الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دوار الكدية: الحرب المعلنة على الإنسان والبيئة
جماعة عين تيزغة تعرف أكبر كارثة بيئية جراء تجاوزات أصحاب المقالع
نشر في المساء يوم 24 - 04 - 2009

تستمر معاناة سكان دوار الكدية أمام تجاوزات أصحاب مقالع الأحجار والحصى... رسائل احتجاجية بالجملة بعثت إلى كل الجهات المعنية محليا وجهويا ووطنيا دون جدوى، أسئلة كتابية وشفهية داخل البرلمان، معاناة حملتها مقالات تدفقت عبر منابر وطنية مختلفة ومشاهد محزنة نقلتها وسائل الإعلام المرئية، ملفات مركونة للسنة الرابعة على التوالي داخل ابتدائية ابن سليمان كادت الرطوبة تمحو مضامينها، ومرضى من نساء وأطفال وشيوخ يحتضرون داخل منازلهم خارج تغطية فضاءات حقوق الإنسان ودعاة المحافظة على البيئة... كل هذا يقابله سخاء أصحاب المقالع الذي شمل الكبير والصغير: رشاوى في شكل هبات لكل من ساند طغيانهم، أحجار وحصى (كياس) لمساعدة حبيب في بناء منزله أو شق مسلك لضيعته، محروقات لكل موظف متواطئ... حتى براميل الوقود الفارغة لها من يتسولها من أصحاب المقالع مقابل الالتزام بالصمت.
لن تحتاج إلى مرشد أو خبير لتقف على الكارثة البيئية التي حلت بمنطقة دوار الكدية، التابعة للجماعة القروية عين تيزغة، أغنى جماعة داخل تراب إقليم ابن سليمان.. إذ تكفيك زيارة ميدانية لا علم لأصحاب مقالع الأحجار وحلفائهم بها، لتقف على آلاف الهكتارات الفلاحية والغابوية التي غطتها الأحجار والأتربة، والغبار المتطاير من أفواه تسعة مقالع للأحجار والأتربة تحاصر ساكنة الدوار، إذ ما إن تطل الشمس وتجف مياه الأمطار حتى يغطي الغبار سماء وأرض المنطقة، وما إن تهب الرياح حتى تصبح المنطقة كتلة من الغبار الحاجب للرؤية والخانق لكل كائن حي، وتعلن حالة الطوارئ وتلجأ الأسر إلى إحكام إغلاق نوافذ وأبواب غرفها وقراءة ما تيسر من القرآن والصلاة من أجل سلامة أطفالها وشيوخها. ويبقى فصلا الصيف والخريف أخطر فترات الجحيم التي يعيشها الإنسان والحيوان والنبات بالمنطقة، بعيدا عن فضاءات حقوق الإنسان ودعاة المحافظة على البيئة.
الغبار المتطاير من المقالع يغطي آلاف الهكتارات الفلاحية والمنازل وأجزاء كبيرة من الغابة، كما أن أصوات المتفجرات تدوي بقوة كبيرة توحي للغريب عن المنطقة بأن المكان ساحة حرب، وأصحاب المقالع يحتلون مساحات شاسعة بالجوار، غابوية ومسطحة، حيث يرمون الأتربة والأزبال.
رضع محكوم عليهم بالسجن داخل غرف ضيقة محكمة الإغلاق لكي لا يختنقوا جراء الغبار الذي تمكن من ولوج منازلهم، وأطفال هاجروا كتاب القرية الوحيد وممنوعون من اللعب وآخرون مضطرون للخروج من أجل التمدرس، ومعظمهم مصاب بأمراض العيون والربو وضيق التنفس.
نساء يقضين النهار في تنظيف الغرف التي لا تنظف، وتصبين ملابس كتب عليها ألا ترى الشمس لتجف، وتكتفي النساء بوضعها قرب فرن أو قنينة غاز (بوطة) أو وضعها تحت وسادة أو وسط أغطية لتنشف.
