بعيدا عن هالة العفة والاستقامة التي يحرص عدد من الزعماء السياسيين ورؤساء الدول والمشاهير على إحاطة أنفسهم بها، تحدث صحافي وكاتب أمريكي، أخيرا، بعد فترة كتمان دامت 30 سنة، عما كان يجري خلف الأبواب المغلقة لأحد أشهر بيوت الدعارة بباريس، كاشفا عن أسماء بعض الساسة والمشاهير الذين ترددوا على بيت الدعارة الراقي لصاحبته «مدام كلود»، وعن بعض نزواتهم الغريبة. هذا المحل الواقع على مقربة من شارع الشانزيليزي الشهير في باريس، كان يمتلئ بالأغنياء والمشاهير وقادة الدول للاستفادة من «خدمات» السيدة كلود ذات القامة القصيرة والشعر الأشقر والعاشقة الأبدية للماركات الراقية، التي حولت محلها إلى مؤسسة قائمة الذات. ما الرابط الذي يجمع بين الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي والعقيد الليبي المطاح به معمر القذافي والممثل الحائز على جائزة الأوسكار مارلون براندو؟ على ما يبدو فإن هؤلاء كانوا ضمن عدد كبير من الزعماء والمشاهير، الذين ترددوا على ماخور للدعارة بباريس كان يحظى بشهرة كبيرة خلال سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وصلت حد اعتباره مؤسسة قائمة الذات. ويظهر، اليوم، أن ما كان يجري خلف الأبواب المغلقة لأحد أشهر بيوت الدعارة الراقية بباريس قد خرج أخيرا إلى العلن، كاشفا معه عن عدد من التفاصيل المثيرة المرتبطة بأسماء الأشخاص الذين ترددوا على المكان وعبروا لصاحبته عن نزواتهم ورغباتهم الجامحة التي وجدت بعضها خارجة عن المألوف، بل وأصابت صاحبة محل الدعارة الشهير في بعض الحالات بالخجل بسبب الخيال الجامح لأصحاب النزوات. هذا الماخور الشهير، كانت تديره «مدام كلود» الشهيرة بفرنسا والعالم، والتي تبلغ حاليا 91 سنة، وكانت تسخر المئات من المومسات الفاتنات، خلال فترة الستينيات والسبعينيات، لإرضاء رغبات زبائنها الذين كان بعضهم من المشاهير في تلك الحقبة، بمن فيهم بعض الزعماء السياسيين والممثلين المرموقين، وحتى بعض الطغاة. وبعد محاولته الفاشلة لإجراء سلسلة من الحوارات مع «مدام كلود» خلال الثمانينيات من أجل نشر كتاب يضم مذكراتها، اختار الصحافي ويليام ستادييم، الكشف، أخيرا، عن بعض الأسرار التي كان سينشرها ضمن السيرة الشخصية ل «مدام كلود». هذا الصحافي، الذي سبق له أن ألف سيرة حياة عدد من المشاهير، بينهم مارلين مونرو وملك مصر فاروق الأول، وبعد حديثه مع زبناء سابقين ل «مدام كلود» وعدد من الأشخاص الذين اشتغلوا معها، نشر ما توصل إليه من حقائق في مقال يحمل عنوان «خلف أبواب مدام كلود» ضمن عدد شهر شتنبر من مجلة «فانيتي فير» الأمريكية. وحسب ما أسرت به كلود، فإن الرئيس الأمريكي الأسبق، جون كينيدي، كان زبونا تعود التردد على المكان الذي كانت تديره، ويؤكد ويليام ستيديم في مقاله أن كيندي طلب من مدام كلود ترتيب ليلة حمراء مع حسناء، شريطة أن تكون شبيهة بزوجته جاكلين, على أن تكون «فاتنة أكثر» حسب وصف كيندي الذي اقتبس الصحافي كلامه. رفع المعنويات الرئيس الأمريكي لم يكن الزعيم الوحيد الشهير الذي كان يحصل على خدمات المومسات داخل بيت الدعارة الراقي، فقد كشف ستادييم أن الطاغية الليبي السابق معمر القذافي والممثل الحائز على جائزة الأوسكار مارلون براندو كانا كذلك ضمن قائمة الزبائن المألوفين خلال سنوات الستينيات والسبعينيات. وجاء كذلك في مذكرات الصحافي ستادييم أن وكالة المخابرات المركزية «سي أي إي» استقدمت الفتيات العاملات تحت إمرة «مدام كلود»، واستغلت جمالهن الفاتن من أجل رفع معنويات المشاركين في محادثات