لقد تعددت أسباب ثورة 25 يناير 2011. فالوضع السياسي في البلد كان مؤهلا للانفجار باعتبار أن النظام المصري الرئاسي الجمهوري، ظل محكوما بقانون الطوارئ الممتد منذ سنة 1967، والذي خضع للتعديل في بداية الثمانينيات، قبل أن يعود إلى ما كان عليه من قبل. وهو قانون ظلت السلطات تستغله لفرض رقابتها الدستورية على تنظيم المظاهرات، ومنع التنظيمات غير المرخص لها بالنشاط خصوصا في شقه السياسي. وبموجب هذا القانون، كان نظام الحكم قد احتجز حوالي 17.000 شخص. كما وصل عدد السجناء السياسيين إلى قرابة 30.000 معتقل. وبموجب هذا القانون، كان للحكومة أيضا الحق في احتجاز أي شخص لفترة غير محددة لسبب أو بدون سبب واضح. كما لا يمكن لهذا الشخص، بمقتضي هذا القانون، الدفاع عن نفسه. كما تستطيع الحكومة أن تبقيه في السجن دون محاكمة. وظلت الحكومة تعمل على بقاء قانون الطوارئ بحجة حماية الأمن القومي.القانون الذي منع الإخوان المسلمين مثلا من الوصول إلى السلطة، بعد أن صودرت ممتلكاتهم، وتم اعتقال عدد من رموزهم. في ظل هذا الوضع بقانون طوارئه، سيسقط بقسم الشرطة شاب مصري اسمه «خالد محمد سعيد» قتيلا بمنطقة سيدي جابر بمدينة الإسكندرية، بعد تعرضه للتعذيب في مخفر الشرطة. وهو الحادث الذي اعتبر أحد أهم الأسباب الرئيسية غير المباشرة في اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير من سنة 2011. لقد سقط خالد محمد سعيد قتيلا في السادس من يونيو من سنة 2010. وفي 25 من يونيو الموالي سيقود محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تجمعا حاشدا في الإسكندرية منددا بانتهاكات الأمن الذي أسقط خالد سعيد قتيلا، قبل أن يقوم بزيارة لبيته لتقديم التعازي. بعد خالد سعيد، سيسقط شاب في الثلاثين من عمره اسمه السيد بلال قتيلا هو الآخر بعد احتجازه في مخفر الأمن بالإسكندرية حيث تعرض للتعذيب، خصوصا وقد انتشر فيديو يظهر آثار التعذيب في رأسه وبطنه ويديه. حسني مبارك يقطع شبكة الاتصالات!! منذ جاء محمد حسني مبارك إلى الحكم في 1981، عانى الإسلاميون واليساريون من حصار شديد. ولم تسلم كل الحكومات التي تولت تدبير الشأن العام من انتقادات وسائل الإعلام الدولية على الخصوص. وحده الإعلام الأمريكي هو من ظل يخفي تجاوزات نظام مبارك، خصوصا وأن مصر ظلت تقدم دعمها لنظام إسرائيل. وهو الذي ساعدها على حماية مساعدات أمريكا لها. كان لحكم حسني مبارك الأثر الكبير على التدهور الاقتصادي والاجتماعي على المصريين. بالإضافة إلى التراجع الملحوظ في مستوى التعليم والصحة، وارتفاع معدلات البطالة، وانتشار الجرائم في البلاد. كما زادت، خلال حكمه، حدة الفساد السياسي خصوصا في إدارته لوزارة الداخلية بشكل كبير، بسبب ازدياد النفوذ على النظام المؤسسي الذي هو ضروري لتأمين الرئاسة لفترة طويلة. وقد أدى هذا الفساد إلى سجن شخصيات سياسية وناشطين شباب بدون محاكمة، ووجود مراكز احتجاز خفية غير موثقة وغير قانونية. وكذلك رفض الجامعات والمساجد والصحف تشغيل بعض الموظفين على أساس الميول السياسية. وعلى المستوى الشخصي، كان بإمكان أي فرد أو