طنجة.. ندوة وطنية تدعو لتعزيز الحماية الاجتماعية بالمغرب وتمكين النساء والفئات الهشة    هشام العماري رئيسًا جديدًا لنادي قضاة المغرب لولاية 2025-2028    افتتاح فضاء بيع السمك بميناء الحسيمة ب60 مليونا    طنجة تستعد لاحتضان الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للأنظمة الذكية للتنمية المستدامة تحت الرعاية الملكية    المغرب يعود إلى سوريا.. ودمشق تشكر الملك على قراره التاريخي    بعد رفع أول حلقة من سقف ملعب طنجة.. الوالي التازي يُكرم 1200 عامل بغداء جماعي    نهضة بركان يضع قدما في نهائي الكونفدرالية بفوز مقنع على سيمبا التنزاني    نهضة بركان تضع قدمًا في نهائي الكونفدرالية بثنائية نظيفة أمام سيمبا التنزاني    طنجة.. العثور على جثة موظف بنكي قرب بحيرة مجمع القواسم في ظروف مأساوية    سطو هوليودي بتطوان يُسفر عن سرقة 550 مليون سنتيم وشيكات بنكية    أخنوش من العيون: معركتنا الحقيقية هي ضد الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية    انتخاب نور الدين شبي كاتبا لنقابة الصيد البحري التقليدي والطحالب البحرية بالجديدة .    المغرب أثبت، تحت قيادة جلالة الملك، قدرته على مواجهة التحديات الأمنية وترسيخ الأمن والاستقرار (رئيس المنظمة الدولية للشرطة الجنائية)    بوريطة يعلن من بغداد عن إرسال وفد تقني إلى سوريا لفتح سفارة المملكة بدمشق    هذا موعد المباراة النهائية بين المنتخب المغربي وجنوب إفريقيا    بيع الماستر والدكتوراه.. تطورات مثيرة وتورط شخصيات وازنة    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    الخارجية المغربية تتابع أوضاع الجالية المغربية في ليبيا في ظل اضطراب الأوضاع وتضع خطوطا للاتصال    اعتقال مقاتل "داعشي" مطلوب للمغرب في اسبانيا    الأمن الوطني وتحوّل العلاقة مع المواطن: من عين عليه إلى عين له    المغرب يتصدر السياحة الإفريقية في 2024: قصة نجاح مستمرة وجذب عالمي متزايد    الهيئة العليا للاتصال تنذر "ميد راديو"    أمين بنهاشم مدربا رسميا للوداد استعدادا لكأس العالم للأندية    ريال مدريد يتعاقد مع المدافع هويسن    تنسيق إسباني مغربي يطيح ب"داعشي"    السينما المغربية تراكم الإشادة الدولية    المالكي يدعو لتقييم الوضع السياسي    شركة "نيسان" تعتزم غلق مصانع بالمكسيك واليابان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    جلالة الملك يدعو إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية بالضفة الغربية وقطاع غزة والعودة إلى طاولة المفاوضات    طنجة تحتضن أول ملتقى وطني للهيئات المهنية لدعم المقاولات الصغرى بالمغرب    مزبار: المثقف الحقيقي هو من يُعلم الفكر النقدي ويتحمل مخاطرة المواجهة الفكرية    "استئنافية طنجة" تؤيد إدانة رئيس جماعة تازروت في قضية اقتحام وتوقيف شعيرة دينية    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    فيلم بين الجرأة والاعتبارات الأخلاقية يعرض بمشرع بلقصيري    مجموعة مدارس إحسان بالجديدة تنظم مهرجانا ثقافيا تحت شعار: ''تراث الأجداد بيد الأحفاد'    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    الناخبون البرتغاليون يدلون بأصواتهم غدا لانتخاب ممثليهم بالجمعية الوطنية    عباس في قمة بغداد: ندعو إلى إلزام حماس بتسليم السلاح للسلطة    وكالات روسية: بوتين يستضيف أول قمة روسية عربية في أكتوبر المقبل    إفران تعتمد على الذكاء الاصطناعي للوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها    الأميرة للا حسناء تترأس حفل افتتاح الدورة ال28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة    الفيفا تكشف توقعاتها لمداخيل كأس العالم 2030.. إيرادات غير مسبوقة    مغرب الحضارة: أولائك لعنهم الله لأنهم سرطان خبيث الدولة تبني وهم يخربون.. ويخونون    "السينتينليون".. قبيلة معزولة تواجه خطر الانقراض بسبب تطفل الغرباء    ورشة تكوينية حول التحول الرقمي والتوقيع الإلكتروني بكلية العرائش    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي عند الدخول الجامعي 2025-2026    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    الزيارة لكنوز العرب زائرة 2من3    سميرة فرجي تنثر أزهار شعرها في رحاب جامعة محمد الأول بوجدة    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن طفلات جبال وزان.. حق الإيواء والتمدرس لا يكفي
