البكوري: ندعم الفعاليات الجادة بتطوان وجمعية محبي ريال مدريد تُسهم في إشعاع مدينتنا    اختناق جماعي داخل وحدة صناعية.. نقل 145 عاملاً إلى المستشفى    طنجة.. "سناك" يتحول إلى مطعم دون رخصة وروائح الطهي تخنق السكان بسبب غياب نظام التهوية    هكذا يستغل بنكيران القضايا العادلة لتلميع صورته وإعادة بناء شعبية حزبه المتهالكة    "الاستقلال" يشكو أوزين إلى العلمي    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    نقل عاملات استنشقن غازا ساما إلى المستعجلات بالقنيطرة وحالة أربعة منهن خطيرة    الأحزاب الوطنية تؤكد انخراطها القوي وراء جلالة الملك في معركة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة    المديرية العامة لأمن نظم المعلومات تصدر تحذيرا من برمجية خبيثة تستهدف أجهزة أندرويد    المغرب وموريتانيا يدفعان بعجلة التنمية المحلية عبر توطيد التعاون اللامركزي    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    "الأشبال" يستعدون لتونس بالإسماعيلية    كوبونات الخصم: مزاياها وكيفية استخدامها عند التسوق اونلاين    احتفالية نزاهة الملحون بمكناس تعرف مشاركة من مدينة العرائش    الغزيون في مواجهة سلاحي الجوع والعطش    الموسم الفلاحي .. توقع تسجيل زيادة بنسبة 41 في المائة من محصول الحبوب الرئيسية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    وزارة الداخلية تشدد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    احجيرة: 8 آلاف سيارة مغربية بمصر    شركة صينية تُحوّل استثمارها من إسبانيا إلى طنجة    العروي.. الشرطة القضائية توقف "الصيد الثمين" في حملة أمنية ضد مروجي المخدرات    مدارس السياقة ترفض الصيغة الجديدة للامتحان وتطالب برخصة خاصة "بالأوتوماتيك"    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    جهة الشرق تسجل أعلى معدل بطالة في المغرب    الحسيمة تحتفي بالسينما الفرنسية ضمن فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم    الدريوش توضح حيثيات تصريح الداخلة: دعم مشاريع الأحياء المائية موجه للمبادرات وليس للأفراد وعدد المستفيدين بلغ 592 مستفيدا    مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    المحمدية تحتفي بالمسرح الاحترافي في دورته الثالثة    مزاعم اختطاف أطفال في طنجة غير صحيحة    "تعزيز الدفاع" يؤخر محاكمة حامي الدين    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    باريس.. الوجه الآخر    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    المغربي "الهيشو" يسقط في قبضة العدالة الإسبانية بعد 15 شهرا من التخفي    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدي شاشكال .. «حج المسكين» بضواحي آسفي
هكذا يحج الفقراء إلى الضريح تزامنا مع يوم عرفة
نشر في المساء يوم 08 - 10 - 2014

بدون سعي ولا رمي جمرات ولا إحرام، تؤدي ساكنة ضواحي أسفي هناك على مقربة من شاطئ البدوزة، حجها الخاص، وهي تحافظ على الطواف بسبعة أشواط، وتلبية شبيهة بما يردده حجاج بيت الله الحرام، ووقوف ب«جبل عرفات»، وتوضئ من ماء «زمزم»، في الثامن من ذي الحجة من كل سنة.
إنه «حج المسكين» الذي لا يزال يحافظ على نفس طقوسه بضريح سيدي سرحال، أو سيدي شاشكال، حيث تقوم الساكنة المحيطة به والقادمة من دواوير ضاحية اسفي بالحج إلى هذا المكان لتمارس طقسها الخاص وهي تؤكد على أنه حج مبرور بسعي مشكور، على الرغم من أنه يتم بعيدا عن مكة المكرمة بآلاف الكيلومترات.
فحينما كان حجاج بيت الله يقفون عند جبل عرفات لأداء الركن الأعظم من أركان الحج هناك بمكة المكرمة، كانت ساكنة البدوزة، بعيدا عن آسفي بحوالي عشرين كيلومتر، تستعد لأداء مناسك حجها الاسثتنائي حول ضريح سيدي شاشكال. وهي مناسك تختلط فيها الكثير من الممارسات ذات الارتباط بما هو سائد في عدد من الأضرحة والأولياء، خصوصا أن المنطقة تحتضن عددا كبيرا منها.
