية" بمشاركة 12 طالب دكتوراه    بعد 5 سنوات.. الرجاء الرياضي يعلن عودة بانون إلى صفوفه    أكثر من 1.6 مليون مسلم يؤدون الركن الأعظم للحجّ على جبل عرفات    الهلال السعودي يعلن تعاقده مع المدرب الإيطالي إنزاغي بعد رحيله عن إنتر ميلان    الوزير قيوح يُعفي الكاتب العام لوزارة النقل واللوجستيك ومدير الطيران المدني    الدورة 26 لمهرجان كناوة بالصويرة.. الكشف عن الفنانين المنتظرين على منصتي الشاطئ وبرج باب مراكش    المنتخب البرتغالي يبلغ نهائي دوري الأمم الأوروبية بفوز ثنائي على ألمانيا    المغرب يسرّع تعميم محطات شحن السيارات الكهربائية استعداداً لكأس العالم 2030    الصين والمغرب يتصدران موانئ العالم في الكفاءة اللوجستية... وتفوق واضح على دول كبرى    المنتخب يتنقل اليوم الخميس إلى فاس    الركراكي يستدعي زحزوح للمنتخب    في يوم عرفات.. ضيوف الرحمن يتوافدون لأداء الركن الأعظم بخشوع وإيمان    بداية عهد جديد في تدبير حقوق المؤلف.. مجلس إداري بتمثيلية فنية ومهنية لأول مرة    مؤتمر علمي بالدوحة لاستنطاق الإعلام العالمي حول حرب غزة    الجزائر تقترب من مغادرة مجلس الأمن.. والمغرب يحشد "أصدقاء جددا"    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس بالقنيطرة حفل تخرج الفوج 25 للسلك العالي للدفاع والفوج 59 لسلك الأركان    "مجموعة العمل" تأمل تيسير مصر لمشاركة المغاربة في المسيرة العالمية إلى غزة    ضوء النهار يعزز المناعة.. دراسة تكشف سر النشاط الصباحي للخلايا الدفاعية    الأستاذ الفنان الراحل الحاج أحمد عبد السلام الطود علم الموسيقى الأندلسية بالعرائش    تشييع جثمان الراحل عبد الحق المريني بحضور الأمير مولاي رشيد    قصف إسرائيلي على غزة يوقع على الأقل 16 قتيلا و"مؤسسة غزة الإنسانية" لن تفتح أبوابها الأربعاء    تكريمات ومسابقات.. مهرجان الداخلة السينمائي يكشف عن برنامج الدورة ال13    بنسليمان تحتضن المحطة الثانية من مهرجان "أرواح غيوانية" يومي 5 و6 يونيو    موسم الحج.. منع تصوير ورفع الأعلام السياسية والمذهبية بالمشاعر المقدسة    العرائش… لقاء تحضيري لتنظيم النسخة الثانية من ملتقى ليكسوس للثقافة والتراث    خبراء في فاس يناقشون مصير الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي    دراسة: الإفراط في الأطعمة المصنعة قد يسرّع أعراض باركنسون    على هامش تصريح بنكيران بين الدين والسياسة: حدود الفتوى ومسؤولية الخطاب العمومي    عندما يخرج النص عن النص! أو وقفة أمام امتحان إشهادي غير موفق    الحجاج يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    انطلاق أول أيام مناسك الحج وتوافد أكثر من مليون مسلم على مكة المكرمة لتأدية الفريضة    "الخرف الحيواني" يصيب الكلاب والقطط مع التقدم في العمر    الناظور.. نفاد حقنة تحمي الرضع من أمراض الرئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة ملكية سامية إلى المشاركين في ملتقى إبراهيم 2025 حول الحكامة
نشر في المغرب 24 يوم 01 - 06 - 2025

وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة سامية إلى المشاركين في دورة سنة 2025 ل "ملتقى إبراهيم لنهاية الأسبوع حول الحكامة" الذي افتتحت أشغاله اليوم الأحد بمدينة مراكش.
وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية التي تلاها مستشار صاحب الجلالة السيد أندري ازولاي.
"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
السيد محمد إبراهيم، رئيس المؤسسة،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتوجه إليكم بهذه الرسالة، بمناسبة دورة 2025 ل "ملتقى إبراهيم لنهاية الأسبوع حول الحكامة"، الذي يلتئم هذه السنة في مراكش تحت رعايتنا السامية، بمشاركة ثلة من الشخصيات المرموقة التي تنتمي إلى مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني، من أجل مناقشة موضوع في غاية الأهمية، ألا وهو تمويل التنمية في إفريقيا.
إن هذا الملتقى، ليشكل فرصة متميزة لتعميق النقاش حول إشكالية لا تزال تحتفظ براهنيتها، بما يمكن من العمل، بشكل جماعي، من أجل رسم معالم مستقبل قارة إفريقية صاعدة، يرقى إلى مستوى التطلعات المشروعة لشعوبنا.