نشر في المساء يوم 12 - 01 - 2015

مازالت البادية المغربية بشكل عام غير ملوثة ب"حضارة" المدينة وإغراءاتها المادية والاستهلاكية، ومازالت أصوات الجبال صافية تتكلم بطبيعة ربانية عن براءة الإنسان في صناعة حياته الفردية ومحيطه القبلي والاجتماعي، بعيدا عن الأنانية المفرطة واحتيال بعض أهل المدينة ونصب الشباك والفخاخ للإنسان القروي الساذج والحيوان معا، رغم العزلة الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية القاتلة، والبنيات التحتية الهشة أو شبه المنعدمة، والخدمات الأساسية والثانوية غير المتوفرة؛ ومازال بإمكان الزائرين والعابرين الحصول على الضيافة الكريمة والمجانية، واقتسام كسرة خبز قمحي طازج وطبق زيت زيتون طبيعي أو عسل حرّ، وحتى أفخاذ وصدور دجاج بلدي محمّر بلغة سكان أهل المدينة الشرهين، لا طمعا في المقابل المادي رغم حاجة المضيفين القاهرة إلى المال ونقوده، ولكن فرحا عفويا بالقادم الجديد الذي يزور المنطقة المعزولة عن العالم، كأنه يحمل معه اعترافا آدميا ومخزنيا بوجودها وكيانها، وهو القادم من جنة المدينة وأنوارها حيث يستقر الرئيس والوزير والعامل والقائد والدركي وشيخ القيادة. وإذا كان هذا حال سكان جبال وهضاب البادية المغربية في عمومها، مع الإقرار ببعض الاستثناءات المعيشية والسلوكية والمزاجية التي تعرفها بعض البوادي المحيطة بضواحي المدن المفتوحة، والتي استفادت من مشاريع ربطها بشبكات الماء والكهرباء والتطهير، واستطابت نعمة صور التلفزيون الرقمي، وعوالم الأنترنيت والتواصل الاجتماعي، وثقافة الحضارة المادية والاستهلاكية، بأجمل وأبشع مظاهرها، فإن شيئا ما ثوريا، قد نسميه الوصول إلى معرفة الحق في العيش والكرامة والرعاية والحماية والإدماج، والاطلاع على مطالب الحق في المساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة الفعلية، بدأ يطفو على سطح العلاقات المجتمعية داخل البادية نفسها، وبين البادية المعزولة والمدينة بإداراتها السيادية، عبر ردود فعل وتبعات مظاهر ونتائج الترييف والتمدن، وازدياد "نسب الملء" في الوعي البشري القروي، كون البادية المغربية هي التي تضمن غذاء وشراب وكساء مغاربة المدينة، وهي التي تسخّر لها ولهم ثرواتها الطبيعية والفلاحية، وأن المدينة الثرية لا تتقن إلا الصناعات التحويلية والاستهلاكية، والاستحواذ على تسعين في المائة من خيرات البلاد من حبوب ولحوم وحوامض وخضروات وطرق ومرافق وخدمات، وإدارة حياتها المعيشية اليومية بوسائل ميسّرة ومتقدمة بعيدا عن بدائية حياة الدواوير والمداشر المعزولة بفعل الثلوج والأمطار والسيول والجفاف والطرق المتهالكة ومنعرجات الجبال الخطيرة، والفقر المستشري رغم الثروات المحلية التي لا تعرف توزيعا عادلا بين ذوي الحقوق التاريخية والحقوق المكتسبة؛ فخلال شهور نونبر إلى مارس من كل سنة مثلا، ترى طوابير سكان المدينة الذين اكتشفوا فجأة الفوائد الصحية لزيت الزيتون بفعل مواعظ ونصائح علماء وأطباء وأخصائيي التغذية بالإذاعات الجهوية، يصطفون خلف المعاصر التقليدية والعصرية المنتشرة بين جبال وسفوح وزان، لا تهمهم المنعرجات الجبلية الخطيرة، ولا المناطق النائية المعزولة، ولا تهديدات الأنهار والوديان الجارفة، ولا البهائم والخنازير البرية الشاردة، ليملؤوا صناديق سياراتهم الفارهة أو المتواضعة بقنينات الزيوت الخالصة Extra vierge، الناتجة عن شراء وسحق أطنان من ثمار الزيتون بأثمان بخسة قد لا تتعدى أربعة دراهم للكيلوغرام الواحد، وبدون الوسيط التجاري الذي يشفط عادة ثلثي مكونات زيت الزيتون الصحية