اتفاقيات السلام بباريس في العام 1973، والتي تمخض عنها وضع حد للوجود العسكري الأمريكي بالفيتنام. هذا، واحتفظ الصحافي ويليام ستادييم طيلة 30 عاما بأسرار مدام كلود التي كانت تدير أشهر بيت دعارة في فرنسا وأوربا، وإذا كان ما جاء في مذكرات الصحافي صحيحا فعلا، فذلك يوضح سبب عدم كشفه عن هذه الأسرار لعشرات السنين. فقيامه بذلك من قبل كان سيعرض حياته لخطر كبير، بالنظر إلى حساسية هوية الأشخاص الذين حصلوا على خدمات مدام كلود، مثل الرئيس الأمريكي جون كيندي وشاه إيران محمد رضا بهلوي الذي اعتاد استقدام فتياتها إلى طهران على متن طائرة خاصة به كل يوم جمعة لتقديم خدماتهن الجنسية. ولم تقتصر خدمات بيت الدعارة الباريسي الشهير على الزعماء فحسب، إذ ضمت قائمة المستفيدين من خدمات «مدام كلود» أسماء مشاهير التمثيل، مثل الممثل البريطاني ريكس هاريسون، ورئيس شركة فياط جاني أنيلي، وكذلك مسؤولين عسكريين كبار مثل الجنرال الإسرائيلي موشيه دايان. وعلى الرغم من تلقيها تربية كاثوليكية صارمة، فإن مدام كلود تخلت عن المفاهيم الدينية وتحولت إلى مومس، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فكانت 5 سنوات كافية لأن تتفوق الشابة الفرنسية على كافة زميلاتها في هذه المهنة، ثم فتحت أول بيت دعارة تديره لحسابها في جادة الشانزيليزي. وحسب شهادة إحدى المومسات، فإن مدام كلود كانت تمقت بشدة ممارسة الجنس رغم أنها أنجبت ابنة. «لقد... كانت تكره ذلك حتى في أيام شبابها. بالمقابل، كانت ترى أن دعارة الرصيف كانت تظفر بها فقط الفتيات الطويلات والجميلات. كانت ترى أنها لن تحظى بأي فرصة إذا ما دخلت في منافسة معهن. بدل ذلك، قررت أنه في وسعها الحصول على مالهن من خلال القيام بإدارة ما يقمن به». امرأة رهيبة كثيرون كانوا على ثقة بأن علاقات مدام كلود متشعبة وقوية، وإلا فكيف تسنى لها إدارة بيت دعارة معروف لدى الجميع في وسط العاصمة الفرنسية، علاوة على أن علاقاتها شملت وزراء حكومة الجمهورية الفرنسية الخامسة، ابتداء من سنة 1958. لكن إذا كان ذلك في حينه مجرد تكهنات فإن مدام كلود كشفت عن ذلك صراحة في فيلم وثائقي يحمل عنوان «الجنس .. الكذب وأسرار الدولة». أما زوج جاكلين الأول، الملياردير اليوناني أرسطو أوناسيس فقصد ذات يوم بيت الدعارة الشهير برفقة عشيقته، المغنية اليونانية ماريا كالاس، وتقدما لمدام كلود بحجز يبدو أنه نابع من مخيلة ثرية، ما أثار خجل المدام ذات الخبرة الكبيرة في هذا المجال. ويتطرق ويليام ستيديم في مذكراته إلى طرفة مع الرسام مارك شاغال، مشيرا إلى أن الفنان السوفيتي الشهير كان يتسامر مع خليلاته برسم لوحات مستوحاة من تفاصيل أجساد الفاتنات اللواتي كان يمضي الليالي الساخنة معهن. الجدير بالذكر أنه سبق للسينما أن سلطت الضوء على حياة مدام كلود في أكثر من فيلم سينمائي، الأول كان في عام 1977 من بطولة الممثلة الفرنسية فرانسواز فابيان، التي أدت دور مديرة بيت الدعارة الشهير في هذا العمل الفني الذي يحمل اسمها. الممثلة فابيان أسرت لستادييم بأنها أصرت على إمضاء بعض الوقت مع «مدام كلود» لكي تتمكن من إتقان دورها بهدف تجسيد شخصيتها على أحسن وجه. وحسب ما قالته فابيان لستادييم، فقد وجدت هذه الأخيرة أن «مدام كلود» امرأة رهيبة «كانت تحتقر النساء والرجال على حد سواء. فقد كانت ترى في الرجال مجرد محافظ نقود. أما النساء فكانت تعتبرهن مجرد حفر... لقد كانت مثل مراقب العبيد الذي لا يرحم. فبعد استقدامها فتاة معينة للعمل تحت إمرتها، كانت عملية تغيير المظهر تجعل