في ستينيات القرن الماضي، كان فريق «الدفاع الحسني الجديدي» يفخر بتواجد لاعبين متمرّسين في صفوفه: بلحاج، القدميري، المعروفي، الشياظمي والعبدي... استطاع الفريق أن يؤسس لمرحلة رياضية مهمة، غابت عنها الإمكانيات المادية ولكنها كانت قمة في الروح الرياضية وحب القميص... «حين جئت إلى فريق الدفاع الحسني الجديدي، لم يكن هدفي ماديا، فقد كنت يومها أبحث عن كياني، عن تحقيق حلم ظل يراودني لسنين طويلة وأبحث، فوق كل هذا، عن حب الجمهور. كنا جميعا نتنافس من أجل أن نبلل القميص بالعرق، وأذكر أنني، يومها، وقعتُ للفريق ب«قرعة ديال موناضا» وبعض التصفيقات»!... ازداد حسن بوشعيب، الملقب ب«الشطايني»، نسبة إلى الهداف الجديدي السابق محمد الشطايني، سنة 1940. لعب الكرة في «حي الصفاء»، قبل أن ينتقل إلى «درب الحجار» إبان الاستعمار سنة 1954. كان، حينها، يدرس إلى جانب إدريس جطو في «إعدادية الرافعي»، ولعبا الكرة معا في الحي، قبل أن يختار كل منهما مسارين مختلفين في الحياة. «أسسنا فريق «الشرف» وتم اختيارنا كفريق جديد. لعبنا ضد الفريق الاحتياطي للدفاع الحسني الجديدي، وحدث أن شاهدني أحمد لشهب، مدرب شبان الجديدة في الشاطئ، ليتم اختياري بمفردي من بين كل من اللاعبين الذين كانوا معي في تلك اللحظة. لعبت لقاء واحدا، قبل أن أنتقل إلى فريق الكبار كأصغر لاعب. كان المدرب، حينها، هو محمد معاوية، الملقّب ب«الصمام»، أول مدافع أوسط لأول منتخب وطني بعد الاستقلال. لعب في الألعاب العربية في بيروت سنة 1957. لعبتُ للفريق كوسط ميدان دفاعي مع لاعبين كبار من سنة 1960 إلى سنة 1967. لم يكن يومها يجلس بدلاء في كرسي الاحتياط.. كنا نكمل اللقاء مرغَمين، في زمن رياضي افتقر، أحيانا كثيرة، إلى أبسط شروط الممارسة الرياضية. لم يكن هناك طبيب للفريق، كان هناك فقط «الدوا لحمر وحك ديال السيراجْ»... ورغم ذلك، كان اللاعب يمتلك مؤهلات رياضية محترمة». لعب «الشطايني» لفترة زمنية في صفوف فريق «الجمعية الرياضية للشرطة»، الفريق الذي حل محل فريق الدفاع الحسني الجديدي، بعد أزمة مالية خانقة للأخير في الفترة الزمنية الممتدة من 1963 إلى 1965، جاور خلالها في الفريق الحاج محمد المديوري. «أذكر أنني لعبت مع الحاج محمد المديوري، وتبادلنا الأحذية يوما، أعطاني حذاء «أديداس» وأعطيته حذاء مَجَرِيا خفيفا. كان الرجل طيبا للغاية وزميلا رياضيا محترما، يعشق الكرة بشكل جنوني، وظل مرتبطا بها لسنوات كثيرة». في سنة 1966، سيدخل فريق الدفاع الحسني منعرجا هاما آخر تطلّب منه إجراء مباراة سد في «ملعب فيليب» ضد فريق اليوسفية الرباطية. حقق الفريق إنجازا تاريخيا، فقد انتصر بثلاثية نظيفة واسترجع الفريق اسمه، رفقة الرئيس المجدد اليزيد الشركي. وكانت «منحة» الإنجاز الرياضي مشروباتٌ غازية!... مازال الرجل يتذكر كل المنح المادية التي تلقاها يوما مع فريق الدفاع الحسني الجديدي: «أكبر منحة تلقيتها مبلغ مالي قدره 200 درهم، أعطاني إياه العبادي، كان فرحي بذلك كبيرا، اشتريت دراجة هوائية ب120 درهما، حققت بالباقي أغراضا كثيرة.. وقد كانت المِنَح لا تتجاوز سقف 10 دراهم عن كل انتصار». أحبّ الشطايني الكرة. ومعها أحب فريقه الجديدي وأحب الوطن، لم يرد أن يرحل إلى أوربا، كما فعل البعض. ظل مخلصا للفريق، يدافع عنه في كل اللقاءات الكبيرة، وفي أواخر الستينيات، سيدخل الشطايني مرحلة أخرى، سيكون على موعد مع العمل لتكوين أسرة «اشتغلت كمخزني سنة 1968، بتوصية من اليزيد الشركي، براتب شهري وصل إلى 275 درهما، قبل أن أحال على التقاعد سنة 1992. تزوجت، وكونت أسرة صغيرة تتألف الآن من أربعة أبناء، معطلين جميعا، أكبرهم يبلغ 35 سنة». بعد اعتزاله وتقاعده عن العمل، أصبح الشطايني يستفيد من مبلغ 850 درهما شهريا كتعويض عن التقاعد.. فلم يجد حلا لتجاوز محنته المادية سوى أن يلجأ إلى بيع «صيكوك» ليعيل بذلك أسرته ويعتني بزوجته المقْعَدة. وحين تقدم السن بالرجل، أصبح يستغني عن البيع اليومي، يبيع «صيكوك» فقط يوم الأحد في «سوق الحمرا». «حين فكرتُ في بيع «صيكوك»، لم يكن الأمر اختياريا، فقد عانيتُ من أزمة مادية خانقة فرضت علي البحث عن مورد رزق لإعالة أسرتي وللاستجابة لكل متطلباتها. كان الإحساس ب«الخجل» كبيرا. وضعت على رأسي «تارازة» لكي لا يعرفني أحد، واستمررتُ على هذه الحال منذ سنة 1992 إلى الآن». أحسستُ، وأنا أتحدث إلى الرجل، أنه يملك عزة نفس ولا يرضى أن يمد يده إلى أحد. لم يطرق بابَه يوما أحد لمد يد المساعدة له. يتكلفل وحده بإعداد كل لوازم «صيكوك» وما زال يواظب على فعل ذلك بإصرار عجيب،. وحتى بعد أن خانته قواه، فمتطلبات الحياة تفرض عليه تضحيات جساما. وفي الذاكرة ندم شديد على التفريط في الدراسة والاهتمام بمجال رياضي لم ينصفه أبدا، ولم يعترف بتضحياته فوق ملاعبه أحد.