حكمة العدل الدولية تعتزم إصدار قرارها بشأن وقف إطلاق النار في غزة الجمعة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    استئنافية الدار البيضاء تؤجل النظر في ملف "إسكوبار الصحراء"    الاتحاد المغربي للأبناك يعين مديرا جديدا لوكالته بتطوان إثر وضع نائب البكوري رهن الحراسة النظرية    موسم الحج 1445 ه .. الملك يدعو الحجاج المغاربة إلى تمثيل المملكة أكمل تمثيل والتحلي بقيم الإسلام المثلى    التغذية الصحية .. هكذا يمكن الحد من خطر الإصابة بألزهايمر    البنوك المغربية رائدة النمو المالي والاقتصادي في إفريقيا.. موجودة في أكثر من 30 بلدا أفريقيا    تيزنيت : جمعية النخبة للمبادرات المغرب تعطي انطلاقة تنفيذ مشروعها "الفضاء الرقمي للمواطن"    سفارة المغرب بموسكو تنفي صحة بلاغ حول الجالية الطلابية بمدينة ساراتوف    وقفة تضامنية مع غزة بالرباط تشيد باعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين    نادي وست هام يتعاقد مع المدرب الإسباني لوبيتيغي    الغلوسي: متابعة زيان لوحده بخصوص تبديد المال العام تمييز صارخ وغير مقبول    تراجع أسعار النفط للجلسة الرابعة على التوالي.. هل سيستفيد المواطن من الانخفاض        ردا على الوزير وهبي.. لهذا يطلب مهنيو الفنادق عقود الزواج للحصول على غرفة    القنب الهندي يسير نحو التصنيع وشكولاتة "الكيف" قريبا في الأسواق        تكوين «العهد» المعاصر    مؤسسة بيت الصحافة تطلق الدورة الأولى لجائزة بيت الصحافة للثقافة والإعلام    الشاعر والإعلامي المغربي محمد بشكار يطلق ديوانه السادس "امرأة بتوقيت الأبد"    تراجع أسعار الذهب متأثرا بمؤشرات حول رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة    رفع ستار الكعبة المشرفة استعدادا لموسم الحج    الملك يوجه "ضيوف الرحمن" بضرورة تمثيل بأفضل صورة خلال موسم الحج    موزعو "البوطا" يطالبون برفع هامش ارباحهم بعد قرار الحكومة تقليص الدعم    جمعية طبية تكشف أسباب حُرقة المعدة وسبل الوقاية والعلاج    بسبب إخفائه شعار دعم المثليين.. لاعب موناكو يمثل أمام لجنة الانضباط    بركة يؤكد من بالي أن المغرب مصمم على تعزيز قدرته على التكيف مع التغيرات المناخية    المهرجان الدولي للفيلم "الرباط- كوميدي" في نسخته الخامسة    مندوبية الإتحاد الأوروبي ومجموعة الصور العربية للسينما تطلقان النسخة الثالثة من مهرجان السينما الأوروبية بالمملكة العربية السعودية    تدشين مخيم توبقال ويركان البيئي للصمود    الكوكب المراكشي يتعاقد مع المدرب فؤاد الصحابي خلفا لعادل الراضي    ايت طالب: إصلاح الحماية الاجتماعية بالمغرب يتطلب تحولات عميقة في التدبير والحكامة    بني ملال.. موظفو جماعة فم أودي يواصلون اعتصامهم رفضا للاقتطاع من الأجور    وزارة الحج والعمرة… إيقاف تصاريح العمرة ومنع دخول مكة لحاملي تأشيرات الزيارة    أمِّ النَّكَبَات الفلسطينيّة فى ذِّكرَاها السادسة والسّبعون    نجوم دوليون يخطفون الأنظار بدعمهم لفلسطين في مهرجان كان السينمائي    الوزير الأسبق محمد بنعيسى ضمن أعضاء مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية الذين استقبلهم السيسي    درس في الصحافة    السلطات الإسبانية تصادر العديد من المواد الغذائية المغربية    مطار الرشيدية يسجل إرتفاعا ب 42 % في أعداد المسافرين    ابتداء من اليوم.. السعودية تمنع دخول مكة المكرمة أو البقاء فيها    الطالبي العلمي يشارك في اجتماع مكتب الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط بإسبانيا    سفيان المسرار مرشح لجائزة أفضل لاعب لكرة القدم داخل القاعة في العالم    حريق بسوق الخميس في مراكش يخلف خسائر مادية جسيمة    دوري أبطال أوروبا: بودابست تستضيف نهائي 2026    المغرب يخرج خاوي الوفاض من المسابقات الإفريقية.. أين الخلل؟    