ادعاء نيويورك كيتهم ترامب بإفساد الانتخابات ديال 2016    بطولة إيطاليا-كرة القدم.. "إنتر ميلان" يتوج بلقبه ال20    ثمة خلل ما.. المعرض المغاربي للكتاب يحتفي بالأديبة الناظورية آمنة برواضي    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    أسامة العزوزي يسجل في مرمى روما    الحركة يكشف مبررات تنازله عن لجنة العدل وينادي بإبعاد البرلمان عن تصفية الحسابات    حفل استقبال على شرف المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة بطل إفريقيا    إطلاق دعم إضافي لفائدة مهنيي النقل الطرقي    المؤتمر الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش ينتخب ممثليه بالمجلس الوطني    ندوة دولية بطنجة بعنوان "الثقافة والدبلوماسية الناعمة"    ولي العهد يسلم شهادات اعتراف بالعلامات المميزة لمجموعة من المنتجين    الحسيمة.. حفل ثقافي لإبراز التفاعل الوجداني بين الموسيقى والشعر    طقس الثلاثاء: حرارة مرتفعة وقطرات مطرية بهذه المناطق    الإنفاق العسكري في مرمى التوتر الجزائري المغربي!    بطولة إيطاليا.. إنتر يتوج بلقبه ال 20 بفوزه على ميلان في عقر داره    فرنسا تشيد بأداء الشرطة المغربية .. تصور واقعي وخبرة في مكافحة الجريمة    الحكومة تدرس نظام الضمان الاجتماعي    فاس.. قتل شخص وإضرام النار في جسده لإخفاء معالم الجريمة    ها امتى غيحكم الكاف فحادث ماتش بركان و USMA والعقوبة كتسنا الفريق الجزائري بسبب تعنت الكابرانات    "النواب" يستكمل هيكلته والتوافق يحسم انتخاب رؤساء اللجن الدائمة    أقمصة نادي بركان.. بنتوك: النظام الجزائري يستغل أي مناسبة لإظهار عداوته للمغرب    الرباط تحتضن أشغال محاكاة القمة الإسلامية للطفولة من أجل القدس    الأمثال العامية بتطوان... (579)    توقيف منتحل صفة شرطي أسس حياة زوجية بعقد مزور بالقليعة    كرة القدم داخل القاعة .. بعد التربع على القمة إفريقيا، أنظار أسود الأطلس تتجه صوب كأس العالم    الطالبي العلمي يستقبل وفدا عن لجنة الفلاحة بالجمعية الوطنية لجمهورية زامبيا    تقوى الآباء تأمين على الأبناء    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة يستنكر منع مسيرته السلمية بالرباط    ميراوي يتباحث مع نظيرته الفرنسية    مقابر جماعية في مستشفى ناصر بغزة    بورصة الدار البيضاء.. تداولات الإغلاق على وقع الأحمر    مرصد العمل الحكومي يرصد جهود الحكومة لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة    لقجع احتفل بأسود الفوتسال وقال لهم: سيدنا والمغاربة كيتسناو منكم كاس العالم خاصنا تخرجو من مونديال أوزبكستان أبطال    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    مشاركة متميزة للسينما المغربية في مهرجان موسكو    أسعار النفط تنخفض متأثرة بتجدد التركيز على أساسيات السوق    تقديم المساعدة لمرشحين للهجرة غير النظامية ينحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء    الرشيدية: شرطة المياه تحيل 45 محضرا على النيابة العامة    أكادير تحتضن فعاليات المعرض البيداغوجي للمدن الذكية على المستوى الإفريقي في نسختها الثانية    نصف المواليد الجدد يعانون من فقر الدم والمولدات يقمن بأدوار محورية في حماية صحة الأم والطفل    ارتفاع أسعار الفواكه والخضر واللحوم بالمغرب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة    الجيش الإسرئيلي علن على استقالة رئيس المخابرات العسكرية وها علاش    إصابة فنان فرنسي شهير بطلق ناري في الصدر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تنبيه صحي جديد فالصبليون على التوت المغربي بسباب التهاب الكبد الوبائي    إسبانيا ضيف شرف معرض الفلاحة بالمغرب وبلاناس أكد أن هاد الشي كيشهد على العلاقات الزوينة بين الرباط ومدريد    يوتيوب "يعاقب" سعد لمجرد بسبب متابعته في قضية "الاغتصاب"    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    على غفلة.. تايلور سويفت خرجات ألبوم جديد فيه 31 أغنية    هل تتورط أوكرانيا في حرب السودان كما تفعل روسيا؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    المغرب.. الأسبوع الوطني لتلقيح الأطفال من 22 إلى 26 أبريل الجاري    دراسة تكشف فوائد نظام غذائي متوازن للحفاظ على صحة الجسم    الأمثال العامية بتطوان... (577)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب والمهاجرون الأفارقة.. من المحاربة إلى الأدماج
هذه حصيلة وآفاق سياسة المغرب الجديدة للهجرة
نشر في المساء يوم 01 - 02 - 2016

كان الجو الليلي رطبا داخل الحافلة الأخيرة التي تربط بين تمارة وتامسنا، وهي تخترق الظلام مسرعة كي تلفظ حملها البشري الثقيل وتعود فارغة. الأضواء الداخلية مطفأة وأجساد الواقفين من الركاب تكاد تتلاصق مع بعضها كرها، وتملأ كل شبر من الممرات. كانوا موظفين وطلابا من الجنسين ومعهم مواطنون أفارقة. الجميع متعبون في أعقاب يوم طويل ويترقبون بصبر الوصول إلى بيوتهم، فالكيلومترات العشرة من الإسفلت التي تفصل بين المدينتين بدت بلا نهاية وهي تخترق قفرا مظلما موحشا، تشكل جغرافيته غابةُ المعمورة وبراري فسيحة. كان ركاب الحافلة الصينية الصنع منخرطين في أحاديث هامسة، عندما تعالى فجأة صراخ نسائي غاضب. تلاه احتجاج بلكنة غير مغربية. وعندما أشعل السائق الأنوار الداخلية للحافلة، كانت ثمة شابة إفريقية تنظر شزرا إلى الجميع وتكرر بغضب طافح بأن أكثر من يد تحسست مناطق حميمة من جسدها. وغير بعيد عنها انخرط مراهقون في ضحك ساخر من هيئتها ومن طريقة احتجاجها، على نحو يفضح كونهم هم من أتى ذلك السلوك الأرعن. وكانت هيئتهم تشي بأنهم تلاميذ قرويون متهورون، عائدون إلى بيوت أهلهم من مؤسسات التعليم أو التكوين بتمارة. توقفت الحافلة ثوان بعد ذلك في مكان ما على الطريق وسط الظلام، فنزل التلاميذ وهم يلوحون بحركات غير مهذبة نحو الشابة التي لم تتوقف عن الاحتجاج على التعامل العنصري الفج، وهي تكرر بفرنسية إفريقية عبارة «أنا عندي أوراقي، أنا!». وقبل أن يغلق الباب وتواصل الحافلة سيرها، رموها بعبارة «وا عزية !». فهمت الشابة معنى الكلمة فأخرستها الصدمة والغضب، وحبست دموعها وهي تجول بنظرات احتجاج صامتة على وجوه الركاب، مسائلة لا مبالاتهم المتواطئة.بعد ذلك، توزع ركاب الحافلة لما تبقى من الطريق إلى تامسنا، التي يقيم بها بعض المهاجرين الأفارقة عزابا وعائلات، إلى مناصرين في جانب لحفظ الكرامة البشرية لأولئك «الأفارقة»، وفي جانب آخر إلى محذرين من أن المغرب تورط حين قام بتسوية وضعية «هؤلاء». وبتعبير بعضهم «غادي نوحلو معاهم»، وكان اعتقال مهاجر إيفواري يتاجر في المخدرات القوية أياما قليلة من قبل في إحدى الشقق بتامسنا، دليلا على ذلك «التورط» الذي وقع فيه المغرب.. إن هذا المشهد ليس متخيلا، فقد عايشه صحفي من «المساء» قبل أشهر. وهو لا شك ليس معزولا، ويتكرر كل يوم وفي أكثر من جهة، حيث تتكرر العنصرية المقيتة نفسها وردود الفعل المشحونة بالغضب والحذر المتبادل، وحتى بالحقد المجاني كي نسمي الأشياء بمسمياتها.
ولعل تلك الحافلة تختصر بشكل مَجازي في الواقع حال المجتمع المغربي. فبينما أقدمت الدولة المغربية على تسوية الوضعية القانونية للأغلبية الساحقة من المهاجرين، الذين كانوا مقيمين فوق أرضها بشكل غير قانوني وأغلبهم مواطنون أفارقة، لم يواكب الجزء الأعظم من المغاربة لا أبعاد ولا تبعات تلك التسوية «الاستثنائية». وتواصلت بالتالي الممارسات التحقيرية والتمييزية نفسها في كل مكان وجد فيه شخص لمجرد أنه أسود، في غياب أي جهد توعوي داعم. لقد تغير القانون لكن العقليات لم تواكبه. إن مغاربة كثيرين، حتى لا نقول أغلبيتهم، لم يسمعوا بكون حكومة بلدهم قد منحت أوراق الإقامة القانونية لأغلب الأفارقة الذين يصادفونهم يوميا في الفضاء العام المشترك. ومن سمعوا منهم بذلك لا يعتبرون أنفسهم بالضرورة معنيين بتلك التسوية، أو لعلهم لا يدركون بأنها مجرد خطوة نحو إدماجهم، ليصبحوا فيما بعد شركاء لهم كاملي الصفة في المواطنة. إن عاما قد مر على بداية تطبيق المغرب لسياسته الجديدة للهجرة، بمبادرة من السلطات العليا في البلد لا إملاء من الاتحاد الدولي كما جرت العادة، ولا اجتهادا من الحكومة. ورغم ذلك فإن الوضع على الأرض يتقدم ببطء شديد في غياب القوانين التنظيمية، حتى لا نقول بأنه متوقف تماما عند خطوته الأولى. ولأن الهجرة إلى المغرب أصبحت شأنا مفروضا عليه بقوة الواقع ولم تكن أبدا خيارا، وصارت جزءا من توازناته السياسية في علاقاته مع عمقه الإفريقي والدولي، فإن الموقف يدعو إلى طرح أو إعادة طرح الأسئلة الضرورية حول الموضوع، من قبيل: من هم هؤلاء المهاجرون الأفارقة؟ كيف وأين يعيشون؟ وما هي خلفيات سياسة «التسوية» التي التزم بها المغرب حيالهم؟ ما هي حصيلتها؟ وما هي آفاقها؟ وهل المغرب مؤهل لإدماج آلاف الأجانب في نسيجه الاجتماعي والاقتصادي؟ وكيف يمكن للمغرب أن يستفيد من قوة العمل الشابة للمهاجرين الأفارقة؟
المغرب.. من أرض عبور إلى موطن استقرار للهجرة الإفريقية
في ظل القانون الجديد وسياسة الإدماج
تعيد أغلب الدراسات التي تناولت موضوع الهجرة الإفريقية إلى المغرب، بدايات هذه الظاهرة إلى مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي. والمقصود بذلك هي حركة الشبان الأفارقة الذين كانوا يتسللون مشيا على الأقدام إلى المغرب عبر الجزائر، ليقيموا مؤقتا بشمال غرب وشمال شرق البلاد، قريبا من جبل طارق والحدود الترابية والبحرية مع المدينتين «الإسبانيتين» سبتة ومليلية، بانتظار أن تسنح الفرصة لهم بالهجرة غير القانونية بحرا أو برا إلى بلد أوربي.
