في ظل تسارع عملية التحول الرقمي داخل المغرب واعتماد المؤسسات والشركات بشكل متزايد على الحلول السحابية، والتشغيل الآلي الصناعي، والخدمات المالية الإلكترونية، أضحى الفضاء الرقمي المغربي هدفا جذابا للقراصنة والمهاجمين السيبرانيين. و هذا الواقع انعكس بشكل جلي خلال مؤتمر Next Rabat 2025، الذي انعقد بالعاصمة تحت رعاية وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، حيث كشفت شركة Kaspersky عن تسجيل أكثر من 20.7 مليون محاولة هجوم إلكتروني استهدفت المملكة خلال النصف الأول من عام 2025، ما يشير إلى تصاعد غير مسبوق في حجم التهديدات الرقمية وتعقيد أساليبها. وأوضحت التحليلات أن الهجمات تنوعت بين استغلال الثغرات البرمجية، ومحاولات سرقة البيانات الحساسة، وزرع برامج خبيثة للتجسس أو فتح الأبواب الخلفية عن بعد، مع تسجيل زيادة بنسبة 22% في محاولات التجسس وسرقة المعلومات مقارنة بنفس الفترة من عام 2024. هذه المعطيات تؤكد أن الهجمات لم تعد مجرد تهديد تقني للبيانات، بل أصبحت تمس بشكل مباشر استمرارية الأعمال وسمعة المؤسسات وثقة العملاء. وقد أبرز سامي تاجين، مدير الحسابات الكبرى بشركة Kaspersky، أن الأمن السيبراني لم يعد خيارا تقنيا ثانويا، بل تحول إلى رهان استراتيجي حيوي يحدد قدرة المؤسسات على مواجهة المخاطر وحماية مصالحها، مشددا على ضرورة تبني مقاربة شاملة تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة، والحكامة الرشيدة، وتنمية مهارات الموارد البشرية لمواجهة التهديدات المتنامية. و من جهتها، تعمل المديرية العامة لأمن نظم المعلومات (DGSSI) على تطبيق الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2030، والتي تهدف إلى تعزيز مرونة البنية الرقمية، وتحسين آليات الحوكمة، وتطوير الكفاءات المتخصصة، وتوسيع التعاون الدولي، بما يضمن سرعة الاستجابة للحوادث الرقمية وتقليل آثارها على مختلف المؤسسات العمومية والخاصة. ويشير خبراء إلى أن التحديات الراهنة تتطلب تكاملا وثيقا بين القطاعين العام والخاص، وتبادلا مستمرا للمعلومات والخبرات، إلى جانب التكوين والتدريب المستمر للعاملين في مجال الأمن السيبراني، إذ أصبح الوقاية والتأهب المستمر يمثلان اليوم خط الدفاع الأول ضد الهجمات المتزايدة والمعقدة. وفي المحصلة، لم يعد الأمن السيبراني مجرد أداة حماية تقنية، بل تحول إلى ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، إذ أن تعزيز الحماية الرقمية لا يحمي المؤسسات فحسب، بل يعزز الثقة في الاقتصاد الوطني ويزيد من جاذبيته للمستثمرين، خصوصا في القطاعات المرتبطة بالابتكار والخدمات الذكية، مؤكدا أن مستقبل الاقتصاد المغربي مرتبط بشكل وثيق بقدرته على تأمين فضائه الرقمي ضد كل التهديدات الحديثة.