الملف المعقد يهدد بنسف التقارب الإسباني المغربي    ألمانيا تمنح المغرب قرضا ب100 مليون أورو لإعادة إعمار مناطق زلزال الحوز    وزير الفلاحة: الأسعار بإسبانيا منخفضة "حيث مكيعيدوش" ومعظم الأضاحي من رومانيا    "الكاف" ينفي الحسم في موعد تنظيم كأس إفريقيا بالمغرب    سلطات المضيق-الفنيدق تغلق وتنذر محلات "سناك" وتكشف خطتها لتدبير موسم الصيف    أمن سطات يوقف شخصا هدد باختطاف ابن بودريقة وطلب فدية منه    حريق فاس.. السلطات تعلن مصرع 4 أشخاص وإصابة 26 آخرين    بهدف المس بالمغرب .. ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يدعم البوليساريو من الجزائر    ولي العهد يترأس حفل تخرج فوجين بالكلية العسكرية بالقنيطرة    العقبة التي تعرقل انتقال نجم المنتخب المغربي إلى الأهلي المصري    دراسة: ارتفاع حرارة الأرض الناجمة عن النشاط البشري إلى "مستوى غير مسبوق"    "طاكسي بيض 2".. الخياري ينبش عالم المخدرات في عمل كوميدي مليئ ب "الأكشن"    المنتخب المغربي يتوجه إلى أكادير استعدادًا لمباراة زامبيا    الملك محمد السادس يهنئ "شينباوم"    هزة ارضية تضرب اليابسة بإقليم الحسيمة    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق من المملكة    المغرب وفلسطين يوقعان مذكرتي تفاهم تتعلقان بالتعاون الصناعي والتجاري والتقني (فيديو)    رصيف الصحافة: شبهة "اغتصاب تلميذة" تلقي بأستاذ وراء القضبان    ارتفاع عدد ضحايا "الكحول المغشوشة"    مونديال أقل من 20 سنة.. القرعة تضع لبؤات الأطلس في المجوعة الثالثة    "التسمين" وراء نفوق عشرات الخرفان المعدة لعيد الأضحى بإقليم برشيد    "اللغات المتخصصة: قضايا البناء ومداخل التحليل".. إصدار جديد للدكتور زكرياء أرسلان    طبيب مغربي يبتكر "لعبة الفتح" لتخليص الأطفال من إدمان الشاشات    الحسيمة .. انطلاق الامتحان الجهوي للسنة الأولى بكالوريا بمختلف راكز الإجراء بالإقليم    الأمثال العامية بتطوان... (617)    حماس تحسم موقفها من المقترح الأمريكي الذي يدعمه المغرب    علاج جيني في الصين يوفّر أملا للأطفال الصمّ    هل يحد قانون العقوبات البديلة من اكتظاظ السجون؟    بورصة البيضاء تنهي التداولات على وقع الأحمر    انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    تسلل الغش إلى أوزان البوطاغاز!    زيادة سعر غاز البوتان: من يدفع الثمن؟    عن إجرام النظام العسكري في حق الشعب الجزائري    المخرج عزيز السالمي يترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الرباط كوميدي    حكومة الاحتلال واعتبار (الأونروا) منظمة إرهابية    الاتحاد السعودي يوافق على رحيل لاعبه المغربي حمد الله    نصف نهائي كأس العرش يومي 21 و23 يونيو بأكادير    ترقب في القدس لمسيرة الأعلام الإسرائيلية وبن غفير يهدد بدخول باحات المسجد الأقصى    مناهضو التطبيع يواصلون الاحتجاج ضد المجازر في غزة ويستنكرون التضييق وقمع المسيرات    إطلاق نار يستهدف سفارة أمريكا في بيروت    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    ماركا تُرشح دياز للفوز بالكرة الذهبية الإفريقية    أنتونيو كونتي مدربا جديدا لنابولي الإيطالي    دراسة…حرارة المياه الجوفية ستجعلها غير قابلة للاستهلاك بحلول نهاية القرن    مبادرة بوزان تحتفي بزي "الحايك" الأصيل    تقصي الحقائق: ماذا يحدث على حدود رفح بين مصر وغزة؟    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الأربعاء    ارتفاع أسعار الذهب بدعم من ضعف الدولار    علماء أمريكيون يقتربون من تطوير لقاح مركب ضد جميع فيروسات الإنفلونزا    مجلس النواب الأميركي يصوّت على معاقبة مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية"    مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير يفتح باب المشاركة في دورته الجديدة    لطيفة رأفت: القفطان المغربي رحلة طويلة عبر الزمن    خبراء: حساسية الطعام من أكثر الحالات الصحية شيوعا وخطورة في زمن تنوع الاطعمة    فرق محترفة تقدم توصيات مسرحية    كيف ذاب جليد التطبيع بين إسرائيل والمغرب؟    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديمقراطيو الساعة الخامسة والعشرين
نشر في المساء يوم 11 - 09 - 2009

تتباكى العديد من الأنظمة الحاكمة في عالمنا المُعاصر على غياب معارضة قوية، تعيد إلى الديمقراطية مَعْنْاها وجَوْهَرَها، وتزود الأغلبية الحاكمة بالمشروعية والشرعية، وتكون قادرة على تصحيح المسار والحد من جموح السلطة، إذ إن السلطة بطبعها ميّالة إلى التعسف واستعمال أنياب الطغيان والاستئثار بالرأي والقرار (تْسيْطَرْ عْلِيهُم بُوحْدْها) إذا ما غاب الرادع الرقابي.