بدايات «الحريق»
مع توقيع أوربا لاتفاقية شنغن التي أقرت العمل بنظام التأشيرة لدخول بلدانها في يونيو 1985، أصبح بلوغ الحلم الأوربي بالنسبة إلى السواد الأعظم من المواطنين الأفارقة (وغير الأفارقة) أمرا مستحيلا تماما. فبدأت «الهجرة السرية» في شكل محاولات فردية معزولة للسفر غير القانوني من خلال عبور البحر الأبيض المتوسط عبر مسارين رئيسيين. أحدهما ينطلق من بلدان جنوب الصحراء الإفريقية ويمر شرقا عبر ليبيا وآخر غربا عبر المغرب. طبعا نجحت كثير من المحاولات الأولى في بلوغ التراب الأوربي مستغلة غفلة الأوربيين. لكن سرعان ما تحرك الرد الأوربي عبر وسطاء لا مباشرة، إثر غرق أولى قوارب المهاجرين. وهكذا ضغط الاتحاد الأوربي على مدى سنوات طويلة على حكومتي ليبيا والمغرب من أجل التدخل لمنع تسللهم إلى بلدانه. وبمرور الوقت أصبح المغرب بفضل «حدوده» الترابية مع أوربا (من خلال مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين)، يحظى بالأفضلية لدى المهاجرين غير الشرعيين القادمين إليه من كل ربوع إفريقيا. ثم في السنين الأخيرة انضافت جزر الكناري المقابلة للسواحل الجنوبية للمغرب ولموريتانيا، إلى وجهة جديدة مفضلة لديهم.
أسباب الهجرة
وظهرت بالموازاة مع ذلك شبكات مهربين من شمال إفريقيين وأوربيين، تغتني من خلال تنظيم رحلات سرية لتهريب المهاجرين إلى التراب الأوربي في مقابل دفع مبالغ مالية (1000 إلى 1500 أورو في المعدل). وطبعا لم يكن المهاجرون الأفارقة (وهم في أغلبيتهم شباب) ليركبوا المجهول ويتركوا البلد والأهل وراءهم، لو لم تكن ظروفهم القاهرة تحملهم على القيام بذلك. ويأتي في مقدمتها الفقر، فرغم غنى أغلب البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء، إلا أن اقتصادياتها انتهت سريعا إلى الإفلاس غداة الاستقلالات الشكلية. ويتمثل السبب الثاني الذي يدفع الشباب الأفارقة إلى الهجرة خارج بلدانهم وركوب المغامرة، في انعدام العدالة الاجتماعية في بلدانهم. فالصراع من أجل السلطة واحتكار الثروات بين الزعامات القبلية والسياسية يفجر باستمرار حروبا أهلية مدمرة. وتقدر إحصائيات في هذا الصدد بأن إفريقيا واحدا بين كل خمسة يعيش في وضعية حرب حاليا. ثم هناك حالة عدم الاستقرار السياسي التي ترافقها انقلابات. وبالإضافة إلى ذلك، يعاني ملايين الأفارقة من أمراض باهظة هي تكاليف علاجها، مثل مرض السيدا. كما أن هناك ربع مليار إفريقي يعانون من المجاعة، فضلا عن تفشي البطالة وتدني الأجور وانتشار المحسوبية والفساد، وغيرها من العوامل الأخرى.
لكن تقاطرت أعداد متواصلة من المهاجرين على المغرب واستحالة هجرتهم إلى بلدان أوربا بعد أن طورت مراقبة حدودها، كما كانوا يحلمون، جعل مقامهم يطول كثيرا بانتظار أن تحين فرصتهم. فوجد المغرب نفسه في ظل أمر واقع يستحيل معه ترحيل المهاجرين إلى بلدانهم، لبعد المسافة وارتفاع التكاليف. كما تصعب عليه حراسة حدوده الشرقية الشاسعة، لوقف تدفق الوافدين الجدد. وفي أثناء ذلك، لم تتوقف ضغوط أوربا الرامية إلى تحويل المغرب إلى دركي لأوربا.
قانون مغربي للهجرة
في 2003، وفي أعقاب الأحداث الإرهابية ل16 مايو، صادق البرلمان المغربي في جلسة طارئة على مجموعة من القوانين، بينها القانون الخاص بمحاربة الإرهاب وآخر يتعلق بتنظيم تواجد الأجانب على التراب الوطني، وهو المعروف بقانون الهجرة أو القانون (02 – 03). وبالنظر إلى المناخ العام الذي كان سائدا حينها، اعتبر هذان القانونان مترابطان وضروريان لحماية البلاد من المخاطر المحدقة، تبعا للمقاربة الأمنية المعتمدة آنذاك. فتمت المصادقة عليهما بالإجماع ومن دون نقاش. وبعد نشرهما في الجريدة الرسمية للمغرب في 20 نوفمبر 2003، دخلا حيز التطبيق بشكل متزامن. إن القانون (02 – 03)، بحسب رأي بعض الباحثين، لا علاقة له بالسياق الإرهابي الذي تم ربطه به في ما بعد. بل لقد أتى في الواقع استجابة لمطالب عبر عنها من قبل وبشكل متكرر شركاؤه الأوربيون، كما تقول أيضا منظمة «هيومن رايتس ووتش» للدفاع عن حقوق الإنسان. وتتعلق تلك المطالب بتقييد حركة الهجرة إلى المغرب الذي يعتبرونه «كثير التراخي» مع التدفق الهجروي الذي يقصد في نهاية المطاف بلدانهم. وبالفعل، فقد سن قانون الهجرة هذا عددا كبيرا من الإجراءات الزجرية التي تمس بشكل سافر بحقوق الإنسان «كما هي متعارف عليها عالميا». وتجرم بعضُها المهاجرين، ما حمل متخصصا مغربيا في قضايا الهجرة هو الدكتور بلكندوز إلى وصف بعض بنود القانون المذكور بأنها «تتعامل مع المهاجرين كأنهم مجرمون حقيقيون على صلات بالإرهابيين وتجار المخدرات». من حيث إقرارها بتوقيفهم، من دون ضرورة كشف المبررات أو الأهداف من ذلك. وبالنتيجة وضع قانون (02 – 03) الإطار «القانوني» للحملات الأمنية التي تستهدف المهاجرين، وكذا إبعادهم نحو الحدود الجزائرية المغلقة. ورغم أن الفصل 29 من القانون نفسه ينص على منع ترحيل النساء الحوامل والقاصرين، إلا أن شهادات مهاجرين لمنظمات حقوقية ذات مصداقية تشير إلى أن قوات الأمن المغربية قد رحلت حوامل وقاصرين وحتى مرضى في حالة خطيرة، إلى مناطق الحدود مع الجزائر، ثم تخلت عنهم في الخلاء.
المغرب يرد بسياسة للإدماج
من جانبها، تتعامل أوربا مع قضايا المهاجرين الأفارقة، الذين تحمل المغرب مسؤولية عبورهم إلى بلدانها انطلاقا من أراضيه، بنفاق عجيب. فمن جهة تضغط على المغرب بشدة مهددة بوقف الإعانات عليه، إلى أن يوقف تسللهم إلى أوربا ويرحلهم بعيدا عما تعتبره «حدودها» الجنوبية (سبتة ومليلية)، مكررة اتهامه ب»التراخي» في التعامل مع ظاهرة المهاجرين. ومن جهة أخرى، تتباكى على نتائج الحملات الأمنية التي ينظمها المغرب وتدينها. ولنفي التهمة عنه، تحول المغرب إلى دركي في المنطقة يمارس سياسة الأرض المحروثة باستمرار، من خلال تنظيم حملات أمنية على مواقع تجمع المهاجرين بنواحي سبتة والناظور على الخصوص للضغط عليهم. نتج عنها سقوط قتلى وجرحى. فوجد المغرب نفسه دائم الاتهام من طرف منظمات دولية لحقوق الانسان باعتباره جلادا للمهاجرين الأفارقة المقهورين. واستمر الوضع على ذلك إلى أن حل خريف 2013، عندما تجاوب الملك مع توصية أصدرها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين، كحل إنساني لحل هذه المعضلة، التي تعتبر مأساة بشرية. ففتحت ابتداء من 2 يناير 2014 وعلى مدى عام كامل «مكاتب للأجانب» في مدن وجهات المغرب، عملت على تلقي طلبات التسوية التي تدفقت علبيها بمعدل 400 طلب يوميا. وفضلا عن منح بطائق الإقامة لمن قبلت طلباتهم، فإن تعهدات اجتماعية عديدة باتت على عاتق الدولة المغربية، من قبيل التكفل بتمدرس ألوف الأطفال الأفارقة المتحدرين من المهاجرين، وتوفير الرعاية الطبية للمهاجرين الذين يوجدون في وضعية قانونية واللاجئين السياسيين، من خلال برنامج (راميد). لكن إذا كان مهاجرو الحواضر على الخصوص قد استفادوا من حملة التسوية الاستثنائية لوضعياتهم، فإن آخرين ما زالوا يعيشون أوضاعا صعبة.