ولا يفوتنا، بهذه المناسبة، أن نشيد بالجهود الدؤوبة للسيد محمد إبراهيم ومؤسسته، التي تسهم إسهاما بارزا في إثراء النقاش حول تنمية إفريقيا، والتفكير في حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الكبرى، الحاضرة والمستقبلية.
حضرات السيدات والسادة،
تعاني قارتنا من التداعيات الناجمة عن الأزمات الدولية متعددة الأبعاد، التي ما فتئت تعمق التفاوتات والفوارق بين الدول والمناطق. فهذا الوضع يحد من فعالية الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفق عام 2030، ويؤثر سلبا على تحقيق رؤيتنا لإفريقيا الغنية والمزدهرة التي نتطلع إليها.
ومع ذلك، لا ينبغي لهذه التحديات الظرفية، بأي حال من الأحوال، أن تثبط إرادتنا المشتركة في المضي إلى الأمام. لذا، يتعين على قارتنا أن تحول هذه التحديات إلى فرص للتنمية والنمو، وأن تعمل على تثمين مؤهلاتها، وتفرض منظورها الخاص لمسارها التنموي، وتبحث عن تطوير حلول محلية لمشاكلها، وأن تتحكم بشكل كامل في مصيرها.
وغني عن البيان أنه بدون تمويل كاف ومناسب لاحتياجات إفريقيا الخاصة، لن يتأتى لقارتنا تنفيذ إصلاحاتها ومشاريعها التنموية على الوجه الأمثل. لذلك، تشكل تعبئة الموارد، باعتبارها أمرا ضروريا لتحقيق نمو مستدام وشامل، شرطا أساسيا للتحول الهيكلي للاقتصاديات الإفريقية.
وبهذا الخصوص، نود أن نسلط الضوء على أربع ركائز رئيسية، ضرورية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة في إفريقيا:
أولا – تغيير النموذج المعتمد في تمويل التنمية : إن قارتنا مطالبة بتعبئة أكبر لمواردها الداخلية، والقيام بإصلاحات هيكلية من أجل تقوية الإطار الماكرو-اقتصادي، وتشجيع آليات مبتكرة لتمويل التنمية، والاستفادة الفعالة من التحويلات المالية للجاليات الإفريقية، إذ لم يعد بإمكان إفريقيا أن تعتمد فقط على الدعم العمومي للتنمية، أو التمويلات الخارجية المنشئة للديون.
ثانيا – إحداث بيئة مؤسساتية اقتصادية واجتماعية مواتية للتنمية : فتحفيز الاستثمار وريادة الأعمال، ومن ثم خلق فرص العمل، كل ذلك يستلزم تسريع وتيرة الإصلاحات المرتبطة بالحكامة الجيدة بصفة خاصة، وتحسين مناخ الأعمال، وتعزيز الشفافية، وحماية المستثمرين، ومحاربة الفساد وتخليق منظومة العدالة.
ثالثا – تعزيز المبادلات البينية الإفريقية وتنشيطها : لإن التكامل الاقتصادي للقارة الإفريقية لم يعد مجرد خيار، بل أصبح ضرورة حتمية في ظل عالم معولم، لا تتعدى فيه حصة إفريقيا في التجارة العالمية نسبة 3%، بينما تمثل المبادلات البينية الإفريقية نسبة 16% من مجموع التجارة الإفريقية، مقارنة ب 60% بالنسبة لأوروبا، و50% بالنسبة لآسيا.
كما أن إطلاق منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية يشكل فرصة سانحة لتنشيط التجارة بين البلدان الإفريقية، وجعلها عاملا محفزا للنمو والتنمية المستدامة في القارة، وتشجيع التصنيع وتعزيز مرونة الاقتصاديات الإفريقية وجاذبيتها للاستثمار.
رابعا – التثمين الشامل للموارد الطبيعية التي تزخر بها القارة : ففي ظل امتلاكها ل 40% من الاحتياطيات العالمية من المواد الأولية، و30% من المعادن الاستراتيجية، إلى جانب ما تزخر به من مؤهلات كبيرة في مجال الموارد المعدنية والطاقية والمائية والفلاحية والبيولوجية، لم يعد من المقبول أن تكتفي إفريقيا بدور الم ص در لموادها الأولية.
لقد آن الأوان كي تجني إفريقيا ثمار مؤهلاتها وإمكاناتها وثرواتها الضخمة، وتخلق قيما مضافة، وتوفر مداخيل جديدة لتمويل تنميتها. إلا أن تحقيق هذا المسعى يظل رهينا بالاستثمار في تحويل ثرواتها الطبيعية وتثمينها محليا، وخلق سلاسل قيمة إقليمية وتشجيع التصنيع وخلق فرص العمل، وتعزيز التكامل الإقليمي وشبه الإقليمي.
حضرات السيدات والسادة،
لقد تمكن المغرب من تعزيز دوره كمحفز استراتيجي للشراكات جنوب-جنوب، والقيام بدوره كجسر طبيعي يربط بين مختلف جهات القارة وبلدان الجنوب. وهذا ما حدا به إلى إطلاق مشاريع ملموسة ومهيكلة، ستفضي إلى تحويل المشهد الاقتصادي والاجتماعي للقارة على نحو مستدام.