يحدث هذا في دول أصبحت الديمقراطية فيها بْعْقلْهَا، واكتمل عقدها الديمقراطي، وقطعت أشواطا كبيرة على درب (ماشِي ضَرْبِ) إرساء وترسيخ دور المؤسسات وتعزيز استقلالية السُّلط ومنع أي تداخل بينها ووضع حواجز منيعة واقفة على الصّح في وجه الإملاءات، أو الانفراد بسلطة التقرير في مصير البلاد والعباد.
والغريب العجيب أن الجدل حول الديمقراطية ومنظومة الحريات يحتد ِويسخنْ غير فالدول اللي كتمارس ديمقراطية صورية ديال بْلْعَاني، موجهة إلى الاستهلاك الخارجي، وتلك التي تعتبر الحرية مجرد ترف زائد وكلام خاوي وملهاة عبثية لا ينبغي أن تتسلى وتلعب بها شعوب «غير ناضجة» مَازَالْ ما طَابْت وهُومَا «طَيْبُوها» بكل أنواع وألوان الظلم والاحتقار، بل ويعتبرونها «جاهلة» نظرا إلى إفلاس منظومتها التعليمية ونتيجة لسنوات التجريب والارتجال والخضوع لتعليمات المنظمات النقدية الدولية (دَّاوْ ليّا وْلِيك كُلْ شِي) التي صادرت سيادة الدول المَدِينة وغَرقْتْنا دْيُونْ، والتي بَدَّد حكامها ثروات شعوبهم (وثروة حتى النصر)، ولم يعملوا على إنتاج ثروات وطنية يكون أساسها ووقُودُها الحقيقي هو العنصر البشري، وحين يتجادل ديمقراطيو الساعة الخامسة والعشرين في صالوناتهم الشاسعة مترامية الأطراف، حول أفضل السبل للالتفاف حول مطالب الشركاء بضرورة إرساء الديمقراطية وترسيخ الحريات، فإنهم يكونون واعين تمام الوعي بأن تلك المطالب الغَرْبية سِمَتها النفاق، ولذلك فهي غير مُلزمة لدول «الديمقراطيات الناشئة». ولم يتردد الرئيس الفرنسي السابق «جاك شيراك» في أن يعلن صراحة أن الديمقراطية لا تصلح لإفريقيا، فيما أثار الرئيس الفرنسي الحالي «نيكولا ساركوزي» زوبعة في أوساط النخب الإفريقية حين ألقى خطابا في وجه الحاضرين بجامعة داكار السنغالية، أكد فيه أن القارة السمراء عاجزة عن مواكبة العصر وغير قادرة على الإمساك بزمام مستقبلها.. ساركوزي جا يدبر على راسو.
وبدورها، عمدت الإدارة الأمريكية إلى غسل يديها وتبرئة ذمتها من دم الديمقراطية المُراق في العديد من الدول، وعلى رأسها الدول العربية، وذلك عبر إصدار الخارجية الأمريكية لتقرير سنوي يُحصي التجاوزات والخروقات المسجلة في الدول الخارجة عن السِّرب الديمقراطي.
وحين تمعن في قراءة ذلك التقرير السنوي وتعاود تقراه شحال من مرة، تكتشف أنه مجرد تجميع للمقالات والأخبار الصادرة في الصحف المحلية لتلك الدول، فيما يمتنع التقرير عن إيراد خلاصات التقارير الواعرة والخطيرة التي تعدّها وتدبّجها المخابرات الأمريكية عن سلوك الحكام ومصادر ثرواتهم وسجونهم السرية الرهيبة وعلاقاتهم المشبوهة مع عالم المال والأعمال والبزنس والاستثمار والمضاربات البورصوية، واللي كان عندو الزهر وفتح ليه الحظ أبواب الكونغرس الأمريكي لحضور جلساته العمومية المخصصة لمناقشة الدعم السنوي (لْفْْلِيسَات) الذي تقدمه أمريكا إلى دول «العالم الثالث»، فإنه سيكتشف أن «المؤاخذات» التي تسجل ضد تلك الدول مصدرها الأساسي هو التقرير السنوي للخارجية الأمريكية. وبناء عليه، يزيد الكونغرس أو ينقص من حجم المساعدات، كما لو تعلق الأمر بمدرس يمنح التلاميذ النجباء قطعا من الحلوى، ويهوي بمسطرته الحديدية على رؤوس الكسالى منهم. وفي كل الحالات، لا يتعلق الأمر بإجراءات عقابية ضد الدول المستبدة، بقدر ما يتعلق بعتاب خفيف الظل، على عينين عباد الله، لا تبعات ترجى منه.
إنها اللعبة الدولية التي تهمش إرادة الشعوب بالرغم من إعلان النوايا من منابر المحافل الدولية المنقادة وراء إرادة «الكبار». لذا لم يعد من مجال للشعوب المكتوية بنار الاستبداد والقهر والفقر أن تنساق وراء أوهام دول تحتكر الديمقراطية والحرية لشعوبها (هذه الشعوب التي كافحت لنيل حريتها) وتستكثرهما على المستضعفين في الأرض (وهذه الشعوب المظلومة خصها تعول على راسها لتنال حريتها) كما سماهم «فرانز فانون» Franz Fanon : «les damnés de la terre».
فإذا لم تصنع الشعوب ديمقراطيتها بيدها ولم تنتزع حريتها، فإنها ستفقد بوصلتها ويطول عذابها وتعمق مأساتها، خصوصا إذا اقتنعت بوهم انتظار الذي يأتي أولا يأتي أبدا من سماوات «الكبار» التي لا تمطر ديمقراطية ولا حرية، وإنما تتفرج على عذابات الآخرين وتحولها إلى تجارة مربحة بعد أن تذرف دموع التماسيح في جامعة داكار أو داخل الكونغرس الأمريكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.