ضابط أن ينتهك خصوصية أي مواطن في منطقته باعتقاله دون شرط بسبب قانون الطوارئ. وقد نشرت منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة دولية لرصد جميع أنواع الفساد بما في ذلك الفساد السياسي، في تقرير لها عن مؤشر الفساد لسنة 2010 يقول إن مصر احتلت المرتبة 98 من أصل 178 بلد مدرج في التقرير. أما على المستوى الاجتماعي، فقد كان 40 في المائة من سكان مصر يعيشون تحت عتبة الفقر، حيث يعتمدون على دخل قومي يعادل لا يتجاور 2 دولارات في اليوم لكل فرد. كما أن جزءا كبيرا من السكان، ظل يعتمد على السلع المدعومة. هذا دون أن ننسى أن مصر تعد ثاني أكبر دولة في أفريقيا بعدد السكان بعد نيجيريا. وهي أكبر دولة في منطقة الشرق الأوسط، حيث وصل عدد سكانها في 2007 مثلا إلى أكثر من 80 مليون نسمة. أي بمعدل حوالي 1.5 مليون نسمة في السنة الواحدة مما ظل يشكل ضغطا على الموارد إذا لم توجد حكومة واعية تستخدم هذه الثروة السكانية الاستخدام الأمثل. وقد رافق زيادة عدد السكان هذا، تدهور اقتصادي نتيجة فشل سياسات الدولة في الاستفادة من ازدياد الأيدي العاملة، وأدى ظهور جيل جديد من الشباب كثير منهم من حملة الشهادات الجامعية لا يجدون وظائف مناسبة. وهو ما ساعد على تقوية المعارضة، حيث كان الشباب العمود الفقري للثورة، فضلا عن معرفتهم الوثيقة عموما بوسائل الاتصال الحديثة واستخدامهم الفعال لها في تنظيم الثورة وإبقائها حية، خصوصا بعد أن قرر الرئيس حسني مبارك خلال قطع الاتصالات في البلاد من بدايات الثورة. وقد لعب هذا العامل دورا كبيرا في اندلاع الثورة خاصة مع زيادة نسبة الفقر في المجتمع المصري حيث ارتفعت إلى 80 في المائة. مجلس الشعب يفجر الشارع المصري قبل أن تندلع ثورة يناير في عدد من المدن المصرية، كان نظام حسني مبارك قد أجرى انتخابات تشريعية لتكوين مجلس الشعب. حدث هذا شهرين قبل 25 من يناير 2010. وخلال هذه الاستحقاقات، فاز الحزب الحاكم « الحزب الوطني» ب97 في المائة من مقاعد هذا المجلس. وهو ما يعني أن المجلس قد خلا من أية معارضة تذكر؛ مما أصاب المواطنين بالإحباط، خصوصا وقد وصفت تلك الانتخابات بالمزورة نظرا لأنها تناقض الواقع في الشارع المصري. بالإضافة إلى انتهاك حقوق القضاء المصري في الإشراف على هذه الانتخابات بعد أن أطاح النظام بأحكام القضاء في عدم شرعية بعض الدوائر الانتخابية. لقد قامت بعض القوى المدنية، وعلى رأسها البرادعى، بالدعوة إلى مقاطعة تلك الانتخابات احتجاجا على عدم نزاهتها. لكن جماعة الإخوان المسلمين، رفقة حزب الوفد، أصرتا على المضي قدما فيها ليتم إحراج الحزب الوطني، وإظهار ما سوف يقوم به من تزوير. إلا أنه بعد انتهاء المرحلة الأولى من الانتخابات وما ظهر بها من تزوير، سيقرر حزب الوفد الانسحاب من المراحل المتبقية من الانتخابات، خصوصا وأن الحزب الوطني الحاكم ظل يحشد أعدادا هائلة من أتباعه أمام مكاتب التصويت للاعتداء على أي شخص يعتقد أنه سيدلي بصوته إلى أي مرشح لا ينتمي إلى الحزب الوطني الديمقراطي، وذلك بمساعدة قوات الأمن. تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية شكلت عملية تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية عاملا مساعدا على اندلاع الثورة. وهي العملية الإرهابية التي حدثت وسط مدينة الإسكندرية بمنطقة سيدي بشر، بمناسبة الاحتفالات بعيد الميلاد. حدث الانفجار بعد حوالي عشرين دقيقة من حلول السنة الميلادية الجديدة. وعرفت العملية سقوط 24 قتيلا كان من بينهم مسلمون، وإصابة قرابة مائة شخص. وقد اعتبرت هذه العملية الإرهابية الأولى التي عرفها تاريخ مصر بذلك المشهد المروع الذي شهدته. وقبل العملية بفترة، قام تنظيم القاعدة باستهداف كنيسة في مدينة بغداد العراقية، وهدد عددا الكنائس في مصر. وقبل التفجير بأسبوعين، نشر على موقع متطرف، فيديو يدعو لتفجير الكنائس في مصر. وهي العملية التي كانت قد أحدثت صدمة في مصر وفى العالم كله. واحتج كثير من المسيحيين في الشوارع، وانضم بعض المسلمين إليهم للاحتجاج، حيث اندلعت أحداث شغب بعد الاشتباك بين الشرطة والمحتجين في الإسكندرية والقاهرة، وهتفوا بشعارات ضد حكم حسني مبارك. المثير هو أن تقول بعض المصادر إن وزارة الداخلية المصرية هي التي كانت وراء تلك التفجيرات بمساعدة جماعات إرهابية، وإن هناك سلاحا سريا في الوزارة أسسه اثنان وعشرون ضابطا تحت إشراف وزير الداخلية وقتها، والذي أحيل على المحاكمة بعد اعتراف منفذي العملية عند طلبهم اللجوء السياسي بالسفارة البريطانية بالقاهرة. شعارات الثورة على الإنترنيت ستختار فتاة مصرية في الثلاثين من عمرها، اسمها إسراء عبد الفتاح، أن تطلق في 2008، من خلال موقعها على الفيسبوك، دعوة إلى إضراب سلمي في 6 من أبريل احتجاجا على تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد. وسرعان ما لقيت دعوتها استجابة من حوالي 70 ألفا من المواطنين الذين خرجوا للاحتجاج في مدينة المحلة الكبرى. نجح إضراب «الفيسبوك». وأطلق نشطاء الشبكة العنكبوتية على إسراء عبد الفتاح، لقب «فتاة الفيسبوك»، ولقب «القائدة الافتراضية». وبعد سنة ونصف السنة، ستستعير قوى المعارضة ما سبق أن حققته «فتاة الفيسبوك» من إنجاز غير مسبوق، لتطلق حركتها الاحتجاجية ضد سوء الأوضاع في مصر. وكان أبرزها حركة شباب 6 أبريل، وحركة كفاية، خصوصا بعد حادث مقتل الشاب خالد سعيد. سيقوم الناشط وائل غنيم، والناشط السياسي عبد الرحمان منصور، بإنشاء صفحة على موقع الفيسبوك أطلق عليها اسم» كلنا خالد سعيد» داعيا المصريين للثورة ضد نظام الحكم، والتخلص من سوء معاملة الأمن للشعب. لقد كان لا بد لتكنولوجيا الاتصالات أن تلعب دورا هاما في الدعوة للثورة المصرية وبخاصة الشبكة العنكبوتيه من خلال الموقع الاجتماعي فيسبوك الذي استغله النشطاء السياسيون في مصر للتواصل مع بعضهم البعض وطرح ونشر أفكارهم. ومن ثم جاءت الدعوة إلى مظاهرة قويه في يوم 25 يناير، الذي كان يوافق عيد الشرطة. وقد شكل اختيار تاريخ 25 من يناير رسالة إلى وزارة الداخلية للاحتجاج على الأساليب القمعية التي تمارسها حيث سيدعو وائل غنيم وعبد الرحمان منصور، من خلال هذه الصفحة، إلى مظاهرات يوم الغضب، معلنا عن ثورة كان أبطالها