"المراهنة على فوضى المناخ".. تقرير يفضح تورط المصارف العالمية الكبرى في تمويل شركات الوقود الأحفوري    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    توقعات أحوال الطقس ليوم الإثنين    قنصلية متنقلة تخدم المغاربة بغرناطة    الاعلان عن اختفاء قاصر من بليونش بعد محاولة هجرة إلى سبتة سباحة    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    قصة مزار فاطيما الذي يحج إليه الكاثوليك من كل أنحاء العالم    لماذا قرر حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم أن لا يخوض الانتخابات في إقليم كشمير؟    ما الذي قاله مدرب نهضة بركان بعد الانتصار على الزمالك المصري؟    "إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    جهاز الإحصاء الفلسطيني: مقتل أكثر من 134 ألف فلسطيني وأكثر من مليون حالة اعتقال منذ نكبة 1948    مدرب بركان يشيد بالفوز على الزمالك    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال    خلاف مروري بساحل أكادير يتحول إلى جريمة دهس مروعة (فيديو)    الانفصاليون في كاتالونيا يخسرون غالبيتهم أمام الاشتراكيين بقيادة سانشيز    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    إقليم العرائش يستعد لاحتضان الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي ماطا للفروسية    رصيف الصحافة: سمك فاسد في "جامع الفنا" يودع 3 أشخاص الحراسة النظرية    المنتخب المغربي للتنس يتوج بطلا لإفريقيا    مطلب ربط الحسيمة بشبكة السكة الحديدية على طاولة وزير النقل        النصيري في ورطة بإسبانيا وعقوبة ثقيلة تنتظره    "إيقاعات تامزغا" يرفع التحدي ويعرض بالقاعات السينمائية الأسبوع المقبل    تفاصيل محاولة فرار "هوليودية" لمغاربة بمطار روما الإيطالي    عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    وفاة 5 تلاميذ غرقا بأحد شواطئ الجزائر    باريس سان جيرمان يودع مبابي أمام تولوز بالدوري الفرنسي الليلة    حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن التجربة الديمقراطية؟    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان بأكادير    أسعار الطماطم تقفز بأسواق المغرب .. ومهنيون: تراجع الإنتاج وراء الغلاء    "كوكب الشرق" أم كلثوم تغني في مهرجان "موازين" بالرباط    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    "أسبوع القفطان".. فسيفساء من الألوان والتصاميم تحتفي بعبق الزي المغربي    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    تجرى على مستوى بنجرير وأكادير وطانطان وأقا وتفنيت تنظيم الدورة ال 20 من تمرين «الأسد الإفريقي» ما بين 20 و31 ماي    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليازغي: اليوسفي ربط عودته إلى الحزب بتوليه إدارة الجريدة وأبعد البريني بسبب مقال حول الفقيه البصري
الفقيه البصري قاد أعمال عنف ضد المغرب بدعم من الجزائر دون موافقة الحزب
نشر في المساء يوم 10 - 09 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997،
أثناء وجودنا في مدينة ورزازات، مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.
في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.
- ألم يكن لسقوط جدار برلين أثر سلبي على الاتحاد الاشتراكي؟
لم يكن لسقوط جدار برلين أي تأثير علي وعلى إخوتي في الاتحاد، لأن الاتحاد الاشتراكي اختار منذ مؤتمره الاستثنائي عدم الاعتماد على أي نموذج اشتراكي أجنبي، وأخذ مسافة بينه وبين التجربة السوفياتية التي كان لي اقتناع بأن تعاملنا معها هو تعامل مع أصدقاء يساندون حركة التحرير الوطني؛ وفي هذا الإطار، شاركت في تظاهرات عدة بالاتحاد السوفياتي، منها مهرجان الشباب والطلاب سنة 1957 ومنتدى الشباب سنة 1964 ومؤتمر السلم سنة 1975، وأخيرا بعد صعود غورباتشوف إلى السلطة.. لم يفقد الاتحاد بريقه بسبب سقوط جدار برلين، بل ظهر، على العكس من ذلك، أن الاشتراكية الديمقراطية هي المنهج الأقرب إلى مواجهة مشاكل مجتمع نام.. سقوط جدار برلين كان، في الواقع، نهاية نظام بيروقراطي استبدادي، تحت شعار حكم البروليتاريا، وبروز دور الإنسان المواطن وحقوقه وكرامته.
- بعد إعلان فشل المفاوضات مع القصر حول الحكومة، دخل الاتحاد الاشتراكي مرحلة جديدة..
