هذه حكايات من سيرة سيف بن ذي يزن محرر الأمصار والدمن ومخمد الأسحار والفتن ومجري النيل من أرض الحبشة إلى مصر، وهي قصة غريبة الوجود فيها سر الأولين و عبرة للاحقين، وأخبار الأمم الماضية اعتبارا للباقين وبالله التوفيق .. وهي قصص ينازع فيها الخيال الواقع ويتحقق المحال، نقدمها للقارئ الكريم بمناسبة رمضان .. لنعد إلى سيف بن ذي يزن فقد تركناه في السجن هو وزوجته منية النفوس وولدهما مصر يعانون من العلل والمحن.. وكان الخضر عليه السلام قد علم بما وقع فيه سيف بن ذي يزن وزوجته منية النفوس من ضيق .. فدعا الملك شاه زمان إلى الجهاد وترك العناد فأجابه إلى ذلك، وأرسله إليه لإنقاذه وفك أصفاده، فجاء بجيش جرار، فأتلف رصد مدينة البنات، وأخرج سيف ومنية النفوس من السجن، وعادت زوجة سيف هي الحاكمة على المدينة .. كما قام سيف بن ذي يزن بإبطال عادة عدم الزواج، وزوج قاسم العبوس بعد عقد الصلح معه بالوزيرة مرجانة، وتزوجت نور الهدى من الملك شاه زمان وهذا ما كان بالإمكان .. ولم يمض شهر واحد حتى تزوجت كل بنات المدينة برجال المدينة الأخرى، ثم هدم سيف جميع الأبنية المرصودة وعهد بالحكم إلى قاسم العبوس وأوصاه أن يعتصم بالإيمان .. ومعك اللوح فحضر الخيرقان وقال له: احضر ما تشاء من الأعوان واحملنا إلى حيث يقيم الشيخ أبي النور الزيتوني. فقال الخيرقان: لا حاجة لي بالأعوان فاني أستطيع أن أحمل مدينة وأطير بها ولا أشعر بها.. فحملهم الخيرقان جميعا وطار بهم إلى حيث تركا عاقصة وعيروض لزيارة الشيخ الصالح أبي النور الزيتوني .. فأعطى سيف للمارد الخيرقان لوحه وأعتقه، فانصرف الخيرقان شاكرا لسيف فضله وإحسانه .. ثم طلب من عيروض أن يحملهم جميعا عند الشيخ فنزل بهم في باب المغار الذي فيه الشيخ فأغدق عليهم هذا الأخير بالهدايا المعتبرة.. وأخبره الشيخ بأن الملك شاه زمان قد أحاطت به الأعداء من عبدة النار وأنه يجب أن يهب لنجدته في الحال.. فقال سيف بن ذي يزن لعيروض: أسرع بنا في المسير إلى مدينة شاه زمان. ولما وصل سيف إلى مدينة شاه زمان طلب من عيروض أن يأتيه بحصان، فأتاه بجواد من أجود الخيل، ثم إنه أمر عيروض أن يصيح في الأعداء صيحة تذهلهم وتشتت شملهم فصاح صيحة عظيمة بصوت كالرعد أرجعت صداها الجبال والوديان، وهجم سيف على عابد النار بالسيف البتار .. حتى رحل النهار .. وبات سيف عند شاه الزمان في الديوان، ففرح بقدومه غاية الفرح، وعلم بانتهاء الحزن والقرح، وعندما أضاء الصباح بنوره ولاح على البراري والبطاح، تقدم سيف بن ذي يزن إلى الميدان، وبدد فرسان عابد نار ومحا لهم الآثار، ولما رآه عيروض وعاقصة بحاجة إلى المدد والسند، وقد تكاثرت عليه النفوس بالعدة والعدد، ألقيا على الأعداء من النار ذات الشرار، فانكسرت جيوش عابد نار كل الانكسار، وولوا الأدبار وهربوا وهم لا يعرفون الليل من النهار، وفرح شاه الزمان بهذا الانتصار وأكرم سيف غاية الإكرام وهيأ له الولائم العظام..