جلالة الملك يهنئ رئيس هنغاريا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    صفعة جديدة للانفصاليين .. اليابان تتمسك بموقفها الرافض للاعتراف بالكيان الوهمي    ثورة الملك والشعب : ترابط دائم وعهد متجدد        للمرة الثالثة: الموقف الياباني من البوليساريو يصفع الجزائر وصنيعتها.. دلالات استراتيجية وانتصار دبلوماسي جديد للمغرب    وزير الدفاع الإسرائيلي يصادق على خطة السيطرة على غزة    المساعدات الإنسانية إلى غزة.. بفضل نفوذه الشخصي والمكانة الخاصة التي يشغلها، جلالة الملك هو الوحيد القادر على قيادة مثل هذه المبادرات (كريستوف بوتان)    تورّط زوجة رئيس الوزراء الإسباني في قضية فساد جديدة    وفاة بورمانوف نجم البث المباشر بفرنسا بعد تعرضه للإذلال والعنف أمام الكاميرا.. النيابة العامة تفتح تحقيقًا    مدرب تنزانيا: مواجهة المغرب في الشان مهمة معقدة أمام خصم يملك خبرة كبيرة    أكادير.. توقيف شخص هاجم جاره وزوجته بالسلاح الأبيض بعد انتشار فيديو للعنف    إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد    أمين عدلي ينتقل إلى الدوري الإنجليزي في صفقة ضخمة    إيزاك يخرج عن صمته: "فقدت الثقة بنيوكاسل ولا يمكن للعلاقة أن تستمر"    تخليق الحياة السياسية في المغرب: مطمح ملكي وحلم شعبي نحو مغرب جديد.    المغرب يسخر طائراته "كنادير" لمساندة إسبانيا في حرائق الغابات    عيد الشباب .. الاحتفاء بالالتزام الملكي الراسخ تجاه الشباب، المحرك الحقيقي لمغرب صاعد    إيران تهدد باستخدام صواريخ جديدة إذا عاودت إسرائيل مهاجمتها    تمهيدا لتشغيل الميناء.. إطلاق دراسة لاستشراف احتياجات السكن في الناظور والدريوش        ذكرى ثورة الملك والشعب .. جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 881 شخصا    المغرب يعزز مكانته كقوة إقليمية في قلب التنافس الدولي بالصحراء والساحل    المغرب يكرس ريادته الإنسانية والدبلوماسية عبر أكبر دعم إغاثي مباشر إلى غزة بقرار ملكي        إدارة سجن طنجة 2 تنفي مزاعم تصفية نزيل وتوضح أسباب وفاته    كيوسك الأربعاء | المغرب يحتفظ بالرتبة 22 عالميا في مؤشر أداء الاستثمار الأجنبي المباشر    مبابي يقود ريال مدريد لتحقيق أول انتصار في الموسم الجديد    هذه تفاصيل المسطرة الجديدة لمراقبة الدراجات بمحرك باستعمال أجهزة قياس السرعة القصوى    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    حجز 14 طنا من البطاطس بتطوان قبل توجيهها للبيع لانعدام شروط النظافة والسلامة    البطولة الإحترافية 2025/2026: المرشحون والوجوه الجديدة ومباريات الجولة الأولى في إعلان MelBet    جمعية باقي الخير تستنكر منع شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة من دخول فضاء ألعاب بطنجة بدعوى أنها "قد تُخيف الأطفال"    حفل استقبال بهيج: مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والثقافي والاجتماعي والرياضي تستقبل أطفال القدس الشريف    بدر لحريزي يفوز بمنصب ممثل كرة القدم النسوية في عصبة الرباط سلا القنيطرة    تكريمات تسعد مقاومين في خريبكة    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    كزينة ونجوم الراب يشعلون الليلة التاسعة من المهرجان بحضور جماهيري قياسي    تداولات بورصة البيضاء تتوشح بالأحمر    التصنيف الائتماني للمغرب.. تقرير يوصي بشفافية البيانات وتنويع مصادر التقييم    الرجاء الرياضي يطوي صفحة النزاعات    السودان يصل ربع نهائي "الشان"    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    أسعار الخضر والفواكه تسجل انخفاضا في أسواق المملكة    تخمينات الأطباء تقادمت.. الذكاء الاصطناعي يتنبأ بموعد ولادة الأطفال بدقة عالية    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مآل الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي
نشر في الرأي المغربية يوم 20 - 02 - 2014


الربيع الديمقراطي: السياق والدلالات
لقد أبانت ثورات الربيع العربي عن مقدرات الأمة في تغيير واقعها وعدم القبول بوضعية الذل والمهانة التي طبعت الفضاء العمومي العربي الراكد ردحا من الزمن، حتى ظنت بعض النخب المنفصلة عن ديناميات المجتمع العميق أن الأمة لم يعد معول عليها في عملية التغيير، إلا أن رياح الربيع الديمقراطي أسقطت هذه المسلمة وأثبتت مركزية وفاعلية المجتمعات والشعوب في مغالبة أنظمة الفساد والاستبداد، وكان منها – أي النخب – أن نعتت هذه الثورات بالفجائية، لتحيل في العمق عن عقم الأوهام النظرية والمعرفية التي كانت تؤطر وعي النخب بطبيعة الواقع، وعقم أدوات تحليلهم وافتقادهم للفهم الدقيق الذي يمنحهم القدرة على التنبؤ بآفاق هذه المجتمعات وبنياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية. كما نعتها البعض بأنها ثورات شبابية في نوع من الاختزال لطبيعة النسق المجتمعي العام. ولعل حدوث هذه الرجات الثورية التي هزت أركان الأنظمة الاستبدادية والمقولات التقليدية والأنماط النظرية البالية التي كانت تؤطر فهمنا للواقع، لهي أكبر دليل على أن التاريخ قد تشكل خارج وعي النخب وأن الحالة الثورية التي لازالت ممتدة في الزمان والمكان هي أكثر تعقيدا وتركيبا من اختزالها في بعد واحد، وأن الشعوب العربية والإسلامية لها من القدرة على التجاوز والانتفاضة ما فاق حتى الرؤى الأكثر تفاؤلا بخصوص الوضع العربي والإسلامي في هذا الشأن.
ثلاث ديناميات حكمت سيرورة الربيع الديمقراطي بالمنطقة
الدينامية الأولى: ثورات عميقة بشعار "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية"
وهي دينامية الدخول في الزمن الثوري، وتجنيد الكتلة الحرجة من عموم شعوب المنطقة بمضامين واضحة، قد ابتدأ في جل الحالات بالمطالب الاجتماعية، لكن تصلب عدد من الأنظمة وسقوطها في خطأ العنف والتقتيل أدى بشكل طبيعي إلى رفع سقف المطالب إلى ما هو سياسي، انتهى بالمطالبة بإسقاط رأس النظام، وهذا يعني أنه في العمق لم تكن المطالب الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بلقمة عيش الناس ومتطلباتهم في مجال الصحة والتعليم والشغل، لم تكن منفصلة عن المضمون السياسي، ففي وعي الناس ارتبطت المطالب المعيشية بالإصلاحات السياسية، والتي لخصها عنوان "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية"، وما يقتضيه هذا الشعار من إصلاحات جذرية تعيد رسم ملامح الأنظمة من جديد، وفق مقتضيات دولة الحق والقانون التي تنصف جميع أبناء الوطن، عوض استفادة الأقليات المتغلبة في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري بمنطق الريع، على حساب الفئات العريضة من أبناء المنطقة، بحيث أضحت المطالب الاجتماعية من قبيل الصحة والتعليم والشغل، مطالب تقتضي إصلاحات سياسية، تفضي إلى توفير هذه الضرورات بمنطق الدولة الخادمة للمواطن، كما هو الحال بالنسبة لقضية الأمن الذي كان وما يزال في عدد من الأقطار كأداة من أدوات التحكم والضبط الاجتماعي عوض أن يكون خدمة تقدم للمواطنين ومطلبا اجتماعيا لعموم الناس.
