تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    توقيع إعلان نوايا بين المملكة المغربية ومملكة السويد لتعزيز التعاون في مجال العدالة    مجلس النواب.. لجنة المالية والتنمية الاقتصادية تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    انطلاق أشغال تهيئة غابة لاميدا بمرتيل ، للحفاظ علي المتنفس الوحيد بالمدينة    أجواء غائمة وممطرة في توقعات طقس الأربعاء    مأساة بخريبكة.. وفاة خمسة أشخاص من عائلة واحدة غرقا داخل صهريج مائي    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    مؤتمر نصرة القدس و"معا للقدس": أية قوة يتم إرسالها لغزة يجب تحديد ولايتها بواسطة مجلس الأمن بالتشاور مع الشعب الفلسطيني    انتخابات العراق: ما الذي ينتظره العراقيون من مجلس النواب الجديد؟    هجوم انتحاري خارج محكمة في إسلام آباد يودي بحياة 12 شخصاً ويصيب 27 آخرين    ماكرون يؤكد رفض الضم والاستيطان وعباس يتعهد بإصلاحات وانتخابات قريبة    "لارام" تدشن أول رحلة مباشرة بين الدار البيضاء والسمارة    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وإيران في نهائي "الفوتسال"    مونديال أقل من 17 سنة.. المغرب يتعرف على منافسه في الدور المقبل    شراكة بين "اليونسكو" ومؤسسة "المغرب 2030" لتعزيز دور الرياضة في التربية والإدماج الاجتماعي    اتفاق مغربي سعودي لتطوير "المدينة المتوسطية" بطنجة باستثمار يفوق 250 مليون درهم    الحموشي يتقلَّد أرفع وسام أمني للشخصيات الأجنبية بإسبانيا    تحيين مقترح الحكم الذاتي: ضرورة استراتيجية في ضوء المتغيرات الدستورية والسياسية    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة ويرسل شخصا إلى المستعجلات    مديرية الأرصاد الجوية: أمطار وثلوج ورياح قوية بهذه المناطق المغربية    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    التدبير‮ ‬السياسي‮ ‬للحكم الذاتي‮ ‬و‮..‬مرتكزات تحيينه‮!‬ 2/1    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    والآن سؤال الكيفية والتنفيذ .. بعد التسليم بالحكم الذاتي كحل وحيد    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقوب مالية بلغت 120 مليارا تهدد بفضح ما يقع في العلبة السوداء للنقل الحضري بالرباط
حكاية شعار «الحرية» الذي حكم على مليوني مغربي بالإهانة
نشر في المساء يوم 05 - 03 - 2015

تبخر حلم سكان مدن الرباط وسلا وتمارة في خدمة نقل عمومي تحترم آدميتهم، وتراعي مكانة الرباط كعاصمة عكس ما تم الترويج له قبل سنوات من طرف المنتخبين ومسؤولين في السلطة بقرب توفير خدمة نقل تراعي تلك الموجودة في العواصم الأوربية، ليتضح اليوم أن هذا الحلم تحول لكابوس يستنزف الملايير من المال العام، ويغرق يوما بعد يوم في عجز مالي يعبد طريقا نحو الإفلاس.
«حر في مدينتي» هو الشعار الذي تحمله حافلات صينية مهترئة تجوب مدن الرباط وسلا وتمارة، وتشكل أسطول قطاع كلف لحد الآن حوالي 120 مليار سنتيم دون أن ينجح في النهوض بعد السقطة القوية التي أعقبت انسحاب الفرنسيين من تدبير القطاع، تاركين وراءهم علامات استفهام كثيرة تلاحق خسارة غامضة أشهرت في وجه المسؤولين المغاربة، وقدرت ب 40 مليار سنتيم في أقل من سنتين.
القطاع يتجه حاليا نحو المجهول، ويغرق في سلسة من الفضائح التي تهدد بكارثة غير مسبوقة قد تعصف بخدمة النقل العمومي، رغم الإمدادات السخية والمفرطة لوزارة الداخلية التي بادرت فيما بعد لإيفاد لجن للبحث عن الثقوب التي تسيل منها ملايير الدعم لشركة تحتضر يوما بعد يوم وتتحول بالنسبة للبعض ل»وزيعة».