معضلة مهاجري الشرق والشمال
تشير تقارير صادرة عن منظمات دولية تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان إلى أن العديد من المهاجرين الأفارقة يعيشون في معسكرات، وسط غابات تنتشر حول المدن القريبة من الحدود المغربية مع الجزائر ومع مليلية. ويفتقرون فيها إلى الضروريات الأساسية، حيث يعيشون في العراء وينامون في خيام محلية الصنع ويتعرضون للبرد والمطر. ويواجه ذوو الإعاقة منهم على الخصوص مصاعب أكبر في الحصول على الغذاء، والماء، والولوج إلى المراحيض. إذ يجد العديد من المهاجرين أنفسهم، بعد أن وفروا مواردهم الضئيلة للهروب من الفقر، أو الاضطهاد واليأس في بلدانهم، عرضة للإساءة بدلا من أن يجدوا السلامة لدى وصولهم إلى المغرب. وقد وثقت «هيومن رايتس ووتش «حالات تعرضت فيها الشرطة المغربية لهؤلاء المهاجرين بالضرب، وحرمتهم من ممتلكاتهم القليلة، وأحرقت مساكنهم البئيسة، و طردتهم إلى خارج المغرب دون احترام للقانون. وتقول هذه المنظمة الحقوقية الدولية إنه من أجل التسلل من الناظور إلى مليلية المحتلة، فإنه يجب على المهاجرين تجاوز ثلاثة سياجات مرتفعة من الأسلاك الشائكة تفصل المغرب و»إسبانيا». أو أن يركبوا زورقا مطاطيا أو قاربا من أجل مغامرة المياه المغربية إلى مليلية. ويدخل معظم المهاجرين إلى المغرب إما عن طريق موريتانيا أو بعد المرور عبر النيجر ثم الجزائر، من بلدة مغنية الجزائرية. وهم يختارون في الأغلب الاستقرار في المغرب على الأقل مؤقتا، بسبب قربه من أوربا. ويصل العديد من المهاجرين الذين دخلوا المغرب إلى مدينة وجدة. ثم في كثير من الأحيان يسعون إلى الوصول إلى الناظور، التي تقع على بعد 15 كيلومترا من مليلية المحتلة. لكن رحلة حلمهم الطويلة تنتهي في الغالب عند سياجات سبتة ومليلية، حيث تترصد لهم دوريات الحدود المغربية والإسبانية في محيط مليلية وسبتة لمنعهم من الهجرة.. وتتهم منظمات حقوقية وطنية ودولية كلا من القوات المساعدة المغربية والحرس المدني الإسباني باستخدام القوة المفرطة ضد المهاجرين الذين يحاولون دخول سبتة ومليلية، بمن في ذلك الأطفال. وأفاد مهاجرون سبق أن طردوا من المغرب نحو الجزائر بتعرضهم لانتهاك مماثل على أيدي كل من السلطات المغربية والجزائرية، والتي على حد قولهم، استخدمت القوة بما يرقى إلى مستوى الانتهاك لقوانين حقوق الإنسان.
إدريسا.. «أستاذ» فنادق طنجة الذي خدم الملوك والرؤساء
المواطن السنغالي جاء إلى المغرب للدراسة فعاش به أكثر مما عاش في بلده
لم يكن «إدريسا سماكي»، المواطن السنغالي الذي هاجر إلى المغرب من أجل الدراسة، يتصور أن المقام سيطول به في هذا البلد، وأن طنجة ستصبح مدينته الجديدة، التي كون فيها أسرة مستقرة، والتي صار فيها «أستاذا» في أكبر الفنادق، ما أتاح له خدمة كبار الشخصيات، وفي مقدمتهم الملوك ورؤساء الدول.
رحلة دراسة وعمل
إدريسا المزداد في السنغال سنة 1968، قدم إلى المغرب لأول مرة سنة 1991، وكانت وجهته هي أرفود، حيث سيدرس هناك بمؤسستها لتكوين مهنيي السياحة، فكان وقتها الإفريقي الوحيد بين الطلبة المغاربة، ورغم أنه لم يكن يتكلم لغتهم ولا يعرف عاداتهم ولا تقاليدهم، إلا أنه استطاع الاندماج بسهولة، نظرا لطبعه الاجتماعي، الذي دفعه إلى تعلم الدارجة المغربية.ىإدريسا كان متفوقا في علاقاته الاجتماعية وصنع صداقات متينة مع المغاربة، وفي المقابل كان متفوقا أيضا في دراسته، حيث تخرج سنة 1994 على رأس دفعته بميزة حسن جدا، لينطلق في خطواته الأولى للبحث عن عمل، حيث أجرى تدريبات بمؤسسات سياحية بأكادير والدار البيضاء والرباط. إدريسا حاول أيضا الحصول على دبلوم جديد بقيمة أكبر، ليتوجه لأول مرة إلى طنجة من أجل أن يدرس بالمعهد العالي الدولي للسياحة، لكن زيارته الأولى لمدينة البوغاز كانت محبطة حيث إن «تلاعبا» في جداول التسجيلات، كما سماه، حال دون إتمام رغبته، ليعود بعدها إلى الدار البيضاء في 1995، حيث سيجد فرصة عمل في فندق «داوليز»، وسيكتسب خلال 6 سنوات من الممارسة تجربة كبيرة وسمعة طيبة.
العودة إلى طنجة
إن كانت زيارة إدريسا الأولى إلى طنجة غير موفقة، فإن زيارته الثانية ستكون فاتحة خير عليه، وستحوله إلى واحد من أشهر مسؤولي الفنادق الكبرى بالمدينة، ففي 2001، اقترحت عليه إدارة فندق «موفينبيك» طنجة، التابع لسلسلة الفنادق السويسرية العملاقة، الالتحاق بها في 2001، ليشتغل هناك لمدة سنتين تخللتها فترة عمل قصيرة بمنتجع «مارينا سمير» المعروف بالمضيق. وفي طنجة سيتاح له العمل في أعرق فندق بالمدينة، وهو فندق المنزه، الذي التحق به سنة 2012، ليشغل منصب كبير الخدم، وهو أهم منصب خدماتي في الفنادق الكبرى، قبل أن ينتقل إلى قصر «فيلا فرنسا» الفندقي العريق في 2014، المكان الذي سيشرف فيه لأول مرة على خدمة شخصية ملكية بارزة، ويتعلق الأمر بالملك سلمان بن عبد العزيز حين كان وليا للعهد في السعودية.
خدمة الملوك والرؤساء
يقول إدريسا إن عمله الذي أخلص له وأتقنه، مكنه دائما من اكتساب ثقة الإدارات الفندقية الكبرى في طنجة، وهي الثقة التي مكنته من الإشراف المباشر على خدمة الملوك والرؤساء، بداية مع الأمير سلمان، الذي سيصبح فيما بعد الملك سلمان، بل إن تميز إدريسا في عمله سيدفع الملك السعودي إلى جلبه للإشراف على طاولة قصره في طنجة خلال عطلته بها، ثم اقترح عليه الذهاب معه للعمل في قصره بالسعودية، وهو الأمر الذي كان إدريسا على وشك الاستجابة له، لولا أن التزامه الأسري حال دون ذلك، فالمقترح الذي عُرض عليه اقتصر عليه دون زوجته وأبنائه الثلاثة. الثقة الموضوعة في إدريسا من طرف إدارة المؤسسة الفندقية التي يشتغل بها استمرت ونمت، ما جعله المشرف على خدمة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارة الأخير إلى المغرب من بوابة طنجة في شتنبر الماضي، وهي تجربة يقول إدريسا إنه يتذكرها بافتخار كبير، خاصة بعد الإشادات التي نالها.
إدريسا المغربي
كل من يتحدث إلى إدريسا تلفته الدارجة المغربية التي يتحدث بها بطلاقة، وكأنه ازداد وترعرع في أحد أحياء طنجة أو الرباط أو البيضاء، أمر صارحت به «المساء» إدريسا، فكان جوابه أن وراء الأمر سِرَّان اثنان، الأول هو قدرته الكبيرة على الاندماج مع جميع الناس، والثاني هو كونه يعتبر نفسه مغربيا.. «عشت في المغرب أكثر مما عشت في السنغال، وهنا كونت أسرة واستقريت في عملي، لذا أعتبر نفسي مغربيا إلى جانب كوني سنغاليا»، يقول المتحدث. ويشدد إدريسا على أنه كان منذ وصوله إلى المغرب سنة 1991، عمل على نسج علاقات تواصلية جيدة مع المغاربة، ففي أرفود تعرف على ناطقين بالعربية وآخرين بالأمازيغية، وقرر هو أن لا يكون استثناء، فتعلم الدارجة وأتقنها، ثم تعلم اللغة العربية، ورغم أنه يعترف بصعوبة قراءة النص غير المشكول إلا أنه يقول إن أكبر ربح بالنسبة له كان هو تمكنه من قراءة القرآن. في طنجة أسس إدريسا أسرة، حيث تزوج من سيدة سنغالية تعمل مُدَرسة بمدرسة ابن مشيش، وأنجب منها 3 أبناء أكبرهم يبلغ من العمر 18 سنة، وكلهم درسوا في المغرب، ويقول إنه يحاول أن يمكنهم من الحصول على الجنسية المغربية، فيما يعتبر هو نفسه مغربيا ما دام حاصلا على بطاقة إقامة تجدد على 10 سنوات، دون الحاجة إلى الدخول في تعقيدات طلب الجنسية لنفسه وزوجته. إدريسا لا يؤمن بأن عنصرية البعض قد تحول دون الاندماج فهو يصف المغاربة إجمالا بأنهم «الله يْعمرها دار»، ويعتبر كل أجنبي مسؤولا عن تسهيل مهمته في الاندماج أو جعلها صعبة.. «أنا كنت دائما منفتحا على الآخرين وأعمل على كسر الجليد، والمغاربة أناس طيبون، فقط عليك أن تفهم طباعهم وسيفتحون لك قلوبهم»، يقول إدريسا.