الجو العام الذي ساد داخل الوطن كان مفعما بخيبة الأمل إثر شعور بأن المغرب ضيع موعدا واعدا مع التغيير. أما داخل الاتحاد فكان الجو صحيا، إذ انشرح كثير من المناضلين لموقفي المتجسد في رفض مشاركة إدريس البصري في الحكومة، رغم أن قلة اعتبرت أن تشددي وتعصبي في الموقف من وجود وزير الداخلية السابق ضمن التشكيلة الحكومية لم يكن ناجحا تكتيكيا، مادامت البلاد ستدخل مرحلة جديدة. أما الوضعية السياسية في البلاد فقد استمرت على حالها الذي كانت عليه وظلت الكتلة الديمقراطية تسجل حضورها القوي وطرحت مذكرة جديدة للإصلاح السياسي والدستوري.
وبعد فشل المفاوضات بأسابيع، وبالضبط في شهر أبريل 1995، عاد عبد الرحمن اليوسفي، غير أنه إذا كان قد تخلى عن اعتكافه بمنزله في مدينة «كان» وعاد إلى الوطن، فإنه لم يعلن بالمقابل استئنافه لمهامه ككاتب أول للاتحاد، رغم أن الاتصالات به لم تنقطع طوال فترة وجوده خارج المغرب، حيث كنا نطلب منه دائما أن يعود، خاصة وأننا لم نقبل استقالته ولم نقم بتعويضه بكاتب أول آخر. ويوم أبلغنا بأنه سيعود، استبشرت خيرا، ولم أسأله عن دواعي تغييره لموقفه، وكان أملي أن يستأنف مهامه في قيادة الاتحاد فور عودته.
وبعد اليوسفي، عاد الفقيه محمد البصري إلى المغرب بعد ثلاثة عقود من الاغتراب، ظل عبد الرحيم بوعبيد طيلتها يطرح، بدأب لا يفتر، مسألة عودته إلى المغرب على الحسن الثاني الذي لم يجب إلى حدود نهاية 1986 حين بعث موفده البشير الفكيكي إلى الفقيه في باريس لمحاولة إقناعه بالعودة إلى أرض الوطن، وتتابعت الاتصالات به عن طريق إدريس البصري. وفي تلك الفترة، استشارنا الفقيه فقلنا له إنه من الأفضل أن يلبي نداء العودة، لكن كان له رأي آخر، فقد أوضح أن له دورا في الخارج يود أن يلعبه، كما شدد على أنه لا يستطيع أن يعود ومازال هناك معتقلون سياسيون في السجون المغربية ومغتربون متابعون. وبقي الأمر معلقا إلى أن قرر أن يدخل إلى البلاد في خريف 1993. لكن استقالة عبد الرحمن اليوسفي وسفره إلى الخارج دفعه إلى تأجيل عودته.. كان الملك الحسن الثاني في يوليوز 1994 قد أعلن العفو عن كل المعتقلين السياسيين وعودة المغتربين بعد توصية للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان كان وراءها محمد الصديقي، ممثل الاتحاد الاشتراكي في المجلس، والسبب الوحيد الذي جعل الفقيه محمد البصري يؤجل العودة هو وجود عبد الرحمن اليوسفي آنذاك في «كان»، هذا الأخير الذي أعلن يوم رجوعه إلى المغرب أنه عائد لترتيب عودة الفقيه محمد البصري.
وفي أحد اجتماعات المكتب السياسي بحضور اليوسفي، طرح موضوع الفقيه وظروف رجوعه، وكان محمد الحبابي، الذي أبدى حماسا للموضوع، قد حضر ورقة حول برنامج العودة منذ الانطلاق من فرنسا إلى الاستقرار في الدار البيضاء بكل التفاصيل، بما فيها ولوج المطار وكيفية الاستقبال وما سيفعله ويقوله الفقيه، وكان ينوي عرض هذا المخطط كاملا على الفقيه محمد البصري في فرنسا والحصول منه على الموافقة على الرجوع إلى قيادة الاتحاد.. لكن، وأمام تحفظ عدد من أعضاء المكتب السياسي، تخلى الحبابي عن المشروع وبقي الأمر بين يدي عبد الرحمان اليوسفي.