الفتاة مدينة لها، لأن كلود كانت تؤدي مقابل جميع الفواتير لعلامات مرموقة مثل ديور وفويتون، ولمصففي الشعر، وللأطباء، فيما كان يتعين على الفتيات العمل من أجل تسديد الدين. كان ما يجري عبارة عن عبودية جنسية متفق عليها مسبقا. كانت كلود تأخذ نسبة 30 في المائة من المال الذي كانت تحصل عليه الفتيات من الزبائن. لو سمحت الظروف لكانت هذه الأخيرة سترغب في الحصول على المزيد، لكنها كانت تقول إن الفتيات كن سيمارسن الغش إن هي قامت بذلك». أحد الزبناء الأوفياء سابقا لمدام كلود خلال فترة الخمسينيات والستينيات كان كاتب عمود بصحيفة «سبكتاتور» البريطانية، تاكي تيودوراكوبيلوس. هذا الأخير أشار إلى أن «الحصول على خدمات مومس» لم يكن أمرا مشجوبا قبل ظهور حبوب منع الحمل، في إشارة من هذا الأخير إلى رفض الشابات ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، في الخمسينيات والستينيات. ومن بين ما جاء في مذكرات الصحافي ستادييم فإن كلود كانت تختار بعناية «الممثلات وعارضات الأزياء الفاشلات» فارعات الطول، وذوات الجمال الساحر. كانت العديد من هؤلاء الفتيات قد اشتغلن كعارضات لدى دار الأزياء «كريستيان ديور»، وكانت مدام كلود تفضل استقدام الفتيات الأجنبيات، لاسيما المتحدرات من الدول الاسكندينافية. وأسر تيودوراكوبيلوس لستداييم بأنه حينما يتعلق الأمر باختيار الفتيات فإن كلود اختصت في الممثلات وعارضات الأزياء الفاشلات، «اللواتي أخفقن في مشوارهن. لكن فشل هؤلاء الشابات في تلك المهن المستحيلة لم يكن يعني بأنهن لسن جميلات أو ساحرات. ومثل الممثلة افي سكوت في تلك الأيام، حاولت هؤلاء الفتيات الصراع من أجل شق طريقهن». ونُقل عن مدام كلود أنها كانت تبغض الحب، وقولها إن «هناك شيئين سيظل الناس ينفقون المال للحصول عليهما هما الطعام والحب الجاهز للبيع .. وأنا لا أتقن إعداد الطعام». هذا وكانت الممثلة فابيان قد أكدت ما قيل عن المدام من قِبل الفتيات اللواتي كن يقدمن خدماتهن لها، وهي أنها لم تكن يوما عاطفية، لدرجة أن أيا منهن لا يذكرها بكلمة طيبة. الأكاذيب والأوهام حاول المقال الذي نشرته مجلة «فانيتي فير» التحقق من مدى حقيقة المشوار الطويل الذي خاضته مدام كلود، التي رأت النور في العام 1923 واسمها الحقيقي هو فيرناند غرودي. كما سعى لتسليط الضوء على الكيفية التي انتقلت من خلالها هذه الأخيرة من فتاة تلقت تربية دينية كاثوليكية كما تدعي، ومن أحد الناجيات من السجون النازية، لتصبح المسؤولة عن أحد أشهر بيوت الدعارة الراقية بفرنسا بأسرها. بيد أن الكثير من الادعاءات التي جاءت على لسان مدام كلود، بما في ذلك وجود وشم على جسدها يثبت اعتقالها بمخيمات التعذيب التابعة للجيش النازي وبأنها اشتغلت في البداية كبائعة للإنجيل طيلة ثلاث سنوات، تم التشكيك في صحتها واعتبرتها مصادر عديدة مجرد «أكاذيب» و»أوهام» تحيط مدام كلود نفسها بها. وبشكل يبعث على السخرية، وبالنظر إلى طبيعة عمل مدام كلود، وشخصيتها غريبة الأطوار، فذلك لم يحل دون ادعائها بأنها «تكره ممارسة الجنس»، وبأنها كانت تدافع عن الرأي الذي يقول إن الأشخاص الذين يتجاوز سنهم عتبة الأربعين «لا يتعين عليهم القيام بذلك.» ومع ذلك، لم يمنع ذلك مدام من أن تكون أحد أكبر المعجبات بالجراحة التجميلية، وقيامها بإعادة ترميم كافة جسدها باستثناء منطقة الصدر. وبعدما جمعت ثروة كبيرة من أنشطة الدعارة الراقية، اضطرت مدام كلود إلى الفرار من فرنسا والتوجه إلى لوس أنجلوس سنة 1977 بعدما بدأت السلطات الفرنسية تحقيقاتها بشأن الشبهات