شباب غاضب اقتنع بصفحة « كلنا خالد سعيد»، قبل أن تلتحق بها بعد ذلك بقية أفراد الشعب المصري. وككل ثورة أو انتفاضة شعبية، كان لا بد لثورة الخامس والعشرين من يناير من سنة 2011 أن تنتج لنفسها جملة من الشعارات. غير أن أقواها كان هو شعار «عيش، حرية، عدالة اجتماعية». الشعار الرئيسي الذي ردده المتظاهرون حينما خرجوا إلى ميدان التحرير، قبل أن ينتشروا في ميادين وشوارع أخرى في عموم الجمهورية المصرية، في ثورة شعبية. وقد لاقى هذا الشعار انتشارا كبيرا، لدرجة تم استخدامه في الحملات الانتخابية لبعض مرشحي المجالس النيابية والرئاسة والأحزاب السياسية في مصر بعد ذلك. لقد شاركت كل أطياف المجتمع المصري في حركة أو ثورة 25 من يناير، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، التي فضلت ألا تشارك كقوة سياسية أو هيئة سياسية بعد أن رأت أن المشاركة تحتاج إلى تخطيط واتفاق بين كافة القوى السياسية قبل النزول إلى الشارع. وقد كانت الجماعة قد حذرت إذا استمر الحال على ما هو عليه، من حدوث ثورة شعبية جاءت الدعوة لها احتجاجا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة. وكذلك على ما اعتبر فسادا في ظل حكم الرئيس محمد حسني مبارك، الذي سيتنحى عن الحكم بعد أن اشتد عليه الخناق، في 11 من فبراير الموالي، حيث سيعلن نائب الرئيس عمر سليمان في السادسة من مساء الجمعة 11 فبراير 2011 في بيان مقتضب، تخلي الرئيس عن منصبه. وأنه كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة محمد حسين طنطاوي، بإدارة شؤون البلاد. فيما أعلنت أغلب القوى السياسية، التي شاركت في التظاهرات قبل تنحي مبارك، عن استمرار الثورة حتى تحقيق الأهداف الاجتماعية التي قامت من أجلها. أثر الثورة التونسية ساهمت الثورة التونسية التي اندلعت في 18 من دجنبر من سنة 2010، في تأجيج غضب الشعب المصري الذي رأى أنه قادر على تحقيق ما حققه أشقاؤه في تونس الخضراء. فقد اندلعت 38 يوما قبل ثورة يناير المصرية. واستطاعت هذه الثورة في أقل من شهر الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، الذي حكم البلاد لمدة 23 سنة بقبضة من حديد. وكان هذا النجاح الذي حققته الثورة التونسية قد أظهر أن قوة الشعب العربي تكمن في تظاهره وخروجه إلى الشارع، وأن الجيش هو قوة مساندة للشعب وليس أداة لدى النظام لقمع الشعب. كما أضاءت تلك الثورة الأمل لدى الشعب العربي بقدرته على تغيير الأنظمة الجاثمة عليه وتحقيق تطلعاته. وشكلت الظاهرة البوعزيزية مبعث فخر للمصريين. فقبل أسبوع من بداية الأحداث؛ قام أربعة مواطنين مصريين يوم 18 يناير بإضرام النار في أنفسهم بشكل منفصل احتجاجا على الأوضاع المعيشية والاقتصادية والسياسية السيئة. كما قام مواطن آخر بتخييط فمه، بعد أن اعتصم أمام نقابة الصحفيين مطالبا بإسقاط وزير الصحة، وذلك احتذاء بالتونسي محمد البوعزيزي، قبل أن يطلق صحافيون على الحدث اسم الظاهرة البوعزيزية حيث يحرق فيها المحتجون أنفسهم احتجاجا على البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حيث شملت الظاهرة عدة دول عربية.