الوزير السكوري يعفي مديرة "لانابيك" بعد 14 شهرا على تعيينها    روبي تشعل منصة موازين بالرباط بأغانيها الشبابية    اتصالات المغرب تستثمر 370 مليار لتطوير الأنترنت في مالي وتشاد    إسرائيل تعلن اغتيال قيادي إيراني    بدء أعمال "خارجية التعاون الإسلامي"    شكوى ضد ميرتس بسبب تصريحة الذي تضمن عبارة "نازية".. إن "إسرائيل تقوم بالعمل القذر نيابة عنا جميعاً"    أكثر من 400 قتيل في إيران منذ بدء الحرب مع إسرائيل    إصابة مبنى سكني إسرائيلي بمسيّرة        هزة أرضية جديدة ببحر البوران قبالة سواحل الريف    العاصمة الرباط تطلق مشروع مراحيض عمومية ذكية ب 20 مليون درهم        إعلامي مكسيكي بارز : الأقاليم الجنوبية تتعرض لحملات تضليل ممنهجة.. والواقع بالداخلة يكشف زيفها    حفل "روبي" بموازين يثير الانتقادات    نحو تدبير مستدام للغابات: المغرب يعزز مكانته وشراكاته البيئية        يوسف لخديم يقترب من مغادرة ريال مدريد نحو ألافيس بعقد يمتد إلى 2029    من قلب العيون.. ولد الرشيد يرسم ملامح تحوّل الصحراء إلى نموذج تنموي ودعامة دبلوماسية للمغرب    الانتصارات الدبلوماسية وعمق الإصلاح.. الأحرار يؤكد مواصلة البناء على أساس الانسجام الحكومي    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    اعتقال 10 متورطين في شبكة مخدرات بالناظور    مراقبة مكثفة وصارمة بشفشاون لرصد الدراجات النارية المخالفة للقانون والمُشكِلة للخطر    حادثة مروعة بطنجة تخلف خمسة إصابات    العجلاوي: المغرب لا يفاوض على مغربية الصحراء وقد يعتمد مجلس الأمن مبادرة الحكم الذاتي في أكتوبر    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المؤتمر الدائم للغرف الإفريقية والفرنكوفونية    صحافي مكسيكي: الجماعة الانفصالية تنشر الكثير من الأكاذيب في الأقاليم الجنوبية    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    تدشين القنصلية العامة للمغرب بمونت لاجولي    الترجي يسجل أول فوز عربي وتشيلسي ينحني أمام فلامينغو وبايرن يعبر بشق الأنفس    نادية فتاح تتوَّج كأفضل وزيرة مالية في إفريقيا لعام 2025: المغرب يواصل ريادته في التنمية القارية    كيوسك السبت | ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب بنسبة 55 بالمائة    وكيل النجم البولندي ليفاندوفسكي: الانتقال ممكن للدوري السعودي    الوداد يعلن تعاقده رسميا مع السوري عمر السومة    بوشهر في مرمى النار.. هل يشهد العالم كارثة نووية؟    