سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السعدي: بنكيران «قلل لحيا» على الملك والمساواة في الإرث لا تتعارض مع الإسلام قال ل« المساء » إن العدالة والتنمية يشتغل ببرنامج حكومة عباس الفاسي والأبناك الإسلامية مجرد حيلة
محمد سعيد السعدي، الوزير الذي ارتبط اسمه بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية خلال حكومة عبد الرحمان اليوسفي، والمناضل الذي يغرد خارج سرب حزب التقدم والاشتراكية، بمعارضته دخول حزبه إلى حكومة بنكيران. يقيم، في هذا الحوار مقارنة بين اليوسفي وبنكيران، ويتحدث عن فشل السياسة التنموية للمغرب، ومستقبل اليسار، وطقوس البيعة وحرية الاعتقاد. يجري العديد من المتتبعين مقارنة بين حكومة عبد الإله بنكيران، وحكومة عبد الرحمان اليوسفي التي كنت فيها وزيرا. هل تجد تشابها بين الحكومتين؟ الحكومة الحالية ليست لها نفس المصداقية التي كانت لحكومة اليوسفي، ولا الثقل السياسي والخبرة والكفاءة التي كانت لوزراء حكومة اليوسفي؛ التي كان فيها 14 أو 15 دكتورا في الاقتصاد والعلوم السياسية. كما أن حكومة التناوب جاءت بخطة عمل واضحة؛ بحيث إن حجم مشاريع القوانين الذي عرضت على البرلمان، إلى غاية سنة 2000، هو 120 مشروع قانون، وهو رقم لم يسبق التقدم به منذ فجر الاستقلال. حكومة اليوسفي جاءت، أيضا، في مناخ سياسي مغاير، ففي سنة 1998 كان هناك تعطش شعبي لكي تأخذ المعارضة زمام الأمور. وقد كنت أنا حينها أتنقل كثيرا بين مناطق المغرب وألاحظ الحماس الشعبي الكبير لتلك التجربة. الآن هناك ظروف مغايرة؛ فالمشاركة الشعبية في الانتخابات، وصلت إلى 45 في المائة ب«الدفيع». - ما الذي تعنيه ب«الدفيع»؟ كانت المشاركة ستكون أقل، خصوصا في المدن الكبرى، لولا تطوع السلطات لحث الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وتجنيد بعض جمعيات «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» لذلك. طبعا الكتلة الناخبة لحزب العدالة والتنمية صوتت بكثافة، بالإضافة إلى دعم العدل والإحسان، الذي ترك اختيار المشاركة أو المقاطعة حرا لأعضائه، وأظن أن فئة واسعة من العدل والإحسان صوتت لفائدة العدالة والتنمية. - ما أوجه التشابه والاختلاف بين اليوسفي وبنكيران؟ لا تشابه بينهما في ما يتعلق بالثقل السياسي والحكمة ومقومات رجل الدولة. ماذا يعني أن تدخل في صراع مع الملك و«تقلل الحيا» عليه، مثل التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة لقناة «الجزيرة»، والذي قال فيه بأن علاقته مع الملك «ليست دائما سمنا على عسل»؟ هذا ليس أسلوب رجل دولة. إذا كان له صراع سياسي مع مؤسسة ما عليه أن يطرح الصراع في إطار الاحترام وبشكل يرفع مستوى النقاش ويظهر أن هناك صراعا سياسيا حقيقيا يتعلق بتنزيل الدستور، لا أن يتهم مستشاري الملك بشكل مجاني. هذه ربما ذريعة يفتعلها رئيس الحكومة للتنصل من عدم قدرته على حل المشاكل، خصوصا وأن الوعود التي قدمها في البرنامج الانتخابي كانت خيالية. - مثل ماذا؟ الوعود الانتخابية التي قدمها العدالة والتنمية أبانت عن قلة خبرته السياسية، وعدم إلمامه بالملفات الكبرى، فالحزب يعرف أنه قد يصل إلى الحكم في ظل أزمة رأسمالية معولمة خانقة، منذ 2008، يقول الخبراء الاقتصاديون إنها ستستمر إلى حدود سنة 2020، ومع ذلك يعد المغاربة في 2011 برفع نسبة النمو إلى 7 في المائة. كيف قام باحتساب ذلك؟ كما وعد العدالة والتنمية بخفض نسبة البطالة إلى 7 في المائة، والرفع من الأجور إلى 3000 درهم كحد أدنى. أنا شخصيا لا أظن أن هذا الحزب لديه خبراء اقتصاديون، لأن الدراسات الاقتصادية في العالم تبين الآن أنه لا توجد إمكانية لكي تبرز اقتصاديات العالم الثالث، مثلما برزت الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا (مجموعة البريكس) . الآن، مع الأزمة العالمية وظهور الصين كقوة، أصبحت المعطيات مختلفة تماما، الشيء الذي سيقلص بشكل كبير إمكانية التعويل على التصدير، ومن ثم يصبح الحل هو السوق الداخلية. - هناك من يعتبر أن أداء حكومة بنكيران دون مستوى الإمكانيات الدستورية المتاحة لها؟ طبعا، الإمكانيات الدستورية المتاحة لهذه الحكومة لم يسبق توفرها لأي حكومة سابقة. لكن، حتى نكون موضوعيين ومنصفين، فالظروف الدولية لم تساعد هذه الحكومة، وهي ظروف أكبر من قدرتها على حل المشاكل. لكن البرنامج الذي أتت به حكومة بنكيران هو نفسه برنامج حكومة عباس الفاسي مضاف إليه الحكامة الجيدة والهوية، والحال أن البرامج القطاعية التي تمت بلورتها في مناخ اقتصادي عالمي مساعد لم تعد تجدي نفعا مع دخول الرأسمالية في أزمة عميقة، كما أن إشكالية الحكامة الجيدة ليست بالسهولة التي يمكن أن يتوقعها المسؤولون، فقد سبق لحكومة التناوب برئاسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي أن وضعت في أولوياتها إشكالية حسن تدبير الشأن العام، وكان المرحوم الحسن الثاني قد أشاد بهذا التركيز، لكن الطابع السياسي للإدارة المغربية وعدم تحكم الحكومة فيها يجعل من الصعب تثبيت مبادئ الحكامة الديمقراطية في الواقع، وهذا ما اعترف به عبد الرحمان اليوسفي في بروكسيل سنة 2003. - تفرق بين الحكامة الجيدة والحكامة الديمقراطية؟ نعم، مع عدم إعطاء أي مفعول عملي إجرائي لمفهوم الحكامة الجيدة، بالرغم من أنني أفضل مفهوم الحكامة الديمقراطية على الحكامة الجيدة، لأن المفهوم الأخير هو مفهوم أطلقه البنك الدولي، الذي يقول إنه يجب على الدولة أن تنسحب من الاقتصاد وأن تعطى الحرية للاقتصاد الحر مع تشجيع المجتمع المدني، وهؤلاء الفاعلون الثلاثة يكون بينهم تنسيق قوامه الحكامة الجيدة، حتى نحصل على نتائج مهمة بالنسبة إلى النمو الاقتصادي الكمي. والحال أن التجربة بينت أن هذه مقاربة إيديولوجية للتغطية على استراتيجية الاقتصاديات المهيمنة للاستحواذ على مقدرات شعوب العالم الثالث وإدماجها في السوق العالمية من موقع تابع ومهمَّش، فالنمو الاقتصادي الموعود به لم نر له أثرا في العديد من البلدان التي اعتمدت مقاربة ما يسمى بالحكامة الجيدة. هذا المفهوم، على علته، لم تلتزم به الحكومة؛ لأنها عندما تأتي وتقول إنها ستحارب الرشوة لكسب نقطتين في سلم التنمية، ثم يأتي رئيسها ويقول عفا الله عما سلف، فإن الحكومة تصبح حكومة عفا الله عما سلف، وليست حكومة الحكامة الجيدة. - عارضت مشاركة حزبك «التقدم والاشتراكية» في حكومة بنكيران، بمبرر أنها ليست حكومة ديمقراطيين. ألا ترى أن موقفك هذا هو الذي ليس ديمقراطيا، اعتبارا لأن قرار مشاركة الحزب اتخذته اللجنة المركزية بشكل ديمقراطي؟ اللجنة المركزية خرقت القانون الأساسي للحزب، الذي يقول إن اللجنة المركزية لا يمكن أن تتجاوز مقررات المؤتمر الوطني، الذي حدد بشكل واضح وصريح أن التحالفات لا ينبغي أن تخرج عن الكتلة واليسار والصف الديمقراطي الحداثي. وهذا موثق ضمن وثائق المؤتمر الثامن، المنعقد في ماي 2010، بالرغم من أن المكتب السياسي يمتنع عن إخراج وثائق المؤتمر رغم مرور عامين، لأنهم يعرفون أن إخراجها سيكشف تناقضاتهم. لندع وثائق المؤتمر، ألم يكن على من اتخذ قرار المشاركة في الحكومة أن يعقد، على الأقل، ندوة وطنية يطرح فيها خيار المشاركة للنقاش؟ اللجنة المركزية للحزب ليس لها الحق في اتخاذ هذا القرار، ناهيك عن أنها «مخدومة». - أنت كنت وزيرا في حكومة كانت تحالفاتها أيضا غير منطقية مع أحزاب كنتم تنعتونها بالإدارية؟ حينها كان المغرب على وشك السكتة القلبية، وكان هناك توافق مع الحسن الثاني، بالإضافة إلى أن الكتلة كانت تشكل العمود الفقري للحكومة، وكان17 أو 18 وزيرا ينتمون إلى الكتلة، وكان الوزير الأول من الكتلة. - من السهل أيضا أن يبرر نبيل بنعبد الله مشاركته في حكومة بنكيران بالربيع العربي والخوف من وصول «المغامرين» إلى السلطة ووجود النظام في خطر، وما إلى ذلك من تبريرات؟ الأمين العام الحالي وقيادة الحزب كانوا ضد الربيع العربي، ألم يصدروا بلاغا ضد حركة 20 فبراير، وكان الحزب الوحيد الذي فعل ذلك «لحماق هذا» أحزاب أخرى على الأقل التزمت صمت. هذا عيب. في حين أنا وشرفاء من الحزب خرجنا ضمن تظاهرات حركة 20 فبراير وأصدرنا بلاغا أيدنا فيه مطالب حركة 20 فبراير وألححنا على ضرورة تبني الملكية البرلمانية كنظام سياسي جديد، ووزعنا البيان في أول تظاهرة يوم 20 فبراير بالرباط. - اسماعيل العلوي، الأمين العام السابق للتقدم والاشتراكية، شبه تحالف حزبكم مع العدالة والتنمية بالتحالفات التي تعرفها أوروبا وأمريكا اللاتينية بين اليسار والأحزاب المسيحية الديمقراطية، ولاهوت التحرير؟ هل الأحزاب المسيحية الديمقراطية تضع النساء في صف والرجال في صف آخر أثناء مؤتمراتها، كما شهدنا مؤخرا قبل 15 يوما في مؤتمر شبيبة العدالة والتنمية. ليست هناك مقارنة بين العدالة والتنمية المغربي ونظيره التركي، الذي يقبل العلمانية، فكيف نقارنه مع الأحزاب الديمقراطية المسيحية. أما في أمريكا اللاتينية فقد لعبت الكنيسة دورا ثوريا. - أليس حقيقة أن بنكيران ضحى بشجاعة بشعبية حزبه، عندما اتخذ قرارات واقعية واستراتيجية في مجال التشغيل، والتعليم، والزيادة في بعض المواد؟ هذه ليست سياسة اجتماعية، هذه سياسة لا اجتماعية، لأنها ضد القوت اليومي للشعب. عندما يقول بنكيران بأن لديه مشكلة في الميزانية وفي صندوق المقاصة، فما الذي قام به لمحاربة التملص الضريبي، والتقليص على الأقل من الامتيازات الضريبية التي تصل إلى 32 مليار في المجال الفلاحي وفي العقار وفي قطاعات أخرى، وهي امتيازات لا فائدة اقتصادية أو اجتماعية منها. - ما رأيك في رفض الحكومة تطبيق الضريبة على الثروة بدعوى صعوبة تطبيقها وتخوفها من تنامي تهريب الأموال؟ مقاربة حزب العدالة والتنمية للمسألة الاجتماعية هي مقاربة خيرية إحسانية تنبني على الزكاة، وليست مقاربة تقوم على الصراع الطبقي وتأخذ بعين الاعتبار وجود تفاوت واستغلال. العدالة والتنمية يفهم العلاقات الاجتماعية على ضوء الآية القرآنية: «والله فضل بعضكم على بعض في الرزق». كما أن العدالة والتنمية يعتبر أن الإسلام نيو ليبيرالي من الناحية الاقتصادية، لذلك فهم يدعمون الرأسمالية دون قيد أو شرط، وهذا وجه آخر من وجوه خلافنا كاشتراكيين معهم، وهو خلاف يتجاوز قيم المحافظة وعدم احترام حقوق المرأة، ليصل إلى تصورات حول الاقتصاد، فالعدالة والتنمية له تصور رأسمالي يعتمد على إسلام السوق، ولذلك هم يرفضون سن الضريبة على الثروة. - الضريبة على الثروة رفضها أيضا حزبكم «التقدم والاشتراكية»؟ «دياولنا تبعوهم. فبالرغم من أن الحزب تحدث عن فرض ضريبة على الثروة في برنامجه الانتخابي، فإن فريق التقدم والاشتراكية في مجلس المستشارين صوت ضدها. أليست هذه شيزوفرينيا (انفصام الشخصية) أية مصداقية سياسية ستبقى لنا، وقد غيرنا موقفنا من النقيض إلى النقيض، في ظرف أربعة أشهر؟ هذا يعني أن حزب التقدم والاشتراكية يعيش أزمة هوية كبيرة. - كيف تفسر هذا التناقض بين القول والفعل؟ هناك عبارة شهيرة لتوفيق الحكيم تقول إن «المصلحة الشخصية هي الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ». - بعدما اعتبرتم في «الحركة التصحيحية» داخل التقدم والاشتراكية، أن الكتلة الديمقراطية انتهت. هل تتطلعون إلى نسج تحالفات يسارية-يسارية؟ أولا، يجب إعادة تحديد مفهوم اليسار في القرن ال21. هل اليسار هو فقط الأحزاب الاشتراكية التقليدية، أو اليسار كما ظهر في تجربة البرازيل؛ حيث استطاع اليسار تعبئة الحركات الاجتماعية، مستفيدا من المنتدى الاجتماعي العالمي، والحركة النقابية ممثلة في «الاتحاد المركزي للعمال» والتي لعبت دورا فاصلا في انتخاب الرئيس «لولا» بنسبة مرتفعة من الأصوات، بالإضافة إلى دور حزب العمال، هذا هو الفهم الجديد لليسار. - بالنسبة إلى المغرب، ما هي المكونات التي ترى أنه يجب الانفتاح عليها لتشكيل قوة يسارية؟ الأحزاب الاشتراكية بالإضافة إلى النقابات والحركات الاجتماعية والحركات النسائية والحركات من أجل البيئة. هذا هو الفهم الجديد لليسار في القرن 21. - هل يمكن لحزب يساري متحالف مع الإسلاميين مثل «التقدم والاشتراكية»، أو نقابة تطرد اليساريين مثل «الاتحاد المغربي للشغل»، أو حزب بيئي يساري متحالف مع أحزاب يمينية مثل «اليسار الأخضر»، أن تشكل تحالفا مع حركة المعطلين أو مع اشتراكيين يمثلون عصب الحركة الاحتجاجية المغربية؟ هناك الاتحاد الاشتراكي، بالرغم من المشاكل التي يعاني منها، وهناك الحزب الاشتراكي الموحد، والنهج الديمقراطي، والحركات الاجتماعية مثل حركة المعطلين، والحركة النسائية والنقابات، وأغلبية المناضلين والمناضلات داخل الاتحاد المغربي للشغل. المهم هو الوصول إلى أرضية موحدة من أجل خوض معارك اجتماعية وسياسية يومية. أستحضر هنا ملف «ليديك» في الدارالبيضاء الذي كان لي شرف الاشتغال عليه، فقد كان من الممكن أن يكون هذا الملف رافعة لتوحيد صفوف اليسار بالدارالبيضاء ودخول الانتخابات الجماعية ل2009 على أساس هذه المعركة. للأسف هذا الملف لم يعرف التفاف اليسار حوله. ما كنا نقوم به في السبعينيات والثمانينيات يقوم به الإسلاميون، مع فارق أننا لم نكن نستغل الدين. - ألا ترى أنه من قبيل المستحيل الجمع بين النهج الديمقراطي والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية؟ التقدم والاشتراكية, حاليا, أصبح من الصعب، في الظروف الحالية, أن يكون مكونا يساريا؛ فقيادة الحزب ذهبت بعيدا في تحريفيتها ومن الصعب استرجاع ثقة باقي أطراف اليسار في الحزب. لفعل ذلك، يجب أن تقدم قيادة الحزب نقدا ذاتيا عاجلا وتستتبعه بالخروج من الحكومة. وهذا لن تقدر قيادة التقدم والاشتراكية على فعله. الآن، الأطراف الأخرى هي المعول عليها، ويجب العمل في الميدان وكسب الثقة من خلال المعارك اليومية التي يجب خوضها، وهناك ستتطور الأمور وستظهر أرضية اليسار، ولا أظن أن النهج الديمقراطي سيكون عدميا إذا ما اتضح له أن الأفق السياسي واضح لتقديم المشروع الاشتراكي إلى الأمام بشكل مرحلي. لذلك فالتنسيق يجب أن يكون على الأرض ومن خلال المعارك وليس عبر الندوات، هذه مقاربة خاطئة أو على الأقل منقوصة. - ما رأيك في النقاش الذي أثير مؤخرا حول طقوس البيعة الملكية؟ أنا مع الحداثة التي تعني القطيعة مع التقليد والتقليدانية، لذا يجب تجاوز العديد من الطقوس التي لا تحترم كرامة الإنسان، والتي ربما كانت لها مكانة في زمن معين. الآن يجب على الملكية أن تتطور، وهذا لا يضر بها أبدا. البيعة تمت إقامتها من طرف رجالات الدولة عندما تولى الملك محمد السادس العرش. ولو أنني شخصيا أتطلع إلى مرحلة مستقبلية يكون فيها الدستور هو العقد ما بين الحاكم والمواطن. - أنت مع زوال البيعة وتعويضها بتعاقد دستوري؟ أنا مع اقتصار البيعة على المجال الديني، حفاظا على وحدة المذهب المالكي وعدم إتاحة الفرصة لإسلام البيترو دولار للإفتاء فيما يخص كيفية ممارسة المغاربة لدينهم في الحياة اليومية وكذلك حماية لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين. على كل هذا ما عمل به في بريطانيا، على سبيل المقارنة، حيث تعتبر الملكة اليزابيث الثانية هي الرئيسة الفعلية للكنيسة الأنجليكانية. - أليس هناك تناقضا بين القول بالحفاظ على وحدة المذهب المالكي، والحديث عن حماية حرية المعتقد؟ الحفاظ على وحدة المذهب لا تعني حرمان أي مواطن مغربي من أن يعتنق، على المستوى الشخصي، أي مذهب أو عقيدة أو دين، أو ألا يكون متدينا بالمرة. أما في ما يتعلق بالبيعة فيجب أن تكون وثيقة يوقع عليها رؤساء المؤسسات الدستورية وممثلو الدولة. ولكن هذه مرحلة تاريخية مازالت بعيدة شيئا ما. يجب ألا ننسى الدور المهم الذي لعبته مؤسسة إمارة المؤمنين في تعديل مدونة الأسرة، فقد لعبت دورا فاصلا، غير أنه ينبغي مستقبلا أن يصبح قانون الأسرة من القوانين الوضعية المدنية التي يناقشها ويصادق عليها البرلمان مباشرة. - هل يصل إلى مستوى المساواة في الإرث؟ طبعا، لأن هناك اجتهادات من داخل النص الديني تبين بأن المساواة في الإرث ليست متعارضة مع رسالة العدل والمساواة التي بني عليها الإسلام. وهناك أمثلة عديدة عن ممارسات بالمغرب يحرص فيها الآباء على المساواة في الإرث بين الذكور والإناث من خلال الوصايا. - القول بأن مؤسسة إمارة المؤمنين لعبت دورا فاصلا في تطوير مدونة الأسرة، هل يعني بأن تقليدانية الملكية يمكن أن تحمي الحداثة من تقليدانية الإسلاميين؟ الملكية حرصت على اعتماد تأويل عصري لكل ما يهم حقوق المرأة في القرآن وفي الأحاديث والسيرة النبوية.