مصادر مطلعة كشفت أن وزارة الداخلية لم تعد تنظر بعين الرضا لما يحدث داخل هذه الشركة، وهو ما يسفر عن إيفاد لجنتين في ظرف متقارب من أجل افتحاص بعض الوثائق الإدارية واستجواب عدد من المسؤولين حول ما يقع، وعن سر غرق الشركة في عجز متواصل بعد أن هوت المداخيل في بعض الأحيان لما دون 41 مليون سنتيم في اليوم، هي عائد تشغيل حوالي 400 حافلة تجوب مدن الرباط وسلا وتمارة ويستعملها عشرات الآلاف بشكل يومي، كما تستهلك أطنانا من المحروقات.
صفقة بالملايير
المصادر ذاتها أوردت أن التغييرات التي عرفتها بعض مصالح وزارة الداخلية على مستوى المسؤوليات، دفعت إلى اتخاذ قرار مستعجل بتجميد صرف مستحقات صفقة شراء مستودعات كلفت الملايير، ما دفع ببعض الأطراف إلى التحرك وطرق عدد من الأبواب من أجل تحرير هذه الصفقة الشهية التي سيتم تمويلها بقروض سترهن مستقبل القطاع لعقود طويلة، في ظل النزيف والعجز المالي الذي تغرق فيه الشركة.
مصادر مطلعة كشفت ل»المساء» أن صفقة شراء المستودعات في مناطق نائية بكل من سلا وتمارة استنزفت الملايير رغم أن شركات عقارية محظوظة استفادت من مئات الهكتارات في مكان قريب، وبثمن لا يتجاوز 50 درهما للمتر المربع.
الغريب أن الصفقة أنجزت في الوقت الذي تعمل فيه الشركة بحافلات عبارة عن خردة يكدس فيها المئات يوميا، فوق الطاقة الاستيعابية التي كانت في يوم من الأيام ورقة حمراء ترفع في وجه حافلات الخواص تحت طائلة الحجز، قبل أن تختفي هذه الخطوط الحمراء بشكل يثبت أن المسؤولين المغاربة يؤمنون بشكل متطرف و»براغماتي» بالقاعدة الفقهية التي تقول إن الضرورات تبيح المحظورات، ومن هذه المحظورات السماح بحشر المواطنين في «التريبورتورات و»الهوندات» وسط العاصمة، في الوقت الذي تصرف فيه الملايير تحت غطاء تأمين النقل العمومي وشراء المستودعات.
مصادر مطلعة أكدت ل»المساء» أن البعض تدخل في هذه الصفقة من خلال الترويج أمام أعضاء المجلس الإداري بأنها صفقة مربحة، وأن السعر يقل ثلاث مرات عن السعر الحقيقي للعقارات التي ستصبح في ملكية الشركة عوض الاستمرار في تأجيرها بمبلغ 100 مليون سنتم شهريا، وهو مبلغ طرح أيضا أكثر من علامة استفهام.
هذه الصفقة تم التسريع بها رغم وجود مستودع كان تابعا للوكالة المستقلة للنقل الحضري مساحته ثلاثة هكتارات في موقع مميز، ويضم مبان إدارية من ثلاثة طوابق جاهزة للاستغلال، لكن تم إغماض العين عنه والتوجه نحو شراء مستودعات من الخواص، منها مستودع كان في ملكية شركة إماراتية إضافة إلى تأجير فيلا في أرقى أحياء العاصمة.
من الخيمة خرج مايل
المصير الحالي الذي يواجهه قطاع النقل الحضري بمدن الرباط وسلا وتمارة لا يعكس بتاتا التنافس الشرس الذي شهده طلب العروض الدولي للتدبير المفوض الذي أعطيت انطلاقته قبل خمس سنوات، والذي فازت به شركة مكونة من فيوليا وشركة بوزيد وشركة حكم.