وقد خلقت ترتيبات عودة الفقيه أزمة داخل الحزب، إذ فتح نقاش في المكتب السياسي حول هذه العودة وتداعياتها، وطرحت ضرورة الترحيب برجوعه بما يليق به وبتاريخه كأحد مؤسسي الاتحاد الوطني وأحد قادة المقاومة وجيش التحرير، أما بالنسبة إلى رجوعه إلى صفوف الحزب، فإن ذلك كان يتطلب من الفقيه أن يعلن، بصيغة ما، أنه مع الاختيارات والخط الاستراتيجي الذي اختاره الاتحاد منذ 1975، لأنه كان قد أكد بعد المؤتمر الاستثنائي ليناير 1975 أنه غير معني بالمؤتمر ونتائجه وأسس لخط جديد أسماه «الاختيار الثوري» وأصدر صحيفة شهرية تقول إنها المعبر الحقيقي عن الاتحاد واستراتيجية الاختيار الثوري، وليس استراتيجية النضال الديمقراطي، وكان الالتزام العلني والصريح للفقيه باستراتيجية النضال الديمقراطي وبالخط السياسي المرحلي ضروريا لرفع أي التباس، إذ إنني لم أنس تجربة الفقيه محمد البصري منذ مغادرته الوطن سنة 1966، وهي التجربة التي قاد فيها، دون موافقة من قيادة الاتحاد في الداخل، أعمال عنف في المغرب بدعم من الحكومة الجزائرية وتنسيق مع الأمن العسكري الجزائري، وهي المبادرات التي عارضه فيها مولاي عبد السلام الجبلي ومحمد بنسعيد آيت يدر اللذان فضلا مغادرة الجزائر والاستقرار في فرنسا. وسواء أثناء تجربة 1969-1970 أو تجربة مارس 1973، فقد ذهب عشرات من المناضلين الشباب ضحية لتلك الأعمال، إما بالقتل أو بالإعدام، وعلى رأسهم محمد بنونة وعمر دهكون، بالإضافة إلى اعتقال وتعذيب مئات المناضلين في كل ربوع الوطن ولو لم تكن لهم علاقة بالتنظيم السري الذي حاول الفقيه تنظيمه.
ربما كانت لعبد الرحمن اليوسفي حسابات لم يبلغنا بها تبرر الحفاوة التي كان يريد أن يستقبل بها الفقيه والإصرار، الذي أبداه، على عودته دون شروط إلى الاتحاد؛ وقد تكون هذه الحسابات متعلقة بتصوراته لموازين القوى داخل الاتحاد الاشتراكي.
وقد شاركت، شخصيا، في استقبال الفقيه في المطار مع باقي أعضاء المكتب السياسي، لكنني بقيت على الرأي والموقف الذي عبرت عنه والذي كان عبد الرحمن اليوسفي يعارضني فيه، ليبقي الموضوع معلقا.
تردد على ألسنة بعض المسؤولين في الحزب، حتى في القيادة، وفي مقال نشر في مجلة «جون أفريك» ما مفاده أن عودة الفقيه ستسهل العلاقات مع القصر الملكي، وأنه ما دام الأخير لا يرتاح إلى محمد اليازغي فإن الفقيه البصري سيكون قنطرة تواصل الاتحاد به، لما يتمتع به من مصداقية. لكن هؤلاء المحللين كانوا مخطئين، لجهلهم بما جرى من تطور اجتماعي داخل المغرب وما عرفه الحزب خلال السنوات التي تلت مغادرة الفقيه لأرض الوطن من تغييرات في قاعدته الشعبية وفي هياكله وما أبداه من صمود كبير أمام آلة القمع الجهنمي التي سلطت عليه.
وبالنسبة إلي، فإن فتح الحوار مع القصر سنتي 1993 و1994 والشكل الذي اتخذه، والمفاوضات التي تمت مع الحسن الثاني، وطريقه تعامل الأخير مع قيادة الكتلة الديمقراطية -وأنا منها- كل ذلك كان يعبر بوضوح عن كون العلاقات بيننا وبين القصر كانت قائمة على الاحترام حتى في ظل الاختلاف.
وقد حاول الفقيه محمد البصري، بعد عودته، أن يربط اتصالا بالقصر الملكي، سواء عبر مدير التشريفات والأوسمة أو عبر المستشار الملكي محمد عواد، غير أن الحسن الثاني رفض تحديد موعد لاستقباله، وظل الوضع كذلك إلى أن وافته المنية دون أن يلتقي به.