صحافي من البيرو: في تندوف شاهدت القمع وفي الداخلة استنشقت هواء الحرية (صورة)    "ليفربول" يتعاقد مع الألماني "فلوريان فريتز"    محمد الشرقاوي يكتب: لحظة الحقيقة.. ما لا يريد أن يراه مناصرو التطبيع ووعّاظ الاتفاقات الإبراهيمية!    البنك الأوروبي يقرض 25 مليون دولار لتطوير منجم بومدين جنوب المغرب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    تراجع أسعار الفائدة قصيرة المدى في سوق السندات الأولية وفق مركز أبحاث    الفيفا يعلن آخر التعديلات على قانون كرة القدم .. رسميا    بين الركراكي والكان .. أسرار لا تُروى الآن    حرب الماء آتية    محمد أشكور عضو المجلس الجماعي من فريق المعارضة يطالب رئيس جماعة مرتيل بتوضيح للرأي العام    فضيحة "وكالة الجنوب".. مؤسسة عمومية أم وكر مغلق لتبذير المال العام؟    توظيف مالي لمبلغ 1,72 مليار درهم من فائض الخزينة    باحثون إسبان يطورون علاجا واعدا للصلع    معهد صحي يحذر.. بوحمرون يتزايد لدى الأطفال المغاربة بهولندا بسبب تراجع التلقيح    بعد وفاة بريطانية بداء الكلب في المغرب.. هل أصبحت الكلاب الضالة تهدد سلامة المواطنين؟    أنامل مقيدة : رمزية العنوان وتأويلاته في «أنامل تحت الحراسة النظرية» للشاعر محمد علوط    افتتاح الدورة ال26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة    7 أطباق وصحون خزفية لبيكاسو بيعت لقاء 334 ألف دولار بمزاد في جنيف    المغرب يعزّز حضوره الثقافي في معرض بكين الدولي للكتاب    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروي محاضرا
نشر في المساء يوم 12 - 12 - 2014

ألقى ‬المفكر ‬الدكتور ‬عبد ‬الله ‬العروي، ‬في ‬الأسبوع ‬الماضي، ‬محاضرة ‬هامة ‬في ‬موضوع ‬‮«‬المواطنة ‬والمساهمة ‬والمجاورة‮»‬، ‬في ‬إطلالة ‬جديدة ‬منه، ‬للتبشير ‬بفكرته ‬الرئيسية ‬التي ‬ظل ‬يحملها ‬معه ‬طيلة ‬مساره ‬الفكري ‬الذي ‬ابتدأه ‬في ‬الستينيات ‬من ‬القرن ‬الماضي، ‬وهي ‬أن ‬هناك ‬تاريخا ‬عاما ‬يسير ‬في ‬خط ‬مستقيم ‬بالنسبة ‬إلى ‬جميع ‬الأمم، ‬على ‬أساس ‬وجود ‬وحدة ‬إنسانية ‬مشتركة ‬أو ‬تاريخ ‬عالمي ‬لا ‬يمكن ‬للتاريخ ‬المحلي ‬إلا ‬أن ‬يخضع ‬له؛ ‬وهذا ‬هو ‬جوهر ‬دعوته ‬الأولى ‬في ‬كتابه ‬الذي ‬صدر ‬بالفرنسية ‬أولا ‬‮«‬الإيديولوجية ‬العربية ‬المعاصرة‮»‬ ‬الذي ‬دعا ‬فيه ‬إلى ‬تجاوز ‬الشيخ ‬ورجل ‬السياسة ‬وداعي ‬التقنية، ‬ومعانقة ‬التاريخانية. ‬وقد ‬اكتسى ‬هذا ‬الكتاب ‬أهمية ‬قصوى ‬في ‬تلك ‬الفترة ‬وسط ‬المخاض ‬الفكري ‬العربي، ‬ولذلك ‬طلب ‬فرانسوا ‬ماسبيرو -‬ناشر ‬الكتاب- ‬من ‬المستشرق ‬الفرنسي ‬ماكسيم ‬رودنسون ‬كتابة ‬مقدمته، ‬حيث ‬شبه ‬العروي ‬ب»حمامة ‬نوح ‬التي ‬عادت ‬إلى ‬السفينة ‬تحمل ‬الغصن ‬الصغير، ‬تعلن ‬أن ‬الطوفان ‬بدأ ‬يتقهقر، ‬وأن ‬أراضيَ ‬جديدة ‬تظهر‮»‬، ‬وهو ‬تشبيه ‬مليء ‬بالإيحاءات، ‬كما ‬لا ‬يخفى ‬على ‬القارئ ‬النابه.‬
محاضرة ‬الدكتور ‬العروي ‬يمكن ‬أن ‬تقرأ ‬من ‬اتجاهين، ‬لكنهما ‬مترابطان: ‬اتجاه ‬يقول ‬إن ‬العالم ‬العربي ‬والمغرب ‬لم ‬يدخل ‬بعد ‬في ‬إطار ‬‮«‬التاريخ ‬المشترك‮»‬، ‬لأنه ‬لم ‬يدمج ‬إلى ‬اليوم ‬مشروع ‬جون ‬جاك ‬روسو ‬حول ‬المواطنة، ‬ولذلك ‬فهو -‬بمعنى ‬ما- ‬لايزال ‬في ‬القرن ‬الثامن ‬عشر؛ ‬أما ‬الاتجاه ‬الآخر ‬فيقول ‬إن ‬ما ‬سمي ‬ب»الربيع ‬العربي‮»‬ ‬لم ‬يواكبه ‬نقاش ‬فكري، ‬أو ‬أن ‬النقاش ‬الذي ‬واكبه ‬كان ‬خارج ‬الحدث، ‬طالما ‬أنه ‬لم ‬ينصب ‬على ‬أصل ‬الأصول، ‬وهو ‬المواطنة ‬بالمفهوم ‬أعلاه ‬لدى ‬روسو. ‬ومن ‬هنا، ‬نفهم ‬انكباب ‬العروي ‬على ‬إصدار ‬ترجمتين ‬متتابعتين ‬بقلمه ‬لكتابين ‬هامين ‬في ‬تاريخ ‬الفكر ‬الأوربي ‬الحديث، ‬هما ‬‮«‬تأملات ‬في ‬تاريخ ‬الرومان‮»‬ ‬لمونتيسكيو ‬عام ‬2011، ‬و»دين ‬الفطرة‮»‬ ‬لروسو ‬عام ‬2012؛ ‬ومن ‬يعد ‬إلى ‬كتابه ‬المشار ‬إليه ‬سوف ‬يجد ‬هذا ‬السؤال: ‬‮«‬بيد ‬أنه ‬هل ‬يمكن ‬الاستمرار ‬في ‬قراءة ‬روسو ‬دون ‬تقريبه ‬من ‬مونتيسكيو؟‮»‬. ‬إن ‬العروي ‬في ‬عام ‬2014 ‬يعود ‬ليبشر ‬بأطروحة ‬دافع ‬عنها ‬عام ‬1966.‬
ينصب ‬مشروع ‬العروي ‬برمته ‬على ‬إعادة ‬‮«‬تبيئة‮»‬ ‬الفكر ‬السياسي ‬الأوربي ‬في ‬العالم ‬العربي، ‬إذا ‬استعرنا ‬مصطلح ‬الراحل ‬محمد ‬عابد ‬الجابري، ‬مع ‬لحاظ ‬الفرق ‬بين ‬الاثنين، ‬فالجابري ‬كان ‬يتحدث ‬عن ‬تبيئة ‬المفاهيم، ‬بينما ‬يسعى ‬العروي ‬إلى ‬تبيئة ‬المفهوم ‬ومحموله. ‬وقد ‬ساجل ‬الماركسيين ‬العرب ‬طويلا ‬في ‬السبعينيات ‬بشكل ‬خاص، ‬عندما ‬لوح ‬بأطروحته ‬الشهيرة ‬حول ‬‮«‬الماركسية ‬الموضوعية‮»‬، ‬كما ‬فعل ‬في ‬كتابه ‬‮«‬العرب ‬والفكر ‬التاريخي‮»‬، ‬حين ‬اعتبر ‬أن ‬التاريخانية ‬هي ‬المدخل ‬الطبيعي ‬إلى ‬توطين ‬الماركسية ‬في ‬العالم ‬العربي. ‬آنذاك، ‬كان ‬هناك ‬نقاش ‬بين ‬الماركسيين ‬العرب ‬حول ‬‮«‬ماركس ‬الشاب‮»‬ ‬وماركس ‬كما ‬هو، ‬ماركس ‬‮«‬الإيديولوجيا ‬الألمانية‮»‬ ‬و»ماركس ‬رأس ‬المال»؛ ‬وقد ‬وقف ‬العروي ‬إلى ‬جانب ‬المعسكر ‬الأول، ‬ولذلك ‬من ‬السهل ‬فهم ‬الخط ‬المنهجي ‬لكتاب ‬‮«‬الإيديولوجية ‬العربية ‬المعاصرة»؛ ‬فقد ‬انتقد ‬ماركس ‬الإيديولوجيا ‬الألمانية ‬وبنى ‬على ‬أساس ‬ذلك ‬النقد ‬مشروعه، ‬لذلك ‬نهج ‬العروي ‬نفس ‬المنهج ‬فانتقد ‬الإيديولوجية ‬العربية ‬وبنى ‬على ‬أساسه ‬مشروعه ‬حول ‬الماركسية ‬الموضوعية.‬
ظل ‬العروي ‬مرتبطا ‬بالفكر ‬الأوربي، ‬الكلاسيكي ‬تحديدا، ‬منذ ‬البداية، ‬لا ‬يرى ‬خروجا ‬من ‬التخلف ‬دون ‬اعتناق ‬نفس ‬المنهجية ‬التاريخية ‬التي ‬نهجها ‬مؤسسو ‬هذا ‬الفكر ‬الأوائل؛ ‬فالمثال ‬لديه ‬هو ‬التجربة ‬الأوربية، ‬خصوصا ‬ألمانيا ‬وروسيا، ‬الأولى ‬لأن ‬الماركسية ‬ولدت ‬فيها، ‬والثانية ‬لأنها ‬شهدت ‬تطبيقها ‬الفعلي؛ ‬ولذلك ‬يمكن ‬المجادلة ‬بأن ‬العروي ‬لا ‬يحمل ‬مشروعا ‬فكريا ‬جديدا ‬عدا ‬التبشير ‬بهذا ‬الفكر، ‬فهو ‬لم ‬يشتغل ‬على ‬الفكر ‬العربي ‬الإسلامي ‬بالشكل ‬الذي ‬اشتغل ‬به ‬على ‬الفكر ‬الأوربي، ‬لكي ‬يحاول ‬تطوير ‬المفاهيم ‬من ‬داخل ‬ذلك ‬الفكر ‬في ‬أفق ‬عصرنته ‬والمساهمة ‬في ‬التحديث ‬الفكري ‬والسياسي، ‬ذلك ‬أن ‬التحديث ‬بالنسبة ‬إليه ‬ليس ‬عملا ‬منهجيا ‬داخليا ‬بقدرما ‬هو ‬قفزة ‬في ‬سماء ‬التاريخ، ‬من ‬أجل ‬إسقاط ‬تجربة ‬على ‬واقع ‬آخر؛ ‬فهو -‬على ‬النقيض ‬من ‬الجابري ‬أو ‬طه ‬عبد ‬الرحمان- ‬يعتبر ‬أن ‬التراث ‬ليس ‬لديه ‬ما ‬يقدمه، ‬وأنه ‬من ‬العبث ‬البدء ‬من ‬الصفر ‬لصياغة ‬تجربة ‬جديدة ‬قد ‬تكون ‬في ‬النهاية ‬على ‬صورة ‬التجربة ‬القائمة ‬في ‬الغرب؛ ‬فطالما ‬أن ‬الفكر ‬الأوربي ‬نجح ‬في ‬اجتراح ‬مفاهيم ‬أصبحت ‬عامة، ‬لماذا ‬محاولة ‬البحث ‬عن ‬تأصيلها ‬من ‬داخل ‬تراث ‬صار ‬ماضيا؟ ‬وبالنسبة ‬إلى ‬العروي، ‬فهذه ‬فكرة ‬منطقية ‬نابعة ‬من ‬منطق ‬فلسفة ‬التاريخ ‬ولا ‬داعي ‬إلى ‬تمحيصها، ‬ولذلك ‬قدم ‬الليبرالية ‬الأوربية -‬التي ‬أسسها ‬مونتيسكيو ‬وروسو ‬وآخرون- ‬كمحطة ‬ضرورية ‬في ‬إطار ‬‮«‬ماركسية ‬موضوعية‮»‬، ‬تعد ‬مرحلة ‬انتقالية ‬إلى ‬الاشتراكية، ‬لكنه ‬مايزال ‬في ‬المرحلة ‬الأولى، ‬مرحلة ‬امتصاص ‬أطروحات ‬روسو، ‬التي ‬حاضر ‬من ‬أجلها ‬في ‬الأسبوع ‬الماضي. ‬إنه ‬مشروع ‬كبير ‬لمفكر ‬لا ‬يتعب.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.