المعروضة للبيع بأسواق المدينة؛ أما إذا كان الأمر يتعلق بامرأة قروية حامل جاءها المخاض المفاجئ بأبعد منطقة في جماعة مقريصات الجبلية، أو بمجموعة من الأطفال الصغار الذين يقطعون عشرات الكيلومترات ذهابا وإيابا للالتحاق بالمدرسة الابتدائية بمنطقة بريكشة، أو بحادث انقلاب جرّار وصاحبه من أعلى منعرج بسيدي رضوان، أو انقطاع الكهرباء والماء عن سكان عين بيضا وزومي، أو عطب ميكانيكي لحق بشاحنة ممون دار الطالب والطالبة عين دريج وأسجن، فإن أغلب سكان المدينة -بأنانيتهم الخفية، وكرمهم الحضري المحدود، ومنطق تفكيرهم الانتفاعي الخاص، وعدم مساواتهم بين رغبة ضرورة السفر الشخصي لجلب الزيوت القروية الطبيعية الخالصة، ورغبة إمكانية استنهاضهم الافتراضي لفعل المبادرة التضامنية الإنسانية الجماعية المأمولة- يكتفون بمشاهدة صور العجز الاجتماعي التي سمحت قنوات دار البريهي وعين السبع والمنطقة الصناعية الحرة بإذاعتها على مشاهديها أو تفضلت الصحافة المكتوبة، الحزبية أو المستقلة، بنشرها على قرائها، ثم يعودون إلى حياتهم اليومية الطبيعية، بعد أن يبسملوا ويوحدوا ويحوقلوا في الغالب، ويكتفوا بتفعيل الشطر الأخير من الحديث النبوي في شأن تغيير المنكر الذي تراه العامّة. والأكيد أن الإصرار على الحياة، واستمرار دوران عقارب الزمن التي شاءتها طبيعة البادية والجبال الشامخة بجمالها وقسوتها، رغم فرضية وفاة المرأة القروية الحامل أثناء الوضع أو وفاة الجنين قبل الوصول إلى دار الولادة، أو رغم تقلص أعداد الأطفال المقبلين على المدرسة البعيدة، أو رغم تعرض صاحب الجرار الفقير لعجز كلي أو جزئي، أو رغم قضاء سكان البادية أياما طويلة دون كهرباء أو ماء، أو رغم اكتفاء نزيلات ونزلاء دار الطالب والطالبة بما يحضرونه من بيوتهم من تين مجفف وزيت وزيتون، هو الذي يعطي شحنة إضافية للسكان القرويين المقهورين في التعلق بالعيش، والاستمرار في الحياة والبقاء، والطموح في التغيير العفوي ولو بالوسائل البدائية أو غير المشروعة؛ إذ منهم من يخاطر بحاضر ومستقبل أسرته وأرضه، ويزرع القنب الهندي أو "العشبة" كما يسميها في منطقته، رغم أنها قد تحيله إلى معتقل دائم في حالة سراح مؤقت، ومنهم من يرهن أملاكه الفلاحية القليلة لما ستجود به الأمطار والأقدار وصندوق الدولة للقرض الفلاحي، ومنهم من يبيع أغراضه وممتلكاته، وحتى ماء وجهه، من أجل ضمان تعليم أبنائه، ولو كلفه ذلك الاختيارَ والتمييزَ بين الذكور والإناث في أسبقية ولوج التعليم أو خدمة شؤون البيت والأرض والماشية، تحقيقا لرغبة مدفونة في رفع أميته عن طريق تعلم أحد أنجاله، ومنهم من يهجر الأرض ودوّارها ليحل بالمدينة ضيفا على العربة المجرورة، وتربّص أعوان السلطة، وفواتير الماء والكهرباء والكراء والغذاء والكساء والتطبيب، ومشاهدة التلفاز الملون والملوث، والتحّسر على أيام الدوار الخوالي؛ وبين هذا وذاك، وعلى بعد المسافة الفاصلة بين البادية والمدينة بكل تناقضاتها وتجاذباتها السوسيو اقتصادية والثقافية، يطلع جيل جديد من الأطفال بين منعرجات الهضاب والجبال المرتفعة، ليجد نفسه في إقليم وزان، مثلا، محاصرا بزراعة الكيف المحظورة، وأشجار الزيتون التي أصابها بعض العياء، والبنيات التحتية الهشة التي لا تتذكر إلا أقدام المستعمر الغاشم، ومهن وحرف ومعروضات الصناعة التقليدية التي تحولت الحرب الإنتاجية والتسويقية عندها من حرب حدود إلى حرب وجود، وأنماط سلوكية ومعيشية تنشر ثقافة "التبزنيس" قبل أبجديات التربية والتعليم والتكوين، ومؤسسات تعليمية نائية ومعزولة، إذا تم فيها إقرار المستوى الابتدائي ينعدم فيها المستوى الإعدادي، وإذا تم فيها توفير المستوى الإعدادي يصبح المستوى الثانوي حلما شبه محصور على أهل المدينة، أما التعليم الجامعي والعالي، فاستلق على ظهرك وبطنك من كثرة الضحك عندما تسمع منجما سياسيا يبّشر به، على المستوى العام أو الخاص، بجماعة المجاعرة قرب سد الوحدة المشهور.
حسن كاوز

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.