محاصيل زراعية من القمح والشعير بألوان غير عادية وأشجار تكسوها الكآبة، دوي متفجرات في كل وقت وحين دون أدنى إخبار للسكان، انفجارات قوية تصدعت بسببها جدران عدة منازل، وفزع منها الأطفال والنساء والشيوخ. السكان وحسب مواقع منازلهم أصبحوا يتنبؤون بتلك الانفجارات فيعمدون إلى إغلاق آذان أطفالهم ونسائهم.
آبار مياه غمرتها الأتربة فأصبحت غير صالحة للشرب، وأخرى جفت بعد أن تسربت المياه إلى سفوح بعض المقالع التي زاد عمقها ولم تحترم دفتر التحملات. وأمضى أصحابها في الحفر إلى أن تدفقت (مياه سيدي ربي)، فعمدوا إلى تصريفها في الخلاء المجاور.
وأكدت مصادر من داخل جماعة عين تيزغة، التي تحتضن 17 مقلعا ضمنها 13 مقلعا نشيطا، أن مداخيل الجماعة من المقالع فاق مليار سنتيم سنة 2008، وأن المقالع تشغل ما بين 50 و70 في المائة من اليد العاملة المحلية، وهي تنتج الأتربة والحصى والأحجار والرخام حسب موقع تواجدها، ولم تنف مصادرنا إقرار الجماعة القروية بوجود تجاوزات على مستوى احترام دفتر التحملات، وكذا على مستوى كمية المواد المستخرجة يوميا والمصرح بها رسميا وحمولات الشاحنات الزائدة، وكشف نفس المصدر أن الجماعة احتفظت نهاية السنة المنصرمة بفائض بلغ حوالي مليار سنتيم.
مآس مستمرة
أوضح العربي الشاوي، رئيس جمعية سكان دوار الكدية، أنه رغم طرق أبواب المحاكم ومراسلة كل الجهات المعنية، فإن الوضع بالمنطقة يزداد استفحالا، خصوصا أن فصل الصيف هو الفصل الذي يتأذى فيه أكثر سكان الدوار، وأشار إلى أن عدة لجن إقليمية وجهوية ووطنية زارت المنطقة ووقفت على هول الكارثة البيئية التي أتت على الإنسان والحيوان والنبات دون أن يتم ردع أصحاب المقالع.
وقال عدد من سكان الدوار إن أطفالهم لا يرون نور الشمس، حتى بلوغهم سن الرابعة، تفاديا للاختناقات التي لازمت الكثير من الرضع، وحرم الأطفال من اللعب خارج منازلهم، والنساء من نشر الغسيل تحت أضواء الشمس، كما أن الأسر تضطر لإغلاق النوافذ والأبواب في أوج الحر، مما يسبب اختناقا للصغار والكبار.
وتساءل السكان عن صمت المسؤولين عن المياه والغابات أمام الإتلاف التام للآلاف من الهكتارات على طول وادي شراط، وطالبوا الجهات الرسمية والجمعيات المهتمة بالبيئة وحقوق الإنسان بالقيام بتدخل عاجل لإنقاذهم وإنقاذ مواشيهم وأراضيهم الفلاحية، وكذا الغطاء الغابوي الذي أصبح مكسوا على مدى أزيد من عشرين كلم بغبار المقالع، مما نتجت عنه هجرة الطيور، وكل أنواع الحيوانات (الأرانب، الخنازير...)، علما أن المنطقة كانت مصنفة من قبل ضمن المناطق الخاصة بالقنص وتربية الوحوش.
ويوجد كتاب الشيخ الفقيه صالح السعدي على مقربة من عدة مقالع أبى أصحابها أن يلتزموا بدفتر التحملات، ويوجد أمام الكتاب مقلعان، وعن يمينه مقلع وعن يساره وقال الشاوي إن الشيخ السعدي أغلق كتابه والأطفال أصبحوا محاصرين داخل منازلهم وممنوعين من الدراسة واللعب.