وقد خلقت عودة الفقيه البصري أزمة لصحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، إذ في سياق الاستعداد للعودة، صدرت في الجريدة افتتاحية بقلم رئيس التحرير مصطفى القرشاوي تحدثت عن الدور الأساسي الذي لعبه عبد الرحيم بوعبيد في عودة المغتربين، وعلى رأسهم الفقيه، وكون ذلك يعد بمثابة عمل نضالي يدخل في صميم جهاد الاتحاديين من أجل رفع الظلم عن إخوانهم المعتقلين أو المغتربين، لكن البعض اعتبر أن الافتتاحية موجهة ضد الفقيه، وأصر عبد الرحمن اليوسفي على استبعاد محمد البريني من إدارة صحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، لأنه، إضافة إلى ما سبق، لم ينشر مقالا للحبيب الفرقاني أثنى فيه على عودة الفقيه.
في حينه، لم تنشر بالفعل «الاتحاد الاشتراكي» مقال الفرقاني، ليس لأنه رحب بالفقيه، بل لأنه كتب بأسلوب المديح الذي عرفه بلاط ملوك المسلمين أيام الانحطاط، وبالنسبة إلى جريدة حزب تقدمي من المستحيل أن تكون العلاقة بأحد مؤسسي الاتحاد قائمة على نحو يجسم عبودية الشخصية.
ودخلنا بعد ذلك في مصاعب ومتاهات حول تسيير الجريدة، حيث اضطررت إلى تولي إدارة الجريدة شخصيا بعد أن أقنعت البريني بالتنحي مؤقتا إلى أن تهدأ الزوبعة، لكن ذلك لم يقنع عبد الرحمن اليوسف، ففي يوليوز وبعد أن كنت قد اعتبرت عودة عبد الرحمن اليوسفي إلى المغرب عودة إلى ممارسته لمهامه الحزبية -وهو الشيء الذي لم يفعله- أبلغنا بأنه يربط عودته إلى الكتابة الأولى بتوليه إدارة جريدة «الاتحاد الاشتراكي» التي أصبحت مديرا لها بعد انسحاب محمد البريني من المسؤولية وقبوله البقاء ضمن الطاقم العامل بها، فاتخذت مباشرة الإجراءات القانونية كي يتولى اليوسفي الإدارة، وربما كان إصراره على هذا الأمر عائدا إلى اقتناع تبلور لديه بأن الجريدة لن تعبر عن موقفه إلا إذا كان هو مديرها وموجهها الأوحد. ومنذ ذلك التاريخ، بدأت «الاتحاد الاشتراكي» في التراجع لتفقد عددا كبيرا من قرائها. ورغم أن محمد البريني بقي ضمن هيئة التحرير، فإن عبد الرحمان اليوسفي لم يستشره يوما أو يطلب منه الكتابة في موضوع ما، وسيستخلص البريني العبرة من هذا الموقف الإقصائي ويتوجه نحو إصدار يومية «الأحداث المغربية» التي ستسترجع عددا من قراء «الاتحاد الاشتراكي» لأنها بلورت بكيفية واضحة مدرسة الصحافة الاتحادية الحديثة التي كانت قد انطلقت مع «المحرر».
الله وحده يعلم إن كان عبد الرحمن اليوسفي قد أعلن، منذ لحظة رجوعه، اصطفافه إلى جانب جماعة معينة داخل الحزب، فهو المطلع على النوايا، لكن ما لا شك فيه أن صراعا مفتعلا بدأ يظهر داخل الاتحاد، وما لا شك فيه أيضا أن دوري في بناء الاتحاد وتطور هياكله وتنظيماته وسعيي إلى استقطاب أطر وكفاءات رفيعة المستوى أزعج البعض.. فلا يوجد فرع للاتحاد إلا وزرته مهما كانت المسالك المؤدية إليه وعرة، ولا يوجد مناضل مسؤول في أي مستوى إلا واطلعت على ظروف حياته ومساره النضالي بتفصيل.. وكل هذا النشاط والحركية والإشعاع الذي اكتسبه الكاتب الأول بالنيابة كنت أشعر بأن عبد الرحمان اليوسفي كان يتضايق منه؛ لكني تعاملت معه تعامل الوفاء ونكران الذات، معتبرا أن من واجبي تحمل كل مسؤولياتي كنائب للكاتب الأول لأن في ذلك أكبر دعم ومساندة له، رغم هروبه من القضايا التنظيمية الشائكة لحزب في حجم الاتحاد الاشتراكي وضعف تواصله مع المناضلين بسبب بقائه الطويل في الخارج بعيدا عن الصراعات والنضالات الوطنية وبعيدا عن معاناة الاتحاديين مع الاستبداد.