هنا بين دواوير لالة فاطنة والكرعة واولاد ابراهيم والشليحات، لا حديث إلا عن الموعد السنوي، حيث تحج القبائل إلى ضريح سيدي امحمد سرحال، قبل أن يتغير الاسم ويصبح هو سيدي شاشكال، لتؤدي مناسك الحج بنفس الطقوس تقريبا التي يمارسها الحجاج إلى بيت الله.
ثمة طواف بسبعة أشواط حول ضريح الولي الذي يوجد فوق رمال شاطئ البدوزة. وأدعية تشبه ما يتردد في مكة «لبيك اللهم لبيك..إن الحمد والنعمة لك والملك..لا شريك لك لبيك». تنضاف إليها أدعية خاصة بالمنطة من قبيل «يا رحمان يا رحيم.
. احنا جئنا حجاج زائرين».
وبعد أن تنتهي طقوس الطواف حول «كعبة» سيدي شاشكال، وغير بعيد عن الضريح، توجد بئر ماء يشرب منها حجاج الضريح، ويتوضؤون من مائها. وهي البئر التي يسميها هؤلاء الحجاج بئر زمزم. بعد ذلك يصعد حجاج سيدي شاشكال مرتفعا يقال له جبل الرحمة، أو»لالة نوارة» حيث يؤدون الركن الأعظم في الحج، وهو الوقوف بعرفات. ف»الحج عرفات»، كما يقول الحديث النبوي.
في الطريق إلى سيدي شاشكال، والذي تنطلق به الطقوس فجرا لتستمر إلى طلوع الشمس تحسبا لحالات مد وجزر المحيط الأطلسي، حيث يوجد الضريح/الكعبة، تتجمع ساكنة الدواوير والقبائل المجاورة لمنطقة البدوزة عند ناصية الطريق بحثا عن مقعد في سيارة أجرة، أو سيارة للنقل السري التي تملأ المكان في هذا اليوم. أو من خلال بعض الشاحنات والعربات التي تؤدي مهمة نقل «حجاج بيت الله».
هو يوم مقدس، يشرح مرافقي وهو يحكي عن الدفاع المستميت الذي تبديه الساكنة عن طقسها لدرجة أنها دخلت في صراع مرير مع بعض رجال السلطة، الذين كانوا يستعدون لإنهاء هذا الطقس بعد أن تحرك المجتمع المدني للاحتجاج، كيف تراقب السلطة هذا السلوك الغريب دون أن توقفه.
هنا بشاطئ البدوزة يمكن أن يمارس «ضيوف الرحمان» طقوسهم بشروط تفضيلية. فحج المسكين يتم بدون إحرام. والمخيط حلال. فقط على الحجاج أن ينزعوا أحذيتهم وهم يطوفون قبل أن يقفوا للصلاة. ولا مشكل في الأمر. فالمكان هو عبارة عن رمال الشاطئ الذهبية، تلك التي يقصدها المصطافون صيفا للتمتع بما تقدمه للمولعين برياضة ركوب الموج من متعة.
غير بعيد عن الضريح، تتراءى لك الخيام المنصوبة حيث يباع التمر والحناء. كما يقتني الحجاج بعد أن يكملوا طقسهم، ما يحتاجونه ليوم العيد. كما أن الحجاج يقومون بعملية الحلق والتقصير، تماما كما يحدث هناك في الديار المقدسة. ويبدو سيدي شاشكال، أو حج المسكين، فضاء تتجمع فيه ساكنة المنطقة للاحتفال بمقدم عيد جديد، خصوصا أن المنطقة أضحت تعرف بهذا الطقس، الذي يحكي بعض الدارسين لتاريخ المنطقة على أنه ممتد في القدم. فشرط الحج، الذي يفرض الاستطاعة عملا بقوله تعالى الحج لمن استطاع إليه سبيلا، هو المبرر الديني الذي كان يعتمد عليه بعض المغاربة لكي لا ينتقلوا إلى حيث توجد مكة المكرمة، نظرا لخطورة الطريق. لذلك ظلوا يكتفون بهذا الحج نظرا لأنهم لم يستطيعوا لحج مكة سبيلا.