وقد كانت المحصلة الأساسية لهذه الدينامية هي الوحدة الموضوعية والمبدئية لمعظم التيارات الأساسية للأمة من تنظيمات إسلامية وتيارات إيديولوجية وفكرية متباينة وعلماء ومثقفين، حيث كان المطلب المبدئي على الأقل واضحا، في ضرورة إسقاط الاستبداد المتمثل في رأس النظام كما هو الحال بخصوص (تونس ومصر وليبيا واليمن) أو الدخول في زمن الإصلاح والقطع مع إرث الزمن الاستبدادي والتحكمي كما هو الحال نسبيا بخصوص (المغرب والأردن...).
في العموم قد تختلف الآراء والتقييمات حول هذه الدينامية وتفاصيلها، لكن لا نظن أنه سيقع الاختلاف في كونها قد خلقت أرضية جديدة للاشتغال سواء بالنسبة للتيارات الأساسية للأمة أو النخب أو حتى بعض الأنظمة التي أبدت رغبة في دخول زمن الإصلاح، بحيث تكثفت مطالب هذه اللحظة في مطلب التنمية السياسية بما هي منصة إطلاق بعيدة المدى لباقي السيرورات التنموية بالمنطقة.
الدينامية الثانية: من زمن الثورة إلى زمن الإصلاح
من بين الرهانات الأساسية التي حكمت هذه الدينامية هي مدى قدرة قوى الإصلاح الديمقراطي الصاعدة على تمثل أهداف الثورة ومحاولة التسريع بعمليات الإصلاح والدخول في سيرورة الانتقال الديمقراطي والتأسيس لمقاصد الربيع الديمقراطي في قضايا تدبير السلطة والثروة، بحيث يصبح الشعب مناط السلطة والسيادة، ولا إرادة تعلو فوق إرادة القانون، والحرية أسمى القيم السياسية التي ينبغي مأسستها دستوريا حتى تتمكن الأمة من مراقبة حكامها ومحاسبتهم وعزلهم إن اقتضى الأمر. والتأسيس لمجتمع العدل والمساواة، بما يحفظ كرامة المواطنين، ونبذ الريع وإنتاج الثروة وإعادة توزيعها، ورعاية قيم التعددية والاختلاف، عوض منطق الإقصاء والإقصاء المضاد. كل هذا انعكس في مرحلة التأسيس ما بعد زمن الثورة، من خلال سيرورة وضع الدساتير وعملية الانتخابات، وما واكبها من نقاشات فكرية وإيديولوجية عميقة، بين مختلف التيارات السياسية والإيديولوجية، خاصة مع صعود الإسلاميين في أكثر من قطر، الشيء الذي دفع بالنقاش إلى حدوده القصوى مثلته أحيانا حدة التقاطب كما حصل في الحالة المصرية على سبيل المثال، في غياب الوعي بحساسية المرحلة الانتقالية وما تقتضيه من ارتقاء بالقيم السياسية نحو مزيد من قبول الاخر والشروع في بناء الدولة ومؤسساتها من منطلق الشراكة بين جميع الحساسيات والتيارات.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار ضعف الخبرة الثورية للأمة وأثر ذلك على بناء المشاريع القومية الجامعة التي تعكس روح المجتمعات العربية والإسلامية وخصوصيتها الثقافية وانتمائها الديني والحضاري، سنجد بأن زمن الإصلاح شابته عدد من المعيقات الذاتية والموضوعية، جعلت من إمكان القول بوضوح ملامح مشروع الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي، إمكانية صعبة، حيث تأثرت بشكل أو بآخر بحالة الاضطراب العام التي تعقب عمليات التغيير العميقة، خاصة وأن جل الثورات التاريخية المعروفة عرفت هي الأخرى نفس الشيء مع اعتبار الفارق، فثورة عام 1991 المؤيدة للديموقراطية في روسيا أعقبتها سنوات من الفوضى الاجتماعية والاقتصادية، كما أدّت ثورة عام 1789 في فرنسا إلى سنوات من الصراع الداخلي.