فالفوز بالصفقة شهد صراعا شرسا بين الشركات تطور في بعض الأحيان لتجييش المستخدمين لتشهد شوارع مدينة سلا والرباط مواجهات استعلمت فيها الحجارة وخلفت خسائر وجرحى، ما يكشف الوجه الخفي لهذا القطاع الذي ظلت بعض الأيادي تتحكم فيه لزمن طويل، مستفيدة من العين المغمضة للسلطة عن هذه الخدمة العمومية التي لا تجلب لها سوى صداع الرأس.
الشركة الفائزة تعهدت حينها باستثمار مبلغ 2 مليار درهم، وتأمين 400 حافلة بمواصفات عصرية توازي تلك المعمول بها في الدول الأوربية خلال ال18 شهرا الأولى من الشروع في العمل مع إنجاز محطات عصرية في عدد من النقط على امتداد الولاية، قبل أن تنفجر فقاعة الصابون التي أحيطت بهذه الصفقة شهرين بعد ذلك، بعد أن فضلت فيوليا أن تتخلص من خردتها المركونة بفرنسا، لتجلب عشرات الحافلات التي ظلت ولشهور طويلة تجوب شوارع ثلاث مدن، بلوحات ترقيم أجنبية، دون أن تجد من يعترض على ذلك، ليتضح أن الأمور لا تسير على ما يرام، وأن قطار القطاع قد زاغ عن سكته قبل أن ينطلق.
والغريب أيضا أن الشركة استعانت بالخردة رغم أن بنود العقد نصت على ضرورة سحب الأسطول القديم الذي كان يستغل من قبل الخواص في ظرف لا يتجاوز السنة، علما أن العقد النهائي كان يفرض على الشركة العمل بنظام التذكرة الموحدة، الأمر الذي سيتيح للمواطنين الاستفادة من خدمات كل من الترامواي وحافلات النقل الحضري، في النقط التي لا تغطيها خطوط الترامواي، غير أن كل هذا تبخر لتصبح العاصمة ومدن سلا وتمارة رهائن لحافلات متهرئة ويضطر قاطنوها للاستعانة بخدمات «الخطافة»، وسيارات نقل الخضر والسلع من أجل التنقل، دون أن يتحلى المسؤولون في السلطة والمجلس الجماعي بالشجاعة للاعتراف بالمسؤولية، وفتح تحقيق لكشف جميع الملابسات، بما فيها العلاقات الغامضة التي كانت تربط بعضهم بمسؤولي «ستاريو» التابعة لفيوليا، بعد أن كانوا يسارعون لالتقاط صور مع الحافلات الصينية والمسؤولين الفرنسيين، والإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام حول إنجاز وهمي انهار أسابيع قليلة بعد الإعلان عنه.
خسائر بالملايير وإفلاس في الأفق
من بين علامات الاستفهام الكثيرة أن حجم الاستثمار خلال توقيع العقد مع شركة ستاريو الذراع التابع لفيوليا سابقا، بلغ ملياري درهم من أجل تقديم خدمة بمواصفات أوربية، لكن لحد الآن، وبعد انسحاب الفرنسيين، فإن حجم الخسائر المحسوبة من المال العمومي كدعم رغم الشروع في الاستغلال فاقت 120 مليار سنتيم، أي أكثر من نصف حجم الاستثمار، في حين أن القطاع يتجه نحو الهاوية، ويقدم خدمة تحتقر المواطن الذي يحشر في حافلات مرقعة.
كل هذا ينضاف إلى التساؤلات الكثيرة التي طرحت حول عدم فتح تحقيق في الأرقام التي قدمتها الشركة الفرنسية كخسائر، والمقدرة بحوالي40 مليار في ظرف سنتين قبل أن تحزم حقائبها وترحل، تاركة أكثر من مليوني مغربي يتجرعون المعاناة مع الخطافة، ومع جحيم النقل في الرباط وسلا وتمارة، علما أن الوكالة المستقلة للنقل الحضري سجلت هذا العجز في ثلاثين سنة قبل أن تفلس وتترك وراءها ممتلكات بالملايير، وهي الممتلكات التي تضم فيلات و»شاليهات» لازال الغموض يسود مصيرها وهوية المستفيدين منها.
