في توقيت بالغ الحساسية يسبق اجتماعات مجلس الأمن، أعلنت موسكو عن موقف جديد بشأن قضية الصحراء ينسجم مع الطرح المغربي ويضعف أطروحة الانفصال. فقد عقد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين لقاءً مع المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، وجاء البيان الصادر عن الخارجية الروسية خالياً تماماً من أي إشارة إلى الاستفتاء أو ما يُسمى بتقرير المصير، وهو ما يشكل تحوّلاً لافتاً في خطاب إحدى القوى الكبرى التي ظلت تاريخياً أقرب إلى الجزائر. وبدل التشديد على خيار تجاوزه الزمن، ركز البيان على ضرورة إيجاد حل سياسي متوافق عليه، مع التأكيد على دور بعثة المينورسو في مواكبة المسار الأممي. الأكثر دلالة هو توصيف روسيا للنزاع بأنه "إرث استعماري"، وهو توصيف يخدم مباشرة الموقف المغربي الذي يعتبر أن الصحراء جزء من سيادته التاريخية التي انتُزعت بفعل الاستعمار الإسباني، ثم استعادها المغرب بمسيرة سلمية أعادت الأقاليم الجنوبية إلى حضن الوطن. هذا الخطاب الروسي الجديد يُبطل مزاعم الأطروحة الانفصالية التي تقدّم نفسها كحركة "تحرر"، بينما تكشف الحقائق أن القضية تتعلق بملف تصفية استعمار أُغلق فعلياً سنة 1975، ليبقى استمرار النزاع مجرد توظيف سياسي من طرف الجزائر لإبقاء المنطقة رهينة التوتر. ومن زاوية إقليمية، شدّد البيان الروسي على أن حل النزاع سيساهم في استقرار شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وهي إشارة تحمل في طياتها إدراكاً متزايداً لدى المجتمع الدولي بأن استمرار هذا الملف يُغذي الإرهاب وشبكات التهريب والهجرة غير النظامية، ويعرقل مشاريع التنمية الإقليمية. وهذا ما ظل المغرب يؤكد عليه منذ سنوات، باعتبار أن وحدته الترابية شرط أساسي لإرساء استقرار شامل في المنطقة. أما من الناحية السياسية، فإن التحول الروسي يعكس بداية مرحلة جديدة في مقاربة موسكو، تقوم على براغماتية أكبر وتوازن مختلف في علاقاتها بالمنطقة. فبينما ترتبط روسيا تقليدياً بعلاقات وثيقة مع الجزائر، فإنها تدرك اليوم أن الاصطفاف المطلق مع أطروحة الانفصال لم يعد يخدم مصالحها الاستراتيجية، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية وصعود المغرب كفاعل محوري في إفريقيا والمتوسط. هذا الموقف الجديد يضاف إلى سلسلة من المواقف الدولية المتزايدة الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي حظيت بتأييد واضح من الولاياتالمتحدة وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، فضلاً عن عدد متزايد من الدول العربية والإفريقية والآسيوية. ومع دخول موسكو على الخط بهذا الخطاب، تتأكد عزلة الجزائر وحلفائها داخل أروقة الأممالمتحدة، حيث لم يعد طرح الانفصال يحظى سوى بصدًى محدود، مقابل تزايد القناعة الدولية بأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الواقعي والعملي. إن اعتبار روسيا للنزاع إرثاً استعمارياً ليس مجرد توصيف لغوي، بل تحول نوعي يساهم في إعادة تشكيل الاصطفافات الدولية حول هذا الملف. فالمغرب اليوم يراكم مكاسب دبلوماسية تعزز موقعه كقوة إقليمية صاعدة، فيما تجد الجزائر نفسها أمام عزلة غير مسبوقة، بعد أن فقدت واحدة من أبرز أوراقها الدعائية داخل الأممالمتحدة. وفي هذا السياق، يبدو أن مستقبل النزاع يتجه أكثر فأكثر نحو حسم دولي لصالح المبادرة المغربية، بما يحفظ وحدة المملكة ويساهم في استقرار المنطقة بأكملها.