حول تورطها في التهرب الضريبي. ورغم استمرارها في إدارة أنشطة الدعارة بالولايات المتحدةالأمريكية، فإن الكثير من الشهادات تحدثت عن معاناتها بشكل كبير من الوحدة وبأنها كانت تائهة وبدون هدف هناك. كانت تعيش بشقة صغيرة تقع غرب هوليود وكانت «مليئة بخزانات الملابس، المليئة بدورها بالملابس الفرنسية الفاخرة التي لم يكن يلبسها أي شخص بلوس أنجلوس». وخلال وجودها بلوس أنجلوس، حاولت مدام كلود في إحدى المناسبات استقدام الممثلة والكاتبة الأمريكية الشهيرة جوان كولينس للعمل لديها مع باقي المومسات. وفي كتاب ضم مذكراتها، وصفت جوان كولينس ما جرى كالتالي: «لن يعرف زوجك أي شيء عن هذا الأمر، وأنا أعتقد بأنك ستستطيعين جني المال الكافي الذي سيمكنك من اقتناء بعض الأشياء الإضافية التي قد ترغبين في الحصول عليها،» كما جاء على ما يبدو على لسان مدام كلود. حياة البذخ بعض الشركاء الذين سبق لهم أن اشتغلوا مع مدام كلود انتقدوها بشدة لدى حديثهم مع الصحافي ستادييم. أحد هؤلاء، الصحافية المختصة بشؤون هوليود داني جيكو أدلت بشهادتها كالتالي: «لقد كانت امرأة خبيثة.. لقد كانت تختزل العالم بأسره في بحث الرجال الأغنياء عن ممارسة الجنس، وبحث النساء الفقيرات عن الحصول على المال». وبالنسبة إلى الزبناء السابقين لمحل مدام كلود، فإن التردد على المكان تحول إلى عادة. «في كل يوم كانت هناك فتيات مختلفات، من كل بقاع العالم، وكان عدد الأجنبيات يفوق بكثير عدد الفرنسيات» يقول الصحافي بمجلة «باري ماتش»، جون بيير دولوكوفيتش، قبل أن يضيف: «كانت هنالك دائما مفاجأة في الانتظار». الصحافي اضطر إلى التخلي عن عادة التردد على محل مدام كلود في مستهل السبعينيات بعدما «حل العرب بباريس» على حد تعبيره، في إشارة إلى مواطني دول الخليج بعد أزمة النفط. وحسب ما أسرت به مدام كلود للصحافي ويليام ستادييم، فإن المشاهير الذين كانوا يحصلون على خدماتها، وبالتحديد تلك العينة من الرجال الذين كان في وسعهم الحصول على أي شيء وعلى أي شخص، لم يكونوا يقدمون المال من أجل ممارسة الجنس. لقد كانوا يقدمون المال من أجل خوض التجربة. ستادييم قال في مذكراته إنه سعى جاهدا لإقناع مدام كلود بالكشف عن أسماء الفتيات اللواتي اشتغلن معها، وتحديدا الفاتنات اللواتي تمكن من الزواج بعد خوض التجربة بالمشاهير ورجال السلطة والمال. «مدام كلود، حسب ما اتضح لي، لم تكن امرأة استثنائية بالنسبة إلى زبائنها من الرجال. لقد كانت وسيطة تنفخ بشكل كبير في فاتورة الحصول على خدماتها، وكانت تزوج فتياتها للأغنياء والمشاهير. وإذا كان الركن الأساسي في تهمة القوادة هو القيام ببيع أجساد النساء للزبناء، فإن مدام كلود كانت تبيع نساءها من أجل حصولهن على حياة البذخ». وبالنسبة إلى الصحافي الأمريكي فمدام كلود كانت مؤسسة قائمة الذات، وأسطورة مازالت على قيد الحياة. «فقدنا الاتصال ببعض بعد عودتها إلى فرنسا سنة 1985 بعدما نجحت في التوصل إلى تسوية مع السلطات الفرنسية. لكنها عادت بسرعة كبيرة لممارسة نفس حيلها، وبدأت من جديد في ممارسة نشاطها، ليتم في الأخير تقديمها للعدالة سنة 1992. وبعد وقت قصير على أفول المتابعة الإعلامية التي تزامنت مع محاكمتها، اختفت مدام كلود من المشهد»، كما ورد في مذكرات الصحافي. وفي نهاية المشوار، أمضت مدام كلود فترة في السجن بفرنسا، وعاشت بعد ذلك في عزلة تامة، حاملة في صدرها ذكريات المشاهير ورجال السلطة والمال الذين أمنوها على كتمان سر مرورهم من محل «مدام كلود»، وأسرار زوجاتهم اللواتي عبرن من المكان.