بلكندوز: نجاح تسوية وضعية المهاجرين رهين بإصدار قوانين جديدة
في الحوار التالي يفكك د. عبد الكريم بلكندوز، الأستاذ الجامعي والباحث المتخصص في قضايا الهجرة، السياسة الجديدة للهجرة التي اعتمدها المغرب منذ 2013. وهكذا بعد التذكير بالسياسة القديمة القائمة على لعب المغرب لدور دركي أوربا في محاربة المهاجرين، يتوقف بالتحليل النقدي عند أهم محطات السياسة الجديدة والمتمثلة في عملية تسوية وضعية المهاجرين غير القانونيين، التي انتهت في أكتوبر الماضي.
– منذ 2013، اعتمد المغرب سياسة جديدة للهجرة. ما هي العناصر الأساسية لهذه السياسة؟ وما هي أهدافها؟
عندما نتحدث عن سياسة جديدة، فمعنى ذلك أنه كان ثمة من قبل سياسة قديمة. ولمعرفة أهمية وأبعاد أية سياسة جديدة لا بد من الحديث عن السياسة القديمة. لقد كانت المجموعة الاقتصادية الأوربية تعتمد مقاربة أمنية في معالجة قضايا الهجرة، فكانت تدرجها في نفس خانة الإرهاب وتبييض الأموال. وكان المغرب يحضر في اجتماعات مجموعة عمل خاصة ممثلا ب»أم الوزارات» [يقصد وزارة الداخلية، كما كانت تسمى] حيث كان وزير الداخلية حينها إدريس البصري يحضر شخصيا تلك الاجتماعات. وهكذا نجده يقترح في 1999 في أحد تلك الاجتماعات على المجموعة الأوربية، أن تستفيد من المغرب الذي يتميز بتموقعه الجغرافي الفريد، من أجل إشراكه في جهود محاربة الهجرة غير الشرعية. ومن أجل فهم الانشغال الأوربي حينها بالهجرة الإفريقية غير القانونية، ينبغي التذكير بأن حجم المهاجرين السريين انتقل بين 1995 و2000 من 400 مهاجر إلى 11 ألف. لكن الغريب أنه بعدما كان عدد المهاجرين المغاربة يفوق بكثير عدد الأفارقة، نجد الوضع قد انقلب ابتداء من 2003. صحيح أن الرقم ارتفع كثيرا. لكن الوضع لم يبلغ مع ذلك درجة من التدفق تبرر تسميته بالتسونامي، كما فعل البعض. فوزارة الداخلية كانت تقدر أعداد المهاجرين غير القانونيين بحوالي 20 ألفا فقط. وفي 1999، بلغ الأمر بالمجموعة الأوربية أن وجهت المغرب إلى أن يفرض تأشيرة الدخول على رعايا بلدان إفريقية هي السنغال، مالي، جمهورية الكونغو الشعبية، الكوت ديفوار، غينيا كوناكري والنيجر، لاعتقادها بأن من شأن ذلك أن يحد من تدفق المهاجرين. وذلك في خرق سافر للسيادة المغربية، وطبعا تجاهل المغرب الفكرة. ثم عرف الملف تطورات أخرى كثيرة، وصولا إلى اعتماد المغرب سياسته الجديدة للهجرة. ومن أهداف هذه السياسة نذكر ثلاثة. طبعا، الأول هو تنظيم عملية غير مسبوقة في المحيط المغاربي، من أجل القيام بتسوية استثنائية لوضعية الأجانب الذين يوجدون في وضعية غير قانونية إزاء قوانين الهجرة كما يقرها البلد المضيف. والهدف الثاني هو تأهيل المنظومة القانونية في مجالي الهجرة واللجوء، مع التذكير بأن الهجرة المقصودة بالعملية هي تلك التي تتم من الخارج إلى المغرب. ثم الهدف الثالث هو العمل على تسهيل اندماج الأجانب بشكل كامل في المجتمع المغربي.
– ما هي الحصيلة الإجمالية لعملية التسوية؟
لقد تمت عملية تسوية وضعية المهاجرين غير القانونيين بين فاتح يناير و31 ديسمبر 2014. كانت التقديرات المبدئية لحجم المعنيين بالعملية وفق أرقام وزارة الداخلية تذهب إلى أنهم من الممكن أن يصلوا إلى 40 ألف مهاجر في وضعية غير قانونية. لكن بلغ عدد ملفات الطلبات التي تم إيداعها بالضبط 27330 طلبا فقط. كان 70 % منهم رجال و30 % نساء. وخلال المرحلة الأولى لعملية التسوية تم قبول 65 % من الطلبات، أي حوالي 18 ألف ملف مقبول، وشكل السنغاليون الربع بينهم تقريبا، والسوريون 19 %، والمتحدرون من نيجيريا 8،71%، والإيفواريون 8،31 %، الخ. والمثير أن عملية التسوية شملت رعايا حوالي 100 بلد كانوا يعيشون في المغرب في وضع غير قانوني، بينهم أوربيون أتوا إلى المغرب للعمل بدافع من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلدانهم. وأشرف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان على لجنة المراجعة، التي لم تقم بواجبها جيدا. فقد كانت التوصية أن تقبل جميع الطلبات التي تقدمت بها نساء واستجيب لها طبعا. لكن المجلس الوطني لحقوق الإنسان انتظر إلى غاية أواخر أكتوبر الماضي كي يتحرك، ويقوم بقراءة جديدة للمعايير التي على أساسها نظمت عملية التسوية. وفي المحصلة بلغت نسبة الطلبات المقبولة حوالي 92 %، قدمت لأصحابها أوراق الإقامة. وهنا قد نتساءل كيف أن التقديرات الأولية أشارت إلى وجود 40 ألف مهاجر في وضعية غير قانونية في المغرب، بينما لم يتقدم بطلبات التسوية سوى حوالي 27 ألفا. وكيف أنه لم يتم قبول سوى 18 ألف طلب، ثم وقع قبول طلبات أخرى فيما بعد.. ربما أن العملية لم يتم التعريف بها بما يكفي من خلال تنظيم حملة تفسيرية، وربما أيضا أن الذين لم يتقدموا بطلبات تسوية لوضعياتهم ما زالوا مصممين على الهجرة السرية إلى أوربا، أو ربما أن سقف المعايير المحددة كان عاليا..
– ماذا كانت تلك المعايير؟
كانت عملية التسوية تشترط توفر واحد من خمسة معايير، هي: أن يكون صاحب الطلب متزوجا من مغربي(ة) ويعيشان معا منذ سنتين على الأقل. أو أن يكون متزوجا من أجنبية(ة) ومقيما بصفة قانونية في المغرب منذ 4 سنوات على الأقل. أو أن يكون ولدا أو بنتا لأحد المثالين المذكورين. أو أن يكون عاملا أجنبيا متوفرا على عقد عمل فعلي منذ عامين. أو أن يكون أجنبيا ويثبت بالحجة إقامته بشكل متواصل بالمغرب منذ 5 سنوات على الأقل. أو أن يكون أجنبيا مصابا بمرض خطير ودخل البلاد قبل 31 ديسمبر 2014. هكذا نلاحظ بأنه إذا استثنينا معيار المرض، فإن الحالات الأخرى تعجيزية، لأن المطلوب هو تقديم إثباتات لتكوين الملف، من الصعب الحصول عليها. ولذلك كان مطلب المجتمع المدني أن يتم قبول جميع الطلبات المقدمة، ما دام الهدف الأسمى من العملية هو الاندماج. فمبدئيا كل شخص تقدم بملف طلب تكون لديه رغبة في الاندماج في المجتمع. لكن رد المسؤولين عن العملية كان بأن ذلك المطلب ديماغوجي، وبأنهم اختاروا أفضل ما في العالم بعد أن درسوا جميع التجارب الدولية للتسوية. ومع ذلك فإنهم انتظروا حتى أكتوبر 2015 كي يقرروا أخيرا قبول باقي الطلبات، باستثناء بعض الحالات المشكوك فيها التي رفضت. ورغم كل شيء، فإن هذه التسوية لا يمكن مقارنتها مع الوضع السابق ولا مع تعاطي بلدان الجوار المغاربي مع إشكالية الهجرة.
– هل تتماشى هذه السياسة الجديدة للهجرة مع تصورات الاتحاد الأوربي حول الموضوع، أم أنها تعارضها، أو تشكل قطيعة معها؟
خارج التغيير الذي لحق بعض العبارات في خطاب الاتحاد الأوربي، فإن ما يروج له عن إمكانية تسهيل حصول المواطنين المغاربة على التأشيرة لدخول بلدان الاتحاد الأوربي، لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون. فما يبحث عنه الاتحاد في الحقيقة هو جر المغرب إلى التوقيع على اتفاقيتين اثنتين وبشكل متزامن: الأولى تتعلق طبعا بمنح تلك التسهيلات المزعومة، والاتفاقية الثانية وهي الأهم بالنسبة إلى الاتحاد، وتتعلق بإرجاع réadmission ليس فقط المهاجرين الأفارقة من أوربا (باعتبارهم عبروا من المغرب إلى أوربا) ولكن أيضا المهاجرين المغاربة الموجودين في وضعية غير قانونية. إن الاتحاد الأوربي ربما هو نفسه لم يكن على علم بالسياسة المغربية للهجرة قبل الإعلان الرسمي عنها. بل ربما أنها ضد رغبته. فالخطاب الأوربي مزدوج، إذ من جهة يطالب من المغرب أن يلعب دور الدركي في محاربة المهاجرين، ومن جهة أخرى يطالبه باحترام حقوق الانسان. ولذلك باغتهم المغرب بإقرار السياسة الجديدة للهجرة وتنظيم حملة التسوية. حيث نقرأ في ترحيب الأوربيين ازدواجية عندما يصرحون بأن السياسة المغربية للهجرة يمكن أن تندرج، في إطار مفاوضاتهم مع المغرب حول «الحركيةla mobilité «.
– عمليا، ما الذي استفاده المهاجرون السريون من تسوية وضعياتهم القانونية؟
الذين سووا وضعيتهم القانونية حصلوا على بطاقات إقامة مدة صلاحيتها سنة واحدة، ثم يكون عليهم تجديدها. وها قد مر العام وأصبح عليهم تجديدها… أما ما يتصل بوضعيتهم الجديدة فإنه منوط بمنظومة قوانين جديدة لم تصدر بعد. أولا في ما يخص اللاجئين، المغرب صادق على اتفاقية جنيف (1951) وملحقها، لكن لحد الآن ما زلنا نفتقد لمسطرة وطنية لوضع قانون يحدد من هو اللاجئ والشروط التي ينبغي أن تتوفر فيه حتى يعترف له بهذه الصفة. وهو قانون ما زال بانتظار تشريعه. ثانيا، قانون مناهضة الاتجار في البشر. والقانون الثالث يتعلق بإصلاح جذري للقانون (02 -03) المتعلق بالهجرة. والقانون الرابع الذي ينتظر وضعه يخص مناهضة العنصرية وأشكال التمييز.إن إصدار هذه القوانين يعرف تأخيرا كبيرا جدا، بحيث أن هناك قانونا واحدا فقط ما يزال في طور مشروع القانون، وصادقت عليه الحكومة ويتعلق بالاتجار في البشر. أما باقي القوانين الأخرى فما زالت تنتظر أن يتم إصدارها وإدخال المكتسبات الجديدة فيها، انطلاقا مما ينص عليه الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. لحد الآن لم نر بعد أية نتيجة، علما أن المعلن سابقا أن هذا المجهود التشريعي سوف يتم بتشارك مع منظمات المجتمع المدني المعنية بالهجرة. وللأسف لم يحصل ذلك أبدا. إذ لم يتم استشارتها، ولم تصل بعد أية قوانين من التي ذكرنا إلى البرلمان. وحتى ندرك فداحة هذا التأخير الكبير الذي هو مسؤولية حكومية، أشير إلى أنه على أساس تلك القوانين يفترض أن يحصل المستفيدون من عملية التسوية على حقوقهم، وفي مقدمتها تجديد بطائق الإقامة التي سلمت لهم، ويتحدد كذلك من هم اللاجئون، الخ. بالإضافة إلى تلك القوانين الجوهرية، هناك قوانين أخرى في حاجة إلى إعادة النظر، منها قانون الشغل مثلا في الشق المتعلق منه بالعمال الأجانب. وأن يعاد النظر أيضا في قانون الجنسية، حتى يصبح في إمكان من تزوجت من مغربي أو من تزوج من مغربية الحصول على الجنسية المغربية. وإعادة النظر في قانون الجمعيات كذلك.. أعود إذن وأقول بأن هذا الشق القانوني المرتبط بالتسوية يعرف تأخيرا كبيرا بعد عامين ونصف على بدء التسوية، من دون أن تجري مشاورات مع الجمعيات المهتمة. وأصل إلى الشق الثالث من هذه السياسة الهجروية الجديدة والمتعلق بالهدف الأسمى لها، ألا وهو الإدماج الكامل للأجانب، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية، والسياسية، الخ. وهذا ورش يتطلب عملا طويل النفس. إن الوزارة من جانبها قامت بعملها عندما رسمت الاستراتيجية الجديدة للهجرة من الخارج إلى المغرب، وتطورت ببرنامج عمل يهم جانب التمدرس والصحة وغيرها. لكن هذا العمل يتطلب تضافر مجهودات جميع القطاعات المعنية على الصعيد الوطني، باعتباره مشروعا مجتمعيا في إطار التعددية والانفتاح على الثقافات والتلاقح. وعملا بيداغوجيا كي يفهم الناس بأن قرار إدماج الأجانب لم يكن لفائدتهم وضد مصالح المغاربة، بل لمصلحة البلاد. سيما ونحن نعلم أنه كلما عانى بلد من أزمة اقتصادية إلا وحمل الناس مسؤوليتها للأجانب.
– في هذا الإطار، جرى الحديث أخيرا عن تقديم مشروع قانون يجرم بقسوة بالسجن النافذ والغرامة، كل من أتى عملا أو سلوكا فيه تمييز وعنصرية ضد الأجانب. هل يكفي سن قوانين لتغيير العقليات العنصرية؟
القانون مهم لكنه غير كاف. فما زال ينتظر المغرب الكثير من ناحية العمل البيداغوجي من أجل تغيير العقليات والقضاء على العنصرية.
– ما هي الحقوق السياسية التي تمنحها السياسة الجديدة للهجرة للأجانب؟
في هذا الصدد ينبغي التذكير بنقطة إيجابية أتى بها الفصل 30 من دستور يوليوز 2011، والتي تقر للأجانب بالحق السياسي في المشاركة في الانتخابات البلدية بشرط أن تكون في إطار المعاملة بالمثل. لكن مع الأسف أضعنا فرصة الانتخابات الأخيرة، حيث كان من الممكن إشراك أجانب ينتمون إلى بلدان تمنح للمواطنين المغاربة حق التصويت والترشيح في الانتخابات البلدية، رغم عدم حصولهم على جنسياتها؛ مثل بلجيكا وهولندا والدانمارك والسويد، الخ. ومع إسبانيا التي تشترط حق مشاركة الأجانب في انتخاباتها فقط من البلدان التي تتعامل بالمثل. مع الأسف، لم يفتح هذا النقاش. ولمرتين سافر رئيس الحكومة إلى بلدان أجنبية، وجاء في بلاغات صدرت بالمناسبة أنه «يجري التفكير في فتح نقاش» حول مشاركة الأجانب السياسية. ونذكر في هذا الصدد على سبيل المثال، بأن إسبانيا وقعت اتفاقيات مع عدة بلدان من أمريكا اللاتينية بحيث أصبح مواطنوها يشاركون في الانتخابات. إن هذه كذلك مسؤولية حكومية تعرف كثيرا من التعثر.
«سوق السنغال».. عندما تنتقل القارة الإفريقية إلى قلب الدار البيضاء
يساهم بيد عاملة مهمة تشتغل في الحلاقة والتجارة والتجميل
بالقرب من ساحة باب مراكش في مدينة الدار البيضاء، وداخل تلك الأزقة الضيقة العتيقة التي تنبعث منها رائحة التقاليد والعراقة، تتراءى لك الوجوه الإفريقية، التي تجلس بجنبات الزقاق أو تأخذ لها مكانا في محلات تجارية خصصت لبيع جملة من المنتوجات القادمة من بلدان جنوب الصحراء، الموز المجفف، العسل، الزيوت، السمك المقدد، البخور والتوابل الإفريقية الحارة، أنواع من الصابون والمراهم والكريمات التي تحمل علامة صنع في إفريقيا، ومنتوجات أخرى تقبل عليها الراغبات في تسمين مناطق معينة من الجسم. وأنت تتجول في السوق الذي تحول من سوق نموذجي يستغله المغاربة، إلى سوق إفريقي بامتياز، تلاحظ أن حضارتين تلاقحتا، الحضارة المغربية التي تتجلى في اللباس التقليدي المغربي ومجموعة من الأزياء الأخرى فضلا عن مجموعة من الديكورات المغربية الأصيلة والحضارة القادمة من جنوب الصحراء والتي تتجلى في اللباس والمأكولات والحلي وغير ذلك. فالسوق الذي يقول المتتبعون أثبت فشله في احتضان الباعة المتجولين المغاربة، الذين كانوا يستغلون ساحة الباب الكبير بباب مراكش بالدار البيضاء، نجح في احتضان مهاجرين قدموا من دول جنوب الصحراء، ليحولوا السوق إلى مكان ازدهرت فيه التجارة الإفريقية حتى ظن الزائر له لأول مرة أنه في قلب دولة إفريقيا، حيث أصبح الأفارقة القادمون من غينيا، بوركينافاسو، الكامرون، كوديفوار، سنغال… إلى البيضاء لا يجدون أي صعوبة في العثور على منتجات بلدانهم، فكل ما اعتادوا عليه متوفر وبكثرة في السوق الذي يسميه المغاربة سوق «السنغال» سواء تعلق الأمر بنمط لباسهم أو حلاقتهم.
الجمال الإفريقي
مجموعة من النساء المغربيات يجلسن فوق كراسي خشبية، أثثت ذلك الزقاق، في منظر يثير للوهلة الأولى الصدمة من رؤيته، فالعادة هو أن للتجميل صالونات خاصة وظروف خاصة، غير تلك التي تراها بسوق «السنغال»، في صف طويل تصطف المغربيات مانحات وجوههن للإفريقيات من أجل تجميلها بما اشتهت النفوس من كحل ونتف الحواجب وتركيب الرموش، زيادة عن ضفر الشعر وتطويله، وكل ماله علاقة بالتجميل في السوق مرغوب ومحبوب وله زبونات وفيات. فإذا كان تقليم الأظافر في الصالونات يبلغ ثمنه 150 درهما تقريبا فإنه في ذلك المكان لا يتعدى 50 درهما وتقوم السيدة إلى حال سبيلها، وليس هذا فحسب، بل في المكان ذاته تقوم بائعات الجمال الإفريقي، بإخضاع الراغبات في إزالة الرؤوس السوداء لحمامات بخار، وحمامات للشعر بأقل تكلفة وكل ذلك في الهواء الطلق أمام مرأى المارة الذين تأقلموا مع تلك المشاهد وأصبحت في نظرهم جد عادية.