حج بدون سعي
حجاج سيدي شاشكال معفون من أداء فريضة السعي بين الصفا والمروة، كركن من أركان الحج، ليس خروجا عن الدين، ولكن لأن «حج المسكين» هناك بضواحي آسفي وعلى شاطئ البدوزة، لم يوفر لهم المكان المناسب لذلك. فبالقدر الذي يحافظ هؤلاء الحجاج على طقس الطواف والتلبية والوقوف والصلاة، بالقدر الذي يضطرون للقفز على ركن السعي.
أما للتعويض، فقد اقترح أحد مرافقينا ساخرا أن تقتطع شركة الطرق السيارة لهؤلاء الحجاج من مشروع الطريق السيار التي يتم إنجازها بين آسفي والدار البيضاء، مقطعا يخصص لأداء ركن السعي من أجل أن تكتمل شروط المناسك، ويكون الحج مبرورا والسعي مشكورا.
نضحك من هذا الذي نرى. رجال ونساء وأطفال أيضا يهرولون على مدار الضريح، الذي يبدو أنه مكان مهجور حيث لا يتم تنظيفه، كما قال لنا أحد الزوار، إلا بمناسبة هذا «الحج». ومع ذلك فلا يتردد الحجاج في الدفاع عن طقوسه باعتباره موروثا تركه الآباء والأجداد. ولا بد من حمايته للأحفاد، على الرغم من أن الأعداد بدأت تتناقص سنة بعد أخرى.
وحينما تكتمل طقوس حج المسكين، يقف الحجاج لأداء بعض الصلوات خلف إمام جاء خصيصا لأداء هذه المهمة. غير أن الصلاة في سيدي شاشكال تختلف عن الصلاة في البيت الحرام. فحجاج سيدي شاشكال يقفون في صفوف متراصة أمام الضريح بدلا من الصلاة في مداره، كما يحدث في البيت الحرام. فالآية تقول: «وولوا وجوهكم صوب المسجد الحرام»، وليس صوب ضريح سيدي شاشكال، يشرح أحد الحجاج الذي كان متحمسا لطقوسه ومدافعا شرسا على ما يعتبره عادات يجب الحفاظ عليها.
«نحن أمة مسلمة تؤدي فرائضها من صلاة وزكاة وصوم. أما الحج، فلمن استطاع إليه سبيلا، كما تقول الآية. ولأننا لم نستطع، فإننا نعوضه بهذا الحج، كما صنع آباؤنا وأجدادنا».
الحج لمن استطاع إليه سبيلا
[[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"13720","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]]
حينما يطرح الكثيرون السؤال حول سر هذا الحج الذي يسميه المدافعون عنه حج المسكين بضواحي آسفي، لا يمكن للمتحمسين إلا أن يجدوا في صيغة أن «الحج لمن استطاع إليه سبيلا» المبرر. لذلك يحكي بعض الذين درسوا تاريخ المنطقة، والتي شكلت حدود ما عرف بمملكة بورغواطة التي كانت تمتد من سلا إلى ثخوم آسفي بعاصمتها آزمور، فيما كان يعرف ب»تامسنا»، والتي قهرت أكثر من دولة قبل أن يسقطها يوسف بن تاشفين تحت السيطرة على العهد المرابطي، بعد أن امتد حكمها لأكثر من أربعة قرون.. يحكون كيف أن بعض المغاربة ظلوا يعوضون الحج إلى بيت الله الحرام هناك حيث بيت الخليل ابراهيم عليه السلام، بحج سيدي شاشكال، تحت مبرر «لمن استطاع إليه سبيلا».