حرائق غامضة ومحروقات طائرة
المصادر التي تحدثت ل»المساء» عادت للحرائق الغامضة التي طالت عددا من الحافلات قبل سنوات، حيث أكدت المصادر ذاتها أن مسؤولي الشركة الفرنسيين اجتهدوا حينها في البحث عن المبررات، وقارنوا ما وقع بحوادث غامضة رغم أن بعض التقنيين المغاربة أكدوا أن العيوب كانت في أسلاك الربط الكهربائي داخل الحافلات التي لا تتحمل الحرارة الزائدة.
هذه العيوب رصدها مسؤول كبير كان مكلفا بالمراقبة التقنية في عهد الشركة الفرنسية، حيث أنجز تقريرا أسود بعد معاينة الحافلات الصينية التي قررت الشركة اعتمادها للخدمة بالمغرب، لتكون النتيجة بعد الاطلاع على فحوى التقرير التضحية به من خلال إصدار قرار بإعفائه من مهامه، بعد أن وضع أصبعه على عدد من العيوب في الهياكل والربط الكهربائي والتقني في الحافلات الصينية التي وصفت من قبل عدد من العاملين بالقطاع بأنها حافلات عاشوراء.
العودة إلى حكاية الحرائق فرضتها قضية احتراق 8 حافلات دفعة واحدة، كانت مركونة في أحد مستودعات الشركة قبل أشهر، حيث أوردت المصادر ذاتها أنه عوض الكشف عن جميع ملابسات الحريق بعد ورود معلومات عن اختفاء عدد من معدات وتجهيزات بعض الحافلات المحترقة، تم الاجتهاد في البحث عن سبب لما حصل، من خلال إلصاق سبب اندلاع النيران والتهامها لثماني حافلات دفعة واحدة، بقيام أحد المتشردين بحرق بعض المتلاشيات بالقرب من المستودعات، ما أدى إلى تطاير شرارة نجم عنها احتراق حافلة تلو أخرى؟
جمال الجيراري المستشار بمجلس مدينة الرباط وعضو مجموعة تجمعات العاصمة التي أحدثت لتدير القطاع قال إن الأسئلة الكثيرة والحارقة التي تحيط بطريقة تدبير القطاع يتعين أن تجد أجوبة عنها عوض أن يكتفي المسؤولون بدفن رأسهم في الرمل وانتظار انهيار القطاع، وقال إن الخدمات تتجه دائما نحو الأسوأ والمداخيل في انخفاض مستمر، وهو ما يفرض تقديم أجوبة صريحة وواضحة حول طريقة صرف الملايير التي تقدم من الجماعات الترابية ومن طرف وزارة الداخلية، دون أن تنعكس على القطاع الذي لم يتمكن من استعادة عافيته بل استمر في التدهور يوما بعد يوم.
المال السائب
السؤال يحوم أيضا حول طريقة تدبير صفقات قطع الغيار، وذلك إن وجدت فعلا، في ظل التدهور المستمر للحالة الميكانيكية للحافلات واللجوء لقرصنة قطع من بعضها لإنعاش الأخرى، ومعاناة سائقيها من مشاكل تقنية متراكمة، علما أن استيراد قطع الغيار من المفترض أن يتم في إطار طلب عروض، بالنظر للوضع القانوني الذي أصبحت عليه الشركة الآن.
فضائح الشركة وحسب مصادر متطابقة لم تتوقف عند الحرائق واختفاء مجموعة من قطع الغيار، بل انضافت إليها فضيحة مدوية تمثلت في اختلاس أطنان من المحروقات بعد أن كشفت المصادر ذاتها أن حوالي طن ونصف من المحروقات كانت تجد طريقها بشكل يومي خارج مخازن الشركة، قبل أن تفوح الرائحة بشكل أزكم الأنوف لينكشف المستور ويتم وقف هذا النزيف.
حالة التسيب التي تعرفها الشركة والتي أصبحت حديث كل العاملين بها دفعت بعض المستخدمين البسطاء للبحث عن نصيب من الكعكة، بعد أن تم اللجوء لتزوير كميات ضخمة من التذاكر وبيعها للزبناء، غير أن هذه العملية انكشفت بدورها لأنها انطوت على سرقة غير متقنة قبل أن يتم اعتقال المتورطين فيها وتقديمهم للعدالة.
