وزارة الداخلية تشدد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تلتقي بباكو فخامة السيدة مهريبان علييفا السيدة الأولى لجمهورية أذربيجان ورئيسة مؤسسة حيدر علييف    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    احجيرة: 8 آلاف سيارة مغربية بمصر    شركة صينية تُحوّل استثمارها من إسبانيا إلى طنجة    البواري: 80 بالمائة من مربي الماشية بالمغرب "كسابة" صغار ونشتغل على إعادة تشكيل القطيع الوطني    المغرب يتوقع حصاد 44 مليون قنطار حبوب    مسؤولون: الدبلوماسية الموازية تواكب الترافع عن ملف الصحراء المغربية    نتنياهو يعلن المصادقة على توسيع إبادة غزة بما في ذلك احتلالها    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    العروي.. الشرطة القضائية توقف "الصيد الثمين" في حملة أمنية ضد مروجي المخدرات    مدارس السياقة ترفض الصيغة الجديدة للامتحان وتطالب برخصة خاصة "بالأوتوماتيك"    جهة الشرق تسجل أعلى معدل بطالة في المغرب    لفتيت يستقبل الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية الموريتاني المكلف باللامركزية والتنمية المحلية    الدريوش توضح حيثيات تصريح الداخلة: دعم مشاريع الأحياء المائية موجه للمبادرات وليس للأفراد وعدد المستفيدين بلغ 592 مستفيدا    الحسيمة تحتفي بالسينما الفرنسية ضمن فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم    مزاعم اختطاف أطفال في طنجة غير صحيحة    مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    المحمدية تحتفي بالمسرح الاحترافي في دورته الثالثة    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    "تعزيز الدفاع" يؤخر محاكمة حامي الدين    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تلتقي بباكو فخامة السيدة مهريبان علييفا السيدة الأولى لجمهورية أذربيجان ورئيسة مؤسسة حيدر علييف    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سائحين بريطانيين في حادثة سير بأكادير وإصابة سائحين آخرين وسائق السيارة بجروح متفاوتة الخطورة    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة التهديد بارتكاب اعتداءات جسدية قاتلة في حق مرتادي الملاعب الرياضية    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    العلاقات الاقتصادية الصينية العربية تتجاوز 400 مليار دولار: تعاون استراتيجي يمتد إلى مجالات المستقبل    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    باريس.. الوجه الآخر    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تغيير ينتج الركود والأزمات!
نشر في المساء يوم 16 - 11 - 2010

ليست فكرة التغيير مستحبة رسميا في عالمنا العربي. وإذا ما طالب أحد ما بالتغيير في بلد من بلداننا، عامله حكامه وكأنه يطالب بإسقاط النظام. عندئذ، يستل هؤلاء سيوفهم وينقضون عليه، فيجد نفسه إما مرميا في سجن أو -في بعض الحالات والبلدان- معلقا على مشنقة أو غائبا عن الوجود لا يعرف مكانه أحد: أهو في الدنيا أم الآخرة؟
تأخذ نزعة مناهضة التغيير صورة تمسك مستميت بما هو قائم، بكل ما فيه من عجر وبجر وأخطاء. لذلك تجد أصحاب الأمر القائم يعارضون أي حديث عن التغيير أو حتى أي قول بضرورته، فكأنهم يعتقدون أنه يقع بمجرد المطالبة به أو الحديث عنه، مثلما يعتقد أصحاب الوساوس والهلوسات أن الموت يأتي من «فتح سيرته»، فتراهم يرفضون أن يذكر أحد أمامهم سيرة التغيير، الذي يرون مدخله في الإصلاح، مهما كانت صيغة الحديث عنه، بينما يلاحق بصورة منهجية من يصر عليه من رعاياهم، بحجة ترد على لسان سائر المسؤولين ترى أن التغيير، حتى في صورته كإصلاح جزئي، يهدد الأمن الوطني والسلام الاجتماعي المكفول بالامتناع عن المس باستقرار النظام المطلوب تغييره!