ولما حلت الذكرى السنوية الأربعين لأحداث 20 غشت 1955 الدامية بوادي زم، قرر الاتحاد تنظيم مهرجان كبير إحياء للذكرى في هذه المدينة التي عرفت في ذلك التاريخ انتفاضة شعبية قوية تزامنت مع انتفاضة مماثلة كانت قد دعت إليها جبهة التحرير في الجزائر للمطالبة بعودة الملك محمد الخامس من منفاه إلى المغرب في ذكرى نفيه من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية.
وكان واضحا أن قرار تنظيم المهرجان يهدف إلى تقديم الفقيه محمد البصري في نشاط جماهيري طلب مني عبد الرحمان اليوسفي أن أترأسه، لكني لم أكن مطمئنا إلى ما كان الفقيه ينتوي قوله، فاعتذرت ولم أحضر المهرجان ما دام لم يجر حتى ذلك الحين حوار واضح وصريح مع الفقيه لنعرف كيف يفكر الرجل. وستصدق توقعاتي، لأن المكتب السياسي حرر للفقيه محمد البصري مشروع خطاب يتضمن التأكيد على استراتيجية الاتحاد وبرنامجه، لكن الأخير احتفظ بالخطاب في جيبه وألقى خطابا آخر انتقد فيه المؤسسة الملكية والاتحاد.. وكانت الشخصية الوحيدة التي ذكرها بالخير في تلك المناسبة هي شخصية علال الفاسي، في حين لم يذكر المهدي بن بركة ولا عبد الرحيم بوعبيد، وتكلم عن محمد الخامس في حين لم يشكر الحسن الثاني الذي أمر بالعفو عنه وسمح له بالعودة إلى الوطن.
هكذا أظهر الفقيه محمد البصري أنه لم يستوعب كل التطور الهائل الذي عرفه الاتحاد الاشتراكي، ولم يدرك أننا في قيادة الاتحاد حاولنا، طيلة العقود التي استغرقها غيابه في الخارج، التشبث بالمشروع الثوري التقدمي الذي يمنح الصلابة لنضالنا، لكن مع البحث عن الجدوى المناسبة والفائدة الصحيحة من خلال الالتصاق بالواقع المعيش، من جهة، والحرص على التحلي بأقصى مرونة في التحرك لمواجهة هذا الواقع، من جهة أخرى.
كان هناك توقع عند البعض بأن يلعب الفقيه البصري دورا على صعيد المغرب العربي، وحتى احتفال وادي زم كان مقررا أن يكون مغاربيا من خلال حضور شخصيات جزائرية وتونسية وازنة إليه، لكن الحكومة الجزائرية سبق أن غيرت الاحتفال بذكرى نفي محمد الخامس إلى احتفال «بيوم المجاهد» كل 20 غشت. والحقيقة أنه أصبح يصعب على الفقيه محمد البصري أن يلعب دورا مغاربيا، لأن من يريد أن يلعب هذا الدور يجب أن يكون له أولا دور وطني مغربي آني يؤهله لما عداه. من المؤكد أن للفقيه علاقات قوية بشخصيات جزائرية وتونسية وليبية وشرقية وازنة، لكنه لم يكن يستطيع أن يلعب دورا مغاربيا إلا باسم المغرب، أي أن شرط ذلك هو أن يكون منخرطا في نضال حزبه كما أقره رفاقه في غيابه، وهو ما تهرب منه باستمرار.
وقد حاول أن يبني شبكة داخل المغرب عن طريق بعض قدماء المناضلين وبعض أفراد الشبيبة الاتحادية. صحيح أن الاتحاد حين اختار استراتيجية النضال الديمقراطي، كان هناك دائما بعض المناضلين، المشدودين إلى الماضي، يشككون في هذا الاختيار. ومن المؤكد أن الصورة لدى هؤلاء مستوحاة مما كانت تكتبه نشرة «الاختيار الثوري» حول هذه الاستراتيجية. ولعل بعض المتأثرين بتلك المواقف والكتابات اعتقدوا أن عودة الفقيه محمد البصري فرصة للتراجع عن ذلك الاختيار.
ولإيجاد مكان للفقيه داخل هياكل الحزب، اقترح عبد الرحمن اليوسفي، لما شرعنا في الإعداد للمؤتمر السادس، إضافة 33 عضوا إلى لجنته التحضيرية، على أن يقترح هو إلى جانب كل من الأموي واليازغي 11 عضوا، واختار (عبد الرحمن اليوسفي) من بين الأعضاء ال11 الذين اقترحهم، الفقيهَ محمد البصري. لكن الفقيه لم يحضر أي اجتماع للجنة التحضيرية، وقاطع جلساتها. ولما أقرت هذه اللجنة حرية الترشيح للقيادة وسرية الاقتراع، أعلن الفقيه البصري عدم المشاركة في المؤتمر الذي سينسحب منه نوبير الأموي وبعض أتباعه يوم افتتاحه.