إدارة مرفهة لشركة عرجاء
أرقام صادمة تم الكشف عنها وتتعلق بطبيعة الأجور والتعويضات والامتيازات التي يحصل عليها عدد من الأطر بالشركة التي كان من المفترض أن تشهد سنة 2011 عملية تطهير، وفق ما تعهد به المدير العام الحالي، خلال اجتماع عقده مع العاملين وأعضاء الإدارة، بعد أن أسندت إليه مهمة إنقاذ الوضع والخروج بالقطاع من دائرة الخطر.
مصادر «المساء» قالت إن الإدارة ورغم الوعود المقدمة لم تشهد أي تغيير بعد أن تم تكريس الوضع نفسه الذي كان سائدا مع تقسيم الأطر إلى مقربين ومغضوب عليهم.
وقالت المصادر ذاتها إن المدير العام الحالي يتقاضى راتبا سمينا يفوق 40 ألف درهم تشمل التعويضات، علما أن الأمر يتعلق بإطار سام متقاعد من وزارة الداخلية وجد طريقه لرئاسة الشركة بعد ورطة انسحاب الفرنسيين، وبعد إحداث مجموعة من التجمعات كإطار مؤسساتي لحل إشكالية النقل الحضري.
هذا التعيين يطرح في حد ذاته عددا من الإشكالات من الناحية القانونية بحكم أن مجموعة من التجمعات هي التي تساهم ب95 في المائة من التمويل، وبالتالي كان من المفترض أن تتحكم هي في تعيين الاسم الذي سيرأس الشركة، عوض أن تقوم بعض الأسماء النافدة في وزارة الداخلية بوضع يدها على الشركة، والتحكم في تمويلها وتدبير مجموعة من القرارات الاستراتيجية التي تتعلق بالقطاع، من خلال آلة للتحكم عن بعد، علما أن هذه القرارات زادت من حدة الأزمة المالية التي تهدد شركة ستاريو بسكتة قلبية.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن حوالي30 إطارا بالشركة التي تجوب خردتها شوارع ثلاث مدن إحداها هي عاصمة المملكة، يستفيدون من سيارة فاخرة مؤجرة من وكالات متخصصة، ويتقاضون أجورا سمينة من مؤسسة تتجه نحو الإفلاس، أقل هذه الرواتب لا ينزل عن سقف 28 ألف درهم شهريا.
ينضاف إلى ذلك وجود 120 سيارة تم اقتناؤها بدعوى تخصصيها للمراقبة قبل أن يتحول بعضها إلى هدية لبعض المحظوظين والمقربين من الإدارة من أجل تسخيرها لقضاء أغراضهم، في مقابل تهميش أطر يشهد لها بالكفاءة والنزاهة عقابا لها على عدم التماهي مع أهواء من أسند إليهم أمر تدبير القطاع.
لائحة الامتيازات تضم أيضا صرف بطائق للمحروقات تتراوح قيمتها ما بين 1000 إلى 5000 درهم وهواتف نقالة، فيما بلغت قيمة تأجير فيلا للإدارة المركزية بحي بئر قاسم الراقي إلى 60 ألف درهم.
الأمور لم تتوقف عند هذا الحد بل تطورت إلى تفصيل صفقات على المقاس استفاد منها أفراد من عائلات بعض الأطر، ومنها صفقة للحراسة إضافة إلى صفقة أخرى للخفر.
مجلس رقابة خارج التغطية
علامات الاستفهام تطرح أيضا حول دور مجلس الرقابة الذي أحدث كآلية لتتبع طريقة تدبير الشركة، وذلك في ظل ما كشفته مصادر مطلعة عن وجود علاقة غامضة بين أحد المكلفين بمراقبة الشركة والإدارة، والذي استفاد من تأجير 87 حافلة في ملكيته لشركة ستاريو مقابل 2.5 مليون شهريا عن كل واحدة، علما أن نصف هذه الحافلات هي في الواقع عبارة عن خردة غير قابلة للاستغلال.