ذلكم هو التوجه الذي يجري تنزيله عبر مشاريع قارية كبرى مثل خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، الذي يمثل مسارا حقيقيا للتكامل والتنمية الاقتصادية المندمجة.
وفي إطار التوجه ذاته، ووفق مقاربة قائمة على التضامن والتنمية المشتركة، قمنا مؤخرا بإطلاق المبادرة الأطلسية من أجل تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، بهدف إرساء قاعدة صلبة لنموذج جديد للتعاون الإقليمي. كما أطلقنا مسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية، بما يعود بالنفع على جميع الأطراف.
وعلاوة على ذلك، تشكل الخبرة التي راكمها المغرب في عدة قطاعات استراتيجية، كالطاقات المتجددة، والفلاحة المستدامة، والخدمات المالية، والبنى التحتية للنقل، مرتكزا مهما لتطوير الروابط والشراكات على الصعيد القاري.
ومن جهة أخرى، ومن منطلق وعي المغرب التام بالأهمية القصوى للتمويل، فقد اعتمد مقاربة استراتيجية قائمة على تطوير آليات مالية مبتكرة، وعلى التعبئة الناجعة للموارد الوطنية.
وفي هذا الصدد، يبرز صندوق محمد السادس للاستثمار، باعتباره أداة حقيقية للتحفيز المالي، قادرة على تنشيط الاستثمار الخاص، ومواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتعزيز الابتكار التكنولوجي، وتشجيع التنمية المستدامة. كما نجح القطب المالي للدار البيضاء (Casablanca Finance City) في تثبيت موقعه كمركز مالي إقليمي رئيسي، يجلب تدفقات مالية مهمة لقارتنا.
حضرات السيدات والسادة،
إن التنمية لا تتحقق بمجرد قرار، بل تبنى باعتماد سياسات طموحة، وبالاستثمار في الرأسمال البشري والحكامة الاقتصادية الحازمة.
ولذلك، لا بد من تكامل الجهود على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، بما يمكن من سد العجز الحاصل في تمويل التنمية، والمساهمة في بناء صرح إفريقيا الصاعدة، إفريقيا التي نطمح إليها جميعا.
غير أنه مع اقتراب استحقاق 2030 الخاص ببرنامج التنمية المستدامة، صار من اللازم، الآن وليس غدا، إدراج مسألة تمويل تنمية إفريقيا في صلب الأجندة الدولية.
فتخفيض نسب الفائدة المرتفعة المفروضة على البلدان الإفريقية في الأسواق المالية الدولية، والولوج إلى التمويلات الميسرة والقروض ذات نسب الفائدة المخفضة، وتعزيز قدرات المؤسسات المالية الإقليمية من أجل دعم الاقتصاديات الإفريقية، وتحسين تمثيلية إفريقيا داخل النظام المالي الدولي، بما يراعي تنوعها، وخفض الرسوم على تحويلات الجاليات الإفريقية، كلها مطالب مشروعة ينبغي إيجاد الأجوبة والحلول الملائمة لها.
وفي هذا السياق، يشكل المؤتمر الدولي الرابع حول تمويل التنمية، المزمع عقده بإشبيلية في متم هذا الشهر، مناسبة سانحة للبلدان الإفريقية لمواصلة هذا الترافع من أجل حلول عاجلة لهذه المطالب.
حضرات السيدات والسادة،
إننا نعتقد أن تمويل التنمية في إفريقيا يحتاج إلى عمل جماعي، تتضافر فيه جهود التعاون على المستويين الإقليمي والدولي. كما ينبغي للنقاش الأساسي حول إصلاح النظام المالي الدولي أن يعتمد مقاربة متعددة الأطراف، تنخرط فيها بشكل كامل البلدان الإفريقية، التي غالبا ما يطالها التهميش في عملية صياغة ووضع قواعد النظام النقدي والمالي العالمي.
إن هذا الإصلاح الضروري، يجب أن يضمن وبشكل أساسي، تعزيز التمثيلية المشروعة لإفريقيا في الهيئات الدولية، بما يمكن الفاعلين في إفريقيا من التملك الحقيقي للرهانات والتحديات التي تواجههم، وما يتصل بها من حلول.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نؤكد أن تمويل التنمية في إفريقيا يظل رهانا كبيرا يقتضي حلولا مبتكرة وتضامنية تلائم واقع القارة.
وستواصل المملكة المغربية بكل إصرار، قيامها بواجبها في التعبئة الفعالة للموارد، وتقوية الشراكات الاستراتيجية، وتشجيع الآليات المالية الفاعلة والناجعة، وذلك انسجاما مع رؤيتها البناءة للتعاون جنوب-جنوب، ووفاء بالتزامها الراسخ من أجل تنمية شاملة ومستدامة، لصالح الشعوب الإفريقية.
نشكركم على حسن إصغائكم، داعين الله تعالى أن يكلل أشغالكم بالتوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.