في الثامن عشر من غشت، كانت الحقائب جاهزة وسيارتا طاكسي محجوزتين لنقل العائلة من بني يخلف إلى مطار محمد الخامس. بعد أن نشب شجار بين العربي وصهره صالح، بسبب الكونترا التي يطالب بها هذا الأخير منذ سنوات، فاجأ الصهر الجميع بأن أعلن أن «الفرفارة» ديال السيارة تهراست، وبالتالي لن يرافقهم إلى المطار! استنتج العربي أن صهره أراد الانتقام منه ومن عائلته وتركهم «عل الدص». فما كان منه إلا أن اكترى سيارتي طاكسي لنقلهم إلى المطار وأقسم أنه سيرجع في المرة القادمة بسيارة كات كات تعيط يا ليل. وهكذا، انتهى الشوط الأول من العطلة بهزيمة معنوية لعائلة العربي. في المطار، ابتدأ الشوط الثاني باكتشافهم أن الخط الرابط بين الدارالبيضاء وباريس معطل بسبب إضراب ربابنة الملاحة. وعليه، ركنوا إلى الصبر. لكن الخبز الملتوي للسندويتشات فائقة الأثمنة وصراخ الأطفال الذي يتصادى مع صوت البوق الخشن أججا من الطانسيون لدى العربي الذي التفت صارخا في وجه زوجته: «هاداك الضحيكة ديال خوك رجعنا دراري؟». احتضنت العونية ابنها الأصغر لتلقمه البزولة من دون أن تنبس بكلمة. وبعد 5 ساعات من الانتظار المتواصل وتحت صهد المطار وصهد بنادم، تم إركاب المسافرين على متن طائرة أجنبية اكترتها الخطوط الملكية بطاقم من المضيفات لا يقشع ولو كلمة بالعربية. لما أقلعت الطائرة، دار نقاش بين العربي وجاره عن شهر رمضان وتاريخ الصيام، هل نجاري السعودية أم المغرب، أم ليبيا؟ وانتهى النقاش بعبارات من نوع: «أنت جاهل»، «أنت خطر على الإسلام»... وللحد من البأس، غير العربي مكانه ليستسلم للنوم. وبخصوص بداية الصوم في فرنسا، هناك حديث وكلام. قبل أن يعلن رسميا في فرنسا عن الشروع في صيام شهر رمضان، دخل الكزارة، بائعو التمر، الحلاقون، بغاية كسب الزبناء، في سباق توزيع التقويم الشهري للإمساك، الإفطار وأداء الصلوات. وقد يحدث لهذه اليوميات أن تخطئ بداية الصوم، بحكم البلبلة الرائجة في أوساط مسلمي فرنسا بين طائفة تصوم مع السعودية، أخرى مع ليبيا وثالثة تتوزع بين المغرب والجزائر. هذا العام، تزامن حلول شهر رمضان مع بداية نهاية العطلة الصيفية. العائدون من المغرب دخلوا محملين بأغراض معدة سلفا لاستقبال رمضان (زميتة، حلوى شباكية، زيت الزيتون، خليع، إلخ،...)، ليجدوا فرنسا تحت رحمة الرعد وحمى الإشهار والإعلانات الخاصة بالأدوات المدرسية. وهكذا، ستجد الكثير من العائلات المغربية نفسها في وضع صعب: بعد مصاريف عطلة الصيف، عليها مواجهة مصاريف الدخول المدرسي ومصاريف رمضان. وتبقى المتاجر الكبرى الملاذ الرخيص نسبيا لتغطية قسم من الأغراض المدرسية والمنتوجات الرمضانية. وقد دخلت هذه المتاجر الكبرى منذ سنوات في حرب ضروس في ما بينها لاستقطاب المستهلك المسلم بحكم قدرته الشرائية المتزايدة، وبخاصة في شهر رمضان. فلم تبق مساحة كبرى لم تغر الزبائن المسلمين، وذلك بعرض منتوجات مستوردة من الشرق والمغرب: تمر، فواكه إكزوتيكية، لبن بيو، كرموص، الطازج منه واليابس، لحم مشرمل على الطريقة التركية أو اللبنانية،.. إلخ. من متاجر كارفور إلى أوشان مرورا بلوكلير، آنتير-مارشي، كازينو،... لكل مواده الحلال وطقوسه التجارية لتغطية حاجيات ومتطلبات رمضان. هذا الاهتمام ليس حبا في الإسلام، بل حبا في أوروهات المستهلكين المسلمين الذين يشكلون قدرة شرائية هائلة تدر سنويا على فرنسا 15 مليار أورو؛ فالسوق الحلال تنمو سنويا بمعدل 20 في المائة. غير أن القلة القليلة من هذه المساحات الكبرى تعرض هذه المنتوجات على أنها شرقية وليست رمضانية! فهل يخجل أو يخاف مسيرو الماركيتينغ في هذه المحلات التجارية من أن «تعتم» كلمة «رمضان» على صورتهم أمام زبنائهم الفرنسيين غير المسلمين؟ لما طاف العربي على أروقة ذاك المتجر الكبير وعاين الأثمنة الخيالية للمنتوجات (التمر ب20 أوروها للكيلو، على سبيل المثال)، اشترى عرام من علب حريرة الغبرة وهو يقول ف خاطرو «اللي بغا سيارة الكات كات، «يعدي» بالموجود!».