كما أن استفادة هذا المسؤول الذي استغل مكانته السياسية واشتغاله في قطاع النقل الحضري من أجل إبرام الصفقة يجعله في حالة تنافي بحكم أنه جمع بين مهام المراقبة والاستغلال الذي يعود عليه بعائد مالي سمين نهاية كل شهر مقابل حافلات ميتة ترقد بمستودعات تحولت إلى مقابر لعشرات الحافلات، سواء منها تلك التي كانت تستغل من طرف الخواص أو تلك التي تم استيرادها من الصين لتلقى حتفها بعد أقل من أربع سنوات على الشروع في استغلالها.
مجلس الرقابة الذي تحول إلى أداة صورية لا تحرك ساكنا إزاء ما يجري في القطاع في ظل استفادته من الوضع القائم، دفع بعض أصحاب الضمائر الحية إلى بعث رسائل مجهولة لعدد من المسؤولين والجهات من ضمنها المجلس الأعلى للحسابات، من أجل تدارك ما يقع في ظل استمرار غياب المراقب المالي عن الشركة الذي من المفترض فيه افتحاص طريقة صرف الملايير التي يلتهمها القطاع المهدد في أي لحظة بالانهيار، في ظل النزيف المالي الذي يعانيه، وتراجع المداخيل، وهو الوضع الذي تجتهد الإدارة في صناعة عشرات الأسباب لتبريره.
وقالت المصادر ذاتها إن الرسائل المجهولة خطوة تم اللجوء إليها في ظل صمت مطبق للعمدة فتح الله ولعلو رغم الانتقادات الصريحة التي وجهها عمدة سلا نور الدين الأزرق لطريقة تدبير خدمة النقل وشركة ستاريو، علما أن هذه الأخيرة تستفيد من 16 مليون درهم تقدم من طرف الجماعات الملحية، منها 8 ملايين درهم من المجلس الجماعي لسلا، و6 من الرباط و2 من تمارة، فيما يتم تداول إلزام 12 جماعة تدخل في إطار مجموعة التجمعات بتقديم مليون درهم سنويا كمساهمة، أي أن القطاع يأخذ من اليمين والشمال، إذ تنضاف هذه المساهمات لما تقدمه وزارة الداخلية دون نتيجة، بعد أن أعدت برنامجا للدعم يمتد من 2013 إلى 2020، وهو البرنامج الذي تجهل آليات وطريقة صرف مبالغه، هذا دون الحديث عن مداخيل اللوحات الإشهارية التي لا يدري أحد قيمتها، وكيف يتم تدويرها في حسابات الشركة التي أصبحت تنشر طاولات وكراسي بلاستكية لبيع التذاكر في الشارع العام، في مشهد لا تصادفه حتى في أشد الدول تخلفا.
غليان واحتقان في صفوف المستخدمين
الوضع المالي المتأزم للشركة يقابله غليان غير مسبوق في صفوف المستخدمين في ظل تصاعد وتيرة عقد المجالس التأديبية في غياب ممثلي العمال، واعتماد منطق فرق تسد من قبل الإدارة للالتفاف على المطالب النقابية، وهو ما يترافق مع توجيه أصابع الاتهام لبعض الأطراف النقابية بموالاة الإدارة بشكل ضمني على حساب المستخدمين.
حميد بوسعيد عضو المجلس الوطني الفيدرالي وممثل العمال ب»ستاريو» حذر من شبح التشرد الذي أصبح يتهدد أزيد من 3400 أسرة ستواجه مصيرا مجهولا في ظل استمرار التدبير السيئ الذي وصل بجميع المؤشرات المالية والإدارية، إلى المستوى الأحمر من الخطر، وقال إن توقف صنبور الدعم سيجعل الشركة عاجزة عن أداء الأجور، علما أن هذه الأخيرة يضيف بوسعيد لا تؤدي مستحقات الضمان الاجتماعي والتقاعد، إضافة إلى مصاريف التقاعد التكميلي بالنسبة للمستخدمين السابقين بالوكالة.
