تنشر «المساء» في واحتها الصيفية، صفحات من تاريخ الكرة المغربية، خاصة في الجانب المتعلق بوفيات رياضيين في ظروف لفها الغموض، وظلت جثامينهم ملفوفة بأسئلة بلا جواب، رغم أن الموت لا يقبل التأجيل. العديد من الرياضيين ماتوا في ظروف غامضة، وظلت حكايا الموت أشبه بألغاز زادتها الاجتهادات تعقيدا. ونظرا للتكتم الذي أحاط بالعديد من الحالات، فإن الزمن عجز عن كشف تفاصيل جديدة، لقضايا ماتت بدورها بالتقادم. تحولت أهازيج الفرح في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء 21 يوليوز الجاري إلى صمت جنائزي وابتلعت «النكافات» ألسنتهن من شدة الهلع، بعد أن تبين أن ليلة العمر في حياة الحارس المراكشي قد تحولت إلى عرس دم. كان الفقيد على عتبة ولوج القفص الذهبي بعد قصة حب لم تكن نهايتها سعيدة، وكانت النساء المدعوات يرددن أهازيج الفرح والحبور احتفاء بدخلة سلطان ليلته، لكن يد الغدر أبت إلا أن تخطف روح طارق وتخطف معها البسمة من محيا حارة بأكملها في جريمة من أبشع الجرائم في صيف مراكش الحارق. «انطفأت شمعة أخرى وهي في عنفوان عطائها، رحل طارق عنا لكن ليس كما كان يود توديعنا» هكذا تحدث إلى «المساء» عبد المولى الهردومي، مهاجم الكوكب المراكشي وأحد أصدقاء وجيران المرحوم طارق دودو، حارس مرمى الترجي الرياضي المراكشي. تعددت الروايات حول سر اقتحام شخص غريب قاعة الحفل وانخراطه في أجواء الفرح، حيث تبين أن الجاني تمكن من اختراق الصفوف ودخول القاعة المخصصة للحريم، دون أن ينتبه أحد إلى نواياه الإجرامية. تعرف الهالك على الجاني دون أن يدور بخلده أي تأويل مفترض لسر التواجد المفاجئ لهذا الشخص في قلب معترك العمليات، لكن الابتسامة البلهاء كانت تخفي نية القتل مع سبق الإصرار والترصد، حين أخرج الرجل سكينا وغرسه في أحشاء العريس، الذي سقط في بركة من الدماء، دون أن يتمكن حارس المرمى من صد التسديدة الطائشة التي اخترقت الجسد الملفوف في جلباب أبيض. وفي لمح البصر اختفى الجاني وكأن الفاعل مبني للمجهول. توقفت لغة الطرب، واستبدلت النساء زغاريدهن بكل أدوات الندبة والنواح، فيما أغمي على العروس التي داهمتها النظرات القاتلة وحولتها إلى امرأة مدانة في يومها الكبير بتهمة النحس، فقد كان من الصعب تقبل خبر وفاة عريس كان قبل ثوان يوزع القبلات والتحيات على شريكة عمره وأهله من أعلى هودج تحفه الزغاريد والصلوات على أشرف المرسلين. في لحظة، تحركت الهواتف المحمولة بحثا عن مسعفين ورجال أمن يتعقبون خطى الجاني الذي اختفى وسط زحمة وارتباك المدعوين. لم تمض إلا ساعات قليلة حتى كان الظنين في قبضة رجال الشرطة، وتبين من خلال البيانات الأولية أن دواعي الجريمة انتقامية، ذلك أن الفاعل أصر على قتل طارق في ليلة زفافه انتقاما من شرفه، بعد أن ساد الاعتقاد بوجود علاقة بين الهالك وزوجة الجاني، لكن البحث الأولي نفى هذه الفرضية، ولاسيما بعد أن تبين أن بين الطرفين علاقة قرابة، وأن الشرطة القضائية في مراكش تتابع خيوط الجريمة بهدوء، وتسعى إلى تعميق البحث فيها للوصول إلى السر الحقيقي وراء الانتقام البشع، وقادت التحقيقات إلى أفراد أسرتي الجاني والمجني عليه، دون أن تظهر الدواعي الحقيقية للفعل الإجرامي، بل إن شهود عيان أكدوا ل«المساء» أن المجرم كان يود إضرام النار في الحفل قبل أن يعدل عن الفكرة، وأنه ترك وراءه دلائل إثبات، حيث كان يخفي في كيس بلاستيكي قنينة مليئة بالبنزين. يعتبر طارق أصغر أفراد أسرة دودو المتكونة من أربعة أفراد، وهو من مواليد 1979 بحي «ديور المساكين» بمراكش، حمل هموم الزمن منذ صغره، وانضم إلى والدته المعروفة باسم «اليوفرانية». كان المرحوم طارق مهووسا بكرة القدم، التي كانت تأخذ منه أكثر سويعات النهار، حيث بدأ مساره في بطولات فرق الأحياء كبقية الأطفال، قبل أن ينضم إلى نادي النجم الرياضي المراكشي في موسم 1997/1998، كحارس رسمي وحقق معه الصعود إلى قسم المجموعة الوطنية الثانية في موسم 2004/2005، وبرع معه في محطات عديدة أهمها الوصول إلى ثمن نهاية كأس العرش سنة 2001، حيث كان طارق السد المنيع أمام محاولات ومناورات الرجاء البيضاوي التي لم تحقق الفوز إلا في حدود الدقائق الأخيرة وبهدف يتيم. ولم يكن طارق محظوظا في مشواره الرياضي كما في حياته الشخصية، رغم أنه ظل محط أنظار العديد من الفرق، حيث لعب لفريق سطاد الرباطي في موسم 1999/2000، وغادر النجم المراكشي ليحرس شباك فريق الاتحاد البيضاوي خلال موسمين، بعد أن قضى موسم 2003/2004 مع شباب بن جرير، ليعود مرة أخرى إلى مدينة مراكش ضمن صفوف نادي الترجي الرياضي المراكشي. أدمت الطريقة البشعة التي قتل بها طارق دودو قلوب الآلاف ممن يعرفونه، كان متدينا ودودا متعاونا كوالدته المنخرطة في جل انشغالات الجيران. مات طارق قبل أن يستكمل ربيعه الثالث، وقبل أن تنتشي والدته بأغنية المرضي التي كانت تملأ الفضاء، حيث كانت تقاطع المجموعة الغنائية في مقطوعة «عندي قليب واحد»، مع تعديل بسيط يحول المقطع إلى «عندي طارق واحد» لكن يد الغدر انتشلته من تشكيلة الترجي ومن دفتر الحياة المدنية.