هذا الموقف من التغيير يضمر إقرارا ضمنيا بأن الأحوال القائمة ليست على ما يرام، وأنها هشة إلى درجة لا تسمح بالتخلي عن أي جانب منها أو بتطوير بدائل لها، مهما كانت محدودة وجزئية وعابرة. وهو موقف يمليه الخوف من تداعي النظام القائم جزءا بعد جزء وقطاعا بعد آخر، الأمر الذي يخشون أن يحدث بصورة تدريجية في البداية، ثم يتسارع حتى تستحيل السيطرة عليه، كما حدث في النظم المغلقة/الجامدة التي ما إن قامت بمحاولة تغيير حتى انهارت كبيت من كرتون، أهم نماذجها النظام السوفياتي السابق. ومع أن معظم قادة العالم العربي يقرون، بين حين وآخر، بضرورة وشرعية التغيير ويتعهدون بإنجاز شيء منه في زمن لا يحددونه، فإن هؤلاء لا يدعون شكا في حقيقة أن هدف أقوالهم ليس تغيير الأمر القائم بل إيجاد أشكال من التغيير تثبته وتوطده.. أشكال -وهنا المفارقة، تغيير لا تغير- هي أقرب إلى تطوير يعزز استمراره ويضمن أوضاعه ويحول دون الإتيان بجديد، بما أن النظم العربية ترفض بصورة جماعية تقريبا الجديد ولا تثق به لأنها تعلم بأنه مربك، وأنها قد لا تملك الوقت الكافي والموارد اللازمة لتكييفه مع بنيتها الجامدة. اللافت أن وعد التطوير لم يتحقق بدوره وأنه ترجم إلى جملة ألاعيب طوته في القديم الذي يقال بصراحة إنه يجدد نفسه بنفسه وليس بحاجة إلى تغيير أو تطوير من خارجه، يهدده.
عموما، هناك نمطان من التغيير: واحد يطاول البنية الفوقية للدولة، لنظامها السياسي والإيديولوجي ولآليات اشتغالها وإعادة إنتاجها ولسبل تحسينها وتفعيلها... إلخ، وآخر ينصب على بنيتها التحتية كما تتجلى أساسا في اقتصادها ومؤسساته وإداراته وفي أوضاع القوى العاملة وأنماط الإنتاج والتبادل والتوزيع والاستهلاك. يعني هذا التمييز أن التغيير يمكن أن يبدأ من فوق ليقتصر على ترميم أو تطوير أو تبديل في تنظيمات وأساليب الحكم، وتعديلات في القانون... إلخ. في الحالة العربية، كان «التغيير فوق» يستهدف احتجاز التغيير على صعيد البنية التحتية، مثلما كان «التغيير تحت» مضبوطا على إحداث أقل قدر ممكن من التغيير فوق: في السلطة وآليات اشتغالها وعلاقاتها الداخلية ومع المجتمع والدولة. بالمقابل، يمكن أن يتم التطوير والتغيير على صعيد البنية التحتية، على ألا يحدث أي تغيير فوق، على مستوى السياسة، وإلا وقع ما يسمونه ثورة. في هذه الحالة، يكون هناك دوما هامش زمني يفصل «حدوثه تحت» عن «انعكاسه فوق»، وطبيعي أن التغيير يكون عندئذ عميقا بقدر ما يبدل البنية التحتية ويوائم أبنية الدولة والسلطة القانونية والتنظيمية، وتدابيرها وسياساتها، معه. وللعلم، فإن التغيير بوجه عام هو الذي أنقذ الرأسمالية من الانهيار ومكنها من تجديد نفسها، وفي نهاية الأمر من دحر النظام السوفياتي، الذي بقي مغلقا وراكدا ورجعيا، ففقد بجموده وعزوفه عن التغيير القدرة على البقاء، وزال من الوجود.
في مجتمع يتسم بركود تاريخي مديد، يركز النظام العربي جهده الرئيسي على مقاومة التغيير السياسي، تغيير أو إصلاح بنيته السياسية، ويعمل للحفاظ على بنيته المغلقة عبر تغيير في الشكل يحدثها، ومن خلال استخدام البنية التحتية كميدان يمتص فيه أزمات نظامه السياسية، يتيح له هامش مناورة يمكنه من إيهام المجتمع بأن تغييرا يقع بالفعل، يعبر عن نفسه في تغييرات إجرائية يدخلها على آليات اشتغال نظامه الاقتصادي، وعلى بعض علاقات الملكية السائدة فيه، شريطة ألا يؤدي التغيير المحدود في البنية التحتية إلى تغيير عام، تحولي، في البنية الفوقية، أي في النظام السياسي والحقوقي، وأن يعزز قدرات السلطة والنظام الاقتصادية ويزيد عائداته التي تمكنه من امتصاص الآثار المحتملة للتغيرات الاقتصادية، وتاليا للعلاقات الطبقية الحاملة للسلطة، وكذلك للعلاقات السياسية الداخلية المترتبة عنها.