وسط ذلك الزحام إحدى الإفريقيات، تدعى «كافي»، أوضحت أن المغربيات يفضلن المجيء لهذا المكان نظرا لجودة العمل الذي يقمن به من جهة ولقلة التكلفة بالمقارنة مع صالونات التجميل التي تتواجد في العاصمة من جهة أخرى، أما إحدى المغربيات فقد نوهت بعمل الإفريقيات، وقالت «يدهم خفيفة وتيتقنوا خدمتهم والثمن مانقلش ليك». وإذا كانت الزبونات اللواتي يقمن بتجميل وجوههن في هذا المكان لا يتخوفن من تداعيات ذلك على صحتهم فإن موسى سراج الدين وهو فاعل جمعوي دق ناقوس الخطر، وأكد في تصريح ل«المساء» أن السماح لمثل هذا النوع من التجارة بالتطور والازدهار، يهدد الصحة العامة للمغربيات ويساهم في نقل الأمراض، على اعتبار أن تلك الأماكن لا تخضع للمراقبة، وتستعمل فيها مواد تضر بالصحة كاستعمال «الكولا العادية» لتركيب الرموش، في الوقت التي تستعمل كولا متخصصة لهذا الغرض في الصالونات.
سوق من نوع خاص
تمكن الأفارقة من استغلال محلات السوق النموذجي الذي كان مخصصا في بداياته للمغاربة من أجل القضاء على ظاهرة «الفراشة»، لكن سوء أحوال السوق وعدم ملاءمته لمتطلبات الباعة جعلته فارغا لمدة طويلة إلى أن تحول للدجاجة التي تبيض ذهبا، بعدما بدأ الأفارقة باستغلال بعض محلاته وأضحوا يجنون الملايين من خلال تجارتهم بهذا السوق، الذي زاد إشعاعه وأصبح يجتذب السياح الأجانب والأفارقة، فقد أثبتت الأيام يقول «كمارا» شاب من غينيا، أن السوق النموذجي أصبح سوقا حقيقيا استقطب تجارا من السنغال ومالي وبوركينافاسو وغيرها من الدول الإفريقية التي يهجرها أبناؤها بسبب ظروف اجتماعية واقتصادية، فيقصدون المغرب كمحطة للعبور من أجل الوصول إلى أوربا، لكن الكثير استقر بهم المقام وفضلوا المغرب، خاصة بعدما وجدوا كل متطلبات العيش متوفرة على حد قوله. هذا السوق الذي يضم زوارا وتجارا يبحثون عن شيء خاص من الحنين لبلدهم الذي هجروه إما طوعا أو كراهية، أصبح المغرب يستفيد من يده العاملة، «هاتنكا « وهو موظف جاء من الكاميرون، ليستقر بالمغرب، دعته ظروف الهجرة إلى المجيء للعمل من أجل توفير لقمة للعيش آمنة بعدما أنهكته الأزمات والحروب في بلاده، «هاتنكا» يدير متجرا للهواتف النقالة وبرامج الكامبيوتر في السوق الإفريقي، قال «وجودنا لا يعني أننا نربح مالا كثيرا، فنحن نريد فقط العمل حتى لا نسقط في فخ الهواجس السلبية».
وعن أكلته المفضلة داخل السوق قال بأنها عبارة عن سمك مقدد يقوم بإدخاله في فرن تقليدي ليطهى السمك على البخار فقط ، قبل أن يقدد، ويبقى صالحا للاستهلاك سواء بإعادة طهيه أو يمكنك تسخينه فقط وهذا النوع متواجد بالسوق بكثرة ويقبل عليه المهاجرون الأفارقة.
هذا السوق هو سوق من نوع خاص، بسبب البضاعة التي تروج داخله، فالمنتجات التي تتواجد به لا يمكن أن تجدها في أي مكان غيره، من فواكه إفريقية، لحوم مجففة وزيوت وبخور وعطور وألبسة وحلي، إنه فعلا سوق مختلف يقول «خالد»، وسبب اختلافه راجع إلى أن التجار به يتكلمون لغة مختلفة، وحتى شجارهم مختلف، مؤكدا أنه يعرف صديقا يشتغل بهذا السوق، وأنه كافح من أجل الحصول على عقد كراء من لدن صاحب المحل، حيث اشتغل في البداية بائعا متجولا في مركز المدينة، يبيع الساعات والهواتف ليصبح اليوم تاجرا في سوق السنغال الذي أصبح لدى المهاجرين الأفارقة منجم ذهب، في الوقت الذي ينظر له التجار المغاربة نظرة تذمر وسخط لأنه تسبب في كساد تجارتهم ورحيل عدد من التجار إلى مناطق أخرى بعدما لم يعد أحد يلتفت لما يبيعونه من سلع مادام هناك مثلها بثمن أفضل. هذا السوق يقول الفاعل الجمعوي، موسى سراج الدين، هو تابع لمجلس مدينة الدار البيضاء، وتشرف عليه مقاطعة سيدي بليوط، وقد تم تخصيصه في الأول من أجل احتواء ظاهرة الباعة المتجولين، فأخذه المغاربة وبدأو بكرائه للأفارقة حتى تناسلت المحلات التي من بينها محلات «تروج لأعمال السحر والشعوذة» وكل ذلك يجري في علم السلطات التي تغض الطرف عن مثل هذه الممارسات. وأكد أن هذا السوق اختير له أن يكون واجهة المدينة القديمة الدالة على تلاقح الحضارات وتقبل المغاربة للأفارقة، في الوقت الذي استغل البعض ذلك وأضحى يقوم بترويج مواد منتهية الصلاحية يتم إدخالها عبر الحدود، فضلا عن مأكولات يتم بيعها وسط غياب شروط السلامة الصحية وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام يضيف المتحدث.
هجرة داخل الوطن
أصبح المغاربة يشكلون قلة قليلة في سوق السنغال، يقول أحد التجار، السوق ضيع فرصة الاستثمار أمام أبناء المدينة الذين يعانون الويلات بسبب ظاهرة «الفراشة» وفتح أبوابه أمام المهاجرين الأجانب من دول جنوب الصحراء الذين يروجون سلعهم بأثمنة تتفاوت بين الغالي والرخيص، موضحا أن ثمن كراء المحلات يتراوح بين 2000 و4000 درهم حسب موقع المحل، مؤكدا أن صالونات الحلاقة، تلقى إقبالا من طرف المغاربة بفضل نوعية الحلاقة المختلفة التي يقوم بها الأفارقة سواء تعلق الأمر بالرجال أو النساء، موضحا أنها تتراوح بين 50 درهم إلى 500 درهم. وأضاف أن من استطاعوا الصمود أمام هذا الزحف الإفريقي كما وصفه هم بائعو الهواتف النقالة والملابس وبائعو السمك، أما ما تبقى فقد رحل إلى وجهة مجهولة بحثا عن رزق أوفر.
فالمغاربة أصبحوا غريبين عن المكان، بملامحهم، التي لا تدل على الرضا من الوضع بقدر ما تعبر عن سخط وتذمر منه، وقال إن المنافسة «غير الشريفة» هي التي دفعت بالعديد من الشباب إلى القيام بما يشبه هجرة جماعية إلى محلات السوق، حيث فضلوا كراءها مقابل مبلغ مالي أو بيعها في أحسن الأحوال. وأشار إلى أن السلع الإفريقية التي يتم عرضها في المحلات والدكاكين لا يتحمل التجار مشاق جلبها من بلدانهم وإنما هناك أشخاص آخرون هم من يتكلفون بذلك، بحيث في كل مرة يلمح سيارة كبيرة متوقفة بالقرب من أحد الفنادق، محملة بسلع يتم جلبها من بلدانهم وفق شروط قانونية، بحيث تخضع للمراقبة من طرف العناصر الجمركية. من جهته أوضح عبد المولى مجاهيد، وهو رئيس جمعة السوق النموذجي بالمدينة القديمة، أنهم اعتادوا تواجد الأفارقة في هذا المكان، بحيث أنهم أضحوا يشعرون أنهم في قلب القارة الإفريقية، مشيرا إلى أن السوق يتوفر على 220 محلا تجاريا، 70 في المائة منها يستغلها أفارقة من جنوب الصحراء. وأوضح في حديث مع «المساء» أن الأفارقة يحظون بإقبال لا منتهي من طرف المغاربة رجال ونساء، وذلك بسبب الجودة المتوفرة والتي لا تقل عن نظيرتها المغربية، فالأفارقة استطاعوا إعادة الجاذبية للسوق الذي مازال مشكل تدبيره قائما ولم يتم فك العقدة مع الشركة التي أسندت لها مهمة تدبير وتسيير السوق، لكي يدخل السوق في قاطرة التنمية.
المغرب يسوي وضعية 26 ألف مهاجر ينتمون لأزيد من 100 جنسية
مكنت عملية تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين فوق التراب المغربي من معالجة وضعية حوالي 26 ألف مهاجر، من بينهم أزيد من 4500 لاجئ سوري، وفق ما كشف عنه أنيس بيرو، الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة. المثير في هذه العملية هو عدد جنسيات المستفيدين من تسوية الوضعية القانونية، حيث كشفت معطيات رسمية أن الأمر يتعلق بأزيد من 100 جنسية. وفي مقدمة المستفيدين يوجد مهاجرون ينتمون لدول السينغال وسوريا ونيجيريا وساحل العاج. سياسة المغرب في مجال الهجرة، والتي تعتمد على برامج عمل تشمل التكوين والتشغيل والصحة والتعليم والسكن والمساعدة الاجتماعية وغيرها، جاءت بعد التشخيص الذي قام به المجلس الوطني عند إصداره للتقرير الذي حمل عنوان «الأجانب وحقوق الإنسان بالمغرب: من أجل سياسة جديدة في مجال حقوق الإنسان والهجرة». هذا التقرير جاء بسلسلة من التوصيات منها، في المجال الخاص بالتشغيل، دعوة المقاولات إلى الامتناع عن تشغيل الأشخاص الموجودين في وضعية غير قانونية، والعمل على تسوية وضع المستخدمين الموجودين في الوضعية نفسها. كما أوصى بضمان المساواة في المعاملة من حيث الأجور والحقوق الاجتماعية.