بوسعيد لم يكتف بذلك، بل أكد أن الشركة التهمت 120 مليارا من أموال المغاربة دون نتائج تذكر سواء بالنسبة لسكان المدن الثلاث أو المستخدمين، وهو ما جعل جمعية المستقبل لعمال ومستخدمي النقل الحضري «ستاريو» تراسل المدير العام للوكالات والمصالح ذات الامتياز بوزارة الداخلية من أجل التنبيه للخطر والمصير المجهول الذي يواجه القطاع.
وقال بوسعيد إن وضع القطاع أصبح يتطلب التدخل بشكل مستعجل بعد «التراجع المهول المسجل منذ منتصف سنة 2014 إلى الآن، والذي كشف أن الإدارة والمشرفين على القطاع لا يملكون أي تصور أو برنامج للخروج بخدمة النقل الحضري من المستنقع الذي غرق فيه، وأن ما يتم حاليا هو تدبير يوم بيوم، هدفه الأساسي هو ضمان استمرار الخدمة ولو تطلب ذلك صرف المداخيل والأموال الطائلة المقدمة كدعم من الجماعات الترابية ومن وزارة الداخلية، من أجل أداء الأجور وراء المحروقات والقيام بصيانة بدائية لبعض الحافلات.
آخر التطورات التي لا تبشر بخير حول مصير القطاع حسب بوسعيد تتمثل في لجوء الشركة لصيغة جديدة للعطالة التقنية من خلال إجبار عدد من المستخدمين على عطل قسرية، وذلك في ظل تزايد عدد الحافلات التي أصبحت عاجزة عن التحرك، ما جعل الإدارة تقرر تشغيل ما يوازي الحافلات الموجودة، مع إلزام الآخرين بعطلة دون سابق إشعار.
بداية النهاية
مصادر مطلعة وعلى علم بخفايا القطاع أكدت أن عدم تغيير الاستراتيجية التي تتحكم في تدبير القطاع ستدفع في اتجاه إعلان ثالث إفلاس، بعد الإفلاس السابق لكل من الوكالة المستقلة، وشركة ستاريو التابعة لفيوليا في ظل استمرار الاقتراض بشكل مبالغ فيه، بعد أن تم الإعلان قبل شهور عن تخصيص قروض بقيمة 38 مليار سنتيم في خطة عاجلة لإنقاذ قطاع النقل الحضري، وهو المبلغ الذي أضيفت إليه 4 مليارات سنتيم، من طرف المديرية العامة للجماعات المحلية، لشراء مستودعين إلى جانب قرض ثالث بحوالي 5 ملايير من أجل شراء 63 حافلة.
وأضافت المصادر ذاتها أن اللجوء إلى الاستعانة بقروض بالملايير، لن يكون مجديا، في ظل عدم تصحيح الاختلالات المتعددة التي رافقت تدبير ملف النقل الحضري بكل من الرباط وسلا وتمارة.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن العوائد تظل دون المستوى المطلوب، الذي من شأنه تجنيب الشركة تحقيق خسائر كبيرة، رغم الشروع في استغلال أسطول جديد مكون من 62 حافلة تم استيرادها من الصين، علما أن الصفقة التي أبرمت في عهد الفرنسيين تنص على استيراد 600 حافلة.
وتسعى وزارة الداخلية إلى إنقاذ قطاع النقل الحضري في المدن الثلاثة وضمان استعادة توازنه المالي في إطار خطة تعمل على التمدد إلى سنة 2020، وتراهن على تحقيق مداخيل بقيمة 200 مليون سنتيم يوميا، مع عدد ركاب يناهز 600 ألف شخص يوميا، علما أن مداخيل الشركة كانت تتراوح ما بين 60 و70 مليونا يوميا، من خلال 333 حافلة، قبل أن تهوي إلى ما دون ذلك بشكل سريع، وهو ما حدا بالإدارة للنفخ في أرقام الحافلات المعطوبة إلى حد الإعلان بشكل رسمي بأن ثلث الأسطول تعرض للتخريب على هامش عدد من التظاهرات الرياضية، وكذا الاختباء وراء بعض الإضرابات من أجل تبرير انخفاض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.