و«لأن النية أبلغ من العمل»، يشرح أحد المهتمين بهذا التاريخ، فقد عوض حج مكة بهذا الحج نظرا للمتاعب والمخاطر التي كانت تعترض الراغب في الحج في الطريق من الغرب الإسلامي إلى مشرقه، خصوصا وأن التفاسير ذهبت إلى القول «إن وجوب الاستطاعة أن تكون الطريق آمنة بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله. فلو خاف على نفسه وماله، فهو ممن لم يستطع إليه سبيلا». لذلك لم يكن الحل هو إسقاط هذا الركن الأساسي من أركان الإسلام، ولكن البديل هو حج المسكين، بنفس الطقوس ونفس المناسك من طواف ووقوف بعرفات وبنفس الأدعية من أجل أن يكون الحج مبرورا والسعي مشكورا.
تحكي بعض كتب تاريخ المغرب على عهد حكم المرابطين كيف أن علي المرابطي استشار الفقيه والطبيب ابن رشد حول المفاضلة بين أداء فريضة الحج، أو الجهاد من أجل الدفاع عن حوزة الوطن، خصوصا وأن الأندلس كانت وقتها مهددة بالضياع والسقوط. فكان رد ابن رشد حاسما، كون الجهاد هو الأولى للمسلمين من أداء فريضة الحج. اجتهاد الفقيه والطبيب ابن رشد بالقدر الذي أسعد بعض المتشددين الذين دعوا إلى إسقاط فريضة الحج لأن الكثير من المسلمين لا يستطيعون إليها سبيلا، وتعويضها بالجهاد، بالقدر الذي أغضبت فئة أخرى تقول إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم اعتبر الحج في درجة الجهاد، كما هو مثبت في الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري ومسلم. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، ترى الجهاد أفضل من العمل. أفلا نجاهد؟ قال، «لكن أفضل الجهاد حج مبرور».
للبورغواطيين نصيب
لم تكن الطقوس التي ظل يمارسها البورغواطيون فيما اعتبروه دينا خاصا، لتخلو من مثل هذه الممارسات التي نعيشها اليوم مع «حج المسكين» هذا على الرغم من آلاف الكيلومترات التي تفصلنا عن مكة المكرمة، حيث تمارس طقوس الحج ومناسكه. لذلك يتحدث بعض الدارسين، في محاولة لشرح الظاهرة، على أن تواجد ضريح سيدي شاشكال بشاطئ البدوزة بضواحي مدينة آسفي، مؤشر قوي على أن لطقوس هذا الحج علاقة بمملكة بورغواطة، التي كانت ممتدة من حدود سلا، إلى حدود اسفي.
تسعفنا بعض الكتابات التاريخية لفهم بعض خلفيات ميلاد مملكة بورغواطة، التي شقت عصا الطاعة على الدولة المركزية، كيف أن هذه الإمارة استطاعت أن تكون لها عاصمتها آزمور، والتي سمي نبيها، كما يدعي، باسمها «صالح ازمور». كما كان لها قرآنها وممارساتها الدينية الخاصة، والتي كان يجب أن تختلف عن دين الدولة المركزية. لذلك ليس غريبا أن يكون هذا الحج الاسثتنائي في سيدي شاشكال، امتدادا لطقوس بورغواطة الدينية.
تقول بعض الكتابات التاريخية كيف أن الفاتحين العرب الذين وصلوا الغرب الإسلامي لنشر الدين الجديد، لم يكن رهانهم الأكبر هو نشر الإسلام وتعاليمه بين ساكنة المنطقة التي كان بعضها يدين بالمسيحية، بالقدر الذي كان الرهان هو البحث عن الغنائم والسبايا والأموال. الشيء الذي سيغضب «ميسرة البربري»، وهو أحد قادة الجيش الإسلامي إلى بلاد الغرب، لكي يبعث برسالة شديدة اللهجة إلى خليفته الأموي هشام بن عبد الملك يشرح له فيها الأسلوب غير اللائق، الذي يتعامل به أصحاب الخليفة مع ساكنة هذا الغرب، الذي يستعد لدخول الإسلام. ومن أهم ما حملته رسالة ميسرة إلى عبد المالك قوله: «إن أميرنا يذهب في حملته. وحين يحصل على غنيمته يستثنينا. فنقول جاهدنا في سبيل الله. وحين نحاصر مدينة من المدن، يقول لنا تقدموا، ويترك الجيوش القادمة من الشرق إلى الخلف. نقول إن أجرنا على الله سيكون أكبر. أما حينما يخطف كل بنت جميلة من بناتنا، فنود أن نعلم هل كل ذلك يتم تلبية لطلبكم».