المغرب عازم على تحويل قطاع النقل لجعله أكثر مرونة واستدامة    قمع الطلبة الداعمين لغزة يتسبب في إقالة رئيس شرطة جامعة كاليفورنيا    المملكة المتحدة تتوجه لانتخابات عامة مبكرة في يوليو المقبل.. فماذا نعرف عنها؟    أمام 33 دولة.. السكوري يستعرض السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة واللجوء    هل استقر حمدالله على وجهته المقبلة بعيدا عن السعودية؟    مستجدات انتقال المغربي عطية الله إلى الأهلي المصري    كيف أحدثت الصحراء المغربية انقساما داخل الحكومة البريطانية؟    تنسيقيات التعليم تتمسك بتمكين الأساتذة الموقوفين من إلغاء عقوبات التأديب    حكاية طبيب "الدراوش" بتطوان في الزمن الجميل (الحلقة الثالثة)    تقنيات الإنجاب لزيادة المواليد تثير جدلا سياسيا في فرنسا وأمريكا    دراسة: المبالغة في تناول الملح تزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة بنسبة 41%    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام مخيفة... (المهدي المنجرة نموذجا)
نشر في المساء يوم 08 - 06 - 2011

التغيير آت لا محالة. السؤال الوحيد الذي يجب أن نفكر فيه هو ثمن هذا التغيير، فكل تأخير سيدفع عنه الثمن. عندما تقرأ هذه العبارة وأقوال أخرى لعالم المستقبليات المغربي «المهدي المنجرة» قبل البوعزيزي لن يخفق قلبك كما تقرؤه وأنت تعيش فترة ما بعد البوعزيزي، فقد قسم التاريخ العربي الآن إلى فترة ما قبل البوعزيزي وفترة ما بعده. وهذه الأخيرة أضحت
ملاذا للاستنارة من نظريات الأمس. يقول المنجرة في أحد كتبه القيمة «إننا في عهد ما قبل العهد الجديد، فالتغيير هو مفهوم منظومي يأتي بصورة شمولية، إذ عندما يحدث يطال جميع الميادين... والتغيير الوحيد الذي لاحظناه هو تغيير الذين أتوا بقصد التغيير دون أن نلمس أي تغيير...!». عندما نقرأ، خصوصا في هذه المرحلة، ما سطره المنجرة في السنوات العشر الماضية، ينتابنا شعور بأننا أمام مشروع مستقبلي كان الأوْلى ليس فقط أن يؤخذ مأخذ الاعتبار في الوطن العربي وإنما أيضا أن يُرتكز على أسسه لاستشراف المستقبل في مداه البعيد المتعالي عن المصالح الفردية أو الفئوية أو... لهذا يجد العالم المستقبلي أو المشتغل في مبحث المستقبليات نفسه، حسب المنجرة، «يكتب لفترة لا يعتقد أنه سيعيشها، أي أنه لا يكتب من أجل مصالحه اللحظية وقصيرة المدى». عندما يحدد المنجرة مبحث المستقبليات على هذا النحو، نعرف أننا أمام فكر امتدادي لعالم سبقنا بفكره إلى المستقبل بناء على أنقاض ما نعيشه الآن. أي أنه اعتمد على دراسات ومحاولات للتوقع لدراسة التطورات الممكنة في شتى القطاعات، الاقتصادية منها والاجتماعية. يوظف المنجرة، من منطلق تحليل المنظومات التي تشير إلى أن لكل منظومة نقطة حد تسمى نقطة قطيعة أو فيضان، مفهوم الانتفاضة كحد، ليس كما سبق تعميمها على الشكل المتداول وهو أنها انتفاضة حجارة في فلسطين، بل بوصفها مؤشرا على الرفض، أن ترفض معناه أن تقول «لا»: لا للاستبداد، لا للظلم، لا للقمع... هذا الرفض كله بلا عنف، وبلا انتفاضة حجر، وبلا رصاص، فقط بقوة «لا»، هو منطق اللاعنف الذي أسماه المهاتما غاندي في مذكراته بقوة الحقيقة أو «الساتياغراها». تتولد هذه الانتفاضة من تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والكدمات النفسية، إضافة إلى التبعية للسياسات الخارجية. تتراص كل هذه التراكمات كتشكل أمام ما يعرف بنظرية القوة السياسية، أي قوة العقاب والإجبار، وقوة الإرغام وإخضاع الجماهير، من طرف الحكومات الاستبدادية وكذلك إذلال الآخر من قبل من يمتلك السلطة... تكتمل مصوغات أسبابها فتتمظهر بعد حين كسلسلة من الإهانات والمذلة التي بالطبع لا يمكن أن تسكن كيان الشعب لفترة طويلة. «ففي مجال الذل يكمن جانب كبير من قوة المُذل في كونه لا يلاقي العقاب وأيضا في درجة استسلام وضعف الخاضعين للذل». والشعوب العربية اليوم آمنت بأن التحرر لا يأتي أبدا من الخارج، بل من الداخل. ونتيجة للإهانة وللذلقراطية ورغبة من الشعوب في تنسم عبق الكرامة والحرية، بشّر المنجرة عام 2004 في كتابه «الإهانة في عهد الميغا إمبريالية» باندلاع انتفاضات جديدة في السنوات المقبلة في كل الوطن العربي الإسلامي، على شاكلة انتفاضة الأقصى، قد تكون عنيفة وستخلف ثمنا اجتماعيا وإنسانيا كبيرا. والانتفاضات حتمية في العالم العربي الإسلامي، «وما يؤشر لها هذه التساؤلات المستمرة وهمهمات الشكوى، فأين هم حكامنا؟ وأين هم مثقفونا ومبدعونا؟ ما الذي حدث لمناضلينا، المدافعين عن القضايا الكبرى؟ أين هم المتحدثون باسم المجتمع المدني؟ إلى أي حد سيبلغ الارتزاق بنخبتنا وأين ستصل بها الوشاية وتجارة المخابرات؟ كيف تفسر استكانتنا الخاصة، والقبول بمذلة وطنية ودولية كهذه؟». في حوار أجرته معه جريدة «المساء» المغربية عام 2006، قال المنجرة بجرأته المعهودة: «عندما أتكلم عن الانتفاضة فلا أقصد الدماء في الشوارع، ولكن حدوث عطب في أنظمة الحكم وردود فعل قوية من طرف الذين يعيشون حالات لا تطاق. ولهذا لست متشائما بشأن المستقبل القريب، لأن التغيير آت أحب من أحب وكره من كره. السؤال الوحيد الذي يجب أن نفكر فيه هو ثمن هذا التغيير، فكل تأخير سيدفع عنه الثمن». هذا الكلام قيل قبل 5 سنوات، إلا أنه يؤكد بالملموس في ربيع الثورات العربية أن مبحث المستقبليات لا تستثنى قيمته أو دوره في نية الراغبين في الإصلاح أو حتى دعاة التغيير. وفي جواب له عن سؤال الجريدة حول الإصلاح الحقيقي للوضع السياسي الراهن في المغرب وشكل القرارات الواجب اتخاذها، قال حرفيا: «أولا، يجب إسناد القرار إلى أهله، أي إلى الشعب، ولهذا يجب ألا تستمر في ظل دستور ممنوح. الخلل الأساس منذ عام 1960 هو الدستور... كل إصلاح حقيقي يأتي من معالجة عين المشاكل وليس مظاهرها فقط، هذا هو الفرق بين الإصلاح والترقيع. والغاية هي استرجاع جزء من حرية التصرف في أنفسنا بالنسبة إلى الحكم المحلي والخارجي كبداية احترام حقيقي لحقوق الإنسان والتحرر الثقافي والسياسي من هيمنة الاستعمار الجديد وعولمته. وهذه الأهداف لا يمكن الوصول إليها إلا بعد التغلب على عقدة النقص والسلبيات في تركيبنا العقلاني». مثل هذه المبشرات وغيرها هي التي جعلت من «رجل الكرامة» يعيش في غياهب بلده متواضعا وغير مبال بهوس الهرمية المنصبية، لأنه أبى إلا أن يقول حقيقة ما يقع وما سيقع. وهذا يفسر بشكل عام خوف الحكام في العالم العربي من انتشار مثل هذه التنبؤات العلمية داخل الحَراك الفكري قبل السياسي، ومنع محاضرات المهدي المنجرة في أكثر من مناسبة في المغرب هو خير دليل على «فوبيا المستقبل» لدى الحاكم العربي... والحقيقة تكون مُرّة أحيانا. إذا قمنا بإطلالة على أي كتاب للمهدي المنجرة، نجد كلماته عن المستقبل تفكك واقعا مهيبا تجذرَ وتحجر َ(نفسيا) عملاقا لا يمكن أفوله. كما نكتشف أيضا أن الرجل عاش ماضيا وحاضرا في كل تفاصيله الدولية الكبرى والداخلية الصغرى دون أن يغفل دوره كفاعل أو كذات في تبني ملامح المستقبل، فقبل أن ينشد التغيير انطلق من نفسه راهنا التغيير بالمفكر كشرط أساسي لا مناص من تجاوزه لاحتواء ثقل المستقبل وما يحمله من عبء، خصوصا على جيل محكوم عليه بالنظر إلى الوراء أكثر من تفاؤله أو تطلعه إلى متطلبات مرحلته، والحكام «رهنوا مستقبلنا دون تحرير ماضينا والتحكم في حاضرنا، لذا سنتقدم عما قريب لا محالة لأنه لم يعد هناك مجال للتراجع، إذ بلغنا الحدود».

غسان الكشوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.