الأصل في التغيير أن يتم على صعيد البنيتين الفوقية والتحتية، وأن ينتهي إلى توافقهما وتناغم أبنيتهما وطرق عملهما وتوجهاتهما، درءا لأزمات يثيرها افتراقهما وتناقضهما. في التجربة العربية، يتم التغيير تحت، في بنية الاقتصاد، كي لا يتم، أو يتم احتجازه لأطول أمد ممكن، فوق، في بنية السلطة. وبما أن هذه هي التي تحرك النظام بمكوناته السياسية والاقتصادية، وتتحكم في طابعه وطرق عمله، فإن تغييرها يكون هو الأساس الذي من خلاله يتعين مدى وعمق أي تغيير، ما دام التغيير الاقتصادي لا يفضي إلى تغيير علاقات السلطة مع المجتمع، والعاملين مع المالكين، والنخبة الحاكمة مع المثقفة، ويبقي كل شيء على حاله في البنية الفوقية التي تلعب دورا مقررا تتعين البنية التحتية بواسطته، بل ويعد هو نفسه حقل إنتاج مادي تنعكس عائداته على أتباع السلطة وأنصارها، على خلاف ما هو حاصل في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، حيث تعينت البنية الفوقية تاريخيا بالبنية التحتية، في حين قررت نظمنا السياسية شكل اقتصادنا، وأنتجت بنيتنا الفوقية بنيتنا التحتية في شروط محددة، منها قرار سياسي - طبقي لم يكن للمجتمع مشاركة فيه أو رقابة عليه. قلت إن التغيير عندنا هو أساسا تغيير البنية الفوقية، التي يعاد إنتاج كل شيء بدلالتها أو انطلاقا منها، فإن لم ينصب عليها ويفض إلى إجراء تبدل عميق فيها، كان تغييرا بمعنى مجازي/لفظي: شكلي وبراني، نظرا إلى أن العلاقة بين البنيتين تتركز على إدارة وتحديد التحتية منهما بواسطة الفوقية، التي تتحكم في إدارتها إراديا، كي تستأثر بعائداتها وتستخدمها في توطيد أبنيتها والدفاع عنها في وجه أي تغيير. بقول آخر: لا تتغير البنية التحتية عندنا انطلاقا من هياكلها وآليات عملها الخاصة، وحاجات العاملين فيها ومتطلبات تطورها وتقدمها وأوضاع قواها المنتجة، بل تتغير عبر خيارات البنية الفوقية وأوضاعها وشكل علاقاتها مع المجتمع وما تواجهه من أزمات أو مشكلات، فهو تغيير بدلالة هذه البنية، هدفه الحقيقي احتجاز أي تغيير في البنية التحتية يمكن أن يخرج عن سيطرتها، وأقلمة هذه البنية مع النظام السياسي الذي يضبط أوضاعها ويمنع تناقضها معه أو اختلاف آليات عملها عن آليات عمله، بما يجبر بنية النظام السياسي والقانوني على إجراء تغيير بدلالة البنية التحتية وقوى الإنتاج التي لا يجوز أن تبلغ حدا من التطور يتيح استقلالها عنه أو إنضاج حال من التناقض مع علاقات الملكية القائمة يؤسس لوعي طبقي مستقل في تبلوره المجتمعي العام، السياسي والتنظيمي، تحد جدي للأمر القائم.
تنتج الشمولية المجتمع انطلاقا من السلطة، فمن البديهي ألا تسمح بأي تغيير فيها، كي لا تتغير شروط السيطرة والهيمنة ويفلت زمام الأمور من يديها. هنا، يمنع تغيير البنية الفوقية منعا باتا، وإن تطلب تغيير البنية التحتية على يديها وبدلالتها، بعض التعديلات القانونية والتنظيمية، الضرورية لإضفاء الشرعية على بنيتها الراكدة، بينما تتغير قاعدتها الاقتصادية ضمن الإطار المسبق الذي حددته إراديا لها. هذا النمط من التغيير يمكن اعتباره نمطا ركوديا، أساسه تحريك بنية جزئية لإبقاء البنية العامة راكدة ومقاومة للتغيير. لذلك، يكون التغيير هنا غير متجانس، وإن ظل مضبوطا بالبنية الفوقية. بالمقابل، أقام التغيير الذي عرفه العالم الحديث قدرا فاعلا من الانسجام بين البنيتين، جعل الفوقية ملائمة للهياكل التحتية وآليات عملها، حتى ليقال: إن الدولة الرأسمالية الراهنة ليست غير شركة أو تعمل كشركة تغطي الوطن وربما العالم.
لا ينتج النظام الراكد، الذي يحتجز البنيتين، غير أزمات لا تني تتفاقم وتتعقد وتغتني كل واحدة منها بغيرها. بدل تغيير يماشي الجديد وينضوي فيه، تضبط مفرداته البنيتين، يحدث هنا تغيير ركودي ساحته وأداته سلطة تخاف التغيير، وتحرص على طي الجديد في حاضنة القديم، وفي جعله جزءا من إعادة إنتاجه، وليس تغييره أو تبديله. بذلك ينتج التغيير السلطوي المزيد من التأخر والضعف المجتمعي، والعجز الحكومي، ونجد أنفسنا في حلقة مفرغة تأخذنا كل دورة من دوراتها نحو الأسفل، وتفاقم عجزنا عن الخروج من واقع تتعاظم فيه الهوة بين العالم وبيننا، وبين ما علينا فعله للخروج من مأزقنا وما تفعله حكوماتنا لإغراقنا أكثر فأكثر في لجته القاتلة. فإلى متى نبقى على هذه الحال؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.