ويذكر أنه بالقرب من المقالع توجد فرعية تابعة لمجموعة مدارس العيون، مكسوة هي الأخرى بالغبار اليومي للمقالع، وغبار الشاحنات المحملة بالأحجار والأتربة، والتي تسير بسرعة فائقة، وتدمر كل الطرق التي تمر منها. وبسبب عدم وجود سياج يحيط ببعض المقالع، سبق أن لقي طفل في الخامسة عشر من عمره مصرعه بعد سقوطه في مقلع للأحجار. وأكدت مصادر ل«المساء» أن الطفل كان يرعى غنمه قرب حافة المقلع الذي يناهز عمقه الثلاثين مترا، حين انزلقت رجلاه نتيجة الوحل فهوى إلى قاع المقلع حيث فارق الحياة بعد ثوان من سقوطه. كما نفقت رؤوس من الابقار والخرفان بعد أن سقطت أسفل تلك المقالع غير المؤمنة.
كما سبق لشاحنة أن حولت جسد تلميذة في السادسة من عمرها إلى أشلاء متناثرة، على الطريق المؤدية إلى دوار الكدية، وكانت عائدة رفقة خمسة من زميلاتها إلى منازلهن بعد انتهار فترة الدراسة.
نماذج للضحايا
ازداد عدد الأشخاص ضحايا تجاوزات أصحاب مقالع الأحجار والحصى، واختلفت الإصابات والأمراض التي تعرض لها العشرات من الأشخاص بمختلف أعمارهم، حسب مجموعة من سكان الدوار زارتهم «المساء» السبت الماضي، (أمراض العيون، والأمراض الجلدية، والربو وضيق التنفس، ووجود حصى بالمرارة (الصفراء) أو الكلى، والتعفن...).
محمد في عقده السابع، رب أسرة مكونة من 11 طفلا ضمنهم ست إناث، أكد انه مهدد رفقة أسرته بما تقذفه المقالع بعد تنفيذ كل انفجار، حيث أكد أن الأتربة والأحجار أتلفت فلاحته، وأنها تسقط يوميا فوق سطح منزله وفوق أشجار الزيتون وتتلف أغصانها وثمارها، وأضاف أن دوي الانفجارات يرعب الأسرة ويجعل الأطفال يعيشون اضطرابات نفسية يومية.
السعدية أم لسبعة أطفال أصيبت بمرض الربو وصداع الرأس، وجهاز الربو (الرابوز) لايفارقها. «المساء» التي زارت المريضة وجدتها طريحة الفراش، وزوجها أكد للجريدة أنها أصبحت عاجزة عن تلبية طلبات الأطفال وأن مرضها يفرض عليها استعمال (الرابوز) بكثافة، وأنها تحتاج إليه كل ثلاثة أيام، وأن كلفة علاجها تقارب 600 درهم شهريا.
فاطمة في عقدها السادس مصابة كذلك بالربو (الحساسية أو الضيقة) وانتفاخ في عينها بسبب الغبار، مرضت منذ أزيد من 11 سنة، وقال ابنها إنها تخاف من سماع الانفجارات وحدها، وأن الأسرة الفقيرة لا دخل لها وكلفة العلاج تفوق 500 درهم شهريا.
الطفلة ميساء ذات الخمس سنوات أصيبت بمرض حساسية العيون، فتضطر أمها المريضة أيضا بحساسية العيون إلى مغادرة منزل الزوجية ومصاحبتها بعيدا عن المنطقة في انتظار شفائها أو شفاء المنطقة من الغبار الذي غطى كل جوانبها.
رحمة في عقدها السابع أصيبت بالعمى منذ سنوات بسبب الغبار، ورغم أنها أجرت عملية جراحية زرع عدسة في عينها اليسرى فإنها لم تتمكن من المحافظة على شعاع النور الذي يمكنها من التحرك بحرية. رحمة العجوز تعيش جحيم انتظار صوت المتفجرات، وأبناؤها يتناوبون على ضمها إلى أحضانهم عند كل انفجار.
الطفل أنس ابن السنة والنصف مصاب بالحساسية في عينيه، والدموع لا تفارق وجهه البريء حتى لحظة مداعبته وحمله على الدفع بابتسامة تخفي وراءها جحيم الغبار.
