بنيونس بحكاني لا أحد يجادل في القيمة الفنية والإبداعية لفيلم «هجوم»، أو «صدمة»، لمخرجه اللبناني زياد دويري، الذي فاز بالجائزة الكبرى لمهرجان مراكش للفيلم الدولي. إنه فيلم يدور في نابلس وتل أبيب وينطلق من قصة حياة عادية ومستقرة لطبيب فلسطيني يدعي أمين الجعفري، متجنس مقيم بتل أبيب، يبدو مندمجا تماما في الحياة الإسرائيلية ويعيش في وفاق مع زوجته الفلسطينية المسيحية. لكن أحداث ستعرف عقدة حقيقية حينما سيستدعى الطبيب لعلاج جرحى كانوا ضحية عملية انتحارية، ليكتشف دون سابق إنذار أن زوجته قضت في الحادث بعدما قادت عملية انتحارية ضد إسرائيليين بإحدى المطاعم بتل أبيب ذهب ضحيتها عدد من الأطفال.. جال المخرج بالكاميرا بين مناطق عديدة وبين حياة شبه عادية، يتقاسمها الإسرائيلي والفلسطيني. الكثيرون رأوا في الفيلم حيادا ونظرة مسالمة للحياة الدائرة في الضفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن الأمر، في تصوري الخاص، أكبر من ذلك بكثير، فالسينما لغة أخرى تحمل رسائل مشفرة أحيانا كثيرة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ألا نقرأ الفيلم الذي عرض في مراكش قراءة محايدة وعادية، خاصة في الظروف الاستثنائية التي عاشتها القضية الفلسطينية بعد اغتيال أحمد الجعبري، فقد سنحت لي الفرصة مؤخرا أن أكون شاهد عيان على هذه الظروف بعد أن زرت الضفة الغربية كصحافي هولندي، في إطار لقاء دولي لشباب العالم ولتصوير فيلم وثائقي عن فلسطين. شتان بين اتهام الجعفري في وقائع الفيلم واغتيال الجعفري في غزة، ولا أود أن أقارن ما عاينته من صعوبات واستفزازات واضطهاد خلال مدة التصوير، ومع ما تمكن المخرج زياد من تصويره داخل تل أبيب بكل حرية في غياب إنتاج إسرائيلي، فحسب تجربتي الخاصة من قلب الحدث ومعلوماتي واستعانتي بمخرجة فلسطينية، فإنه يستحيل السماح لمخرج أجنبي أن ينجز فيلما ما بدون مساهمة منتج إسرائيلي رقابة متواصلة تبدأ من مطار بنغوريون. مشاهد الاقتراب من عالم الصراع الذي عاش بيننا ستون عاما، يكشف حقائق مرة، ويؤكد أن أطروحة السلام التام غير ممكنة في ظل الاستبداد الإسرائيلي وهيمنة منطق القوة والجبروت، لم يصور المخرج عملية المرور في المعابر وما يتعرض له الفلسطينيون مسيحيين كانوا أم مسلمين من إهانات، خصوصا عندما سافر الطبيب الجعفري إلى نابلس دون علم الموساد وبعد ظرف جد وجيز على حدوث العملية الانتحارية أو الاستشهادية، ولم نرى ولو لقطة واحدة من جدار العار الذي يبلغ طوله 700 كلم، وحتى جنين التي خربتها دبابات الجيش الإسرائيلي تظهر في الفيلم بصورة جد بسيطة ،بل ولم تتعرض عائلة سهام الانتحارية أو الشهيدة لأي بحث أو استنطاق من قبل الإسرائيليين. . تتويج هذا الفيلم على الأراضي المغربية يطرح أكثر من سؤال ويضع مسألة التطبيع من جديد تحت المجهر، من يعش تجربة الصراع عن قرب يعلم علم اليقين أن ما قدمه الفيلم كمضمون إقرار تام بأن الفلسطينيين منتجين للعنف والإرهاب وسط شعب إسرائيل المسالم ، وأثناء لحظة التتويج بدا المخرج مندهشا من هول المفاجأة، حيث قال أنه لم يتوقع الفوز بتاتا، واعتذر المخرج زياد المقيم بأمريكا بكثير من اللطف للكاتب الجزائري ياسمينة خضرا الذي اقتبس منه القصة، إن كان قد انحرف عما ورد في الكتاب الأصلي هجوم، وقال أنه حاول جاهدا أن يظل وفيا لنص ياسمينة الذي فيما يبدو عبر عن تحفظاته إزاء مجريات أحداث الفيلم. لا يمكنني شخصيا كمتتبع لمسار قضية فلسطين قضيتنا نحن كعرب مسلمين ومعنا المسيحيين، أن أقف محايدا إزاء هذا الفيلم الذي لامس واقعا صعبا معقدا بكل هذه البساطة ،في وقت تعرف فيه القضية تصعيدا خطيرا وفي الوقت الذي تنتزع فلسطين باستماتة مقعد الملاحظ في الأممالمتحدة تحت ضغوطات شتى، لقد منحنا جائزة لفيلم لم يحسن التعامل مع قضيتنا العربية ،وبذلك يسيء المغرب عن قصد أو غير قصد لرصيده الغني ومواقفه إزاء الشعب الفلسطيني. علينا أن ننتبه فالسينما تروج وتسوق أحيانا لصور نمطية جاهزة قد تغلفها بكل المؤثرات الجمالية والفنية ،لكنه سم في دسم يرسخ في أذهان الغرب أن فلسطين لا تستحق أرضها، بينما التاريخ لا يعلى عليه. وحتى لا نزور الحقائق بالفن يجب أن نتمعن طويلا وكثيرا في أفلام تقدم على أرضنا المغربية في ظل جو الانفتاح والحرية، لكن هناك قضايا لا تقبل المساومة ولا التضليل وأولها القضية الفلسطينية. منح جائزة لهذا الفيلم يعد في نظري خطأ لأنه لا يخدم التعايش بين عرب إسرائيل ويهودها، ويكرس عدم الثقة والعنصرية بين الطرفين، بل قد يوسع الهوة أكثر بين الإسرائيليين اليساريين المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني وكل المحبين للسلام.