وأطلقت الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات برنامجا أوليا من أجل مساعدة المهاجرين الذين تمت تسوية وضعيتهم على البحث عن عمل، فيما سيخضع آخرون للتكوين والإدماج السوسيو-مهني وفق الكفاءات التي يتوفرون عليها، خاصة أن بعضهم ينتمي لفئة «الأطر»، كما هو الشأن بالنسبة لبعض المهاجرين السوريين. من جهته كشف مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الرباط، ضمن معطيات أفاد بها «المساء»، أن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء بلغ إلى غاية 31 دجنبر 2015 ما مجموعه 5478 شخصا. ويتعلق الأمر ب3908 من اللاجئين والأشخاص الذين هم في حاجة إلى «حماية دولية»، منهم 2619 من جنسية سورية، و461 يمنيا و276 من ساحل العاج، و143 من الكونغو الديمقراطية، و132 من العراق، إلى جانب 41 فلسطينيا، فيما لازال 1570 طلبا قيد الدراسة. وحسب المعطيات ذاتها فإن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تتكلف بدعم اللاجئين في مجالات مختلفة. وهكذا يستفيد 870 شخصا من مساعدات مالية شهرية، فيما تم إخضاع 170 لاجئا خلال سنة 2015 لتكوين مهني ودعم في مجال الأنشطة المدرة للدخل. ويصل مجموع الدعم الذي تمكنت المفوضية من الحصول عليه لتغطية عمليات في سنة 2015 إلى 4.17 مليون دولار.
أفارقة طنجة وفرص الشغل.. من التجارة وصولا للجريمة
لم يعد أحد يستطيع إنكار أن المهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، وفي مقدمتهم غير النظاميين، أصبحوا جزء من تركيبة المجتمع المحلي، وكتلة فاعلة في المجال الاقتصادي، وعاملا من عوامل التنوع الثقافي في مدينة معروفة بفتح ذراعيها للأجانب على مر تاريخها. وأفارقة طنجة ليسوا بالطبع نسخة واحدة، فآمال كل مجموعة تختلف عن الأخرى، كما يختلف سبيل كل منهم في اكتساب لقمة عيشه، ففي مدينة البوغاز يوجد أفارقة يعتبرون المدينة فضاء لحياة جديدة يطبعها الاستقرار مهما بلغت بساطة العمل، وآخرون يعتبرونها محطة لأفق يرونه أرحب، لكن هناك أيضا من وجدوا في الانحراف والجريمة، وحتى «السيبة»، ضالتهم وأسلوب حياتهم المريح.
وظائف من لا شيء
يجمع الطنجيون على أن للمهاجرين الأفارقة قدرة كبيرة على «التأقلم» مع اقتصاد المدينة، فإن لم يتمكنوا من إيجاد فرصة عمل مع مؤسسة أو شخص ما، تكون التجارة طريقهم، وبأسلوب غير معهود. في سوق «كاسبراطا»، الكيان الاقتصادي النابض جدا في طنجة، يصطف عدد كبير من المهاجرين والمهاجرات على امتداد السور الخارجي للسوق، عارضين سلعهم المختلفة، من إكسسوارات زهيدة الثمن، وأدوية يقولون إنها تعالج كل آلام المفاصل، مرورا ببيع الأثواب والرسوم الإفريقية ووصولا إلى الهواتف النقالة زهيدة الثمن. بين رواد السوق، يتجول «أمادو» بثوبه الإفريقي عارضا بضاعته على الزبائن مجتهدا في الحديث بالدارجة المحلية، ليشرح لهم أن تلك العبوة الصغيرة في يده، المزركشة بالأبيض والأخضر، والتي لا يتجاوز ثمنها 20 درهما، هي في الحقيقة «علاج سحري» مكون من الأعشاب الطبيعية ينهي كل آلام الظهر والمفاصل. أمادو الشاب العشريني الذي أتى إلى طنجة قبل سنتين في رحلة طويلة ومضنية جزء غير يسير منها كان سيرا على الأقدام، ينفي عن نفسه تهمة «النصب» ويؤكد أن المرهم الذي يبيعه «مجرب وفعال»، بل يقول إن أشخاصا اقتنوه منه وعادوا ليشكروه على تخليصهم من آلامهم. إلى جانب آمادو هناك المئات من الأفارقة الآخرين الذين يشتغلون بالطريقة نفسها، ويستطيعون إقناع الناس باقتناء سلعهم، بإبراز مميزاتها أحيانا وباستخدام لغة الاستعطاف أحيانا أخرى، فيجدون بالفعل مشتريا، كما هو الحال مع عز الدين، الذي اقتنى لتوه أثاثا إفريقيا، فالرجل لا يخفي إعجابه بتلك المنحوتات الخشبية، أو البلاستيكية المطلية بلون الخشب على وجه الدقة، غير المألوفة، لكنه أيضا لا يخفي عطفه على المهاجرين، ويرى في امتهانهم التجارة وابتعادهم عن التسول أو السرقة سببا كافيا لدعمهم.
مصدر ثقة
كثيرا ما تكون كلمة السر في تعامل المواطنين في طنجة مع المهاجرين الأفارقة هي «الثقة»، فكثير من هؤلاء صنعوا لأنفسهم «سمعة اقتصادية» طيبة على الرغم من بساطة المهن التي يحترفونها، بالإضافة طبعا إلى مطالبهم المالية الزهيدة. أمام أحد الفضاءات التجارية الكبرى المعروفة في طنجة، ابتكر «علي» المهاجر القادم بشكل غير نظامي من ساحل العاج، وسيلة غير مألوفة لكسب رزقه، تمثل الثقة عمودها الفقري، فعلي يقوم بعرض خدماته على الزبائن خاصة التجار وأرباب المطاعم الذين يقتنون سلعهم من هذا المكان بالجملة، حيث يقوم بنقل بضائعهم من بوابة السوق إلى سيارات الشحن. عمل علي يستلزم مجهودا كبيرا، لكنه أيضا يتطلب ثقة كبيرة، فالضمانة الوحيدة التي تجعل المتعاملين معه يثقون في أنه لن يسرق أو يتلف شيئا من تلك المشتريات هو علي نفسه، الذي لم يسبق أن خان ما أتمن عليه، حسب ما يؤكد أحمد، وهو صاحب مقهى، الذي يؤكد أنه أحيانا يسلم مفاتيح سيارته الخاصة بنقل البضائع لعلي، كي يضع بها المشتريات، متأكدا من أن هذا الشاب الذي سبق أن تعامل معه، جدير بالثقة. يقول علي إن «عمله» هذا مؤقت، فالدراهم التي يجنيها طيلة اليوم غير مضمونة، فأحيانا يستطيع توفير بعضها لأيام الشدائد، وأحيانا لا يكفيه مدخوله لتغطية مصاريف يومه، لذلك فإن علي ينتظر أحد أمرين، إما أن تتعزز «ثقة» المغاربة فيه أكثر فيجد عملا مستقرا بأجر مقبول، أو أن تأتيه فرصة للهجرة صوب الضفة الأخرى.
الاشتغال في الممنوع
قبل عشر سنوات كانت الصورة المرسومة في مخيلة الطنجيين عن الأفارقة غير النظاميين الذين استقروا بالمدينة، تتلخص في كونهم أشخاصا مغلوبين على أمرهم حالمين بحياة أفضل ومستحقين للتعاطف، بمعنى آخر، كانت نظرة الناس تجاههم إيجابية بشكل عام، لكن الأمر بدأ يتغير نسبيا في العقد الأخير، وصار الحذر واجبا في التعامل معهم، خاصة بالنسبة لحاملي بعض الجنسيات التي ارتبط أصحابها بالجريمة والاتجار في الممنوعات. كثيرة هي الحالات التي رسم فيها المهاجرون غير النظاميين صورة سلبية عن أنفسهم، باختيارهم العمل خارج القانون، بل وفي مجالات يصنف التورط فيها ضمن الجنايات الخطيرة، إذ صار بعض الأفارقة تجارا للمخدرات وآخرون فتحوا أوكارا للدعارة، فيما حول بعضهم محلات تجارية محتلة إلى حانات. وفي طنجة، صار المهاجرون غير النظاميين الحاملين للجنسية النيجيرية مرتبطين بشكل وثيق بتجارة المخدرات القوية، وفي مقدمتها الكوكايين، حيث استطاعت مصالح الأمن المحلية من ضبط عدة حالات، أشهرها في 2014، حين ضبطت في شقة بشارع السلام، يقطنها نيجيريان، 4 كيلوغرامات كاملة من الكوكايين، في إحدى أكبر العمليات المتعلقة بهذا النوع من المخدرات خارج البوابات الحدودية للمدينة.
ومن المجالات الأخرى غير القانونية التي يشغل فيها بعض المهاجرين النظاميين نجد الدعارة، والتي كانت من بين أسباب اندلاع احتجاجات سكان مجمع العرفان الشهيرة، ففي أبريل من العام الماضي خرج العشرات من المغاربة القاطنين بالمنطقة إلى الشارع في مسيرة أبدوا فيها غضبهم من تفشي الفساد بحيهم، قائلين إن العديد من الشقق والمحلات التجارية التي كان يحتلها المهاجرون تحولت إلى أوكار للدعارة وإلى أوكار لتعاطي الكحول والممنوعات.