ملف في المحكمة
ملف تجاوزات أصحاب المقالع الذي وضعه مجموعة من المتضررين من سكان دوار الكدية لا زال يرقد منذ أربع سنوات داخل ردهات المحكمة الابتدائية بابن سليمان، بعد أن دخل ثلاث مرات للمداولة، وبعد تغيير الخبير الأول، الذي تباطأ في إجراء الخبرة الميدانية، بخبير ثان، وإجراء خبرة ميدانية من طرف خبير آخر أكدت معاناة السكان من تجاوزات أصحاب ستة مقالع. وينتظر المتضررون ما ستفرزه جلسة جديدة حددتها المحكمة يوم 18 مايو المقبل.
وحدد المتضررون، الذين تقدموا سنة 2005 بشكاية رسمية إلى المحكمة، وعددهم 35 شخصا من بين حوالي مائة أسرة من سكان دوار الكدية، عدة مطالب لخصوها في المطالبة باحترام بنود كناش التحملات، والتقيد بمقتضيات ظهير 5 ماي 1914 وكذا الشروط التكميلية للمحافظة على البيئة، وعقلنة الاستغلال طبقا للدورية المشتركة لوزراء الداخلية والأشغال العمومية والفلاحة والاستثمار الفلاحي تحت رقم 87 بتاريخ 8 يونيو 1994، والإسراع باستغلال المياه الجوفية التي تتدفق من بعض المقالع وتضيع في الخلاء، في الوقت الذي جفت فيه آبار الجوار، وتعويضهم عن الخسائر المادية والصحية التي لحقت بأسرهم ومواشيهم وفلاحتهم، وتشغيل اليد العاملة المحلية التي أصبحت عاطلة بعد إتلاف فلاحتها وإيجاد بديل لمنازلهم وأراضيهم بعيدا عن المنطقة التي أصبحت لا تتوفر على أدنى شروط العيش والاستثمار الفلاحي.
ويتساءل السكان عن سبب عدم إرسال خبراء في مجال البيئة لتحليل التربة والغطاء النباتي والغابوي المتدهور، كما يتساءلون عن سبب عدم دخول اللجن الإقليمية والجهوية والوطنية التي تحل بالمنطقة إلى المنازل المتضررة لرؤية التصدعات والغبار الذي صار جزءا من حياتهم اليومية يجدونه داخل دواليب ملابسهم و«فيترينات» أوانيهم المنزلية، وإجراء فحوصات مضادة لمرضاهم من أجل التأكد من مسببات تلك الأمراض التي حطت بكل المنازل، والوقوف على هول ما تخلفه الانفجارات المتتالية من شقوق والغبار الذي انسل إلى داخل غرف النوم.
شكايات بالجملة
وقد سبق للمتضررين من سكان الدوار أن راسلوا عدة جهات معنية دون جدوى، قبل أن يلتجئوا إلى الصحافة المكتوبة والمرئية والجمعيات الحقوقية والمهتمة بالشؤون البيئية والصحية، وأوضحوا أن شكايتهم إلى وزير الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري من أجل رفع ضرر التلوث، جراء استغلال مقالع خربت أراضيهم الفلاحية والقطاع الغابوي المجاور لهم، لقيت ردا اعتبروه مبهما يفيد بأن صلاحية الوزارة لا تتعدى مسؤولية المحافظة على الموارد الطبيعية ولا يمكنها التدخل للحد من أنشطة القطاع الخاص. كما طالبوا المسؤولين بالوزارة بإجراء معاينات ميدانية للوقوف على خطورة الوضع على كل كائن حي بجوار المقالع.
وتوصل المتضررون برد من مديرية التنمية المعدنية بوزارة الطاقة والمعادن على شكايتهم حول الضرر الناجم عن المقالع، يقضي بعدم الاختصاص، كما ردت مندوبية الإسكان والتعمير بإقليم ابن سليمان على رسالة وجهت للوزير المنتدب المكلف بالإسكان والتعمير بتاريخ ثاني يونيو2005، تفيد بأنها غير معنية بالموضوع، وأن لجنة إقليمية، تؤطرها الدورية الوزارية المشتركة عدد 87 بتاريخ 8 يونيو 1994 بين وزارات التجهيز والداخلية والفلاحة، قد خرجت إلى عين المكان وتم الاتفاق على إصلاح جزء من الطريق المؤدية للدوار على مسافة 1800 متر.
