محمد بوكرين المقاوم ، والمعتقل السياسي الذي قضى 16 سنة في السجن خلال حكم الملوك الثلاثة (محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس )، فسمي بمعتقل الملوك الثلاثة، وشيخ المعتقلين السياسيين بالمغرب، شارك في التخطيط لعمليات جيش التحرير في فترة الاستعمار الفرنسي، والإعداد للثورة المسلحة الأولى ببني ملال في مغرب الاستقلال سنة 1960، اعتقل مرات عديدة في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي قبل أن يتم اعتقاله في سنة 2007 ، وهو في سن الثانية والسبعين، كان أول من أعلن عن وجود معتقل سري اسمه تازمامارت ، يعتبر من أشرس المعارضين في تاريخ المغرب المعاصر،الذي لم تزده السنون إلا إصرارا على مواقفه ودفاع مستميث عن قناعاته،إلى أن توفي في خامس أبريل من سنة 2010، عاش برئة واحدة بعدما فقد الأولى بسبب التعذيب في المعتقلات السرية، نعيد رسم مسارات الرجل ولمحات من حياته في هذه الحلقات: سيجد رفاق بوكرين أنفسهم داخل السجن للمرة الثانية في أقل من سنة وبنفس التهمة، لكن الصراع هذه المرة كان بلبوس وطني، وسيكون الاعتقال الخامس لمحمد بوكرين والثالث في أقل من سنتين، ليقضي منذ بداية 1981 وإلى غاية نهاية 1986 ما مجموعه أربع سنوات ونصف من السجن. لم يكن محمد بوكرين وحيدا ضمن المجموعة التي اعتقلت يوم 8 ماي 1983، بل كان معه أبرز وجوه اللجنة الإدارية، وهم رفاق بوكرين الذين يذكرون ويخلدون في أدبياتهم أن الحبيب الشرقاوي، عضو المكتب السياسي والمكلف بالمداومة على مقر حزب الاتحاد الاشتراكي بالرباط، سيؤكد في محضر الاستماع له أمام الشرطة أن «الأشخاص المطرودين الذين حضروا صباح الأحد «8 ماي» وكانوا مع الجماعة المذكورة هم عبد الرحمان بنعمرو، وصادق العربي الشتوكي، مصطفى الملحاوي، وأحمد إيزي، ومحمد بوكرين، وأحمد بنجلون، ومبارك المتوكل من آسفي، والطيب الساسي من أكادير، وأكد أن الباقين لا يعرفهم»، ليصل العدد الإجمالي للمعتقلين إلى 34 معتقلا. يقول رفاق بنعمرو وبوكرين وبنجلون إن المكتب السياسي تقدم بوشاية لدى السلطات على غرار ما فعل في مدينة بني ملال، عندما راسل العامل وعميد الأمن بنفس المدينة، وهو ما جعل محمد بوكرين يعتقد جازما أن «صفقة كانت مع المكتب السياسي بعدما أدخلنا نحن 34 شخصا، لتتم مكافأة الحزب ب 34 مقعدا بعد ذلك في البرلمان في نفس السنة». يحكي بوكرين أن «المحاضر تم تزويرها وطبخت الملفات، بل كانت التهم هي التجمهر المسلح، والتهديد، والهجوم على مسكن الغير الذي هو مقر الحزب»، وهي التهمة ذاتها التي ألصقت قبل ستة أشهر بمحمد بوكرين ورفاقه في حادث اقتحام مقر الحزب ومحاولة استرجاعه ببني ملال. قضت المحكمة بعد جلسات عدة بأحكام تتراوح بين سنة إلى ثلاث سنوات من السجن، وتم استئناف الحكم. وكانت الغرفة الجنحية التي ترأسها القاضي الصوفي قد أيدت الحكم الابتدائي، كان ذلك في فاتح نونبر 1983، بعد شهر من المداولة، «في الوقت الذي كان الجميع ينتظر تمتيع المعتقلين بالبراءة والإفراج عنهم»، لكن العكس هو الذي حصل. اعتقاد بوكرين ورفاقه بوجود مؤامرة مشتركة بين خصومهم داخل نفس الحزب وبين الدولة، من جهة ثانية، تستهدف الخيار المناوئ لخيار عبد الرحيم بوعبيد ورفاقه، سيصبح حقيقة لا جدال فيها بعد تعيين عبد الرحيم بوعبيد في اليوم الموالي 2 نونبر 1983 وزيرا للدولة، وتعيين عبد الواحد الراضي وزيرا جديدا للتعاون، وسبق ذلك الانتخابات الجماعية التي عاشها المغرب في 10 يونيو، وهو ما عبر عنه رفاق بوكرين بالقول إن ما وقع «جعل عموم الناس يلاحظون أن قيادة الاتحاد بعثت بمناضليها إلى السجن لتدخل هي إلى الحكومة». سيصبح تاريخ 8 ماي تاريخا ذا رمزية خاصة لدى محمد بوكرين ورفاقه، بل ستتأسس عليه أدبيات فكر أعضاء اللجنة الإدارية ودفاعهم عن قناعاتهم، التي ازدادت رسوخا بعد الذي حدث يوم 8 ماي 1983 واعتقالهم لوحدهم والإبقاء على الموالين للمكتب السياسي في نزاع بين طرفين. سيتحول تاريخ 8 ماي 1983 إلى أيقونة بما تراكم بعده من أدبيات لدى رفاق بوكرين، خصوصا بعد مغادرتهم لأسوار السجن، كانت القطيعة قد حدثت بالفعل داخل حزب عبد الرحيم بوعبيد، وتفرق ورثة الشهيد المهدي بن بركة والشهيد عمر بن جلون إلى طائفتين تتبادلان الاتهامات وتتنازعان الشرعية التاريخية، بل سيستمر كل طرف في الدفاع عن أحقيته بدم الشهيدين وبكونه الوريث الشرعي والمطالب بالدم الأولى من غيره. يتذكر محمد بوكرين أنه خلال هذه الفترة، التي أعقبت دخوله للسجن رفقة عبد الرحمان بنعمرو، ستعرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فتورا كبيرا بعد البدايات المتعثرة للجمعية أثناء التأسيس، بل سيطالب العديد من المؤسسين بإعلان وفاتها، وهو ما رفضه محمد بوكرين وعبد الرحمان بنعمرو، «طالب العديد بإعلان موت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لقد كان لدخولي رفقة عبد الرحمان بنعمرو السجن آنذاك أكبر الأثر في توقف عمل الجمعية، بل هناك من رفض مسايرتنا في إصدار بيان على الأقل بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 دجنبر، لكننا رفضا بشدة أن يموت هذا الإطار الذي صار اليوم فخرا لكل الأحرار بالمغرب بما قدمه، وبدفاعه الكبير عن الكرامة والحرية وحقوق الإنسان»، يقول محمد بوكرين . ورغم إعلان طرد محمد بوكرين وعبد الرحمان بنعمرو والطيب الساسي ومبارك المتوكل وعمر منير ومحمد بنراضي وغيرهم من أعضاء اللجنة الإدارية من طرف المكتب السياسي للحزب، فقد استمر هؤلاء جامعين من حولهم أعضاء آخرين للجنة الإدارية وللجنة المركزية للحزب، وعقدوا الاجتماعات، بل استمروا تحت نفس الاسم يصدرون بيانات للرأي العام باسم اللجنة الإدارية واللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي، لا يفوتهم في كل مرة التذكير بالحدث المفصلي في تاريخ الحزب الذي هو يوم 8 ماي 1983، مستندين دوما إلى التقرير الإيديولوجي الذي قدمه الشهيد عمر بن جلون أمام أعضاء المؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975، وإلى البيان الختامي للمؤتمر الثالث للحزب. كان يوم 8 ماي بداية لتاريخ جديد سينتهي بتأسيس حزب الطليعة الاشتراكي الديموقراطي بعده بسنوات، كانت تلك السنوات سجالا قويا بين الطرفين، تزعمه أحمد بن جلون وعبد الرحمان بن عمرو في جريدتي «المسار» و«الطريق»، اللتين كانتا ناطقتين باسم ما كان يعرف باللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي وتصورها، وكانوا يتهمون «المكتب السياسي» بسرقة اسم الحزب. كان بوكرين مثله مثل باقي أعضاء اللجنة الإدارية المطرودين من حزب الاتحاد الاشتراكي، لا يتوقف عن «فضح سياسة المكتب السياسي وانبطاحه أمام مغريات السلطة، بل وانضمامه لمعسكر السلطة بالموافقة على المشاركة في التزوير، وفي لعبة سياسية معالمها محددة سلفا». تكلف محمد بوكرين بمنطقة بني ملال رفقة مناضلين آخرين في حشد الدعم لتصور اللجنة الإدارية، وكانت حركته لا تتوقف سواء بمدينة قصبة تادلة أو بقرى أزيلال، وإلى أقصى مدينة خنيفرة، التي نسج محمد بوكرين علاقة خاصة بمناضليها، خصوصا الذين اعتقلوا معه في أحداث مولاي بوعزة سنة 1973. كانت تلك اللقاءات مناسبة يستغلها محمد بوكرين ورفاقه في بناء التنظيم الجديد وحشد الأنصار وفي «كشف فضائح الخط اليميني داخل الحزب الذي تنكر لمبادئ المهدي بن بركة وعمر بن جلون، وفضل الكراسي البرلمانية والبلدية والوزارية على المبادئ والوفاء لدم الشهداء».