- في بداية 1996 قدمتم مذكرة إصلاحات جديدة، هل اختلفت عن سابقاتها؟
لم تكن هناك اختلافات بين مذكرات سنتي 1991 و1992 ومذكرة 1996، لكن هذه الأخيرة تضمنت قضايا جديدة وجوهرية، وهي أولا التأكيد على انتخاب كل أعضاء مجلس النواب بالاقتراع السري المباشر، وأيضا تقوية صلاحيات المجلس، فقد كان لا بد أن تمنح للمجلس صلاحيات تشكيل لجان تقصي الحقائق، من جهة، ومنحه صلاحيات تشكيل لجان المراقبة، من جهة أخرى.
كنا نتمنى أن تكون هناك مشاورات حول مشروع دستور 1996 الذي أعلن عنه بعد مذكرة الكتلة الديمقراطية، لكننا سنطلع على نص مسودة المشروع في وسائل الإعلام كباقي المواطنين، وإن كنا نُسأل ونبدي رأينا بطريقة غير مباشرة عن طريق مستشاري الملك، خصوصا إدريس السلاوي الذي كان على اتصال دائم بمحمد الحبابي..
- عقد الحزب دورة للجنته المركزية لمناقشة الموقف من الاستفتاء على الدستور، وعرفت نقاشا صاخبا وخلافات أعلن عنها فيما بعد..
لا بد أن أؤكد أنني شخصيا كنت مقتنعا بأن الإصلاح والتغيير في بلادنا لا يمكن أن يتم إلا بتوافق الاتحاد الاشتراكي مع المؤسسة الملكية وبتدرج معقول. ورغم أن دستور 1996 لم يستجب لكل ما طالبنا به من إصلاحات في المذكرة المشتركة للاتحاد وحزب الاستقلال سنة 1991 ولما طالبت به الكتلة الديمقراطية سنتي 1992 و1996، فإن الحكمة والتبصر كانا يقتضيان الموافقة على هذا المشروع، فقد وجدت اللجنة المركزية في مشروع الدستور الجديد خطوات متقدمة، ذلك أن الحسن الثاني إذا كان رفض لجان المراقبة فإنه وافق على لجان تقصي الحقائق، وهي آلية دستورية لضمان الشفافية والكشف عن الحقيقة في القضايا الشائكة. وقبل الاستفتاء على الدستور، سأل الاتحادَ حول ما إن كان مع المصالحة أم لا. ولأن الاتحاد مع المصالحة، فقد قال الكاتب الأول عبد الرحمان اليوسفي إن المهم ليس ما هو موجود في النص، وإنما المهم هو الروح الكامنة وراء النص والرغبة في التغيير، لذلك اقترح على اللجنة المركزية إعطاء إشارة إلى أن الاتحاد هو مع المصالحة لأن هذه الإشارة هي التي يمكن أن تؤدي إلى تطورات إيجابية لصالح الوطن.
وقد وقعت الخلافات لأن المعارضين، وإن كانوا مبدئيا مع استراتيجية النضال الديمقراطي فإنهم كانوا يرفضون وضع الأرجل والآليات لهذه الاستراتيجية لتسير على الأرض. وفي النهاية، حسمت المسألة بالتصويت الديمقراطي، ولم يعارض إلا 13 عضوا بعد نقاش ساخن.
ودار داخل حزب الاستقلال نفس النقاش الساخن، وكنا في قيادة الحزبين نتشاور باستمرار أثناء جلسات هيئاتنا التقريرية، والهاتف كان مفتوحا بيننا وبينهم، إذ كنت شخصيا على اتصال مستمر بامحمد بوستة.
وكان القرار المتبنى من قبل الحزبين هو المشاركة والتصويت الإيجابي. وهي المرة الأولى منذ الاستقلال التي يشارك فيها الاتحاد بالتصويت ب«نعم» على مشروع الدستور رغم خلق غرفة المستشارين بصلاحيات واسعة، الشيء الذي أزعجنا.
ومن المؤكد أن الحسن الثاني فهم هذه الإشارة أو الرسالة، كما فهمها الرأي العام الوطني والرأي العام الديمقراطي في الخارج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة