الذهب يسجل ارتفاعا قياسيا بدعم من توقعات خفض الفائدة وضعف الدولار    بلجيكا تعلن أنها ستعترف بدولة فلسطين وستفرض "عقوبات صارمة" على إسرائيل        الرباط تحتضن مؤتمرا دوليا حول دور كرة القدم كرافعة للتنمية الاستراتيجية    طقس حار في العديد من مناطق المملكة اليوم الثلاثاء    مراكش.. قلق حقوقي من اختلالات بنيوية تهدد حق التلاميذ في التعليم بجماعة سعادة    سماعة طبية معززة بالذكاء الاصطناعي تكتشف أمراض القلب في 15 ثانية        المغرب يعزز قوته الجوية بصفقة لاقتناء مروحيات "كاراكال" متعددة المهام    بكين تحتضن للمرة الأولى "سباق زايد الخيري".. حدث عالمي يجمع الرياضة بالإنسانية        ألمانيا تُجرّب حافلات ذاتية القيادة في 15 مدينة        بطولة انجلترا: الفرنسي كولو مواني ينتقل لتوتنهام على سبيل الإعارة    سابقة في طنجة.. إغلاق زقاق سكني وتحويله إلى مطعم أمام أعين السلطة والسكان يستغيثون    صيف 2025 الأشد حرارة في بريطانيا منذ 1884            المغرب يختبر تجربة رائدة بألواح شمسية عائمة للحد من تبخر المياه وتوليد الطاقة النظيفة    العصبة المغربية تستنكر وصف ساكنة الريف ب"الأوباش" وتدعو النيابة العامة للتدخل    كرة قدم: باير ليفركوزن يحسم صفقة المغربي إلياس بن صغير    وفاة حسن كمون رئيس "المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف" وأحد أبرز الوجوه الحقوقية في المغرب    أبرز صفقات اليوم الأخير في سوق الانتقالات    إحباط محاولة تهريب أزيد من ألف مفرقعة بميناء طنجة المتوسط    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع أداء إيجابي    المغرب، مركز استراتيجي للتعافي بعد الكوارث بالنسبة للشركات الأوروبية    ارتفاع صادرات الفوسفاط المغربي بنحو 21 في المائة    قضية "الراعي الصغير"..القضاء يؤجل الملف إلى 11 شتنبر ويوجه تهمة القتل العمد لمجهول    بصفقة 32 مليون يورو.. المغربي إلياس بن الصغير ينتقل من موناكو إلى باير ليفركوزن    آني إرنو: الجهل بالأدب العربي في الغرب يحرمه من «نوبل»»    من روايات الدخول الأدبي الفرنسي L'Homme qui lisait des livres .. رشيد بنزين عن غزة: «لا يمكن استعمار المتخيل»    حنان البيضاوية تطلق أغنية جديدة بعنوان «ولاد بلادي» بلمسة عصرية    الإخوان المسلمون والحلم بالخلافة    بعد أن كلف إصلاحه حوالي 360 مليار سنتيم .. ملعب طنجة الكبير سيكون جاهزا نهاية شتنبر    دراسة جديدة تكشف أن عقول المصابين بالتوحد منظمة بشكل مختلف        الأوقاف تعلن موعد أداء مصاريف الحج للائحة الانتظار من 15 إلى 19 شتنبر    ليالي العام الهجري    أرادوها متأخرة فبقيت مزدهرة    انتخابات 2026.. حزب الكتاب يقترح ثورة هادئة في القوانين الانتخابية            الرئيس الصيني يدعو إلى فهم تاريخ الحرب العالمية الثانية ويستنكر عقلية الحرب الباردة والتنمر الدولي        انتخاب مكتب جديد لجمعية "عدالة"    جماعة الحوثي تشيّع القادة القتلى    الملكية وتد ثبات الأمة وإستمرار الدولة المغربية    دخول القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي حيز التنفيذ    الذكرى 88 لانتفاضة 'ماء بوفكران' محطة وازنة في مسار ملاحم الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال    زلزال بأفغانستان يخلف أكثر من 800 قتيل وأزيد من 2700 جريح    دعاء اليحياوي.. نجمة صيف 2025 بامتياز… تألق كبير في كبرى المهرجانات المغربية…        منع منتجات تجميل تحتوي على مادة TPO السامة        جديد العلم في رحلة البحث عن الحق    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة والحوار بين السمع والإنصات
نشر في اليوم 24 يوم 17 - 08 - 2018

إن علاقات الناس مع بعضهم البعض تتحدد، كما هو معروف، بطريقة استماعهم وإنصاتهم إلى بعضهم البعض. ونعلم أن أكثر الخلافات بين المتكلمين والمتلقين تنجم عن الاكتفاء بالاستماع، دون الإنصات الواجب لفهم خطاب المتكلم في مختلف مراميه وأبعاده، وتعدد وقائعها، والتعامل معها بمرونة، لأن اكتفاء المخاطَب بالاستماع تتولد منه غالبا ردود أفعال تنفيسية، قد لا تتجاوزها إلى فهم حقيقي للمراد. أما الاستماع المصحوب بالإنصات فينتج عنه إدراك المنافع والمصالح المشتركة، وتستخلص من التحاليل العقلانية لمفردات لغة المخاطِب، وربطها باستحضار نتائج تجارب سابقة. وسيتم حينئذ تغليب الجوانب البرغماتية المتضمنة في خطاب الآخر. شرط ألا يتحصن المتكلم، وخاصة إذا كان مسؤولا، بلغة التفوق والإملاءات، أو ما سميناها في مقال سابق ب"لغة الخشب". وبذلك يتحقق احترام مقولة "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" على أرض الواقع. وقد عبر أحد الساسة الإنجليز على المسألة بقوله: "إن الخلافات بين الأوروبيين يتم تفهمها وتجاوزها بفضل الإنصات لبعضهم البعض خلال لقاءاتهم الثنائية، أو المشتركة في مؤتمراتهم الأوروبية". مما لا شك فيه أن الاختلاف في الرؤى، وتعارض بعضها البعض، هو ثراء إيجابي لتوليد أفكار وحلول مبتكرة نافعة للجميع في حدودها الأدنى على الأقل، ودفع للعقول إلى مزيد من الاجتهاد. وتلك خاصية كل مشروع يهدف إلى تحقيق التوازن والوئام الإيجابيين بين الحاكمين والمحكومين، شركاء الوطن، وحتى في العلاقات الدولية بين مختلف الأمم والدول؛ فغياب إنصات الدول في مفاوضاتها لبعضها البعض، بطريقة جيدة وبمنهجية الاعتماد المتبادل، يؤِدي إلى مزيد من التوجسات والانغلاق، وازدياد السحب الداكنة في سماواتها. ونستخلص مما تقدم، أن الاكتفاء بالاستماع لما يقال، في غياب الإنصات الجيد، تنجم عنه ردود أفعال غالبا ما تكون سلبية، وقد تكون انتقامية أحيانا. فيتعطل كل ما يمكن أن يدرج تحت مظلة المصداقية وإنجاز الوعود؛ وتسود علاقة أعضاء المجتمع بمسؤوليه وهيئاته الإدارية لغة التنابز وتبادل التهم، وضبابية المستقبل الآمن؛ ما سيؤدي إلى معاكسة ما تزعم تلك الهيئات والإدارات على أنها جاءت لتحقيقه؛ وإلى فساد العلاقة بين المواطنين والمسؤولين على شؤونه؛ فتضيع مصالح الناس. وفي مستوى الأحزاب، التي تفترض أن مهمتها الأولى تكمن في تأطير أفراد المجتمع، والدفاع عن السلم الاجتماعي الجماعي، إلا أن تحقيق ذلك لا يتم في غياب إنصات الأحزاب لمناضليها أولا، ولبعضها البعض ثانيا، وفي غياب تكامل الأهداف والغايات في خطاباتها، بعيدا عن لغة الهيجان اللفظي المستعملة في آليات الدفاع عن شعاراتها وإيديولوجياتها. ونعلم أن هناك أنواعا من لغة الحوار ومراتبها، نذكر منها في هذا المقام ما يلي: أولا، لغة الحوار الانفعالي، الذي تعكسه المواقف الانفعالية، وهو أدنى مرتبة في سلوك صاحبه، لعجزه أو لعدم قدرته على الإنصات لفهم الخطاب وما يجري حوله، فيتصرف بانفعال كالطفل، أو كالشخص البدائي. ولذا يقول علماء النفس: إن المنفعل يتصرف دون قامته. ثانيا، لغة الحوار العاطفي، وهي بلا شك أرقى من لغة الانفعال، لكنها لا تبلغ مستوى التفاهم الفعّال بين المختلفين في الرأي. ويمكن تلخيص وظيفتها في أنها لغة الانتماء التاريخي والهوياتي، ولغة التعاطف غير المشروط لجهة ما، والولاء التام للقبيلة الاجتماعية أو الحزبية، أو لطائفة المصالح، والانحياز الكامل لملة ما أو إيديولوجية معينة. ثالثا، لغة الحوار العقلي، وهي لغة تقوم على تحليل عناصر الخطاب بموضوعية وباستنتاج ما يلزم؛ لغة تقوم على إزاحة الغموض وتفكيك الألغاز الواردة في كلام المخاطِب، لغة قصدية توظف في التقدم الاجتماعي والاقتصادي والمعرفي والتكنولوجي؛ لغة الإقناع في المجتمعات المتحضرة والأنظمة الديمقراطية. لكنها تبقى لغة جافة، إذا لم تُليّن بنعومة العاطفة. وإذا كانت اللغة الانفعالية لغة الحماسة الغضبية، ولغة العواطف لغة الولاء غير المشروط، والانحياز إلى خيارات معينة، فإن لغة العقل هي لغة الكشف عن مجاهيل الخطاب وتجاوز المسلمات. خاصة عندما تتغذى من العاطفة وتتوج بالحكمة.
علي الإدريسي

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.