كما جاء في رسالة رد من كتابة الدولة المكلفة بالبيئة أنها راسلت أرباب المقالع لتطبيق التوصيات المقترحة واحترام كل المقتضيات القانونية والتنظيمية الرامية إلى المحافظة على البيئة وسلامة السكان. وتشمل التوصيات الحد من انتشار الغبار مع تشجير جنبات الطريق وتحديد مواقع المقالع وإصلاح وصيانة الطريق الإقليمية رقم 333 وكذا المسالك المؤدية إلى المقالع وتزويد عمال المقالع بالوسائل الصحية والوقائية ودعوة وكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية ورديغة إلى تحديد أسباب وجود الماء في قعر الحفر التي تؤخذ منها الأحجار.
البرلمان يحيل الملف على عامل إقليم ابن سليمان
أعاد كريم غلاب وزير التجهيز والنقل عقرب ملف المقالع، الذي أنهك سكان المنطقة إلى نقطة الصفر، بعد أن جعل مهمة وقف نزيف المنطقة، التي تتعرض للإتلاف بسبب تجاوزات أصحاب المقالع وإنصاف المواطنين، إلى اللجنة الإقليمية التي يرأسها بعامل إقلي في الترخيص بفتح واستغلال المقالع وكذا مراقبتها.
وقد جاء جواب غلاب ردا على سؤالين، أحدهما شفوي لأحمد الزايدي النائب البرلماني ورئيس الفريق الاشتراكي، الذي أثار معاناة المواطنين جراء استغلال مقالع الأحجار بالمغرب، وخص بالذكر تجاوزات أصحاب مقالع الأحجار بالجماعة القروية عين تيزغة، والآخر كتابي وجهه محمد الزويتن، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، حول الضرر الذي يتعرض له سكان دوار الكدية بجماعة عين تيزغة بسبب تجاوزات أصحاب المقالع.
وركز غلاب على أن اللجنة المركزية للتدقيق وتتبع المقالع المحدثة مؤخرا والمكونة من ممثلي كل من وزارة الداخلية وكتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة والمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر ووزارة التجهيز والنقل، قامت بزيارتين إلى إقليم ابن سليمان يومي 15 و22 مايو 2008 للوقوف بعين المكان على الكيفية التي تستغل بها هذه المقالع ومدى احترام أصحابها لبنود كناش التحملات، وخاصة منها المتعلقة بطريقة الاستغلال والاحتياطات الواجب اتخاذها من أجل المحافظة على البيئة وسلامة المواطنين بالمنطقة. وشملت الزيارة 11 مقلعا بجماعة عين تيزغة وتم تسجيل مجموعة من الخروقات، من بينها عدم تطابق الكميات الضئيلة المصرح بها قبل فتح المقلع بالمقارنة مع الكميات الكبيرة المستخرجة حاليا، وتوسيع رقعة المقالع دون الحصول على إذن من اللجنة الإقليمية لتتبع قضايا المقالع أو على الأقل استشارتها، حيث يتم كراء أو اقتناء الأراضي المجاورة لمقالعهم من السكان واستغلالها دون علم الإدارة، والاستمرار في استخراج المواد إلى أعماق جد مهمة في غالب الأحيان تصل إلى الفرشة المائية، وغياب تهيئة المقالع بالموازاة مع تقدم الأشغال المتعلقة بعمليات الاستخراج.
وأكد غلاب أن اللجنة الإقليمية قامت خلال سنة 2007 ب95 زيارة ميدانية لمراقبة المقالع بالمنطقة وتم تحرير محاضر حول الخروقات والتجاوزات المسجلة وإشعار أرباب المقالع بالمخالفات المرتكبة من طرفهم ومطالبتهم بالالتزام بجميع التوصيات والاقتراحات المقدمة لهم من طرف اللجنة، وأنه راسل عامل إقليم ابن سليمان في الموضوع قصد اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.