ظل الحال على ما هو عليه. لم يأت جواب الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك. أما ميسرة، فقد انتقل إلى القيروان رفقة رجل اسمه طريف. هو الذي سيؤسس بعد ذلك، ردا على ما اعتبره إسلام المشرق، إمارة بورغواطة. لكن بإسلام جديد، امتد من سلا إلى آسفي.
لقد استطاع طريف أن يجمع حوله خمسا وثلاثين قبيلة ليعترف لهم أنه هو النبي الجديد.
فقد كتب المؤرخ البكري، كيف أن طريف قال لأتباعه إن النبي الأول هو جده صالح بمنطوق الآية القرآنية التي تقول في سورة التحرير: «وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا». وصالح هو البديل عن أمير المؤمنين. كما أن القرآن نفسه يؤكد على أن النبوة لا تكون إلا بلسان القوم عملا بقوله تعالى «وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه». وبما أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم كان عربيا، فقد أنزل على قومه العرب. فيما أرسل صالح نبيا لقومه البربر.
أي علاقة بين مملكة بورغواطة وحج سيدي شاشكال، وهذه الطقوس الدينية الغريبة التي تجد لها إلى اليوم أتباعها ومن يدافعون عنها بالكثير من الحماس؟
نطرح السؤال مرة أخرى، وتسعفنا بعض الكتابات التي وثقت لتاريخ هذه المملكة التي أسست لها دينا جديدا أراده نبيها صالح أن يكون أقوى من الإسلام، لكي لا يفهم أن أهل تامسنا ارتدوا عن الدين الجديد.
في إسلام بورغواطة قرآن بثمانين سورة. أما أسماء السور، فهي بأسماء الأنبياء من آدم وأيوب ويونس. أو من أسماء الحيوانات.
وفي هذا الإسلام صلاة بدون ركوع ولا سجود. بالإضافة إلى أنها تصلى خمس مرات في اليوم، وخمسا في الليل. وفيه صوم في شهر رجب، بدلا من شهر رمضان.
أما بعيدا عن هذا الغلو في ممارسة الشعائر الدينية، فقد كان إسلام بورغواطة متسامحا مع ملذات الحياة، حيث كان الزواج مباحا للرجل ما استطاع إليه. كما أن العود بعد الطلاق مباح، بدون قيد ولا شرط. والحصيلة هي أن مملكة بورغواطة تعاملت مع الإسلام كدين دخيل، في الوقت الذي خلقت لنفسها إسلاما جديدا. لذلك فهذه الطقوس التي تعرفها بعض الأضرحة، قد تكون امتدادا لما صنعه البورغواطيون.
نقفل عائدين من سيدي شاشكال بعد أن انتهت طقوس حج المسكين، ونقارن بين هذا الذي يحدث من بدع وخرافات يفترض أن يكون قد عفا عنها الزمن، وبين مغرب القرن الجديد. ونعيد طرح السؤال عن الموقف الذي يفترض أن تقفه السلطة أمام ما يحدث على مقربة من الجماعة القروية لإيرير، قرب شاطئ البدوزة بضواحي إقليم آسفي.
أما الجواب، فقد اكتشفناه حينما وجدنا أن هذه السلطة هي التي تحرس «حجاج البيت»، وتحمي سوقهم، ما لم يفكروا في بدع أخرى خصوصا وأن بعض أصوات دعاة السلفية، لا يترددون في الدعوة لمنع حج المسكين.
وما دامت طقوس هذا الحج تمارس أمام أعين علماء وخطباء ووعاض وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فلا نملك إلا أن نتمنى لحجاج سيدي شاشكال، هناك بضواحي آسفي وبعيدا عن مكة بآلاف الكيلومترات، حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا.