الدينامية الثالثة: الربيع الديمقراطي والثورة المضادة
هذه الدينامية تتجسد بشكل أساسي في موجة الارتداد على منجز الثورة والربيع الديمقراطي بشكل عام، ومحاولة إرباك سيرورة الانتقال الديمقراطي بالمنطقة، عبر تحالفات داخلية بين بنيات المصالح بالنسبة للأنظمة القديمة، وتحالفات خارجية بين الأعداء الإقليميين والدوليين لعملية الدمقرطة بدول الثورات وزمن الإصلاح. وإذا تعددت وتباينت الخصائص النوعية لكل تجربة على امتداد الإقليم العربي، فإن محاولة الإرباك ظلت بجوهر وبمضمون واحد ألا وهو الارتداد على ثمار الربيع الديمقراطي ومحاولة إغلاق قوسه، وقد تجسدت هذه الدينامية عبر الانقلاب العسكري الذي حصل في مصر، وموجة الاغتيالات التي وقعت في تونس، وعملية التشويش والإرباك الممنهج لعملية الإصلاح في المغرب، وغيرها من عمليات الحصار للمد الديمقراطي في القطر العربي. ولعل من أبرز الأهداف لهذه الثورات المضادة هي النزوع نحو خلق أجواء من الفوضى من أجل تبرير عودة السلطوية وأركان الأنظمة الديكتاتورية وكأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.
وعلى الرغم من أن الربيع الديمقراطي جاء بالأساس لإعادة ترتيب البيت الداخلي للدول التي عرفت ثورات أو انطلق فيها مسلسل الإصلاح، فقد كانت له أيضا تداعيات على مواقع الدول الإقليمية والدولية والتي جاء الربيع الديمقراطي ضدا على مصالحها الاستراتيجية، الشيء الذي جعلها داعمة لموجة الثورات المضادة سواء بشكل صريح ومعلن كما هو الشأن مع السعودية ودول الخليج التي دعمت ولا تزال الانقلاب العسكري أو بشكل غير معلن مثل أمريكا وغيرها من الدول.
آفاق الربيع الديمقراطي وأسئلة المستقبل:
إذا كانت أبرز سمات الربيع الديمقراطي هو الفجائية وتفلته عن التوقع والتنبؤ، فإننا يمكننا أن نقول نفس الأمر عن ماَلاته، بحيث يصعب استشراف المستقبل اليوم في ظل القصور المنهجي والنظر المعرفي حول ديناميات البنيات الاجتماعية بمجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهو نفس القصور الذي حال دون توقع الحالة الثورية التي عمت المنطقة. وهو الأمر الذي يدعونا جميعا اليوم إلى خلق فرصة للنقاش المعرفي والتأمل الفكري العميق في سيرورة الربيع الديمقراطي بما له وما عليه، ومآلاته وآفاقه المستقبلية، بما يفضي إلى بلورة عناصر أولية لنموذج تفسيري قد يسعفنا في فهم ماذا يجري اليوم في الأوطان العربية، وإدراك مقاصده الجامعة التي من شأنها أن تشكل أرضية لاجتماع مختلف التيارات السياسية والإيديولوجية بالوطن العربي، ومحاولة تركيب مشروع قومي جامع للأمة بمقتضى هذه المقاصد تحقيقا لقيم العدل والحرية والاستقلال.
*باحث بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.