يؤجرون ما لا يملكون
عمليات احتلال الشقق والمحلات بمنطقة العرفان نفسها، كانت مجالا خصبا لجني الأموال بالنسبة لعدد من المهاجرين، الذين كانوا يحتلون تلك الفضاءات مستغلين تواجد ملاكها بالخارج وغياب الحراسة بالحي، ثم يقومون بتأجيرها لمهاجرين غير نظاميين آخرين، ولا غرابة أن يأتي صاحب الشقة فجأة فيجد أزيد من 10 مهاجرين يتجولون فيها بكل حرية. هذه العمليات كانت سببا رئيسيا في وقوع مآسي بمجمع العرفان، حيث دفع شبان أفارقة حياتهم خلال احتجاجات السكان، والتي غالبا ما كانت تنتهي بمواجهات وبتدخل السلطات الأمنية بالقوة، وطبعا بخسائر كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة، وهو الأمر الذي تم وضع حد له في فاتح يوليوز الماضي حين تم إخلاء المجمع من محتلي الشقق والمحلات التجارية، وجرى نقلهم إلى مراكز الإيواء في مدن أخرى ثم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، لتطوى صفحة مشؤومة من تاريخ استقرار أفارقة جنوب الصحراء بطنجة.
يانغا: المهاجرون الأفارقة يتعلمون الدارجة المغربية لتسهيل اندماجهم
بالنسبة إلى فرانك يانغا، ممثل العمال الأفارقة في المنظمة الديمقراطية للشغل، فإن آفاق الاندماج في المجتمع المغربي انطلقت بالنسبة إلى المهاجرين، مع اعتماد المغرب لسياسة تسوية أوضاعهم. وذلك على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي تواجههم.
– أنت تمثل العمال الأفارقة داخل مركزية نقابية مغربية. لو تشرح لنا في البداية كيف أتتكم فكرة الالتحاق بهذه النقابة..
نحن ننتمي فعلا إلى النقابة الوحيدة في المغرب التي تضم أفارقة. لقد عشنا معاناة العمال الأفارقة فقررنا أن ننشئ إطارا نقابيا يمثلهم ويدافع عن قضاياهم، غير أن القانون المغربي للأسف لا يسمح للأجانب بتكوين نقابات خاصة بهم، ويسمح لهم في المقابل بالانخراط في نقابات مغربية. ومن حسن الحظ أن نقابة المنظمة الديمقراطية للشغل قبلت انضمامنا إلى صفوفها. وهكذا التحقنا في 2012 بهذه المركزية النقابية، بغرض تمثيل العمال الأفارقة في المغرب والدفاع عن قضاياهم. ومنذ 2013 أقر المغرب كما تعلمون سياسة جديدة للهجرة، بمبادرة من الملك محمد السادس. وهذه السياسة أعطت دفعة جديدة لقضايا الهجرة، حيث تمت التسوية القانونية لإقامة المهاجرين بالمغرب في 2014. وفي 2015 انطلقت عملية إدماجهم..
– في هذا الإطار، ما هو تقييمك لسياسة تسوية الوضعية القانونية التي استفاد منها المهاجرون الأفارقة؟
لقد بدأت الأوضاع تتحسن شيئا فشيئا عما كان عليه الأمر في السابق. وانتقل المغرب مع السياسة الجديدة للهجرة التي تبناها، من بلد عبور للمهاجرين إلى بلد إقامة واستقرار لهم. ولذلك فالحصيلة إيجابية. المغرب بلد شاب في الديمقراطية، ما زال يبحث عن نفسه. لكنه قطع مع ذلك خطوة لا بأس بها. لا يمكن الزعم بأن الوضعية وردية، فلا يزال الكثير مما ينبغي عمله. لكن عموما، مع السياسة الجديدة للهجرة هناك تحولات كبرى نلاحظها كل يوم.
– طيب. من منطلق قربك اليومي من المهاجرين الأفارقة، هل يمكن لك أن ترسم لنا صورة تقريبية لهم؟ ما هو متوسط سنهم؟ مستواهم الدراسي ومؤهلاتهم المهنية؟ مجالات اشتغالهم؟
المهاجرون الذين نتعامل معهم قدموا من بلدان إفريقية عديدة، ويعملون في قطاعات مهنية متنوعة. فهناك من يشتغلون في الزراعة والصيد البحري في أقصى الجنوب المغربي (العيون والداخلة). ومنهم من يعمل في قطاعات البناء، وقطاع المخابز والحلويات، والصناعة التقليدية. والمهاجرون يفضلون أكثر الأعمال الحرة حيث نجدهم بكثرة بائعين جائلين، نصادفهم في مدن كبرى كالرباط والدار البيضاء مثلا. أما متوسط عمر أغلب المهاجرين الأفارقة النشيطين فيتراوح بين 20 و35 عاما. أما بالنسبة إلى بلدانهم الأصلية، فإن أغلب المهاجرين الأفارقة الذين نتعامل معهم سنغاليون. ليس بينهم كثير من أصحاب الشهادات العليا صحيح، لكن جزءا كبيرا منهم لديهم حد أدنى من التعليم من مستوى الباكالوريا. وهناك أيضا من لديهم فقط مستوى تعليمي ابتدائي، وآخرون لم يتمدرسوا أبدا.
– بعبارات واضحة، ما الذي تغير في حياة المهاجرين الأفارقة بعد تسوية وضعيتهم القانونية؟
لقد نتج عن العملية تسوية وضعيات 92 % من أصحاب الملفات المقدمة في مجموع المغرب بإجمالي يصل إلى 25 ألف مهاجر إفريقي. وضمن خطط التسوية الموعودة هناك عدة محاور، بينها استفادتهم من دروس في اللهجة المغربية [الدارجة]، وكذا من التكوين المهني، تمهيدا لإدماجهم في الشغل قريبا. ولهذا السبب أصبح هؤلاء المهاجرون غير راغبين في الهجرة إلى أوربا، حيث يقولون بأن المغرب بلدهم الثاني ويأملون الاستقرار فيه في أفق أن يصبحوا مواطنين مغاربة على الأمد البعيد. من قبل لم يكن ذلك متصورا، لكن الآن مع السياسة الجديدة للهجرة ترتسم في الأفق إمكانية تعايش المغاربة مع المهاجرين. فالمغرب بلد متعدد الأعراق والحضارات، والتطورات الجارية تجعلنا نأمل في حصول مزيد من الاندماج للأجانب.
– كيف هي الوضعية الحالية للعمال الأفارقة في المغرب؟
لا أخفيك أن المشكل الأكبر الذي نتابعه حاليا باهتمام وقلق كبيرين في إطار نقابتنا، يرتبط بعمل المهاجرات كخادمات في البيوت. فهن يقمن بأعمال التنظيف لدى مغاربة ولدى أجانب مستقرين بالمغرب، ويتعرضن أثناء ذلك لخروقات تمس حقوقهن الإنسانية، من قبيل العمل في ظل ظروف مزرية حيث يتم احتجازهن، وعدم دفع أجورهن. إن وضعية المهاجرات تقلقنا لأنها تتسم أكثر بالهشاشة مما هي عليه أحوال الرجال. أكثرهن يشتغلن في قطاع التنظيف ménage، وقليل منهن يعملن في مراكز النداء أو في التجارة.
– ضغط الاتحاد الأوربي طويلا على المغرب من أجل إقامة معسكرات استبقاء للمهاجرين الأفارقة. ما هو تصوركم لهذا المشروع الأوربي؟
لم تكن أبدا هذه الفكرة الأوربية محط ترحيب من المهاجرين، على اعتبار أنه لا يكفي أن يتم جمع المهاجرين في مراكز إيواء وتركهم لحالهم. بل ينبغي بعد ذلك تدبير مجمل وضعهم الاجتماعي وتلبية حاجاتهم اليومية. ونحن نعلم بأن المغرب لا يتوفر على الإمكانيات لتنفيذ هذا القرار فوق أراضيه، على النحو الذي يراه الاتحاد الأوربي. فهذا الأخير يسعى فقط إلى وقف تدفق اللاجئين إلى داخل بلدانه. ولو أنه وفر للمغرب الوسائل الضرورية لقام بتنظيم المهاجرين في ظروف جيدة. لكن أن يتم جمع المهاجرين في شروط غير إنسانية فهذا غير مقبول. ولو توفرت الوسائل لهذا المقترح الأوربي لاستطاع إنقاذ عدد من المهاجرين الذين يعيشون في ظل ظروف كارثية حاليا. مثل أولئك الذين يوجدون في شمال المغرب ويتعرضون لعدة تجاوزات من طرف الشرطة، التي تحاول دفعهم في كل مرة إلى مغادرة مخيماتهم، بدل مساعدتهم على الاندماج. ولذلك لم نتوقف نحن في منظمتنا (النقابية) عن مطالبة الحكومة المغربية باستقدام أولئك المهاجرين الذين يعيشون في مخيمات بشمال المغرب إلى المدن، من أجل تمكينهم من العيش في شروط إنسانية. لقد زرنا أخيرا وجدة والناظور ووقفنا على أوضاع المهاجرين المأساوية هناك في هذا الفصل الشديد البرودة، حيث يعيش أطفال ونساء حوامل بدون توفر الحد الأدنى من الشروط الإنسانية. فهم محرومون من كل شيء. إن هذا الوضع مؤلم جدا. وعلى الحكومة المغربية أن تتكفل بهؤلاء الأطفال. لقد سألنا بعض المهاجرين عن سبب بقائهم هناك، فأخبرونا بأنهم ليس مرحب بهم في الناظور. ولأنهم يواجهون مشاكل عند محاولتهم دخول المدينة، فإنهم يجدون أنفسهم مضطرين للبقاء في مخيماتهم المنعزلة في الغابات. والحال نفسه يتكرر في وجدة وطنجة. وعندما فتحنا معهم حوارا حول أوضاعهم أخبرونا بأنهم لا يتوفرون على الإمكانيات المالية التي تسمح لهم بكراء بيوت للسكن واقتناء ما يحتاجون إليه من مستلزمات العيش. ولذلك فهم مضطرون للبقاء في مخيماتهم البئيسة. نحن كإطار جمعوي مدني نعرف حقيقة البلد المضيف ونعلم بأن المغرب يفتقد إلى الإمكانيات المالية الكافية لتحسين شروط عيش جميع المهاجرين الذين يعيشون فوق أرضه. لكن نأمل خيرا مع سياسة الهجرة الجديدة التي أقرها المغرب، في أن تتحسن الأحوال إن شاء الله بدعم من الشركاء الوطنيين والدوليين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.