النخب المغربية تدرس آليات الاقتصاد النيو ليببيرالي وتأتي لتطبيقها على المغرب - ما هي ملاحظاتك حول النموذج التنموي المعتمد في المغرب؟ يجب أن ننتبه إلى مشكل التكوين الاقتصادي للنخب المغربية الحاكمة، منذ الثمانينيات وإلى الآن أصبحت نخبنا تتكون على الفكر الاقتصادي الليبرالي النيوكلاسيكي، وليس على اقتصاديات التنمية التي تقول إنه لا يمكن أن تحل مشاكل بلدان متخلفة بآليات وأفكار الاقتصاد الليبرالي، وهذه المدارس رغم التلوينات التي قد تكون بينها تركز على الطابع البنيوي لمشاكل التنمية في العالم الثالث التي تختلف جذريا عن مميزات الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة وتركز كذلك على عامل التبعية كعائق هيكلي للتنمية المستقلة. النخب المغربية تدرس آليات الاقتصاد النيو ليببيرالي في الغرب وتأتي لتطبيقها على المغرب، مدعومة بالمؤسسات المالية الدولية، دون أن تأخذ بعين الاعتبار البنيات الاجتماعية والسياسية وموازين القوى الاجتماعية، لذا فهم يقودون المغرب للاصطدام بالحائط. - هل المشكل في سوء التشخيص؟ تماما، هم يقومون بتشخيص مغلوط للواقع، وقد عاب عليهم جوزيف ستيجلز، الذي كان مسؤولا في البنك الدولي قبل أن يستقيل منه، في كتابه «أكبر الأوهام»، التشبث بالنموذج النيوليبيرالي وبالتصدير. الآن يتحدثون عن التصنيع، مع أن الحكومة جاءت لتطبيق برنامج بدأ في 2005 ولم يعط أي نتائج. هل نوجه صناعتنا إلى التصدير ونحن نعرف أن هناك أزمة عالمية خانقة. يتم الحديث أيضا عن الاستثمار الأجنبي ونحن نعي أن الاستثمار الأجنبي يعاني مشاكل عميقة في اسبانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال. الذي يجب القيام به الآن هو إعادة الاعتبار للسوق الداخلية. واستلهام نموذج الدولة الحريصة على التنمية، مثلما هو الأمر في شرق آسيا، حيث لعبت الدولة دورا فاصلا في الإصلاح الضريبي وإعادة توزيع الدخل والتصنيع. علينا أن نفكر في الاندماج جنوب- جنوب، والاستفادة من الإمكانيات التي تفتحها أمامنا السوق الإفريقية، وكذا تمتين العلاقات المغاربية والعربية. للأسف، هذه الجوانب يتم إهمالها لفائدة اعتماد برامج أبانت عن فشلها، بما في ذلك المخطط الأخضر والأزرق. الآن هناك خصاص كبير في ما يخص الاستثمار في البنية التحتية للسياحة، لأن الأبناك تلعب أدورا في غير مصلحة الاقتصاد المغربي. فما الذي تموله هذه الأبناك. - ما رأيك في الأبناك الإسلامية التي يتم الحديث عنها بقوة؟ يمكن لهذه الأبناك أن تعبئ أموالا إضافية لمغاربة يمتنعون عن التعامل مع الأبناك لأسباب دينية، ورئيس الحكومة نفسه أعلن في البرلمان بأنه لا يلجأ إلى الاقتراض. لكن ما يجب توضيحه هو أنه ليس هناك فرقا في الجوهر ما بين الأبناك الإسلامية والأبناك الرأسمالية، فما يسمى بالمشاركة والمرابحة في الأبناك الإسلامية ما هي سوى حيل للتغطية على الفوائد التي تستخلصها البنوك من زبائنها.