عندما أطل كبير قياديي الحزب المعلوم من على منصة قناة العربية "بنقطة نظام" في ضل تواري الأمين العام لحزبه ، في برنامج خاص يشرح فيه كيفية معارضته للملك ، تذكرت طلتَه السابقة في إحدى القنوات اللواتي تفرخن بشكل مُهول بعد الثورة المصرية المجيدة ، وخُصوصا تلك التي لا تمل من استعمال كلمة الرئيس المعزول ،ولا تمل من قذف العسكر بالكلام المعسول ، حتى ينال مالكوها من رجال الأعمال الحظوة والسطوة والقَبول المعقول . يومها كان المذيعُ المحاور فائق الكرم في سك المديح الكثير لضيف مصر الكبير ، وفي زهوٍ ظاهر وبكلام عابر أكثر المُحاضر من التكلم بإسم تجربة الاستثناء المغربي فجاء كلامه خَلٌيطٌ كله خلطٌ وتخليٌطٌ ، حتى ضن الجميع أن المتكلمَ حُمل على أكتاف الشارع المغربي إلى باب السفراء بدل صورته التي حُملت في شارع محمد الخامس عشية 20 فبراير تطالبه بالرحيل . غير أن الملاحظة التي كانت بارزة لحظتها ،هي هاته الإطلالة الإعلامية من بلاد تعيش مرحلة انقلابية للحديث عن مغرب يعيش نقلة استثنائية في مسار التحديث والديمقراطية ، لكن المثير وأكثر، هو الحرص على منبر إعلامي " قناة المحور " المعروف عنه الارتباط بشبكة رجال الأعمال الدين أعلنتهم الثورة المصرية رموزا للفساد الاقتصادي والسياسي ، واتضح من بعد أنهم أحد أقوى الأسلحة التي استعملتها الثورة المضادة، فكان سلاح المال والإعلام . حتى قال الجنرال الانقلابي أن الرأي العام في مصر يتشكل بالإعلام . وما من شك أن السياسي الفاعل تكون له الكثير من الشواغل، أو على حد وصف صحفي العربية " رجل كل الفصول " ، أقلها أن يشرف بنفسه ميدانيا وتنظيميا على مسيرة 8 مارس الخاصة بحقوق النساء والتي تحولت فجأة إلى مسيرة سياسية . أما شواغله الأساسية فلا تخرج عن أربع ،مع بعض الزيادات حسب الظروف . فعند تتبع بروفيلات السياسيين ذوي العقلية المافيوزية نجد اشتغالهم في أربع مجالات أساسية متداخلة بشكل مُريب رغم أنه ليست بينها روابط منطقية لا من قريب ولا من بعيد . من هنا نستغرب من وجود أربع هويات لازمة ومشتركة عند السياسي المافيوزي وهي : الاقتصاد ثم السياسة ثم الإعلام وأخيرا الرياضة والأندية الكروية ، وربما تكون تسمية "الجريدة يومية " التي يتم التحضير لها من طرف هذا الفاعل هي " أخر ساعة " على غرار التسميات المصرية، بتكلفة سابقة في المشهد الإعلامي المغربي تفوق 100 مليون درهم ، والتي حتما كالسابقات عنها ممن تفرخن عشية ( مجلة ألان ، مجلة هسبريس ، جريدة الناس الخ… ) تشكيل حكومة بن كيران ، وأعلن دون سابق طلب أنهُن ضد الحكومة ، وهن المفروض فيهن الموضوعية والحياد ، فكن بلا قِوام ولا مُقام . بل لغط وطنطنة مرت مرور غير الكرام. ولنا في صورة "سلفيو برلسكوني " السياسي المثير في ايطالية تجلي حقيقي للسياسي المافيوزي الذي تتهمه المحاكم الايطالية بعلاقات تربطه مند سنة 1993 بشبكة المافيا بصقلية التي مولت حملته الانتخابية وضمنت له الولوج على بساط اليُسر إلى البرلمان ثم إلى رئاسة الحكومة ، ثم نجد نفس الشخص يدير أكبر شبكة إعلامية خاصة في ايطالية تملك أكثر من 15 قناة والعديد من الجرائد الخاصة والرجل ذاته هو مالك أقوى أندية ايطالية فريق ميلان . هل كل هذه الاهتمامات مُجرد مصادفة عابرة أم هي منهجية اشتغال يعتمدها السياسي المافيوزي ، فهل من الصدفة أن نجد الرجل المعلوم حكيما في "الهاكا" من دون خبرة إعلامية سابقة، ثم تروج شائعات عن ملكيته ل50 بالمائة من أسهم الإذاعة الخاصة المتمركزة في شمال المغرب . هو الرجل نفسه الذي يترأس فريق كان في القسم الثالث ثم فجأة انهالت عليه عروض المستشرين حتى صعد إلى القسم الأول من البطولة الاحترافية المغربية ، هو الرجل عينه الذي جاء ذات يوم مشمس إلى قصر المؤتمرات في الصخيرات ودلف إلى قاعة الانتخابات ، وزكى دون حرج الرئيس الجديد للجامعة المغربية لكرة القدم ، ولم يتساءل أحد هل الرجل مؤتمر أم لا ؟؟؟ … الرجل لا يكف عن استغلال السوانح من الفرص ، خصوصا تلك المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية ولو بصفة غير رسمية . فلم يجد أدنى حرج من استغلال صفة رئيس البرلمان المغربي في ملتقى إفريقي بأديس أبابا ، ثم يُشرف بنفسه عبر الكثير من البهرجة الإعلامية على مصالحة فلسطينية عسيرة توجها بصورة الصلاة المنسوبة إلي قبة الصخرة بمدينة القدس ، وعلى نفس الخط مضى يعمق الصداقة المغربية الامريكولاتينية ، ليختتم كل هذا المجهود الدبلوماسي باستقطاب وفد من الحزب الحاكم بجنوب إفريقيا حتى تلين العلاقات الجافة بين البلدين المختلفين حول القضية الوطنية . لم يجد الرجل أية غضاضة في مُهاجمة الحزب الحاكم بالمغرب الذي في نظره يستغل المرجعية الدينية التي هي مرجعية كل المغاربة دون تمييز ، مثلما لم تَتعرق جبهَته خجلاً وهو يرفض أن يصنف نفسه ضمن الأعيان ضدا على أغلب أعضاء الحزب الذي يتزعمه ،بالرغم من ركوبه لسيارة BMW 4/4 ، وسكنه في فيلا فسيحة بأرقى أحياء الرباط ، بل دنا إلى المجال التداولي للسنة النبوية ينهلُ منه ما تيسر ليستر به سوءته ، فقال دون أن يَرفَ له خفنٌ : أنا لست من الأعيان أنا من فقراء المغرب… ابن محمد الفقيه وخديجة صاحبةُ الدجاج …