تركستان أو الحج إلى مكة الثانية
[[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"13722","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]]
في مدينة «تركستان» بجنوب كازاخستان، يوجد ضريح أحمد الياساوي، واحد من أشهر الصوفيين في المنطقة، هناك. وقد عرفت المدينة سابقا باسم ياساوي، قبل أن تسمى في القرن الخامس عشر «تركستان» باعتبارها مدينة لكل الشعوب الناطقة باللغة التركية. ومنذ أكثر من ربع قرن، أصبح بعض أتباع فرق ومذاهب صوفية مسلمة يؤدون ما يسمونه بالحج الأصغر في كازاخستان، على مدار العام، ووفق طقوس خاصة تنطلق من تقاليد وعادات شعبية في تركستان، بعد أن أطلقوا على المدينة اسم «مكة الثانية».
غير أنه في السنوات العشر الأخيرة، تغيرت تلك الطقوس لتتطابق مع طقوس الحج، بعد أن زاد توافد الحجاج إلى المدينة من كل مدن ودول آسيا الوسطى للتبرك بها، ولأداء الفريضة التي يصعب عليهم أداؤها في السعودية. وتبدأ طقوس الحج في «مكة الثانية» بالطواف حول مسجد تكستان، والتبرك بجدرانه إلى حد تقبيلها. كما يتابع الزوار أداء طقوسهم الخاصة بالدخول إلى المسجد والدعاء أمام الصحن المعدني الضخم وسط ساحته، ولذلك الصحن وضع خاص، حيث صنع بأمر من الأمير «تيمور» في العام 1393 في قرية «ياس» بالقرب من تركستان من الذهب والفضة والبرونز والحديد الأحمر والبلاتين، ومعادن أخرى، من أجل وضع الماء فيه وقتها. وقد نقشت عليه كتابات عربية في ثلاثة أقسام، حيث كتب في القسم الأول حديث للرسول عليه الصلاة والسلام يقول ما معناه: «أن من حفر بئرا في سبيل الله كتب الله له بئرا في الجنة». وفي القسم الثاني، نقش عليه اسم الحرفي الذي صنع الصحن، وهو عبد العزيز بن شرف الدين التريزي. أما في القسم الثالث، فقد كتب جملة «العظمة لله». ويبلغ وزن الصحن طنين، ويتسع لثلاثة آلاف لتر من الماء. ويعتقد السكان المحليون أن مياهه مباركة مثل «ماء زمزم».
طوبى أو الحج إلى مكة الإفريقية
أما في السينغال فتلقب مدينة «طوبى» ب«مكة الإفريقية»، حيث يقع مسجد وضريح الشيخ «أحمدو بامبا»، مؤسس الطريقة المريدية، الذي تحول إلى كعبة يحج إليها كل عام آلاف المسلمين. وطوبى هي المدينة التي أسسها البامبا في مقتبل دعوته التي بدأها عام 1300هجرية، وسماها على اسم شجرة طوبى، حيث ادعى أنه بنى مدينة طوبى عندما رأى نورا يغشى الأبصار عند شجرة معينة، وأن جبريل عليه السلام وعده بأن المكان حول هذه الشجرة سوف يتحول إلى مدينة مركزية روحية لها شهرة كونية يأتي إليها العالم كله للتوبة والاستغفار. ويرى الكثير من السينغاليين أن بإمكانهم الاستعاضة عن الحج إلى المسجد الحرام بمكة ذات التكاليف الباهظة والمشاق الضخمة، بالحج إلى مكة الإفريقية التي يمكنها أن تمنحهم شعورا نفسيا بديلا للحج، وبتكاليف يسيرة للغاية، سواء من داخل السينغال، أو من أي دولة في إفريقية أخرى. أما توقيت هذا الحج، فيأتي بعد انتصاف شهر صفر من كل عام، ويستغرق فترة زمنية محدودة لا تتجاوز ثلاثة أيام لزيارة الضريح، الذي يقع داخل مسجد طوبى، وبجواره بئر يقول القائمون على المسجد إن ماءه أفضل من «ماء زمزم». ويؤدي الحجيج طقوسا تقترب كثيرا من أسلوب الحج إلى البيت الحرام، حيث يطوف الزائرون بالضريح، ثم يستمعون إلى خطبة الخليفة الحالي للطريقة المريدية، وبعدها يقدمون النذور والقرابين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.